السبت، 31 أغسطس 2013

ذرية بعضها من بعض





    كنت فى قمة الذهول والإندهاش والإعجاب وأنا أستمع إلى السيدة العظيمة أم البطل الدكتور محمد البلتاجى وهى وتروى قصة المسؤول الكبير الذى هاتفها وساومها على حرية ابنها والعفو عنه فى مقابل أن يبيع القضية ويغادر مصر لينجو بنفسه ظنا منهم أن أمه ستشفق عليه وتضغط عليه لينفذ أوامرهم لكنها وبكل رباطة جأس وشجاعة قالت:لو فعل ذلك سأتبرأ منه وأنا فخورة به. ذكرنى هذا المشهد بمشهد آخر للسيدة أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنها حين دخل عليها ابنها عبد الله بن الزبير وقبيل مصرع عبد الله بن الزبير بساعاتٍ دخل على أمه أسماء بنت أبي بكر- وكانت عجوزًا قد كفَّ بصرها- فقال: السلام عليك يا أُمَّه ورحمة الله وبركاته.
فقالت: وعليك السلام يا عبد الله.
ما الذي أقدمك في هذه الساعة، والصخور التي تقذفها منجنيقات الحَجَّاج على جنودك في الحرم تهز دور مكة هزًا؟!
قال: جئت لأستشيرك.
قالت: تستشيرني... في ماذا؟!
قال: لقد خذلني الناس وانحازوا عني رهبة من الحجاج أو رغبة بما عنده حتى أولادي وأهلي انفضوا عني، ولم يبق معي إلا نفر قليل من رجالي، وهم مهما عظم جلدهم فلن يصبروا إلا ساعة أو ساعتين، وأرسل بني أمية يفاوضونني على أن يعطونني ما شئت من الدنيا إذا ألقيت السلاح وبايعت عبد الملك بن مروان، فما ترين؟
فعلا صوتها وقالت: الشأن شأنك يا عبد الله، و أنت أعلم بنفسك؛ فإن كنت تعتقد أنك على حق، و تدعو إلى حق،فاصبر كما صبر أصحابك الذين قتلوا تحت رايتك، وإن كنت إنما أردت الدنيا فلبئس العبد أنت... أهلكت نفسك، وأهلكت رجالك.
قال: ولكني مقتول اليوم لا محالة.
قالت: ذلك خير لك من أن تسلم نفسك للحجاج مختارًا، فيلعب برأسك غلمان بني أمية.
قال: لست أخشى القتل، وإنما أخاف أن يمثِّلوا بي.
قالت: ليس بعد القتل ما يخافه المرء فالشاة المذبوحة لا يؤلمها السلخ فأشرقت أسارير وجهه وقال: بوركتِ من أم، وبوركت مناقبك الجليلة؛ فأنا ما جئت إليك في هذه الساعة إلا لأسمع منك ما سمعت، والله يعلم أنني ما وهنت ولا ضعفت، وهو الشهيد علي أنني ما قمت بما قمت به حبا بالدنيا وزينتها، وإنما غضبًا لله أن تستباح محارمه، وها أنا ذا ماضٍ إلى ما تحبين، فإذا أنا قتلت فلا تحزني علي وسلمي أمرك لله قالت: إنما أحزن عليك لو قتلت في باطل.
قال: كوني على ثقة بأن ابنك لم يتعمد إتيان منكر قط، ولا عمل بفاحشة قط، ولم يجر في حكم الله، ولم يغدر في أمان، ولم يتعمد ظلم مسلم ولا معاهد، ولم يكن شيء عنده آثر من رضى الله عز وجل، لا أقول ذلك تزكية لنفسي؛ فالله أعلم مني بي، وإنما قلته لأدخل العزاء على قلبك.
فقالت: الحمد لله الذي جعلك على ما يحب و أُحب.
اقترب مني يابني لأتشمم رائحتك وألمس جسدك فقد يكون هذا آخر العهد بك .

فأكب عبدالله على يديها ورجليها يوسعهما لثماً , و أجالت أنفها في رأسه ووجهه وعنقه تشممه و تقبله ...

وأطلقت يديها تتلمس جسده ثم ما لبثت أن ردتهما عنه وهي تقول :
ماهذا الذي تلبسه يا عبدالله ؟ّ
قال : درعي .

قالت : ماهذا يابني لباس من يريد الشهادة .

قال : إنما لبستها لأطيب خاطرك , و أسكن قلبك .

قالت:
انزعها عنك, فذلك أشد لِحَمِيَّتِمَ و أقوى لوثبتك و أخف لحركتك ...
ولكن البس بدلاً منها سراويل مضاعفة حتى إذا صرعت لم تنكشف عورتك .


نزع عبد الله بن الزبير درعه , وشد عليه سراويله , ومضى إلى الحرم لمواصلة القتال وهو يقول :
لا تفتري عن الدعاء لي يا أُمَّه .

فرفعت كفيها إلى السماء وهي تقول :
اللهم ارحم طول قيامه وشدة نحيبه في سواد الليل والناس نيام ...
اللهم ارحم جوعه وظمأه في هواجر المدينة ومكة وهو صائم ...
اللهم ارحم بره بأبيه و أمه ...
اللهم إني قد سلمته لأمرك , ورضيت بما قضيت له ؛ فأثبني عليه ثواب الصابرين ...


لم تغرب شمس ذلك اليوم إلا كان عبد الله بن الزبير قد لحق بجوار ربه .
  وقد صدق الله العظيم حين قال:"ذرية بعضها من بعض" أى دينهم واحد وطَريقَتهم وَاحِدَة ، ذُرِّيَّة دِين بَعْضهَا دِين بَعْض , وكَلِمَتهم وَاحِدَة , وملَّتهمْ واحدة فِي تَوحيد اللَّه وطَاعته فِي النِّيَّة والْعمل والإِخلاص والتَّوحِيد لَه.
فالرجل أذهل العالم برباطة جأشه وصبره وتقبله لقضاء الله وقدره واحتسابه وابتسامته فى وجه من سجنوه حتى إن اردوغان بكى والمنشد التركى أنشد أنشودة لابنته اسماء.
هنيئا لكم يا آل البلتاجى بنصر الله.
نرمين كحيلة





يا أبتِ اتبعنى



     قال سيدنا إبراهيم عليه السلام لأبيه:"يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا" )مريم:43)

يعنى سيدنا إبراهيم لم يعجبه أن أباه يعبد الأصنام ويزيغ عن الحق فخالفه فى الرأى وبدأ يناقشه ولأن الآباء دائما يعتقدون أنهم على حق بحكم السن والخبرة وأن أبناءهم ما هم إلا صغارا لا يعلمون شيئا وعليهم السمع والطاعة دون نقاش فقد بدأ سيدنا إبراهيم حديثه قائلا:أنه أتاه من العلم مالم يأتِ أباه..طبعا "آزر" هنا لم يكن والده الذى أنجبه ولكنه بمثابة الوالد فمثلا ربما كان عمه أو خاله أوالشخص الذى رباه لأن والده الحقيقى اسمه "تارح" والدليل على ذلك أن الله تعالى ذكر اسمه مثلما نقول أبوك فلان ونقصد ساعتها العم أو الخال الذى فى مقام الأب.

    يقول : فاقبل مني نصيحتي أهدِك صراطا سويا أى: أبصرك إلى هدى الطريق المستوي الذي لا تضل فيه إن لزمته.
وطبعا لا يشترط أن يكون الأب كافرا والابن مؤمنا فمن الممكن أن يكون الأب يساند قضية باطلة والابن يعرف الحقيقة ويساند الحق.

     فعندما قامت ثورة يناير المجيدة قام بها الشباب لأنهم أتاهم من العلم مالم يأتِ آباءهم ؛  جيل النت والكمبيوتر والفضائيات والسموات المفتوحة..جيل تربى على الشجاعة والمواجهة وحرية الرأى وهو مالم يحظَ به أباءهم ..وفى هذا الخصوص أتذكر قول امرأة عجوز قالت عن ثورة يناير:والله إنى أريد أن أقبل أقدام أبناءنا الذين قاموا بالثورة وكانوا أشجع منا..وكذلك قال الموسيقار عمار الشريعى وهو يبكى:إن هذا الجيل هو أفضل من جيلنا لأنه لم يقبل بالفساد والظلم وثار عليه على عكس جيل الآباء والأجداد الذين قبلوا بالظلم وسكتوا عنه وتقبلوه خوفا على حياتهم وكانوا يؤمنون بمبدأ المشى إلى جوار الحائط من أجل العيش بسلام وأمان.

     ونلاحظ أن آزر رفض منطق ابنه ولم يقتنع بقضيته العادلة بل وهدده بأن يجلده ويعاقبه.
     وهذا ما يفعله بعض الآباء الآن يساندون السيسى بالباطل بينما أبناءهم يساندون الحق والشرعية.
    فيا كل أب وكل أم استمعوا إلى أبنائكم الذين جاءهم من العلم مالم يأتكم واتبعوهم حتى يهدوكم صراطا سويا.


نرمين كحيلة

الخميس، 22 أغسطس 2013

لا تتعجلوا الاجابة


حكت لى صديقة ان الامام حسن البنا رحمه الله لما قتلوه نقل للمستشفى وظل ينزف دون ان يسعفه احد فتعجب وسأل الطبيب:لماذا لا تسعفوننى؟فقال له:عندنا أوامر ألا ننقذك وندعك تموت ، فقال:اللهم بدد ملك الملك فاروق ثم مات وبعدها بثلاث سنوات قامت الثورة وتم خلع الملك وتحققت دعوة حسن البنا.

كان هناك رجلا فى المدينة المنورة قبل بعثة النبى صلى الله عليه وسلم بمئة سنة يقول:يارب اجعل بيتى مأوى للنبى القادم حين يخرجه قومه ، ومات الرجل ولم تتحقق دعوته وجاء ابنه ومات ثم جاء حفيده ليسكن بنفس البيت وبعث النبى صلى الله عليه وسلم وهاجر من مكة إلى المدينة وعندما شد كل واحد من الانصار لجام ناقته صلى الله عليه وسلم ليستضيف النبى عنده قال لهم:دعوها فإنها مأمورة أى أن الله يوجهها لمكان معين ستبرك عنده وفعلا بركت الناقة عند بيت هذا الرجل الذى دعاه منذ مئة سنة ليكون بيته مأوى لخاتم الانبياء واستجاب الله دعوته بعد 100 سنة.

فرعون الذى عذب بنى اسرائيل واضطهدهم وقتلهم دعا عليه موسى عليه السلام ليهلكه فاستجاب الله دعاءه بعد 40 سنة من دعائه.

أهل الكهف حين أووا إلى الكهف اعتراضا على الملك الظالم الكافر ظلوا نائمين فى كهفهم 300 سنة ثم ايقظهم الله عز وجل ليروا بأعينهم كيف أن الله استجاب لهم وبطش بالملك الظالم وجاء بملك آخر عادل ثم أماتهم فورا .. استوقفتنى هذه الاحداث وغيرها وجعلتنى أتأمل الآية التى تقول:"فلنعم المجيبون" أى ان الله يصف نفسه بأنه افضل من يجيب الدعاء أى يختار هو الوقت المناسب لاجابة الدعاء فلا تتعجلوا الاستجابة وتقولوا دعونا الله ولم يستجب وتذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم وما لم يستعجل، قيل: وكيف الاستعجال؟ قال: يقول دعوت ودعوت فلم يستجب لي، فيتحسر عند ذلك ويترك الدعاء).

وفى حادثة الإفك تأخر الوحى شهرا كاملا والمسلمون حائرون والنبى صلى الله عليه وسلم لا يدرى كيف يتصرف ، ومع ذلك تركهم الله شهرا حتى يختبرهم جميعا ثم انزل الآيات التى تبرئ السيدة عائشة رضى الله عنها..كان هذا التأخير مقصودا لحكمة هو يعلمها سبحانه..أليس كان قادرا على ان ينزل الوحى فى نفس اليوم او فى اليوم التالى لتبرئة امنا عائشة؟ لكنه أمهلهم ليميز الخبيث من الطيب.

أقول هذا لأن كثيرين سألونى لماذا لا يستجيب الله لنا وينصرنا على السيسى ونحن على الحق وقد قتلنا وعذبنا؟ فأقول لهم لا تتعجلوا الاجابة فانتم لا تعرفون الحكمة التى عند الله فى ملكه فهو يختار الوقت المناسب لتحقيق الدعاء ولكن لا بد ان تتقينوا من الاجابة وتكونوا على ثقة فى وعد الله بالنصر لعباده المؤمنين

﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً (45)﴾
إن الله تعالى ليس سريع الغضب مثلنا بل هو حليم .. إذاً: من أسماء الله الحسنى أنه حليم، لا يُوقِع العِقاب فوراً ويستطيع التحكم فى غضبه والصبر على الجانى وليس مثلنا احيانا يدفعنا الغضب للتهور. فمثلا ما من مسلم إلا وهو يعلم أن صُلَحَ الحُديّبّية، في ظاهره مهانة للمسلمين، لأن فيه تنازلات وهم في حالات قوية، تنازلات أباها الصحابة، ورأوها نوعاً من الذُل ونوعاً من الإستسلام، وقد أدهشهم موقف النبي عليه الصلاة والسلام، والنبي لما رأى هذا الاستنكار قال: إنني أفعل ما أُؤمر بتوجيه من ربي، وأن أقبل بهذا الصلح، ثم جاء الجواب:

﴿وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾
فيا أيها الثوار المناضلين الذين ضحيتم بأرواحكم وبكل غالِ ونفيس لا تتعجلوا الإجابة وثقوا بنصر الله.
نرمين كحيلة