الأحد، 19 فبراير 2012

شقاء البعد عن الله


    يتصور العاصى أنه  قادر على الاستغناء عن الله قال تعالى:"كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى." (العلق:6-7 ) قال ابن كثير: يخبر تعالى عن الإنسان أنه ذو فرح وأشر وبطر وطغيان إذا رأى نفسه قد استغنى وكثر ماله ، ثم تهدده وتوعده ووعظه فقال: إن إلى ربك الرجعى. أي إلى الله المصير والمرجع وسيحاسبك على مالك من أين جمعته وفيم صرفته.
    يقول الملحدون أن المسلمين مغفلون لأنهم يبحثون فى الجنة عن الطعام والشراب والحور العين والملذات ونحن نملكها الآن.. لكن السؤال الذى يجب أن نوجهه إلى هؤلاء: أنتم لديكم كل أصناف الطعام والشراب لكن هل تضمن أن تأكل ما تشاء بالكميات التى تريدها ولا يحدث لك انتفاخ أو إسهال أو مغص أو قئ  أو أى مرض من أمراض البطن؟ هل تضمن أن تظل صحيحا معافى لا يأتيك مرض ولا ألم ولا حتى تعب نفسى ولا اكتئاب؟ هل تستطيع أن تمنع نفسك من الخوف والقلق والتوتر؟ إننا لا نبحث فى الجنة عن الطعام والشراب إنما نبحث عن راحة البال والسعادة والحب وعدم الحقد والغل والحسد . انظر إلى قوله تعالى:" ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون" (الحجر:47)

   والغريب أن بيننا مسلمين لا يعرفون ماهية الجنة وكينونتها فقد سمعت ذات يوم حديثا تلفزيونيا للمحامية المعروفة نهاد أبو القمصان تقول فيه للمذيعة إن ابنتى الصغرى جاءت تسألنى ذات يوم إن الجنة يا أمى فيها لبن وعسل وفى السوبر ماركت أيضا لبن وعسل فما الفرق؟ ولماذا ننتظر الجنة طالما أن لدينا كل شئ الآن؟ تقول نهاد: فوجمت ولم أستطع أن أجيب ابنتى لذلك أنا أطالب رجال الدين بتغيير الخطاب الدينى لإجابة هذه النوعية من الأسئلة.

   والحقيقة أحزننى رد نهاد لأن الإجابة بسيطة وسهلة ولا تحتاج لمؤتمر عالمى يجتمع فيه علماء الدين ليخرجوا لنا بنتيجة ، وإذا كان هذا هو شأن امراة متعلمة مثقفة ذات منصب فماذا يكون تفكير من هو أقل منها علما وفكرا؟

    ذكر الله عز وجل فيما ينعم به على أهل الجنة نزع الغل من صدورهم . والنزع : الاستخراج . والغل : الحقد الكامن في الصدر . والجمع غلال . أي أذهبنا في الجنة ما كان في قلوبهم من الغل في الدنيا . قال النبي صلى الله عليه وسلم : الغل على باب الجنة كمبارك الإبل قد نزعه الله من قلوب المؤمنين. تصور أنك فى مجتمع لا يحسدك فيه أحد ولا يحقد عليك أحد ولا يدبر لك أحد مؤامرة ، إنها المدينة الفاضلة التى بحث عنها الفلاسفة من أول أفلاطون وسقراط وأرسطو وغيرهم ولم يجدوها.
    وللنظر مثلا إلى "جاجارين" رائد الفضاء السوفيتى وأول إنسان انطلق إلى الفضاء  عندما عاد من رحلته قال فى تصريح له إنه صعد للسماء ولم يجد الله. فماذا فعل الله به؟ تعرضت الطائرة أثناء هبوطها لعطل فني في المحركات أدى إلى سقوطها وانفجارها على الأرض ووفاة جاجارين وزميله.

    والحقيقة أنى كلما قرأت الآية الكريمة في سورة طه: ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا  قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى))[طه:124-126] أدركت فعلا أن هذا وعيد شديد لمن أعرض عن ذكر الله وعن طاعته فلم يؤدِ حق الله ، هذا جزاؤه، تكون له معيشة ضنكا وإن كان في مال كثير وسعة لكن يجعل في عيشته ضنكاً، لما يقع في قلبه من الضيق والحرج والمشقة فلا ينفعه وجود المال، ثم يحشر يوم القيامة أعمى.  

هذه الآية تشيرإلى كل شخص يغفل عن ذكر الله..   فقد نرى مثلا رجلا ثريا ولديه أولاد وزوجة ومنصب لكنه حزين مكتئب فالمال يشترى السرير ولا يشترى النوم ، يشترى الذمم ولكن لا يشترى الحب والإخلاص والوفاء ، يشترى الدواء ولا يشترى الشفاء.

    وعلى العكس من ذلك يخبرنا الله تعالى بأن من يذكر الله يطمئن قلبه " الذين امنوا وتطمئن قلوبهم الا بذكر الله تطمئن القلوب"(الرعد :28) فلا تجد أبدا إنسانا قريبا من الله يزور الطبيب النفسى أو يتعرض للاكتئاب.

فالانسان بحاجة دائمة إلى الله مهما بلغت ثروته أو قوته أو أولاده أو منصبه فهو مجبول على حب الله والاحتياج له ومهما حاول أن يبتعد عنه فلن يستطيع أبدا لأنه صنعة الله كما لا تستغنى الآلة عن المهندس الذى صنعها.

    ولنرى فعلا نماذج من الملحدين لديهم كل شئ وليسوا سعداء ونسبة الانتحار فى أوروبا وأمريكا بين المترفين كبيرة أما المؤمن فدائما راضى وسعيد حتى لو فقير.

     كم منا يعلم ماذا يحدث لأجسامنا عند قولنا يا الله؟
توصل باحث هولندي في جامعة ( أمستردام) الهولنديه
إلى أن تكرار لفظ الجلالة يفرغ شحنات التوتر
والقلق بصورة عملية ويعيد حالة الهدوء والانتظام للنفس البشرية .أكد الباحث أنه أجرى على مدار3 سنوات لعدد كبير من المرضى بينهم غير مسلمين ولا ينطقون العربية وكانت النتائج مذهلة بخاصة للمرضى الذين يعانون من حالات شديدة من الاكتئاب والقلق
والتوتر .وأوضح الباحث بصورة عملية فائدة النطق بلفظ الجلالة
فحرف الألف يصدر من المنطقة التي تعلو منطقة الصدر أي بدايات التنفس  ويؤدي تكراره لتنظيم التنفس والإحساس بارتياح داخلي . كما أن نطق حرف اللام يأتي نتيجة لوضع اللسان على الجزء الأعلى من الفك وملامسته وهذه الحركة تؤدي للسكون والصمت ثوان أو جزء من الثانية مع التكرار السريع وهذا الصمت اللحظي يعطي راحة في التنفس . أما حرف الهاء الذي مهد له بقوة حرف اللام
فيــؤدي نطقه إلى حدوث ربط بين الرئتين  -
 
عصب ومركز الجهاز التنفسي _ وبين القلب 'ويؤدي إلى انتظام ضربات القلب بصورة طبيعية .

   
فالسعادة وراحة البال نعمة لا يعطيها الله إلا للمؤمنين فقط وحتى الجنة أعظم ما فيها هو راحة البال انظر إلى قوله تعالى" لا تسمع فيها لاغية"(الغاشية:11) أى لا تسمع فيها أية كلمة مؤذية من سباب وشتائم أو أى كلمة جارحة للشعور لأن كل من فى الجنة سيتكلمون بحكمة وبكلام جميل والمقصود طبعا أنه من أصغر شئ وهو الكلمة الجارحة لأكبر شئ وهو الأفعال التى يمكن أن تضايق أهل الجنة.

    سُئل الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ما أعظم جنود الله ؟؟ قال : إني نظرت فوجدت أن الهم والغم أعظم جنود الله ونظرت فوجدتهما محلهما القلب فقلت القلب أعظم جنود الله ، ووجدت هذا القلب لا يطمئن إلا بذكر الله فقلت أعظم جنود الله ذكر الله .الذين امنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب.
فلا تنس ذكر الله عزيزى القارئ.
نرمين كحيلة