الجمعة، 25 أكتوبر 2013

وآتينا ابراهيم رشده



كنت دائما أدعو الله تعالى فى صلاتى وأقول:اللهم إنى أسألك باسمك الرشيد أن تؤتنى رشدى وأن ترينى طريق الرشاد ولكنى وللمرة الأولى أتوقف وأنا أقرأ قوله تعالى" : ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين" (الانبياء:51-56)
توقفت لأجد أن الله عز وجل قال:"ولقد آتينا إبراهيم رشده" قبل أن يقول:"إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التمايل التى أنتم لها عاكفون" أى قبل أن يبدأ دعوته آتاه الله رشده يعنى أعطاه عقلا راجحا يفكر به تفكيرا صحيحا فلا يتبع أهله وقومه اتباعا أعمى ولا يكفر مثلهم ويتضح من الآيات أن إبراهيم عليه السلام كان دائم التفكير والتفكر فبدأ بمناقشة نفسه لكى يصل للحقيقة " فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ " (الأنعام:77-78)
قوله تعالى : ولقد آتينا إبراهيم رشده قال الفراء : أي أعطيناه هداه . من قبل أي من قبل النبوة ؛ أي وفقناه للنظر والاستدلال ، لما جن عليه الليل فرأى النجم والشمس والقمر..

قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين أي نعبدها تقليدا لأسلافنا . قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين أي في خسران بعبادتها ؛ إذ هي جمادات لا تنفع ولا تضر ولا تعلم . قالوا أجئتنا بالحق أي أجئنا بحق فيما تقول ؟ أم أنت من اللاعبين أي لاعب مازح . قال بل ربكم رب السماوات والأرض أي لست بلاعب ، بل ربكم والقائم بتدبيركم خالق السماوات والأرض . الذي فطرهن أي خلقهن وأبدعهن . وأنا على ذلكم من الشاهدين أي على أنه رب السماوات والأرض . والشاهد يبين الحكم ؛ فالمعنى : وأنا أبين بالدليل ما أقول.
وكذلك كان يفكر قوم لوط عليه السلام إذ كانوا لا يستخدمون عقولهم" وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي أليس منكم رجل رشيد" (هود:78) يعنى سيدنا هود عليه السلام كان يتعجب من قومه الذين ليس فيهم رجل رشيد يفهم ويحكم عقله؟
أما سيدنا شعيب عليه السلام فقال له قومه في تهكمهم: " إِنَّكَ لأنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ْ" أي: أئنك أنت الذي، الحلم والوقار، لك خلق، والرشد لك سجية، فلا يصدر عنك إلا رشد، ولا تأمر إلا برشد، ولا تنهى إلا عن غي، أي: ليس الأمر كذلك.
وقصدهم أنه موصوف بعكس هذين الوصفين: بالسفه والغواية، أي: أن المعنى: كيف تكون أنت الحليم الرشيد، وآباؤنا هم السفهاء الغاوون؟!! يعنى هم يرون أن الشرك رشد وأن الإيمان سفاهة ، سبحان الله! قلبوا الاية.
في علم الصرف تعني المبالغة، فهناك اسم فاعل، وهناك اسم فاعلٍ مبالغٍ فيه. تقول مثلاً.. صادق، صدوق أي كثير الصدق، فاعل، فعول.. فهذا الاسم الرشيد على وزن فعيل، وماذا يعني اسم المبالغة في حقِّ ذات الله عزَّ وجلَّ ؟
يعني شيئين.. فهو يعني عدداً ونوعاً.. كلُّ أفعال الله عزَّ وجلَّ رشيدة، والرشيد إذا وصف الله بهذا الوصف فهو الرُشد المطلق، الله عزَّ وجلَّ مطلق، فعلمه مطلق، قدرته مطلقة، رحمته مطلقة، يجب أن تعلم علم اليقين أنَّ الله سبحانه وتعالى في كلِّ أسمائه وصفاته مطلق.
فالحمد لله الذى ألهمنا رشدنا وجعلنا نميز بين الحق والباطل وبين الخبيث والطيب والحمد لله الذى عافانا مما ابتلى به غيرنا ممن يؤيدون السيسى وندعو لهم الله من صميم قلوبنا أن يلهمهم الله الرشد ليروا أن تأييدهم للسفاح هو ضلال.
نرمين كحيلة

الثلاثاء، 15 أكتوبر 2013

قصة الذبح..دروس مستفادة





    
    فى مثل هذه الأيام من كل عام يهل علينا عيد الأضحى المبارك ، وحتى لا يتحول هذا العيد إلى مجرد فرحة الفقراء باللحم وفرحة الأطفال بالخروف يجب على كل أب وكل أم أن يجمعا أبناءهما ويحكيان لهما قصة الذبح والدروس العظيمة التى نتعلمها منها وهى :

      أولا: حكمة الذبح: فقد يسأل البعض ما سر هذا الطلب الغريب الذى طلبه الله سبحانه وتعالى من سيدنا إبراهيم ؟ وطبعًا الإجابة المعتادة على ذلك السؤال هى : امتحان إيمان كلا ًمن سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل عليهما السلام وقياس صبرهما واستسلامهما لأمر الله ، وهذا صحيح لكن هناك حكمة أخرى قد تغيب عن كثير من الناس وهى أن فكرة ذبح الأبناء وتقديمهم قربان للآلهة كانت عادة منتشرة بصورة كبيرة فى المجتمعات القديمة وخاصة فى بلاد العراق والشام. وكثيرًا ما كان الأب يأخذ ابنه إلى معابد الآلهة ويذبحه على المذبح أمام تمثال الإله تقربًا ولقضاء حوائجه ، وخاصة عندما تحل بالبلاد نكبات أو أمراض أو مصائب فأول ما يتبادر إلى الذهن فى ذلك الوقت هو التضحية بأعز ما يملك الإنسان لدفع غضب الإله ، وليس أعز على الإنسان من ولده ؛ فيقتله بالذبح أو بالحرق أو بأية وسيلة. ولقد علم الله سبحانه وتعالى أن ذبح المرء لولده هو أقسى شئ على النفس البشرية ، وما خلق الله الخلق ليعذبهم وإن كانوا هم قساة على أنفسهم ؛ فالله أرحم بهم منهم على أنفسهم  فأراد الله إبطال هذا النوع من التضحية فاختار خليله إبراهيم عليه السلام ليكون هو المثال العملى لإبطال هذه العادة فأمره بذبح ولده ثم افتداه بكبش عظيم فى رسالة من الله إلى أهل الأرض أن يا ناس يا بشر يا مسلمين لا تذبحوا أبناءكم وإن كنتم لا محالة فاعلين فاذبحوا بدلا ًمنهم كبشًا.

     وحتى لا يندثر هذا الأمر على مر الأزمنة ربطه الله تعالى بشعيرة من شعائر الدين الحنيف وهى شعيرة الحج. وقد امتثل العرب لهذا الأمر، وبطلت تمامًا عادة التضحية بالأبناء للآلهة ، وحتى عندما نذر عبد المطلب – جد الرسول صلى الله عليه وسلم – أن يضحى بأحد أبنائه وحاول الوفاء بنذره منعته قريش ، وكان فداء عبد الله – والد النبى صلى الله عليه وسلم – بمائة من الإبل.

ثانيًا: إن سيدنا إبراهيم عليه السلام لم ينفرد بالقرار بل أشرك معه ابنه إسماعيل عليه السلام ؛ فعرض عليه القضية أولا ًحين قال: "يا بنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك" ، ثم طلب رأيه واستشارته حين قال: "فانظر ماذا ترى"..وهذا درس يجب أن يتعلمه كل أب ؛ فإبراهيم عليه السلام أب ديمقراطى يستشير ولده رغم صغر سنه ، فهو ما يزال طفلا ً، كما أن هذا الأمر هو أمر إلهى يجب الانصياع له دون مناقشة ، فكان من الممكن مثلا ًأن يذبحه على حين غرة وهو نائم أو أن يقيده قسرًا ويقول له: أنا أبوك وهذا أمر إلهى وسوف أقتلك رغمًا عنك. ولن يلومه أحد إذا فعل ذلك ، ولكن  إبراهيم عليه السلام أخذ بمبدأ الشورى والديمقراطية الذى هو من أهم وأسمى مبادئ الإسلام  وهذا يدلنا على أهمية هذا المبدأ العظيم الذى استفاد منه سيدنا إبراهيم نفسه حين أشارعليه سيدنا إسماعيل بأفضل طريقة للذبح فقد قال له:"يا أبتاه لا تذبحنى وأنت تنظر إلى وجهى عسى أن ترحمنى فلا تجهز علىَّ. اربط يدى إلى رقبتى ثم ضع وجهى للأرض". فوضعه على وجهه ليذبحه من قفاه ، ولا يشاهد وجهه عند ذبحه ليكون أهون عليه. فذلك قوله تعالى:"وتله للجبين" ؛ أى : أكبه على وجهه.



ثم قال له إسماعيل:"إذا أردت ذبحى فاشدد وثاقى لئلا يصيبك شىء من دمى فينقص من أجرى ، إن الموت لشديد ، ولا آمن أن أضطرب عند الذبح إذا أحسست مس السكين ، واشحذ شفرتك حتى تجهز علىَّ سريعًا ، وإن أردت أن ترد قميصى على أمى فافعل ( مثلما فعل يوسف  مع أبيه يعقوب عليهما السلام ) فعسى أن يكون هذا أسلى لها ؛ فقال إبراهيم عليه السلام: نِعم العون أنت يا بنى على أمر الله. وكان من نيجة الشورى أيضًا أن إسماعيل عليه السلام أطاع أباه فلم يقل له مثلا أنت كاذب ليس من المعقول أن يأمرك الله بهذا.. وإننا نفتقد اليوم فى مجتمعاتنا الشورى فالأب ديكتاتور فى البيت مع زوجته وأولاده ، والمعلم ديكتاتور فى الفصل مع تلامذته ، والمدير ديكتاتور فى العمل مع مرؤوسيه ، والحاكم ديكتاتور مع شعبه.. إننا نزرع الديكتاتورية فى مجتمعاتنا منذ لحظة الميلاد وحتى الوفاة وهذا هو سر تخلفنا وانحطاطنا.. بل إنه حتى فى صلاة الجماعة إذا لم يختار المصلين إمامهم بالشورى بطلت صلاتهم.. فيا كل أب ويا كل أم استمعا إلى أبنائكما وشاوروهم فى الأمر وسوف تريا أنهم سيطيعونكما عن اقتناع وحب.

ثالثا ً: أن إبراهيم عليه السلام هو مواطن عراقى يحب بلده – العراق – ولو كان يحيا بيننا الآن لتفطر قلبه على ما يحدث للعراق من احتلال وقتل وعنف ، فنتوجه جميعًا لله عزو جل بالدعاء أن يفك أسر بلد الخليل فى هذه الأيام المباركة ، وأن يعيده علينا العام القادم وهو ينعم بالحرية.

رابعًا: أن سيدنا إبراهيم رغم حبه لولده لم يشفق عليه أن يقتله طاعة لله ، وإننا اليوم نشفق على أبنائنا أن نوقظهم لصلاة الفجر وهو أقل شئ يمكن أن نقدمه لله فيجب أن يكون حبنا لله أشد من حبنا لأبنائنا ولأنفسنا.
خامسًا: صلاة العيد هى احتفال بهذه المناسبة السعيدة ؛ مناسبة افتداء الأبناء بدلا ًمن ذبحهم ، وهى فرحة مزدوجة ؛ فرحة الأب بنجاة أبنائه من الذبح وفرحة الفقير بحضور ضيف عزيز على مائدته وهو اللحم المحروم منه طوال العام وشكر لله على هذه النعمة.. يقابلنا الله لنتذكر هذه المناسبة ونشكره.
                                                                                      نرمين كحيلة