الاثنين، 6 ديسمبر 2010

حكيم روحانى حضرتك

      عالم الأرواح عالم كبير وعجيب تكتنفه الأسرار والغموض ؛ فالسحر وتسخير الجان والتنجيم كانت ولا تزال من الأشياء التى شغلت أذهان الناس قديما ً وحديثا ً مما أتاح الفرصة لكثير من المشعوذين ممن يطلقون على أنفسهم أطباء روحانيين لينصبوا شباكهم حول السذج من الناس ممن يصدقون هذه الخرافات. وقد ظل سؤال يراودنى دائما ً ولا زلت أبحث له عن إجابة دون جدوى : هل هناك حقا ً أرواح تعالج وتداوى وتجرى جراحة وتقوم بدور الطبيب ؟ وما هى حقيقة الطب الروحانى؟ هل لجأ إليه الناس بعد أن يأسوا من الطب التقليدى ؟
      
     للإجابة عن هذا السؤال قررت أن أقتحم ذلك العالم المجهول. كانت البداية عندما سمعت من إحدى الصديقات عن مكان  للعلاج الروحانى والحجز بميعاد سابق ،  وكان علىَّ أن أكتب علتى أو شكواى فى ورقة ثم أرسلها عبر البريد أولا ًثم بعد ذلك يحددون لى ميعاد الزيارة.. وفى الموعد المحدد ذهبت بصحبة بعض أقاربى ، كان المكان موحشا فقد اشترط الحكيم الروحانى أن يتم العلاج ليلا ً فهذا هو الوقت المفضل للأرواح لتعمل فيه بهمة ونشاط .

     وفى شارع  ضيق بأحد الأحياء الشعبية الفقيرة يقع المنزل الذى يقطن فيه ذلك الحكيم المزعوم.. كانت فرائصى ترتعد من الخوف وأنا أطرق الباب ، وعندما فُتِحَ لنا الباب رأيت امرأة فى الأربعينيات من عمرها ، بادرتنا بابتسامة خفيفة ثم قالت : اتفضلوا. كانت دارها صغيرة متواضعة ، أدخلتنا فى حجرة صغيرة وبعد أن تعرفت منى على ملامح مرضى العامة وشكواى ، جاءت سيدة وأطفأت الأنوار وقالت لى : "غمضى عينيكِ وتخيلى أنكِ ترين أمامك الآن مجموعة من الأطباء يقفون فى حجرة العمليات ليعالجوا مرضك" ؛ ففعلت فلم أرَ شيئا ً!! فأخذت تقرأ بعض آيات من القرآن الكريم ثم سألتنى : ماذا ترين ؟ فأقول : لا أرَ شيئا ً ؛ فتعيد قراءة ما سبق من آيات ثم تسألنى نفس السؤال فأعيد الإجابة فتكرر القراءة مرة أخرى دون جدوى إلى أن فاض بها الكيل وأحسست أنها تضايقت فقررت أن أطاوعها فادعيت أنى أرى أمامى أطباء فى غرفة العمليات كما طلبت منى فتهللت أساريرها وقالت : "الله أكبر ربنا يفتح عليكى أهه كدة الكلام" ، ثم استرسلت فى سؤالها فقالت : "الدكاترة عملوا إيه ؟ طلعوا من بطنك سحر ولا إيه ؟ إذا كان اللى عندك سحر إرفعى إيدك اليمين وإذا كان عضوى أو أى حاجة تانية ارفعى إيدك الشمال. فلم أرفع أيا ً من يدىّ فقالت :"ليه مارفعتيش إيدك ؟" قلت : "لأنى مش عارفة" فقالت بغضب :"إزاى مش عارفة ؟ أرجوكى ساعدينى حاولى تتخيلى معايا" ثم عاودت قراءة القرآن من جديد لكن ذلك لم يغير من الأمر شيئاً ، وأوهمتها أنى معمول لى عمل وأن هذا العمل موجود أمام عتبة بيتنا وتظاهرت بالبحث عنه.

    وبعد قليل دخلت علينا الحجرة سيدة كانت مصابة بدوالى فى الساقين وفضلت قبل أن تذهب للطبيب أن تاتى لاستشارة هذه المرأة فلربما كان السبب فى ذلك غضب الأسياد أو الأرواح الشريرة.. ولا أعرف كيف أقنعتها هذه المرأة بأنى الآن فى حضرة الأرواح وأستطيع أن أصف لها العلاج ؟ هكذا فهمت من طريقة كلامها بأسلوب غير مباشر. وفى تلك اللحظة كادت ضحكة كبيرة تنفلت منى كتمتها بصعوبة وعندما دخلت هذه المرأة جلست أمامى والحجرة ما تزال مظلمة وأنا مغمضة العينين ، ثم قالت لى المرأة :"قولى لها يا نرمين إذا كان مرضها هذا علاجه عند الأطباء أم عندى ؟ (تقصد علاجا ً روحانيا ً) فأخذت أتخيل نفسى الشيخة نرمين المكشوف عنها الحجاب وأشفقت على السيدة المسكينة أن تقع فى براثن هؤلاء النصابين فقلت لها ما يمليه علىَّ ضميرى  متمادية فى التمثيلية الكوميدية التى بدأت منذ قليل: "أنت حالتك محتاجة طبيب". كادت المرأة تُجَن فقد كانت تريدنى أن أقول لها عكس ذلك أى أن العلاج عندها فعضت على شفتيها من الغيظ ولسان حالها يقول : "انتِ طلعتى لى منين النهاردة ؟" وانصرفت المريضة منفرجة الأسارير وهى معتقدة تمام الاعتقاد فى صدق ما أقول ولحقت المرأة  بها لتحاول إقناعها أن علاجها عندها بالأرواح دون جدوى.

   ظهر الضيق على وجه المرأة وهى تجفف عرقها بمنديل أبيض كبير وكادت تجهر لنا به لولا خشية افتضاح أمرها فآثرت السكوت على مضض. فى تلك اللحظة كدت أنفجر من الضحك وخشيت أن تتفلت منى ضحكة هنا أو هناك  رغما ً عنى ، فأشرت إلى أقاربى بالنهوض ومغادرة المكان وكانت الأنوار قد أضيئت ثانية ، وحينما هممنا بالوقوف وعدتنا المرأة أنها سوف تتفاهم مع الأرواح حتى أشفى تمامًا ولما خرجت إلى الردهة وجدت بعض النسوة اللائى جئن طلبا ً للعلاج أو الاستشارة فنظرت إليهن وحدثت نفسى سرا ً:"إلى اللقاء أيتها المغفلات المخدوعات" وانتهت هذه المغامرة المثيرة على خير.
                                                               نرمين كحيلة


الخميس، 18 نوفمبر 2010

كل سنة وأنتم ميتين

    اعتاد الناس زيارة موتاهم فى أيام العيد حتى لنجد ازدحامًا شديدًا وتوافد الناس زرافات ووحدانًا على المقابريوم العيد .. وهذا شئ عجيب ، فقد شرع الله العيدين للناس لكى يفرحوا وييبتهجوا ويتبادلون الزيارات بين الأحياء وليس الأموات ولأنه يوم عيد وفرح وسرور فينبغي عدم إثارة الأحزان فيه ، أما زيارة القبر فى العيد واجترار الأحزان والذكريات الأليمة فهذا مكروه شرعًا. وهو مخالف لسنة النبى صلى الله عليه وسلم وفعل السلف ، ويدخل فى عموم نهيه عن اتخاذ القبور عيدًا إذ إن قصدها في أوقات معينة ومواسم معروفة من معانى اتخاذها عيدًا كما ذكر أهل العلم. انه لم يرد عن الرسول الكريم صلى الله عيه وسلم او الصحابة او التابعين انهم كانوا يزورون المقابر صباح الاعياد , بل انهم كانوا يفضلون تخصيص ايام العيد لتعزيز صلة الرحم من خلال زيارة الاحياء والتقرب الى الله عز وجل من خلال تفقد احوال الاقارب والاصدقاء . فهل يذهب الناس لزيارة موتاهم فى العيد كى يقولون لهم:"كل سنة وأنتم ميتين" كما نقول نحن للأحياء كل سنة وأنتم طيبين؟
نرمين كحيلة


السبت، 13 نوفمبر 2010

الحياء المنقرض (الحلقة الثالثة)

    وكذلك أمرنا النبى صلى الله عليه وسلم بالتفريق فى المضاجع بين الأخت وأخيها بعد البلوغ ، فلا تنام معه فى سرير واحد، وذلك للحفاظ على الحياء بين أفراد الأسرة الواحدة ، كما جعل الاولاد يستأذنون على آبائهم عند الدخول عليهم.
    قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ ». أخرجه أحمد وأبو داود وصححه الألباني . أى يجب على الأب والأم أن يجعلا سريرًا مستقلا لكل من الولد والبنت.. ولو طبقنا هذا النظام سوف نحمى المجتمع من زنا المحارم.

قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين مَلَكتْ ايمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناحٌ بعدهن طوّافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات ، والله عليم حكيم ، وإذا بلغ الاطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم .. [النور:58-59]

    أى واجب على الناس أن يستأذنوا إذا احتلموا , أحرارا كانوا أو عبيدا . وقال أبو إسحاق الفزاري : قلت للأوزاعي ما حد الطفل الذي يستأذن ؟ قال : أربع سنين , قال : لا يدخل على امرأة حتى يستأذن . وقال الزهري : أي يستأذن الرجل على أمه ; وفي هذا المعنى نزلت هذه الآية.. قال الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير إذا كان الغلام رباعيا فإنه يستأذن في العورات الثلاث على أبويه فإذا بلغ الحلم فليستأذن على كل حال وهكذا قال سعيد بن جبير وقال في قوله " كما استأذن الذين من قبلهم " يعني كما استأذن الكبار من ولد الرجل وأقاربه .
     ولما سمع رجل هذه الآية قال متعجبا:"يا رسول الله أأستأذن على أمى؟" فقال النبى النبى الكريم:"نعم ، أتحب أن تراها عريانة؟" يعنى الابن لا بد ان يستأذن قبل الدخول على أمه وأبيه حتى لا يراهما فى موقف لا يصح أن يراه وهذا قمة الحياء.

يقول الأستاذ الدكتور عبد الفتاح ادريس ": « وإنما يؤمر الصغار بالاستئذان على من يدخلون عليهم في هذه الاوقات الثلاثة ، لانها اوقات الخلوة التي يكون فيها التصرف، فقبل صلاة الفجر هو وقت القيام من المضاجع ، وطرح ثياب النوم ، ولبس ثياب اليقظة ، وربما يبيت الإنسان عريانا أو على حال لا يحب أن يراه غيره فيها ، ووقت الظهيرة هو وقت التجرد من الثياب التي تلبس في النهار لشدة حر الظهيرة ، وذلك عند انتصاف النهار الذي هو وقت القيلولة ، وبعد صلاة العشاء هو وقت التجرد من الثياب والخلوة بالاهل ، فأمر الصبيّ بالاستئذان في هذه الاوقات الثلاثة على من يدخل عليهم ، حتى لا يرى شيئاً من حالهم يكرهه او يكرهون رؤيته لهم على هذه الحالة .

حتى القرآن نفسه حين يتكلم عن العلاقة الزوجية فإنه يتكلم عنها بحياء وأدب فيقول "أو لامستم النساء".. وهكذا.. أى بالكناية والتلميح وليس بالتصريح. والحياء هو خلق الإسلام ؛ لقول سيِّد الأنام عليه الصلاة والسلام : (( إنَّ لكل دين خلقاً ، وخلق الإسلام الحياء )) ((موطأ مالك ، وسنن ابن ماجه ))
     
     وللحياء فضائل عديدة ، دلت سنة نبينا صلى الله عليه وسلم عليها ، فمن ذلك :
أنه خيرٌ كلُّه ، فعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((الحياء لا يأتي إلا بخير (((أخرجاه في الصحيحين)
وقال : ((الحياء كله خير )) ((صحيح مسلم ))
وهو من الأخلاق التي يحبها الله ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم :(( إنَّ الله حيي سِتِّير يحب الستر والحياء )) ((سنن أبي داود والنسائي )).
والحياء من الإيمان ، وكلما ازداد منه صاحبه ازداد إيمانه ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ((الإيمان بضع وسبعون شعبة ، أفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان)) ((أخرجاه في الصحيحين )). 
 قال رسول الله صلى عليه وآله وسلم:
((
استحيوا من الله حقّ الحياء) قالوا: يا رسول الله إنا نستحيي من الله، والحمد لله. قال : ليس ذلك ولكن منِِ استحيا منَ اللهِ حقّ الحياء فْليحفظ الرأس وما وعى، ولْيحفظ
البطن وما حوى ، ولْيذكر الموت والبلى ، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء)).
قال صلى الله عليه وسلم ))الحياء والإيمان قُرَنَاء جميعًا، فإذا رُفِعَ أحدهما رُفِعَ الآخر ((صحيح الترغيب

وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم ربَّه بذلك فقال :((إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم ، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً خائبتين )) ((سنن أبي داود ، والترمذي ، وابن ماجه))
والبذاء ضد الحياء ، فهو جرأة في فُحشٍ
حتى الكفار أنفسهم كان عندهم حياء ، هل تعرفون لماذا وقف كفار قريش على باب النبى صلى الله عليه وسلم طوال الليل فى انتظار خروجه ولم يقتحموا منزله؟ حياءً من أن يهتكوا ستر امرأة.
وفي غزوة حنين تبع أبو موسى الأشعري أحد الكفار فولى هارباً ، فقال له أبو موسى رضي الله عنه :" ألا تستحي ؟! ألست عربياً ؟! ألا تثبت ؟!" فوقف وتقاتلا فقتله أبو موسى .(( أخرجه مسلم))

وإن السيدة عائشة رضى الله عنها كانت ترتدى الحجاب فى بيتها فلما سئلت عن ذلك قالت أنها تستحى من عمر بن الخطاب (الذى كان مدفونا بجوار النبى صلى الله عليه وسلم فى بيتها) رغم أنه ميت. والسيدة فاطمة الزهراء رضى الله عنها استحت ان يراها أحد بعد وفاتها وهى محمولة على الأعناق فاختارت نعشا أتت به من الحبشة حتى يستر جسدها كله.

   رأى النبى صلى الله عليه وسلم ذات يوم رجلا ً من الأنصار يعظ أخاه فى الحياء فقال له:"دعه فإن الحياء من الإيمان" ؛ أى أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى رجلا ً ينصح أخاه المسلم أن يقلل من حيائه فنهاه النبى صلى الله عليه وسلم قائلا ً له أن الحياء صفة محمودة ينبغى أن يتحلى بها المؤمن وهى مطلوبة فى الرجل والمرأة على حد سواء. فهل نعود إلى الحياء ونتقرب به إلى الله باعتباره شعبة من شعب الإيمان أم أننا خلعنا ثوب الحياء إلى الأبد ؟


                                                                  نرمين كحيلة


الحياء المنقرض (الحلقة الثانية)

     وقد رأينا كيف أن السيدة خديجة رضى الله عنها كانت تحب النبى صلى الله عليه وسلم ولكن فى حياء وحينما أرادت أن تعرض عليه الزواج كان ذلك بطريقة لا تجرح كرامتها حيث أرسلت صديقتها نفيسة لكى تعرف من النبى مدى رغبته فى الارتباط  بها فاتضح أن لديه نفس الرغبة ولكن فقره منعه من البوح بها فعرضت نفيسة الموضوع بطريقة ذكية جعلت النبى صلى الله عليه وسلم هو الذى يبادر بطلب الزواج وذلك بسبب حياء السيدة خديجة الذى منعها من المصارحة بحبها للنبى صلى الله عليه وسلم. وهذا الزواج الذى بدأ بالحياء والعفاف والكرامة كان أنجح زواج عرفته قريش بل والبشرية كلها ، أما الزواج المبنى على الإباحية والوقاحة وعدم الحياء ( مثل الزواج العرفى ) فهو زواج فاشل بالطبع. 
      ومن صور عدم الحياء الملابس القصيرة والشفافة والضيقة التى تصف كل ملمح من ملامح الجسد والتى ترتديها معظم الفتيات الآن ، فقد كانت امرأة على عهد النبى صلى الله عليه وسلم يأتيها نوبات صرع فطلبت من النبى أن يدعو لها بالشفاء فقال لها:"أتصبرين ولك الجنة ؟" قالت:"نعم ولكن ادعو الله لى ألا اتكشف" فكل هم هذه المرأة ألا تتكشف أمام أحد وهذا قمة الحياء.
   
      ومن صور عدم الحياء أيضا ً أن الزميل والزميلة فى العمل يتمازحان بطريقة فجة للغاية بالأيدى والألفاظ البذيئة.
   ومن أشكال عدم الحياء تخصص الرجل فى أمراض النساء والتوليد حيث يسمح له هذا التخصص أن يطلع على عورات النساء بحجة أنه طبيب ، وقد يقول قائل أن الضرورات تبيح المحظورات وأن الطبيب لا ينظر إلى المرأة إلا على اعتبار أنها مريضة وليس فى ذهنه أى شئ آخر ولكن أليس الطبيب بشرًا؟ إذن احتمال الخطأ وارد فيجب أن نوقف تخصص الرجال فى هذا العلم من باب سد الذرائع طالما هناك نساء كثيرات تستطيع أن تقوم بتلك المهمة فالإنسان هو الإنسان فى كل زمان ومكان بكل ما أوتى من غرائز وشهوات ، لا نستطيع فصل الطبيب عن إنسانيته أثناء الكشف. وهذا أيضًا ينطبق على الكوافير الذى يصفف شعر امرأة.
   عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض؟ فأمرها كيف تغتسل قال: «خُذِي فِرْصَةً مِنْ مَسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا» قالت: كيف أتطهر قال: «تَطَهَّرِي بِهَا» قالت: كيف قال: «سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِي» فاجتبذتُها إلي فقلت: تَتَبعي بها أثر الدم.
أى أن النبى صلى الله عليه وسلم احمر وجهه خجلا فانفردت بها السيدة عائشة وشرحت لها.     
وقد كانت النساء تأتى لعائشة فيعرضن عليها الكراسف ليعرفن متى يتطهرن فكانت تتولى هى شؤون النساء ، فتقول لهن:"لا تعجلن حتى ترين القَصَّة البيضاء". وهذا يدل على أن أمور النساء يجب أن يختص بها النساء وليس الرجال وكذلك الأمر فى أمراض النساء لابد أن يبتعد عنها الرجال.

     إن من كلام النبوة الأولى:"إذا لم تستح فاصنع ما شئت" أما المثل الشعبى القائل:"اللى اختشوا ماتوا" فقد قيل فى بعض النسوة اللائى كن يسبحن فى حمام سباحة ويرتدين ملابس لا تستر شيئا ً من أجسادهن فلما دخل عليهن بعض الرجال استحت بعضهن فغطست برأسها فى الماء فماتت أما الأخريات فلم تستح ِفلم تغطس ولم تمت ولذلك قيل هذا المثل فى المرأة الحيية التى أدى بها الحياء إلى الموت. ولكننا لا نريد للحياء أن يموت بل نريد له أن يعيش ويطول عمره...

وإلى اللقاء فى الحلقة القادمة,,,,,
                                                                    نرمين كحيلة

الحياء المنقرض (الحلقة الأولى)

      هل تعرفون الديناصور؟ ذلك الحيوان المنقرض الذى كان يعيش منذ زمن سحيق أيام الإنسان البدائى الأول!! لقد انقرض الحياء فى عصرنا الحالى تماماً مثل الديناصور..وإذا كانت أسباب انقراض الديناصور أن البيئة لم تعد تلائمه فإن أسباب انقراض الحياء هى أن البيئة الحالية أيضاً لم تعد تلائمه ؛ فالفضائيات بكل ما تعرضه من أفلام إباحية ومشاهد جنسية سافرة والفيديو كليب الذى يعرض أجساد عارية ليل نهار، والإنترنت بكل مواقعه الإباحية الفاضحة حولت الأطفال إلى رجال ونساء يعرفون كل شىء عن عالم الكبار، فإذا قارنا بين الأفلام القديمة والأفلام الحالية نجد أن الأولى كانت تلمح إلى المشهد الجنسى ولا تصرح به أما الآن فأصبحت المشاهد الجنسية صريحة وصارخة ، حتى الشوارع أصبحت تعج بمناظر تخدش الحياء دونما اعتراض من أحد ؛ فمثلا ً المحلات التى تعرض الملابس الداخلية الحريمى على المانيكان فى الفترينات وأحيانا ً تكون المانيكان عارية فى انتظار أن يوضع عليها ملابس.. ورغم أنها مجرد تماثيل إلا أنها تصور النساء فى وضع لا يصح أن يراها عليه أحد ، فأين الحياء ؟ وهناك المصور الذى يعرض صور العرائس والعرسان تارة فى لقطة تصور العروس وهى تحتضن عريسها وتارة أخرة يقبلها العريس وغيرها من مشاهد أخرى لا يصح أن تحدث إلا فى حجرة النوم..انظروا إلى اللقطات التى كانت تصور أجدادنا مثلا ً! هل تتذكرون كيف كانت ؟ إنها كانت تصور الزوج وهو يقف وزوجته إلى جوره تضع يدها على كتفه على استحياء أو العكس وهذا أقصى ما يمكن تصويره ، أما مشاهد القبلات والأحضان حتى بين الأزواج لم يكن أحد يجرؤ على تصويرها ، وقد يقول قائل: إن الزمن تطور والحياة اختلفت ، هذا صحيح ولكن الأخلاق والقيم لايجب أن تتغير ، يعنى مثلا ً لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحيا بيننا الآن هل كان سيسمح بهذه المشاهد ؟ بل إن النبى نفسه هو وأصحابه لم يسمحوا لأحد أن يراهم وهم يداعبون زوجاتهم أو يقبلونهن أو...أو...فمثلا ًعثمان بن عفان رضى الله عنه كان مشهورا ً بالحياء لدرجة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان ذات يوم ناصبا ً قدمه فلما دخل عليه عثمان اعتدل فى جلسته ولما سئل عن ذلك قال:"كيف لا أستحى من رجل تستحى منه الملائكة ؟"
حياء الأنبياء:
      وقد يقول قائل:"لا حياء فى الدين " وهذا خطأ شائع فالدين كله حياء والأصح أن نقول لا حرج فى العلم.. وإن الحياء للرجال والنساء على حد سواء فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء فى خدرها.. وكان سيدنا موسى عليه السلام حييا ً؛ فعندما ذهب إلى مدين ، وجد امرأتان تذودان يعنى وجد فتاتان لا تستطيعان أن تسقيان أى تملآن دلوهما بماء البئر فدفعته الشهامة إلى أن يسألهما ، فقال لهما ما خطبكما ؟ أى ما حكايتكما ؟ فقالتا له :لا نسقى حتى يصدر الرعاء "وأن أباهما شيخ كبير - أى عجوز-" فلا يستطيع أن يملأ هو نيابة عنهما (وقد اتخذ البعض هذه الواقعة دليلا على عدم جوازعمل المرأة إلا فى الضرورة) وقد تزاحم الرجال على البئر فخجلت الفتاتان من أن تزاحما الرجال فتراجعتا قليلا ً إلى الوراء..فتطوع سيدنا موسى أن يسقى هو لهما ثم "تولى إلى الظل"أى بعد أن أتمم مهمته تركهما ولم يطلب ثمن مساعدته لهما. ، ثم عندما قصَّت الفتاة على أبيها القصة وحكت له شهامة ومروءة الرجل طلب منها أن تدعوه إلى البيت ليشكره فذهبت الفتاة وقالت له :"إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا "(القصص 25) فطلب منها النبى الكريم أن تمشى هى وراءه حتى لا يكشف عورتها أو يرى أى شئ منها ثم طلب منها أن تريه الطريق عن طريق الحصى تلقيه يمنة أو يسرة فيعلم الاتجاه الذى يسير فيه وهذا يدل على شدة حياء موسى عليه السلام فهو لم ينتهز الفرصة ليتعرف بالفتاتين ويصاحبهما ويأخذ منهما ميعادا ًليقابلهما مرة أخرى كما يفعل الشبان فى هذه الأيام ، ثم أن الفتاتين أيضا حييتان حيث أن القرآن نفسه يصفهما بالحياء "فجاءته إحداهما تمشى على استحياء"(القصص 25). إن إحدى الفتاتين أحبت سيدنا موسى وأعجبت به وتمنت أن تتزوجه ولكنها استحت أن تصارحه بحبها له واستحت أيضا ً أن تصارح أباها بهذا الحب واكتفت بأن قالت لأبيها:"يا أبتِ استأجره إن خير من استاجرت القوى الأمين"(القصص 26)..من أين علمت الفتاة أن موسى أمينا ً؟ من تأدبه معها أثناء المشى وعدم التفاته لها والنظر إلى جسدها ، ثم أن مقاييس حكم الفتاة على الشاب هى الأخلاق فهى لم تعجب به بسبب شكله أو وسامته أو تسريحة شعره ولكنها أعجبت به لأخلاقه العالية ، وبذكاء الأب عرف أن ابنته تحب هذا الرجل فلم ينهرها ويقول لها أنه عيب عليها أن تظهر إعجابا ً برجل بل تفهم موقف ابنته واحترم مشاعرها وطلب من سيدنا موسى أن يتزوج ابنته ، ولم يقل له:"إن ابنتى تحبك وتريد أن تتزوجك" بل قال له بطريقة تعلى من شأن ابنته فى نظر موسى وتحفظ لها كرامتها:"إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين" (القصص 27) يعنى جعل الرغبة رغبته هو..هذا هو حياء النبى وحياء الفتاة وحياء الرجل الصالح (الذى هو فى بعض التفاسير سيدنا شعيب). فأين هذا من فتاة اليوم التى تعرض حبها على الشاب دون أى خجل ثم تتزوجه عرفى دون علم أهلها..إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:"البكر تستأذن وأذنها صماتها" أى إن سكتت فهذا معناه الموافقة ولذلك قالوا السكوت علامة الرضا. وإذا رفضت نقرت الستر.. وكانت البكر عند العرب لابد أن تكون حيية لدرجة أنها لو صرحت بالموافقة اعتبروها زانية لشدة جرأتها.
وإلى اللقاء فى الحلقة القادمة ،،،،
           نرمين كحيلة

الجمعة، 12 نوفمبر 2010

آنيت فى بلاد العجائب

      لى صديقة ألمانية تسمى "آنيت" دعوتها لزيارة مصر المحروسة أم الدنيا فأجابت الدعوة فى أول زيارة لها للقاهرة..وبالطبع كان أول شئ تريد أن تراه هو الأهرامات ، إحدى عجائب الدنيا السبع..وفى الطريق انفجرت آنيت فى الضحك فسألتها عما يضحكها فقالت: الزحام الشديد فى الشوارع والضوضاء العالية التى تصم الآذان مما جعلها تضع أصابعها فى آذانها. ثم رأت أوتوبيس تتدلى من أبوابه سيقان آدمية فواصلت الضحك بصوت مسموع مما جعلنى أسألها ثانية ما يضحكك ؟ قالت: منظر هذا الأوتوبيس يشبه علبة السردين وهذه الأبواب المفتوحة على مصراعيها. قلت لها وهل عندكم فى ألمانيا لا يوجد مثل هذا المنظر ؟ فقالت: طبعا ً لا ، إن الأتوبيس يغلق أبوابه تماما ً قبل أن يبدأ فى التحرك. فقلت لها أنت لم تشاهدى إذن ما هو أدهى وأمر من هذا المشهد ، إنه مشهد التسطيح..قالت مندهشة: كيف ؟ قلت لها: إن القطار عندنا فى مصر ينام الشباب على سطحه العلوى أثناء سيره وهناك مجموعة أخرى تهوى التزحلق على القضيب فقالت: تقصدين التزحلق على الجليد ؟ قلت: لا ، التزحلق على القضيب أى القضيب الحديدى الذى يسير عليه القطار حيث يتعلق الشاب بكلتا ذراعيه بمؤخرة القطار ويظل باقى جسده مجرجرا ًً على القضبان ، وهذه رياضة حديثة ابتكرها المصريون ولا توجد فى بلد آخرغير مصر فمطت شفتيها تعجبا ً واندهاشا ً..فبادرتها قائلة انتظرى فهناك المزيد ، إن فى مصر كل شئ ممكننا ً. وعندما ركبنا التاكسى فوجئت بالسائق يسأل عن الطريق فقالت متعجبة: هل يسأل عن الطريق ؟ قلت لها وهل عندكم فى ألمانيا لا يسأل السائقون عن الطريق ؟ قالت بالطبع لا ، إلا فى حالات نادرة جدا ً عندما يكون السائق حديثا ً فى مهنته فقلت لها: لا تتعجبى يا صديقتى فإن فى مصر لا أحد يعرف طريقه ، وعندما نزلنا من التاكسى وجدتها تقفز قفزة عالية فسألتها ماذا حدث؟ فقالت: وجدتُ بركة مياة تحت قدمى - وكانت هذه ليست هى البركة الوحيدة فى الشارع - فقلت لها: إن من يعيش فى مصر لا بد أن يتعلم الوثب العالى فهذه رياضة مفيدة جداً حيث أن الشوارع المصرية تزدان بالحفر ذات الأحجام المختلفة تتجمع فيها مياه الأمطار، هذا فضلا ًعن البلاعات المفتوحة ليل نهارالتى تبتلع أطفالا ً أبرياء فى عمر الزهور. وبعد دقائق معدودة كان علينا أن نتسابق مع السيارات التى اكتظ بها الشارع من كل نوع ولون فنظرت إلىًّ متعجبة وقالت: كيف لا تحترمون إشارة المرور؟ إن هذا لا يحدث عندنا فى ألمانيا ، وما هذا الصوت العالى للسيارات ؟ قلت لها تقصدين أداة التنبيه ؟ قالت: نعم. قلت لها: إن عندنا ظاهرة فريدة لا توجد فى أى بلد آخر وهى الدور الخطير الذى تلعبه أداة التنبيه فى السلم وفى الحرب ، فى الأفراح وفى الأحزان فإذا كان هناك حفل زفاف مثلا ًفإن أداة التنبيه تكون وسيلة هامة للاحتفال بالعروس وإذا كان هناك مصاب فإن سيارة الإسعاف تستخدم أداة التنبيه باستمرار لتوسعة الطريق ونجدة المريض قبل أن يموت وفى انتظار الصديق لصديقه وفى الاحتفال بفريقنا الفائز فى المباريات  و...و...إلخ. ثم وجدتها تضحك للمرة العاشرة فسألتها ما يضحكك ؟ قالت إن السيارة الواحدة التى تتسع لأربعة أشخاص يركبها ستة أو سبعة كيف ذلك ؟ إن هذا لا يحدث فى ألمانيا. قلت لها هل تعرفين عدد المصريين ؟ قالت: لا. قلتُ إننا ثمانين مليون نسمة. ففغرت فاها وقالت: هل هذا معقول ؟ وهل كل مواطن لديه سيارة ؟ قلت لها: لا، نصف المواطنين فقط أما النصف الباقى ففقير لا يقدر على ثمن السيارة الباهظ...قالت إن عندنا فقراء فى ألمانيا ولكن ليس بمستوى الفقر المدقع الذى فى بلادكم . قالت هذا وهى تنظر إلى رجل يفترش الأرض ويلتحف السماء وقد اسود جلده من كثرة مكوثه فى الشارع وعدم اغتساله منذ أعوام وقد زحفت الحشرات على رأسه وأخذ يحك جلده بأظافره الطويلة القذرة..وأخيرا ً وصلنا للأهرامات وقد حفتها القاذورات والقمامة من زائريها فقالت: إن عندنا فى ألمانيا ممنوع منعا ً باتا ً إلقاء أى شئ فى الشارع بل إن القانون يفرض غرامة على من يفعل ذلك ؛ فقلت لها: انظرى إلى عظمة أجدادنا الفراعنة ، إن الشعب المصرى هو شعب صاحب حضارة ذات سبعة آلاف عام. فنظرت إلىَّ ولسان حالها يقول: أنت كاذبة لا يمكن أن يكون هؤلاء أجدادكم فكيف يكون الأجداد هكذا والأحفاد هكذا ؟ أنتم لستم على نفس مستوى الأجداد..وتمنيت ساعتها أن تنشق الأرض وتبتلعنى خجلا ً وأنا أقف أمام أعظم أهرامات الدنيا قاطبة وأعظم عمل معمارى أقامه مهندس عبقرى ، وتخيلت لو أن صاحب هذا الهرم قام من موتته فسوف يصاب بالسكتة القلبية بسبب خيبة الأمل فى أحفاده ، وحاولت أن أعتذر له بشدة عن فشلنا الذريع فى المحافظة على الحضارة الرائعة التى تركوها لنا. وفى المساء ذهبنا إلى خان الخليلى والحسين وطلبت منها أن تخلع نعليها وأن تغطى رأسها لأنها فى المسجد ففعلت ودخلنا إلى الضريح فإذا بنساء يتمسحن به ويبتهلن إليه كأنهن يبتهلن إلى الله وشرحت لها مكانة الحسين بالنسبة لنا نحن المسلمين باعتباره حفيد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وماهى إلا دقائق معدودة حتى التف حولنا المتسولون الجياع من أطفال الشوارع بأيديهم الممتدة إلينا تكاد تطرف أعيننا وأرديتهم القديمة البالية ووجوههم البائسة التى لفحها تراب الشوارع ثم قلت لها: لا بد أنك الآن جائعة بعد هذا اليوم الشاق ، وفى طريقنا إلى المطعم وجدنا مشاجرة حادة تسد الشارع مما استدعى تدخل الشرطة ..فقلت لها هل تعرفين رياضة الجرى ؟ إنها رياضة صحية خاصة فى هذا الوقت من الشتاء إنها تمنح الجسم الدفء. واصطحبتها إلى أقرب مطعم وهناك طلبت لها طبقا ً من الكشرى المصرى وحاولت إقناعها بصعوبة أن تتذوقه فهو الأكلة الشعبية الرخيصة التى فى متناول الفئات محدودة الدخل بعد أن عزعليهم اللحم وغلا ثمنه وأوشك أن يباع بالجرام مثل الذهب وقد أعجبها جدا ً ثم أرادت أن تدخل دورة المياه فوجدتها لا تصلح للاستخدام الآدمى وأخذت صديقتى تقلب كفيها على ما ترى أما أنا فتذكرت أيام المسلمين فى الأندلس حين كان الأسبان يميزون حمام المسلم من حمام المسيحى بالنظافة التى هى من أهم مبادئ ديننا الحنيف فأول شئ تفعله لكى تدخل الإسلام هو الاغتسال وأول شئ بعد خروج الروح هو الاغتسال وقبل الصلاة وضوء..ديننا يولى عناية فائقة بالنظافة ورغم أن العرب هم الذين اخترعوا الصابون وعلموا النظافة للعالم كله إلا أنهم اليوم لا يأبهون لذلك.. ثم رأت عطارا ً يعرض بضاعته من الكركديه والخروب وغيره فى أوانى مكشوفة وحاولت أن تشم راحة هذه الأشياء وقد أدخلت وجهها كله فى تلك الصناديق فقلت لها هل تتعجبين لما ترين ؟ قالت : نعم ، إن عندنا فى ألمانيا لا يوجد شئ مكشوف أبدا ً، جميع البضائع مغلفة... وشرحت لها كيفية عمل كل مشروب من هذه الأعشاب ثم اقترحت عليها أن تأخذ بعضا ًمنه معها أثناء سفرها فرفضت..ورأت جزارًا يعرض اللحم مكشوفًا فتعجبت وقالت:لو أن ألمانيًا رأى لحمًا مكشوفًا فى بلدنا ما اشتراه أبدًا. فقلت لها أنت لا تعلمين يا عزيزتى أن معدة المصريين تهضم الزلط والحمير والكلاب والقمح المغشوش. وفى اليوم التالى  اقترح علينا صاحب الفندق أن نركب سفينة تمخر بنا عباب النهر ذاهبة إلى القناطر الخيرية لتشاهد نيلنا الخالد وتتعرف أكثر على بلدنا مصر ووجدتها فكرة رائعة وركبتُ معها الأوتوبيس النهرى وبمجرد أن تحرك فوجئنا بكل شاب وفتاة من العشاق يتجاوران بل يتلامسان بطريقة فاضحة مخجلة ثم يتعانقان ويقبلان بعضهما البعض هكذا دونما حياء أو خجل.. فأحسست أننا فى أوروبا أو أمريكا ولسنا فى مصر..وأحسست بالإشمئزاز لما أرى ، إن هذه مجاهرة بالمعصية والفاحشة فأين ضاعت قيمنا الجميلة وتعاليم ديننا السمحاء ؟ وحاولت أن أقول لها أن ما تراه ليس هو الإسلام الصحيح لأن الإسلام يحرم ذلك وهؤلاء المسلمون ليسوا على قدر المسؤلية. فقالت ساخرة: ربما يكونون أنصاف مسلمين أو ربما أن هذا هو الجيل الجديد من المسلمين فقلت لنفسى سرا ً: نعم إن هذا هو الجيل الجديد الممسوخ فلا نحن ظللنا مسلمين متمسكين بتعاليم الإسلام ولا نحن أصبحنا أوروبيين فكل بنت ترتدى الحجاب ثم تفعل أشياء يندى لها الجبين ، ساعتها فقط عرفت لماذا نحن أمة مهزومة مخذولة مقهورة إن هذا بسبب أفعالنا وابتعادنا عن الدين ، لقد استشرت فينا الفاحشة التى حذر النبى صلى الله عليه وسلم من أن وجودها فى أى مجتمع سوف يهلكه وانتشرت فينا المجاهرة بالمعاصى وهو شئ عظيم عند الله تعالى معناه أن العاصى لم يعد يخشَ شيئا لا الله ولا الناس ، فقد أخبرنا الرسول (ص) أن كل أمته ستدخل الجنة إلا المجاهرون.. فى الماضى كان العاصى ينتظر حتى يختلى بنفسه بعيدا ًعن أعين الناس خجلا ً مما يفعل أما الآن فقد أصبحنا فى زمن الوقاحة وأصبح الطاهر العفيف غريب بين الناس..ورأيت فتاة تعلق على صدرها صليب وإلى جوارها شاب مسيحى يقبلها فقلت: ما شاء الله !! عاش الهلال مع الصليب ، إن أتباع محمد وأتباع المسيح يتعاونون على الإثم والعدوان ومعصية الرسول.وهذا إن دل على على شىء فإنما يدل على الوحدة الوطنية..وجاء من أقصى السفينة رجل يسعى فقال: عيب يا جماعة اللى انتم بتعملوه ده كل واحد يقعد باحترامه ما يصحش كدة ! وبعد أن انصرف قال المشرف على الرحلة ولا يهمكم يا جماعة واصلوا ما كنتم تفعلون هذا إنسان متخلف ، لو كانت لى صاحبة لفعلت مثلكم ولكن للأسف لا أجد ، فقلت له: يا هذا اتق ِالله ولا تقل إلا حقا ً، هل تشجع الناس على الفاحشة ؟ إنك مشارك لهم فى الإثم فقال: الشباب معذورون ماذا سيفعلون ؟ الأهالى تغالى فى المهور والشباب فقير وليس أمامه حل إلا ذلك..قلت: هذا تبرير سخيف إن الإسلام وضع لنا الحل الأمثل بالصيام وعدم الخلوة فنظر إلىَّ الشاب مستنكرًا  كأننى جئت من القرون الوسطى ، وتذكرت  لوط عليه السلام حين نهى قومه عما يفعلون فقالوا : "أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون" ، وتصورتهم يقولون: أخرجوا هذه الفتاة من سفينتكم إنها تتطهروخشيت أن يقذفوا بى إلى النيل بتهمة التطهر. وكان هناك شاب يرتدى ملابس تشبه ملابس النساء وحركاته وتصرفاته لا تدل على أى مظهر من مظاهر الرجولة بالإضافة إلى سوء خُلقه مع ركاب السفينة وكم حزنت حينما علمت أن اسمه "محمد" فكم يسئ إلى هذا الاسم وعلمت ساعتها أننا قد شتمنا نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وأسأنا إليه واتخذناه هزوا ً قبل أن تفعل ذلك الدنمارك فهذا الشاب يمثل كاريكاتيرا ًساخرا ًمن الرسول (ص) ولكنه كاريكاتير متحرك يمشى على الأرض وليس مرسوما ً فى مجلة وعلمت لماذا يستهزئ بنا الغرب ولا يحترمنا رغم كل المظاهرات المنددة بالرسوم. ولا أعرف كيف أعتذر للرسول صلى الله عليه وسلم من سوء حال أمته ، فالدعوة التى تعذب فى سبيل توصيلها للناس غابت عن الجيل الحالى من المسلمين. وكان كل راكب من ركاب السفينة يرمى بقايا الطعام فى سلة المهملات الكبيرة التى أحاطت بنا من كل جانب أتدرون ماهى هذه السلة؟ إنها نهر النيل الذى هو نهر من أنهار الجنة والذى يشرب منه ملايين المصريين فالتفتُ إلى صديقتى وقلت لها: إن هذا النهر كان أجدادنا المصريون القدماء يعبدونه ويسمونه الإله "حابى" لأنه مصدر الخير بالنسبة لهم ولم يكن مسموحا ً لأى أحد أن يرمى فيه قشة واحدة فقد كان هذا الفعل يعتبر جريمة شنعاء يعاقب عليها القانون والدين عقابا ً صارما ً بل إنه كان من بين الأشياء التى يعترف بها الميت أمام إلهه بعد الموت ليدخل الجنة ويزحزح عن النار هو قوله: "أنا لم ألوث ماء النيل" فكان عدم تلويث مياه النيل أحد الشروط  لدخول الجنة. أما الآن فالنيل مستباح للجميع..النيل الذى كان ملهمًا للأدباء والشعراء والفنانين والمطربين ليتغنوا بسحره وجماله..أحمد شوقى وحافظ إبراهيم وعبد الحليم حافظ ، أصبح الآن يعانى الإهمال وعدم النظافة ومصدرًا للتلوث !! إن هذه خيانة عظمى لأجدادنا المصريين القدماء الذين سلموا لنا النيل طاهرًا، صافيًا ، نظيفًا..حافظوا عليه بكل الوسائل من أجل الأجيال القادمة. وتصورت لو أن الفرعون استيقظ من قبره الآن ورأى فتاة أو فتى يرمى القمامة فى النيل لأصدر على الفور مرسومًا ملكيًا بقطع يدها ويده ؛ فما من نهر فى الدنيا قامت بينه وبين الناس الذين يعيشون عليه علاقة حميمة كنهر النيل ، هذه العلاقة الغريبة بين الناس والنهر، كانت ذات طابع حضارى رفيع..هو الوفاء المتبادل ..وفاء من النهر إلى الناس ..ووفاء من الناس إلى النهر؛ فكان فيضان النيل كل عام هو المعنى الذى تجلت فيه فكرة الوفاء: وفاء من النيل بوعده فى نشر الخير العميم فى ربوع الوادى ، وبأنه قادم بالمياه التى تروى ظمأ الأرض وظمأ الناس وبالطمى الذى يخصب الأرض ويمنحها المزيد من القوة والقدرة على العطاء ، وكان على المصريين أن يظهروا بدورهم وفاءهم للنهر الذى جاء لهم بكل هذه الخيرات فكانوا يقيمون الاحتفالات مبتهجين وأسموها عيد وفاء النيل ، فقد علمهم النيل الزراعة والاتحاد فى مواجهة خطر الفيضانات وكل العلوم التى تقدموا وبرعوا فيها كانت بسبب النيل ، وزادت حسرتى وتنهدت تنهيدة كبيرة وأنا أسمع فى أذنى الأغانى التى تتغزل فيه:
 يا تبر سائل بين شطين ياحلو يا أسمر               لولا سمارك جوة العين ما كانت تنور
وأيضًا: من أى عهد فى القرى تتدفق ؟
 ثم سمعت صوتاً يقول: "يا رب السفينة تغرق". فى محاولة منه للمزاح السخيف...إنه يمزح مع الله ، تعالى الله عما يقولون ؛ فدعوت الله قائلة: اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا. ..وفى الفندق كانت سحابة من الدخان تغطى سماء القاهرة فسألتنى: هل هذا ضباب أم دخان التلوث فقلت لها: بل هو دخان ، إن لدينا عددا ً كبيرا ً من المصانع والسيارات التى تضخ عوادمها فى الهواء الذى نتنفسه...وفى نهاية الرحلة عادت صديقتى إلى بلادها وقلت لها وأنا أودعها أرجو أن تكونى قد استمتعتى بوجودك معنا فى مصر أم الدنيا ، بلد الأمن والأمان فنظرت إلى ولسان حالها يقول بل هى بلد العجائب.              
                                                  نرمين كحيلة

ليالى الأنس فى أسوان (الحلقة العاشرة والأخيرة)


        كانت صديقتى قد اتفقت مع فوج سياحى تابع للفندق على زيارة معبد أبى سنبل وهو فى أقصى جنوب أسوان بينه وبين المدينة ثلاث ساعات بالحافلة (الأوتوبيس) واضطرت أن تستيقظ مبكرا ً حيث كان مقررا ً للرحلة أن تنطلق فى تمام الساعة الرابعة فجرا ً، فقلت لها حين تعودين هاتفينى ففعلت وكانت الساعة الواحدة والربع ظهرا ًعندما عادت من رحلتها ، فاتفقت معها على اللقاء الساعة الثانية ظهرا ً فى نفس مكاننا المعتاد.. واصطحبتها إلى نادى التجديف وجلسنا ننتظر شقيق زوج أختى وشربنا بعض المشروبات ، وعندما أتى استقلينا مركبا ً(لانش) إلى جزيرة أسوان حيث يوجد متحف أسوان وحين وصلنا سألتنى هل سندفع تذاكر للدخول فقلت لها أننا ضيوفه ولن ندفع شيئا ً وكانت قيمة التذكرة بالنسبة لها خمسة وثلاثون جنيها ً ، وكذلك كان الحال فى جزيرة النباتات فلم ندفع شيئا ً ، وكم كان جميلا ً أن يأتى رئيس المتحف بنفسه ويشرح لصديقتى باللغة الانجليزية عن كل معروضات المتحف ، وهى تنظر بانبهار وإعجاب. وكان أكثر شيء لفت انتباهنا هو ظهور أصابع أقدام مومياء بحالة سليمة كأنه مات بالأمس ، ودلنا هذا على مدى اتقان التحنيط  وروعته وذكرنى هذا بالهدف السامى الذى جعل المصريين يبرعون فى هذا النوع من العلوم وهو التشريح ، ذلك الهدف هو الرغبة فى الحياة الآخرة فالتفت لصديقتى وقلت لها:"إن المصريين قوم يحبون الله". فابتسمت وهزت رأسها بالموافقة.

      وبعد انتهاء جولتنا داخل المتحف  عدنا من حيث أتينا ، ثم توجهنا إلى مطعم قريب يسمى "بانوراما" ، قيل لى أنه يقدم وجبات شهية جدا ً بالإضافة إلى مكانه المتميز على النيل وزخارفه من الداخل التى توحى للجالس أنه يجلس فى متحف.. وسألت صديقتى عما تحب أن تأكل من أصناف الطعام المصرى فأخذت قائمة الطعام وأطالت النظر إليها ثم قالت:"دجاج مشوى" ، واخترت أنا حماما ً مشويا ًعلى الفحم وترلى فى الفرن وأرز بالمكسرات وأرز شرقى بالتوابل الشرقية مثل القرفة وخلافه.. وأما المفاجأة فكانت القهوة العربى التى قدمت لنا فى آنية تشبه الإبريق مصنوعة من الفخار وفوهتها مغطاه بالليف المستخرج من النخيل ، وكان هذا المنظر غريبا ًعلى صديقتى إذ أنها لم ترَه من قبل فسألتنى:"ما هذا" فقلت:"إنها قهوتنا العربية أرجو أن تعجبك".

     وأخذت صديقتى تشم الفنجال الذى صببنا فيه القهوة وتلمس الآنية الفخارية بأصابعها لتكتشف ماهيتها وكينونتها ، ثم قالت:"رائحتها جميلة وطعمها أجمل". قلت:"إذن قد أعجبتك!".قالت:"نعم". كانت الآنية ممتلئة فصببنا لثلاثتنا ثلاث مرات كلما انتهى الفنجال (الذى كان بدون أذن) صببنا غيره.

     وعندما عدنا إلى البيت قلت لها:"هل تذكرين الكركديه الذى تذوقتِه أمس ؟ قالت نعم.. وكنت قد اشتريت مجموعة أكياس من الكركديه الأسوانى الجميل الذى تتميز به أسوان ، ولم تكن قد تذوقته من قبل ، فقلت لها:"هل لكِ فى أن تجربى كوبا ً من هذا الكركديه ؟" فقالت:"نعم".فدخلت المطبخ وهى معى وأخذت ترمقنى بناظريها وتراقبنى وأنا أصنعه ثم تذوقت أول رشفة منه فأعجبها فقلت لها:"يمكنك يا عزيزتى أن تشربيه باردا ً أو ساخنا ً" فقالت:"وهل يوجد هذا المشروب فى كل البلاد ؟" قلت:" فى الدول العربية والإسلامية فقط".. ثم قلت لها:"إن هذا الكيس من الكركديه هو هدية لكِ". ففرحت وشكرتنى.

    وبعد أن انتهينا من الطعام ، سألتها:"هل تودين أن تشاهدى معالم أخرى فى أسوان ؟ أم تحبين أن تقضى معى الوقت فى منزلنا حتى المساء؟" فاعتذرت بأدب وقالت:"أشكرك يا عزيزتى فأنا متعبة جدا ً وأود أن أذهب للفندق لأستريح ثم أجهز نفسى للسفر فجر الغد".. فقلت أرجو أن تكونى قد استمتعتِ بوقتك فى أسوان".. فقالت:"نعم استمتعت معكِ ومع أسرتك اللطيفة" ، وقبلتنى وتعانقنا فى حب وحزن على الفراق ثم قالت لى:"إلى اللقاء يا صديقتى ولنا مقابلات أخرى فى الأسكندرية فى يوم ما".

      وبدورى أنا الأخرى كان على أن أسافر فى الساعة الثامنة والنصف مساءً  بالقطار المتجه من أسوان إلى القاهرة فأزور خالتى هناك وفى اليوم التالى أركب السوبر جيت المتجه إلى الإسكندرية ، وبدأت رحلة العذاب من جديد ، وودعت أهالى أسوان الذين رجونى أن أنتظر معهم بعض الوقت فاعتذرت لهم بأننى سوف آتى مرة أخرى فيما بعد حين تسمح الظروف.. ولما رآنى صاحب السوبر ماركت قال لى:"شرفتم أسوان ونورتوها بس كان نفسنا تقعدوا معانا أكثر".

     وهكذا انتهت الرحلة بسلام ،،،،،
                                                                                نرمين كحيلة  



ليالى الأنس فى أسوان (الحلقة التاسعة)

      اتفقنا مع تاكسى سيوصلنا إلى ثلاثة أماكن هى: السد العالى ، والمسلة الناقصة ، ومعبد فيلة..كان الطريق طويلا ً وكانت الشمس عمودية على رؤوسنا وقت الظهيرة وكان الجو شديد الحرّ والقيظ والرحلة شاقة طويلة ، لكنى تحاملت على نفسى من أجل صديقتى ، وشربنا كميات هائلة من المياه أعتقد أن من لم يأخذ معه زجاجة مياه فى تلك الشمس الحارقة فسوف يصاب بالجفاف حتما ً.. وحينما ذهبنا إلى السد العالى كان هائلا ً وعظيما ً ، قلت للسائق:"أعتقد أنه فى ميزان حسنات جمال عبد الناصر ، حيث حمى مصر من خطر الفيضان ومن خطر المجاعات أيضا ". قال:"نعم ولكنه له عيوب أيضا ً حيث حرم مصر من الطمى الذى كان يعمل على تخصيب التربة" قلت لنفسى سرا ً ومن عيوبه أيضا أن الناس كان يجمعها خطر الفيضان فيصبحون يدا ًواحدة متكاتفة أما الآن فكل إنسان ليس له علاقة بالآخر لأنه لا يوجد مصلحة مشتركة. ثم قلت بصوت عالى:"كل شئ له عيوب ومميزات ولكن أعتقد أن مميزاته أكثر من عيوبه". قال:"صدقتِ".
    وواصلنا الرحلة بعزم وإصرار. وتوقفنا عند جسم السد ورأينا أكبر بحيرة صناعية فى العالم نتجت عن السد وهى بحيرة ناصر ويبدو أنها منسوبة إلى عبد الناصر. وشرحت لصديقتى شيئا ً عن السد فقالت لى:"نعم لقد قرأت الكثيرعن مصر قبل أن آتى ومعى خرائط أيضا ً. ثم أخذنا السائق وجعلنا نرى السد من الواجهة الأمامية وشرح لنا كيف يتم توليد الطاقة والكهرباء.. فقلت لنفسى سرا ً:"ما أعظمك يا مصر! يأتى السياح لمشاهدة آثارك وتاريخك وحضارتك ، عظيمة فى كل العصور ، فى العصر القديم والإسلامى والحديث.

       ثم ذهبنا للمسلة الناقصة وكانت ملقاه على الأرض وهى من المعالم الهامة فى أسوان.. وبعد ذلك ذهبنا إلى معبد فيلة ، وركبنا المركب مرة أخرى فقالت لى صديقتى:"إن من يعيش فى أسوان لابد أن يتحرك بالمراكب فهى وسيلة المواصلات الوحيدة".. وبعد أن وصلنا رأينا ملوك مصر العظام أيام مجدها الغابر ، وصورة الملك المصرى وهو يهزم ويقهر أعداءه ويشد شعورهم وهم جاثين على ركبهم مذلولين فتنهدت وتحسرت على ما ضيعه الأحفاد من أمجاد أجدادهم فقد أصبحنا اليوم مذلولين من كل الأمم بعد أن كنا سادة العالم تملأنا العزة والكرامة.. قلت لصديقتى:"هؤلاء هم أجدادى" فقالت:"نعم أعلم ذلك".قلت لها:"هل تعلمين أن مصر فى الماضى كانت أعظم دولة فى العالم ؟" لقد كان أعظم ملك فى أية دولة يسجد أمام الفرعون ويمرغ رأسه فى التراب ويقول له: أنا كلبك وابن كلبك ثم يعلن فروض الولاء والطاعة ويدفع الجزية..ثم أخذت أقرأ لها بعض الحروف الهيروغليفية المنحوتة على الجدران وأترجمها لها. فتعجبت وقالت:"إنى مندهشة كيف تستطيعين قراءة تلك الكتابة ؟" فقلت:"لقد درستها فى الكلية ودرست تاريخ مصر" فانبهرت بى ثم قالت:"إذن هذه الجدران عبارة عن كتاب مفتوح!"..كانت أحجار المعبد من الصخور الجرانيتية على شكل أفيال ، تتداخل معها الخضرة والزرع فى مشهد يأخذ بالألباب.

 وبعد انتهاء الجولة أوصلتها إلى مرسى الفندق وتعاهدنا على اللقاء غدا ً.

وإلى اللقاء فى الحلقة القادمة.                             
                                                                              نرمين كحيلة 

ليالى الأنس فى أسوان (الحلقة الثامنة)

      كان شقيق زوج أختى يعمل مهندسا ً زراعيا ً فى جزيرة النباتات وقد دعانى وصديقتى إلى زيارتها ، وكان الاتفاق على أن نتقابل عند مرساها على الكورنيش بجوار نادى التجديف وهناك استقلينا مركبا ً شراعيا ً إلى الجزيرة فهى وسيلة المواصلات الوحيدة ، كان المشهد رائعا ً، والقارب يخترق عباب النيل والسماء الزرقاء من فوقنا ، ساعتها فقط تذكرت آية الله تعالى فى أن تسير السفن بكل ما تحمل من أثقال فوق الماء ولا يستطيع دبوس واحد أو مسمار أن يطفو فوقه ، ولذلك قال الله تعالى:"ألم ترَ أن الفلك تجرى فى البحر بنعمة الله ليريكم من آياته" (لقمان :31) "وآية لهم أنا حملنا ذريتهم فى الفلك المشحون"(يس :36) "ولتجرى الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون" (فاطر :35) "الله الذى سخر لكم البحر لتجرى الفلك فيه بأمره" (الجاثية :45). ولم أملك إلا أن أسبح الله طوال فترة سير المركب ، حتى وصلنا إلى الحديقة النباتية ، وهى تقع على جزيرة فى وسط النيل أمام مدينة أسوان ، وتضم مجموعة نادرة من النباتات الاستوائية وشبه الاستوائية ولذا فهى تعتبر من أهم المراكز البحثية فى مصر وواحدة من أندر الحدائق النباتية فى العالم. ومشينا فى طريق مبلط بجرانيت أسوان الوردى وهو يميز كل مشاياتها ، ويظلل هذا الطريق على جانبيه النخيل الملوكى بلونه الأبيض الرخامى وقد رأيت أعلى النخل وهو يتساقط على الأرض - أو هو فى طريقه إلى السقوط - فقيل لى أن هذه النخلة لا تحتاج إلى تقليم بل هى تقلم نفسها بنفسها بطريقة ربانية وعندما يسقط أحد أجزائها العلوية فإنه يحدث صوتا ً يشبه صوت التصفيق ، ربما لكى تنذر من يجلس تحتها حتى يغادر المكان أو ربما لبكاء النخلة على جزء منها فارقها..ورأينا متحف الأحياء النباتية داخل الحديقة ، وكان رائعا ً هو الآخر.

      وفى أثناء سيرنا داخل الحديقة سمعنا صوتا ً عُجابا ً لم نسمعه من قبل ولما سألت عن هذا الصوت قيل لى إنه صوت طائر أبى قردان فقلت على الفور:"صديق الفلاح؟". ولم يسعنا أنا وصديقتى إلا أن نضحك لهذا الصوت ، إن صوته يشبه صوت الإنسان وهو يقول لا لا..وحاولت صديقتى تصوير ذلك الطائر وتتبعه بآلة تصويرها لكن الأشجار كانت أغصانها متشابكة وغزيرة فحالت دون رؤيته ، ولكنه عندما نزل إلى الأرض أصبح مرئيا ً..

    ونظرا ً لموقع الحديقة المتميز وهدوئها فإنها تعتبر مرتعا ً لكثير من الطيور المهاجرة والمحلية فقد رأينا مثلا ً الهدهد وذكرنى ذلك بسيدنا سليمان عليه السلام وكيف كان يفهم لغته وأحببت هذا الطائر لأنه ورد بالقرآن الكريم ، ثم هو طائر إيجابى لم يرضَ أن يشرَك بالله فى أرض سبأ ، كم هو جميل ويدل شكله على الألفة والطيبة والمودة ، وأطلت النظر إليه وأنا أسبح الله.

     ورأيت الغراب بلونه الأسود يمشى على الأرض ، وتذكرت أن الناس يتشاءمون منه ، ربما لشكله ولونه ، بل وصوته المنكر الذى يبعث على الحزن ، فقلت:"سبحان الله طائران متجاوران فى حديقة واحدة أحدهما أبيض جميل والآخر أسود كئيب..." وكانت هذه فرصة عظيمة لممارسة عبادة من أحب العبادات إلى قلبى وهى عبادة التفكر فى خلق الله. ورأيت اليمام والبلبل والعصفور.وكانت أصوات الطيور المختلفة تتشابك وتختلط فى وقت واحد فتعزف سيمفونية رائعة من الأنغام يعجز بيتهوفن أو باخ عن الإتيان بمثلها.

       ورأينا شجرة تسمى الشجرة الفضية لأن أوراقها عجيبة الشكل إذا أمسَكْت إحدى أوراقها تجدها خضراء وإذا قلبت الورقة من الجهة الأخرى تجدها فضية ، فتعجبت وتذكرت اسم الله البديع فقد أبدع فى الخلق. وقد رأينا ثمرة عجيبة لم نرَ مثلها من قبل وقيل لنا أنها فاكهة استوائية لا تباع فى الأسواق اسمها:"أوجينيا" ، لونها أحمر كالفراولة وطعمها شهى جدا ً ، وذكرنى هذا بالجنة التى وعد الله المتقين بأن فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وأن فاكهتها لا مقطوعة ولا ممنوعة وأن بعضها لا نعرفه فى الدنيا. وتأملت عظمة الخالق إذا كان قد أبدع صنع هذه الحديقة الدنيوية الممتلئة بأشياء لم نسمع عنها ولم نرها من قبل فما بال الجنة الأخروية إذن ؟! ، وشعرت بأن هذه هى أحسن جائزة أعدها الله لعباده الطائعين حيث قال عنها أنها الفوز العظيم. وتخيلت نفسى وإذا بى قد قامت القيامة ودخلت جنتى مع الطائعين وأخذت أطوف بين جنباتها كما أفعل الآن ، ودعوت الله أن يجعلنى من أهلها.

     ورأيت شجرة ثمارها لها طعم البرتقال وشكل البامية واسمها :"برتقالة بامية". وشجرة أخرى اسمها "عين الخروف" لأن ثمارها تشبه عين الخروف تماما ً.ورأينا شجرة القرفة والمستكة وجرحت الشجرة بقلمى فأفرزت سائل هو المستكة فشممت رائحتها فوجدتها زكية جدا ً، فجعلت أمسح على ملابسى..ورأيت شجرة الأراك التى يستخرج منها السواك وكم بلغ حزنى حين علمت أن الناس فى الأعياد يأتون إلى الحديقة ويتسلقون الشجرة ويجلسون فوقها ليلتقطوا صورة حتى انكسرت الشجرة ومالت ، فقلت:"كيف يجرؤ إنسان على تشويه ذلك الجمال؟". ورأيت شجرة ذيل السمكة وثمارها تشبه ذيل السمكة فعلا ً. ورأيت شجرة عجيبة أوراقها على شكل رئة الإنسان ، وشجرة أخرى أوراقها خضراء مخططة باللون الأصفر ، وأخرى أوراقها خضراء وبها نقط  صفراء ، وأخرى أوراقها لها جهة حمراء قانية والناحية الثانية لونها أخضر. ولم أستطع منع نفسى من الاحتفاظ ببعض هذه الأوراق وتجفيفها لتكون ذكرى جميلة عندما أعود إلى الأسكندرية.  وقلت:"لو أن إنسانا ً رسم ولون هذه الأوراق والأشجار لأخطأ فى توزيع الألوان لكن الله جل وعلا قد أحسن وأتقن كل شئ خلقه وجعل نسب كل الألوان والرسومات بحكمة بالغة ، أليس عجيبا ً أن هناك من ينكر وجود الله بعد كل ما رأى ؟ وتذكرت قوله تعالى:"هذا خلق الله فأرونى ماذا خلق الذين من دونه".إن الله يتحدى أن يأتى أعظم رسام أو فنان تشكيلى أو نحات بمثل تلك الروعة والجمال !!

     وبعد انتهاء تلك الجولة السريعة عدنا من حيث أتينا إلى نادى التجديف وجلسنا هناك بعض الوقت نتجاذب أطراف الحديث ونعلق على ما رأينا فى الحديقة ، وكان أحد فروع "ومبى" قد افتتح فى ذلك اليوم فى النادى فجاء لنا شقيق زوج أختى - باعتباره من رؤساء مجلس إدارة النادى – بثلاث وجبات لى ولصديقتى ولأمى. وكان المنظر رائعا ً ونحن نجلس على النيل بين الطبيعة الخلابة.. ثم قررنا الذهاب إلى السد العالى. وإلى اللقاء فى الحلقة القادمة ،،،،                    
  نرمين كحيلة




ليالى الأنس فى أسوان (الحلقة السابعة)

     ذهبت إلي صديقتى فى الصباح وجاءت معى إلى منزلى ، ودعوتها إلى الفطور فقالت أنها أكلت فى الفندق فاشتريت لها بعض العصائر ، وتعمدت أن أصلى أمامها ولما رأتنى أصلى فى اتجاه معين سألتنى:"كيف تحددين اتجاه الصلاة" فقلت لها:"كلنا نتوجه إلى الكعبة"فقالت:"وما الكعبة ؟"قلت:"بناء بناه النبى إبراهيم"قالت:"وكيف تعرفون أنكم الآن فى مواجهة ذلك البناء؟"قلت:"لابد أن يكون ظهر المصلى فى مواجهة البحر وإذا تعذر معرفة القبلة فليصلى فى أى اتجاه لأن الله موجود فى كل مكان..ثم طلبت منى أن نذهب ل"بازار أسوان" فاستجبت لرغبتها ، وحين نزلنا سألت صاحب محل "سوبر ماركت" عن الطريق فإذا به يترك حانوته ويجتاز الشارع إلى الجهة المقابلة ثم يشير إلى وسيلة مواصلات ويطلب من السائق إيصالنا إلى المكان المنشود ، فتعجبت لهذا الكرم الأخلاقى الذى يتميز به أهالى أسوان وشكرته..كانت وسيلة المواصلات التى ركبناها غريبة جدا ً لم أعتدها فى الإسكندرية ولا حتى فى القاهرة ، تسمى "الكبوت" وهى تشبه عربة التراحيل التى يركبها المجرمون الذاهبون إلى السجن ، وكان يفصل بيننا وين السائق حاجز لا نستطيع أن نكلمه إلا عن طريق الجرس إذا أراد أحد أن ينزل فليرن الجرس فيتوقف السائق.

      وصلنا إلى شارع يمتلئ بالبازارات وكنا كلما مشينا نادانا البائعون الذين كانوا يحسنون التحدث بكل اللغات فتضحك صديقتى وتقول:"إن البائعين يكلموننى بثلاث لغات"فأقول:"لأنهم لا يعلمون جنسيتك". وأخيرا ً توقفنا عند أحد الحوانيت التى تبيع القمصان الحريمى (تى شرت) الملونة فاشترت صديقتى بعضا ًمنها ثم سألنى البائع ما جنسيتها ؟ فقلت:"ألمانية" فإذا به يتحدث الألمانية بطلاقة أذهلت صديقتى ثم التفت إلى وكلمنى عن البيع والشراء فى أسوان ، فقالت له:"ماذا تقول؟" فقال:"إنى أتحدث إلى أختى المصرية". وهكذا مشينا إلى حانوتِ آخر فقال:"تعالى أساعدك فى إنفاق أموالك"فانفجرت صديقتى فى الضحك ؛ فقلت لها:"ألا تعلمين أن الشعب المصرى خفيف الظل؟ إنه مشهور بذلك منذ أيام الفراعنة حين أوفدت الملكة حتشبسوت رحلة إلى بلاد بونت لاستجلاب البخور والعطور وأشياء أخرى فوجد المصريون زوجة ملك بونت سمينة جدا ً وكان هذا شيئا ً غير مألوف بالنسبة للمصريين الذين كانوا يمتازون بالرشاقة فسجلوا تفاصيل الرحلة على جدران أحد المعابد وصوروا زوجة الملك بشكل كاريكاتيرى مضحك يتدلى منها اللحم والشحم وكان هذا هو أول رسم كاريكاتيرى فى العالم". وكلما دخلنا أحد المحلات استقبلنا البائع بحفاوة وقدم لنا شرابا ًبارداً. وعندما سألت البائع كيف عرفت اللغة الألمانية ؟ قال لى:"من طول معاشرتى للأجانب"فالتفت إلى صديقتى وقلت لها:"كل الناس تعرف الألمانية ماعدا أنا"فضحكت فقلت:"هل تعلمين أن رسولنا محمد عليه السلام يحثنا على تعلم اللغات ويقول أن من تعلم لغة قوم أمن مكرهم ؟ ولذلك لو أتيحت لى فرصة تعلم أية لغة فلن أتردد" فتعجبت ولسان حالها يقول:"إن رسولكم هذا فيلسوفا ً يعرف كل شئ".

     وأشد ما لفت نظرها هو الفصال فى البيع والشراء ومحاولة تخفيض السعر حيث قالت لى:"إن عندكم ظاهرة عجيبة لا توجد عندنا وهى الجدال فى الأسعار "فقلت لها:"أنا لا أحب تلك الطريقة"قالت:"ولا أنا لكنى مضطرة أن أتعلمها ما دمت فى مصر"وطلبت منى أن أحاول مع البائع لتخفيض السعر ففعلت خاصة بعدما رأيته يبالغ مبالغة شديدة فى الثمن وفى النهاية أعطاها البائع هدية عبارة عن طرحة تلتف حول الرأس مثل العمامة وكانت سعيدة جدا ًبها وهى ترتديها. وفى الطريق طاردتنا إحدى
المتسولات التى تحمل رضيعا ً وكانت فى غاية الإلحاح حتى تضايقت صديقتى وقالت:"إن أسوأ شئ عندكم هو المتسولون"فقلت:"أنا لم أنهرها لأن هذا محرم فى شريعتنا - نحن المسلمون -". ثم رأت جزارا يعرض اللحم خارج الجزارة فقالت:"لو أن هذا المنظر فى ألمانيا لرفض أى ألمانى الشراء ، فلا بد أن يكون اللحم مغطى"قلت:"ولكن هذا المشهد عادى جدا ًفى مصر. وقلت لنفسى سرا ً آه لو تعلمين أننا أصبحنا نأكل لحم الحمير والكلاب أيضا ً، إن معدة المصريين تعانى الكثير فى هذا الزمان.
   
    وفى المساء ذهبنا إلى المتحف النوبى ، وشاهدنا حياة النوبيين وأفراحهم ومعيشتهم وتماثيل تمثل تجهيز العروس ليلة الزفاف والتاريخ القديم للنوبة ودفن الموتى من قدماء النوبيين.. وكانت صديقتى سعيدة بكل ما ترى.

    واتفقنا على أن نتقابل غدا ً صباحا ً فى تمام الساعة العاشرة للذهاب إلى جزيرة النباتات.
وإلى اللقاء فى الحلقة القادمة ،،،،،،

                                                                                    نرمين كحيلة

ليالى الأنس فى أسوان (الحلقة السادسة)



      كان الجميع ينتظر مقدم العروسين بشوق ولهفة ، وكان مقررا ً للفرح أن يكون فى نادى أسوان فى الصالة المغطاة ، وهناك وصل العروسان بصحبة الأقارب والأصحاب والأحباء وعزفت الفرقة للمرة الثانية موسيقى الزفة وكان فستان العروس طويلا وواسعا ًمما تطلب مجهودا ًأكبر فى الحفاظ عليه من تراب الأرض وكانت هذه هى مهمتى طوال الفرح باعتبارى المعينة فى منصب أخت العروس..وفى رحلة الصعود إلى القاعة بدأت الورود وذرات الملح ترش على رأسيهما لتجنب الحسد وطلبوا من صديقتى الألمانية أن ترش الملح هى الأخرى والتفتت إلى وسألتنى ما هذا ؟ وكانت مندهشة لهذا التقليد الغريب ولكنها وسط إلحاح الجميع أمسكت بالملح وأخذت ترشه ، وحين وصلنا إلى القاعة تم توزيع المياه الغازية على كل الحاضرين ثم بدأ العروسان يرقصان على أنغام الموسيقى الهادئة. وبعد ذلك طالبوا كل أحباء العروسين بأن يشاركوهما الرقص وحينما دُعِيَت صديقتى إلى الرقص رفضت فى البداية ثم استجابت لطلب الحاضرين وكان هذا مشهدا ًعجيباً بالنسبة لها كانت تفعله إرضاءً لنا ثم أخرجت صديقتى خمسين "يورو" وأعطتها للعروس هدية زواجها وكم فوجئت حين قرأت الكلمة التى كتبتها لها وهى تهنئة مكتوبة بالخط العربى فسألتها كيف كتبتِ ذلك ؟ قالت:إن لابنتى صديقة مغربية طلبت من والدتها أن تكتب لى كلمة تناسب هذه المناسبة ، فحييتها على حسن تصرفها وسرعة بديهتها وأعربت لها عن إعجابى بذكائها.

     وبدأ العريس يقدم الشبكة لعروسه وكانت من الذهب الخالص قلادة واسورة وخاتم وقرط فقلت لصديقتى:"انظرى إلى هذا الذهب ، إنه هدية العريس لعروسه". ففغرت فاها بدهشة وقالت:"للعروس فقط أم يشاركها العريس فيها ؟" قلت:"بل هى ملكا ً خالصا ً للعروس."فقالت:"ولم ذلك ؟ "فقلت:"إن الإسلام يكرم المرأة أيما تكريم ويجعل الرجل لذلك يقدم لها هدية تكون فى معظم الأحيان من الذهب".قالت:"إن هذا لا يوجد عندنا" فالرجل لا يقدم شيئا ًللمرأة ، بل الأصدقاء يقدمون للعروسين هدية مشتركة".فقلت لها:هل تعلمين أن العريس قدم للعروس عشرة آلاف جنيها ً ؟ قالت بدهشة ؟ ولِمَ ؟ قلت:إن هذا هو ما يسمى مهر فى الشريعة الإسلامية يعطَى لها فى يدها حتى تقبل ان تتزوجه. وشعرت أن لسان حالها يقول:"ليتنى كنت مسلمة ، إن المرأة عندنا ليس لها ثمن".

      وبعد انتهاء الفرح أوصلتها إلى مرسى الفندق الذى تقيم به وقلت لها أننى قد أعددت برنامجا ًرائعا ً لمشاهدة معالم أسوان سيبدأ من الغد وسيكون معنا مرشداً ألمانيا ًيشرح لها فابتسمت وشكرتنى ثم عدنا إلى البيت نتمنى السعادة للعروسين.
وإلى اللقاء فى الحلقة القادمة ،،،،
                                                                  نرمين كحيلة 

ليالى الأنس فى أسوان (الحلقة الخامسة)

       ذهبت فى الموعد المحدد لاصطحاب صديقتى فوجدتها قد جاءت مبكرا ًوأنا الأخرى قد جئت مبكرة بعض الشئ وكأن ميعاد آخر يجمع بيننا ، ذهبنا إلى المنزل لرفقة العروس إلى مصففة الشعر(الكوافيرة) وكان ذلك فى الساعة الثالثة عصراً ، ودلفنا إلى داخل المحل ففوجئت صديقتى بأصناف شتى من النساء اللائى جئن طلباً للتجميل وسألتنى:"هل هذا المكان مخصص للنساء فقط ؟" قلت :"نعم ، أما الرجال فلهم مكان آخر" قالت:"إن عندنا فى ألمانيا يختلط الرجال مع النساء فى مكان واحد". وحين رأت صديقتى العمليات المختلفة التى تمر بها العروس ومراحل تصفيف الشعر والباديكير والمانيكير وغيره من وسائل التجميل تعجبت وقالت:"أكل هذا الاهتمام بتجميل العروس من أجل الزوج ؟" قلت:"نعم ، ألستم تهتمون مثلنا بتجميل العروس ؟"قالت:"ليس بهذه الدرجة". وحينما رأت العروس تتألم وتئن من كثرة ما تعرضت له من وسائل ومراحل تجميلية قالت فى شفقة:"أوه !! إن العروس تتألم ، كل هذه الآلام من أجل عيون الرجل ؟ مسكينة هى المرأة فى بلدكم كم تعانى !؟". فقلت فى نفسى:"آه لو تعلمين أن المرأة المصرية تعانى جسديا ًونفسيا ًمن أجل إسعاد الرجل فهناك من النساء من تصبر على سوء أخلاق زوجها ومعاملته السيئة لها وضربه وشتمه وأحيانا ً قهرها بالزواج عليها من أخرى دون مبرر لذلك إلا إرضاء أنانيته وغروره ، ولا يقدر الرجل كم تعانى المرأة من أجله ومن أجل الحفاظ على بيته وأولاده وما تمر به من آلام منذ لحظة الزواج وحتى الولادة ، لو شعر بكل معاناتها لما توقف عن شكرها ليل نهار والسهرعلى راحتها ومساعدتها. بل إن المجتمع بأكمله دائما ًيطالب الزوجة بتحمل زوجها ولا يطالب الرجل بتحمل زوجته ، وهذا ظلم بيِّن.
   
    وطالت فترة وجودنا عند مصففة الشعر لساعات طويلة حتى ملَّت صديقتى وقالت:"كل هذه الساعات الطويلة تقضيها المرأة فى التجمل ؟!" فاقترحت عليها أن نتمشى سويا ًلبضع دقائق ثم نعود فوافقت.

      وحين تم تجهيز العروس ، وكان ذلك فى الساعة العاشرة مساءً أتى العريس لمرافقتها وبدأت الزفَّة على باب المحل وفوجئت صديقتى بالطبول والدفوف  والزغاريد التى انبعثت من كل مكان فسدَّت أذنها من شدة علو الصوت وشرحت لها أن هذه هى الزفة عندنا ولابد منها فقالت:"وهل كل عروس تفعل ذلك أم أختك فقط؟" فقلت:"طبعا ً كل عروس" وأخذت تلتقط الصور باعتبارها شئ عجيب لديها سوف تحدث به بنى جلدتها حين تعود إلى بلادها.

     وركبنا السيارات وكانت سيارة العروسين مزدانة بأجمل زينة ، إلى أن وصلنا استديو التصوير لأخذ الصورة التذكارية للعروسين ومعهم أحبائهم. وإلى اللقاء فى الحلقة القادمة ،،،،،
                                                           نرمين كحيلة