السبت، 26 مايو 2012

الشعب يريد عودة النظام



    لطالما استوقفتنى فى التاريخ قصة بيبرس وقطز وأجدها تستوقفنى الآن أكثر من ذى قبل فما أشبه اليوم بالبارحة! فقد كان بيبرس صديقا حميما لقطز ، جمع بينهما الرق والأسر ولما أصبح قطز ملكا لمصر شعر بيبرس بالغيرة منه وأراد أن يصبح مكانه ولم يكن يعلم أن قطز ينتوى بالفعل التنازل لصديقه عن الحكم ولكن بعد انتصارهم على التتار .. قرر بيبرس بالفعل أن يقتل صديقه قطز ويستولى على حكم مصر ولكن حبه لوطنه ولدينه منعه من أن يقتله أثناء المعركة فانتظر حتى تم لهم النصر وأصبحت مصر آمنة ثم قتله..هذه القصة رغم ما بها من مأساة وقتل وخيانة للصداقة وطمع إلا أنها تكشف عن خلق نبيل نفتقده هذه الأيام وهو أن أتعاون مع ابن بلدى ودينى حتى لو اختلفت معه فكريا وسياسيا وحتى لو كنت أكرهه فى مواجهة عدوى ومغتصب أرضى وآكل حقوقى وأن نتناسى خلافاتنا ونزاعاتنا من أجل وطننا هذه هى أخلاق الفرسان لذلك فقد حققوا نصرا مؤزرا ، وهذا ما يحدث اليوم ، فقد وضعنا فى اختيار واحد لا ثانى له إما أن نقبل بالذل والهوان بعودة النظام السابق وإما أن نقبل بطرف ربما البعض غير راضِ عنه فى سبيل مصرنا العزيزة ، فمن يقول شفيق أرحم من الإخوان هو كالمستجير من الرمضاء بالنار.. إذا كنا نريد "شفيق" رئيسا لمصر فلماذا قمنا بالثورة؟ ولماذا ضحينا بأرواحنا وعيوننا؟كان الأحرى بنا أن نقول:"الشعب يريد إسقاط مبارك وإحلال شفيق بدلا منه" إذا كنا لم نرضَ به رئيسا للوزراء وانطلقت المظاهرات فى الميدان تطالب بإسقاطه فكيف بنا الآن نرضى به رئيسا؟ اتقوا الله فى مصر فإنها أمانة فى أعناقكم تذكروا قول النبى صلى الله عليه وسلم:"من مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام".
نرمين كحيلة

الثلاثاء، 15 مايو 2012

رئيس لكل مواطن



   يسألنى كثير من الناس من ستختارين رئيسا لمصر؟ والحقيقة كانت الإجابة عسيرة فى ظل الأوضاع التى تمر بها البلاد لكننى بعد تفكير عميق واستخارة الله سبحانه وتعالى وجدت الإجابة التى استراح لها ضميرى فسوف يسألنى الله عن صوتى لمن أعطيته لأنه أمانة وشهادة حق لا يجب كتمانها حتى لا يكون آثما قلبى. ورغم علمى أنى سأقابل بهجوم شرس من البعض إلا أننى وبكل ثقة أستطيع أن أقول أنى سأختار الدكتور محمد مرسى ، وأقول لمن يعارضنى:"يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" (المائدة :8) يعنى لا يصح أبدا أن نتهم إنسان بأنه سئ أو نسئ معاملته لمجرد بغضنا له أو اختلافنا معه سياسا.

    يقول الدكتور:محمد راتب النابلسى: معنى لا يجرمنَّكم أي لا يحملنَّكم ، شنآن قوم ، الشنآن البغض ، على ألا تعدلوا .
الله يخاطب المؤمنين ، من هم أعداء المؤمنين التقليدين الكفارُ ، الفجارُ ، الملاحدةُ ، المنافقون .كأن الله عز وجل يقول : يا عبادي ، إذا توهمتم أنني أرضى عنكم ، إذا لم تعدلوا مع خصومكم فأنتم واهمون ، لا يرضيني إلا أن تعدلوا معهم ، ولا يقربكم إليَ إلا أن تنصفوهم ، إذا أكلتم أموالهم واعتديتم على أعراضهم بدعوى أنهم كفار ، فهذا هو عين الخطأ "  لا يحملنكم بغض قومٍ على أن تظلموهم ، "اعدلوا هو أقرب للتقوى".
يعني إذا عدلتم مع أعدائكم قربتموهم من الله.
   
   جاء شخص فاجر لسيدنا عمر وقال له: يا أمير المؤمنين أتحبني ؟ قال له : والله لا أحبك ، قال : وهل يمنعك بغضك لي من أن تعطيني حقي ، قال له : لا والله ، حقك واصلٌ إليك ، أحببتك أم كرهتك ، هذا هو الإسلام وفي آية أخرى قال:" شهداء بالقسط   ولو على أنفسكم"  (النساء : 135 )

   وبصرف النظر عن كونه مرشح الإخوان هو شخص مؤتمن ومحل ثقة واحترام ، لم يتلوث تاريخه بالفساد ولم تتلطخ يداه بالدماء مثل بعض المرشحين ، كما أنه يحترم المرأة ويكفى أنه عالم وأرى أنه يحمل كل مقومات الرئيس الناجح :العلم والدين والحنكة السياسية والتعامل مع العالم الخارجى بسبب دراسته بأمريكا يعنى رجل ذو عقلية متفتحة متنورة ولديه مشروع للنهضة ، مصر فى أمس الحاجة إليه.
   وقد حدد لنا الله عزوجل مواصفات الحاكم الناجح عندما تكلم عن طالوت وعن سبب اختياره ملكا لبنى إسرائيل رغم اعتراضهم عليه:" وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ {البقرة: 247} أي زيادة في العلم, وطولا في القامة, وقوة في البدن .
   فمعنى البسطة في اللغة : القوة ، والوفرة ، والسعة في أمر من الأمور وقد قال بعض المفسرين في معنى البسطة في الآية الكريمة هي طول الأجسام وقوتها لأن البسطة في الخلق تشمل قوة الأجسام والعقول.
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" (البقرة:247)
    هم الذين طلبوا من نبيهم أن يبعث لهم ملكا. ورغم ذلك اعترضوا على اختيار الله "قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال". وهذه بداية التلكؤ واللجاجة. إنهم يريدون الوجاهة والغنى..
ولقد كانوا ينتمون إلى نسلين: نسل أخذ النبوة وهو نسل بنيامين، ونسل أخذ الملوكية وهو نسل لاوي بن يعقوب. فلما قال لهم: "إن الله بعث لكم طالوت ملكا"، بدأوا يبحثون عن صحيفة النسب الخاصة به فلم يجدوه منتميا لا لهذا ولا لذاك، ولذلك قالوا: ""أنى يكون له الملك علينا". وهذا يدلنا على أن الناس حين يريدون وضعا من الأوضاع لا يريدون الرجل المناسب للموقف، ولكن يريدون الرجل المناسب لنفوسهم وهواهم ، بدليل قولهم: "أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه". وهل الملك يأتي غطرسة أو كبرياء؟ ومادام طالوت رجلا من غمَّار الناس فالحق سبحانه وتعالى يريد أن يضع قاعدة مهمة عند اختيار الحاكم وهي أنك حين تريد الاختيار فإياك أن يغشك حسب أو نسب أو جاه، ولكن اختر الأصلح من أهل الخبرة والعلم لا من أهل المال . لقد تناسوا أن القضية التي طلبوها من نبيهم تحتاج إلى صفتين: رجل جسيم ورجل عليم، والله اختار لهم طالوت رجلا جسيما وعليما معا.

   ونلاحظ أن الله تعالى كرر صفة العلم فيمن يتولى أمور الناس "قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم" (يوسف:55) .

 قال يوسف عليه السلام: اجعلني على خزائن الأرض ) الخزائن : جمع خزانة ، وأراد خزائن الطعام والأموال ، والأرض : أرض مصر أي : خزائن أرضك .

إني حفيظ عليم
أي :  حفيظ للخزائن عليم بوجوه مصالحها .

فقال له الملك . ومن أحق به منك ؟ ! فولاه ذلك ، وقال له : إنك اليوم لدينا مكين ، أى: ذو مكانة ومنزلة ، أمين على الخزائن .

    وأتعجب حقا لمن يصف الدكتور مرسى بأنه استبن فقد فعلها عمر بن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه حين ولى ستة من الصحابة ليختاروا من بينهم الخليفة فما العيب فى ذلك؟ وأما أن الإخوان هم الذين رشحوه فيحدثنا التاريخ عن موقف مشابه فقد ذهب وفد من علماء الأزهر- بقيادة عمر مكرم - إلى بيت محمد على باشا وأبلغوه بأنهم قد رشحوه لمنصب ملك مصر وألبسوه خلعة الملك.

   وأناشد كل مصرى أن ينظر بعين حيادية مجردة عن الأهواء فالدكتور مرسى مشهود له بالكفاءة فقد كان من أنشط أعضاء مجلس الشعب وصاحب أشهر استجواب عن حادثة قطار الصعيد وأدان الحكومة وخرجت الصحف الحكومية في اليوم التالي تشيد باستجوابه. وقد تم اختياره عالميا كأفضل برلماني لعام 2000-2005 من خلال أدائه البرلماني .فضلا عن أنه لم يسعَ للسلطة ولم يتكالب عليها كغيره من المرشحين. وهو حاصل على بكالوريوس الهندسة جامعة القاهرة 1975 بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف ثم على الدكتوراه من جامعة في كاليفورنيا بالولايات المتحدة. يعنى معروف بالتفوق والنبوغ أى أن الله زاده بسطة فى العلم.
    وقد اختير د. مرسي عضوًا بلجنة مقاومة الصهيونية بمحافظة الشرقية ، كما اختير عضوًا بالمؤتمر الدولي للأحزاب والقوى السياسية والنقابات المهنية، وهو عضو مؤسس باللجنة المصرية لمقاومة المشروع الصهيوني. .أى أنه لن يصدر الغاز لإسرائيل ولن يرتمى فى أحضانها مثل غيره من المرشحين.

نرمين كحيلة

الخميس، 3 مايو 2012

القاتل لا يرث



  
     هذه قاعدة فقهية شهيرة لأنه من تعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه أى لو فرضنا أن شخصا ما قتل عمه أو أبيه ليرثه فتعاقبه الشريعة بحرمانه من الميراث..
وقياسا على ذلك ننادى بقانون الغدر الذى تم تغيير اسمه إلى قانون العزل السياسى واقترح تسميته بقانون "اللى اختشوا ماتوا" إذ أنه لو كان عندهم نقطة دم مازلت تجرى فى عروقهم أو ذرة إحساس ما جرؤوا على ترشيح أنفسهم بعد كل ما فعلوه فى البلاد والعباد.

    ويحدد المرسوم، الذى يصدره المجلس الأعلي، عددا من الجزاءات لمرتكبى جرائم إفساد الحياة السياسية، وتشمل العزل من الوظائف العامة القيادية وسقوط العضوية فى مجلسى الشعب أو الشورى أو المجالس الشعبية المحلية، والحرمان من حق الانتخاب، أو الترشح لأى مجلس من المجالس السابقة لمدة أقصاها خمس سنوات من تاريخ الحكم، والحرمان من تولى الوظائف العامة القيادية لمدة أقصاها خمس سنوات، والحرمان من الانتماء إلى أى حزب سياسى لمدة أقصاها خمس سنوات من تاريخ الحكم، إضافة إلى الحرمان من عضوية مجالس إدارة الهيئات أو الشركات أو المؤسسات التى تخضع لإشراف السلطات العامة للمدة نفسها.

     والحقيقة لا أعلم سر هذه السنوات الخمس التى حددها القانون هل هى خمسة وخميسة حتى لا نحسدهم عندما يعودون إلى مناصبهم مرفوعين الرأس وقد أخرجوا لنا ألسنتهم ليقولوا لنا موتوا بغيظكم ؟ يجب أن يمتد هذا القانون طوال العمر وليس خمس سنوات فقط.
    فهؤلاء الذين استثمروا نجاح الثورة لصالحهم - رغم أنهم كانوا أشد أعدائها - وجاءت لهم المناصب على طبق من فضة أقل ما يقال عنهم أنهم يقتلون القتيل ويمشون فى جنازته ، هم قتلة ويريدون أن يرثوا القتيل ألا وهو الشعب المصرى يريدون أن يرثوا عرش مصر فهذا الذى لم يكن يعلم ما يدور على أرض مصر نقول له إن كنت لا تدرى فتلك مصيبة وإن كنت تدرى فالمصيبة أكبر وإن عذرك بأنك لم تكن تعلم بموقعة الجمل هو عذر أقبح من ذنب ولا يعفيك من المسؤولية إلا أن تكون فاقدا لحواسك الخمس وفى هذه الحالة لا تصلح لرئاسة وزراء مصر لأن مصر لا تحتاج لوزير أبكم وأصم وأعمى..ولا نستبعد اليوم الذى تفاجئنا به الصحف بخبر تعيين مبارك رئيس وزراء وكأننا فى لعبة الكراسى الموسيقية فمن كان بالأمس رئيس وزراء يصبح اليوم رئيسا للجمهورية ومن كان رئيسا يصبح وزيرا وكأن مصر عدمت رجالها ولم يتبق غير هؤلاء العشرة الذين يتبادون أماكنهم ولا أجد فى هذا السياق إلا كلمة الخليفة العباسى عندما علم بتولى شجر الدر حكم مصر:"إن كانت الرجال قد عدمت عندكم فاعلمونى حتى أرسل لكم رجلا".

   هؤلاء لا يكفى عزلهم سياسيا فقط بل يجب أن نطبق عليهم عقوبة الخسروان وهى أن يركب المجرم حمارًا بطريقة معكوسة يمشى به بين الناس وعلى جانبى الحمار تتدلى أجراس وجلاجل لذلك قيل: فضيحة بجلاجل ، وقيل أيضا تجريس أى فضيحة باستخدام الأجراس لكى ينتبه كل الناس ثم نسلط عليهم أطفال الشوراع تغنى لهم أنشودة :هؤلاء من باعوا أوطانهم وخانوا دينهم وشعوبهم وأمانتهم.

    ونطبق عليهم عقاب موسى عليه السلام للسامرى حين قَالَ "فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ"
 
    في تفسير الجلالين  يقول: ((لاَ مِسَاسَ)).. أي لا تقربني ، فكان يهيم في البرية وإذا مسَّ أحدًا أو مسَّه أحد حُمَّاً جميعًا (أى أصابتهم الحمى). وقيل أنه نيت له شعر كشعر الحيوانات وأصبح مثلهم .. قال لـه موسى: لقد فعلت هذا لتنال العزة والسيادة، وليس جزاؤك الآن إلا أن تلقى الخزي والهوان بين القوم. فعقابك أن تنادي بين بني إسرائيل كلما مررت بهم: لا يمسَسْني أحد، لأن موسى قد نهاكم عن أن ترتبطوا بى بأية علاقة، بل اقطعوا علاقاتكم بي كلية. (( وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ)).. واعلم أن عقابك هذا سيستمر طيلة حياتك. وهذا عقابك في الدنيا، وهناك عقاب آخر أيضًا ولا بد أن ينالك.


لا بد أن يطبق عليهم قانون البعير الأجرب قال النابغة الذبيانى:
فلا تتركني بالوعيدِ ، كأنني
                  
إلى النّاسِ مَطليٌّ به القارُ، أجْرَبُ
القار هنا: القطران. وإنما شبه نفسه بالبعير الأجرب المطلي بالقطران، لأن الناس يطردونه، إذا أراد الدخول بين إبلهم، لئلا يعديها بدائه.

لا بد أن نفعل كل هذا بهم ليكونوا عبرة لمن يعتبر ولكل من تسول له نفسه أن يخون مصر.
نرمين كحيلة



الأربعاء، 2 مايو 2012

عودة هامان



    أتعجب حقا لمن ينادون بأحمد شفيق أو عمر سليمان أو عمرو موسى رئيسا لمصر؛ فهؤلاء جميعا كانوا أذناب النظام السابق وأعوانه ، واليد التى يبطش بها .. وعندما قامت الثورة لم تنادِ فقط بإسقاط شخص وإحلال شخص آخر مكانه ولكنها نادت بإسقاط نظام بأكمله بجميع رموزه وأركانه وأحزابه فما فائدة أن يمشى حسن ويأتى بدلا منه صديقه حسنين؟ إن المقصود ليس تغيير الأسماء ولكن تغيير فكر فاسد دفع البلاد إلى هاوية سحيقة.
    وأتذكر فى هذا الصدد قصة فرعون وهامان التى ذكرت فى القرآن الكريم لنستقى منها الدروس والعبر والتى هى قصة مكررة فى كل زمان ومكان فقد قال تعالى:"فاستخف قومه فأطاعوه . إنهم كانوا قوماً فاسقين"(الزخرف:43)
قال سيد قطب - رحمه الله- في ظلال هذه الآية الكريمة من سورة الزخرف : "واستخفاف الطغاة للجماهير أمر لا غرابة فيه ; فهم يعزلون الجماهير أولاً عن كل سبل المعرفة , ويحجبون عنهم الحقائق حتى ينسوها , ولا يعودوا يبحثون عنها ; ويلقون في روعهم ما يشاءون من المؤثرات حتى تنطبع نفوسهم بهذه المؤثرات المصطنعة . ومن ثم يسهل استخفافهم بعد ذلك , ويلين قيادهم , فيذهبون بهم ذات اليمين وذات الشمال مطمئنين  !

 
ولا يملك الطاغية أن يفعل بالجماهير هذه الفعلة إلا وهم فاسقون لا يستقيمون على طريق،  ولا يمسكون بحبل الله , ولا يزنون بميزان الإيمان . فأما المؤمنون فيصعب خداعهم واستخفافهم واللعب بهم كالريشة في مهب الريح . ومن هنا يعلل القرآن استجابة الجماهير لفرعون فيقول": فاستخف قومه فأطاعوه . إنهم كانوا قوماً فاسقين" أى أن اللوم ليس على حاكم جائر ولكن على شعب مغفل.

    قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه:لو تعثرت بغلة بالعراق لسئل عنها عمر.. لاحظ أن عمر كان يعيش آنذاك فى المدينة والبغلة فى العراق يعنى بينهما مسافات طويلة يقطعها المسافر فى شهور فى عصر ليس به لا إنترنت ولا هواتف أرضية ولا محمولة ولا أية وسيلة اتصال يستطيع من خلالها أن يتتبع أخبار تلك البغلة فيمنعها من التعثر فما بالك برئيس وزراء يمتلك كل وسائل التقنية الحديثة وثورة فى الاتصالات والاستخبارات حينما تدور موقعة الجمل فى بلد هو أعلى مسؤول فيها ولمدة خمسة عشر ساعة متواصلة وتذاع على كل تليفزيونات العالم ويراها القاصى والدانى حتى تحصد أرواح المئات ثم يطل علينا بمنتهى البرود فى اليوم التالى وبراءة الأطفال فى عينيه ويقول:"ماكنتش أعرف..أنا آسف" هو بلا شك يستخف بعقول الشعب المصرى ولا يمكن لعقل طفل أن يصدق ذلك..ثم يسخر من الثورة والثوار ويقول أنه سجزل لهم العطاء ويمد لهم يد السخاء ويعطيهم البنوبون ثم بعد ذلك نجد له أنصارًا يؤيدونه وينادون به رئيسا ولا أجد معنى لذلك إلا أنه استخف قومه فانتخبوه..مثلما ذكرت الآية:"فاسخف قومه فأطاعوه"
وعندما ذكر الله عز وجل فرعون لم يخصه وحده بالهلاك بل أشرك معه وزيره هامان وجنودهما أيضا لأنهم جميعا كانوا شركاء له فى جرائمه بحق الشعب وكانوا ذراعه التى يبطش بها أى أنه أهلك النظام الحاكم كله:الفرعون ورئيس وزرائه ونائبه والجنود المنفذين لأوامرهم أيضا ولم يستثنِ منهم أحدا."إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين"(القصص:88)
   فلا يتصور عاقل أبدا أنه بعد هلاك فرعون يقول قائل:فلنولِ علينا هامان لذا أرى أن قانون العزل السياسى لا بد من تفعيله حتى لا نكافئ المجرم بأن نوليه علينا.
    نلاحظ فى هذه الآية ثلاثة أشياء:الانتقام ، فالإغراق ، فالاعتبار بهم في الأمم بعدهم.
والأسف : الغضب المشوب بحزن وكدر ، وأطلق على صنيع فرعون وقومه فعل آسفونا ؛ لأنه فعل يترتب عليه انتقام الله منهم انتقاما كانتقام الآسف ؛ لأنهم عصوا رسوله وصمموا على شركهم بعد ظهور آيات الصدق لموسى عليه السلام .

فاستعير " آسفونا " لمعنى عصونا للمشابهة ، والمعنى : فلما عصونا عصيان العبد ربه المنعم عليه بكفران النعمة ، والله يستحيل عليه أن يتصف بالآسف كما يستحيل عليه أن يتصف بالغضب على الحقيقة ، فيؤول المعنى إلى أن الله عاملهم كما يعامل السيد المأسوف عبدا أسفه فلم يترك لرحمة سيده مسلكا . ومعنى الآخرين : الناس الذين هم آخر مماثل لهم في حين هذا الكلام فتعين أنهم المشركون المكذبون للرسول - صلى الله عليه وسلم - فإن هؤلاء هم آخر الأمم المشابهة لقوم فرعون في عبادة الأصنام وتكذيب الرسول . ومعنى الكلام : فجعلناهم سلفا لكم ومثلا لكم فاتعظوا بذلك . أى أن الإغراق لم يكن لفرعون فقط بل كان لكل رموز نظامه ليكونوا عبرة لمن بعدهم من الأمم.
نرمين كحيلة