الجمعة، 12 أغسطس 2011

الأرض يرثها عبادى الصالحون



     إن الاعتقاد الشائع بيننا جميعًا أن مصر للمصريين والعراق للعراقيين والسعودية للسعوديين.... وهكذا. ولكن سنة الله فى أرضه اقتضت أمرًا آخر فهو جل وعلا وضع القاعدة الهامة لوراثة الأرض فقال: "ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون".(الانبياء 105)
    فنجد فى قصة طوفان نوح عليه السلام  أمره بصنع سفينة ضخمة واصطحاب المؤمنين ومن كل زوجين اثنين لأن الله جل وعلا قرر أن يبيد هذه الأمة الكافرة (التى لا تستحق الأرض) ويُسكِن مكانهم قومًا آخرين مؤمنين. 
 "واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح"…(الأعراف 69)
أي أن قوم عاد صاروا خلفاء لقوم نوح
والآية : واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض..(الأعراف (74أي أن قوم ثمود خلفاء لقوم عاد
     ومن الآيتين السابقتين نجد أن قوم عاد استخلفهم الله بعد قوم نوح , وقوم ثمود استخلفهم الله بعد قوم عاد
ومن التفاسير نستخلص أن الله استخلفهم في أرضهم بعدما أباد الذين سبقوهم ومن ثم  ورثوا أرضهم
    إذن الطوفان شمل منطقة قوم سيدنا نوح ولم يشمل عاد ..وإن قوم عاد ورثوا أرض قوم سيدنا نوح .. إذن أرض قوم عاد مجاورة لقوم سيدنا نوح .. وهي نفسها أرض ثمود.  
    
    وتستمر هذه القاعدة على طول التاريخ الإنسانى كما نفهم من القرآن
     
     يقول العلامة محمد بن عثيمين - رحمه الله - فى تفسير سورة البقرة (168-171) فى فوائد آية "يا بنى إسرائيل اذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم و أنى فضلتكم على العالمين" :"ومنها: أن بني إسرائيل أفضل العالم في زمانهم ؛ لأنهم في ذلك الوقت هم أهل الإيمان؛ ولذلك كُتب لهم النصر على أعدائهم العمالقة (أصحاب الأرض الأصليين)، فقيل لهم: {ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم} [المائدة: 21] ؛ و "الأرض المقدسة" هي فلسطين؛ وإنما كتب الله أرض فلسطين لبني إسرائيل في عهد موسى ؛ لأنهم هم عباد الله الصالحون؛ وقال موسى لقومه: {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده} [الأعراف: 128] ، ثم قال: {والعاقبة للمتقين} [الأعراف: 128] ؛ إذاً المتقون هم الوارثون للأرض ؛ لكن بني إسرائيل اليوم لا يستحقون هذه الأرض المقدسة ؛ لأنهم ليسوا من عباد الله الصالحين؛ أما في وقت موسى فكانوا أولى بها من أهلها ؛ وكانت مكتوبة لهم، وكانوا أحق بها؛ ولكنه حرمها عليهم تحريما أبديا بنص الآية "قال فإنها محرمة عليهم" وكتب عليهم الشتات فى الأرض لأنهم فقدوا شرط الصلاح.
     ونستطيع أن نفهم من ذلك ضمنا أن فلسطين ليست بلد بنى إسرائيل لكن الله - جلت حكمته – أراد أن يخرج أهلها الأصليين (أصحاب الأرض الوثنيين) ثم يسكن مكانهم بنى إسرائيل الموحدين فى ذلك الوقت. .    لكن لما جاء الإسلام الذي بُعث به النبي صلى الله عليه وسلم صار أحق الناس بهذه الأرض هم المسلمون .  {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين} [الأعراف: 128] ؛ فجعل الميراث لعباده الصالحين.
"  وأورثناها قوما آخرين" "فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا"(الشعراء 52)
وكذلك عندما فسد حكام الأندلس أخرجهم الله منها.

   وفى ضوء نفس القاعدة نجد الله تعالى يقرر حد النفى والإبعاد عن الوطن كعقاب للزانى والذى يحارب الله ورسوله فقال:" إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) سورة المائدة.

    انظروا معى إلى جملة:"أو ينفوا من الأرض" نجد  فكرة النفى والإبعاد لأن الوطن نعمة فالعقاب أن يخسر الجانى وطنه وإحساسه بالأمن والاستقرار فى حد الزنا والحرابة ويغترب عنه لمدة عام حتى يذوق معنى الغربة واسألوا من جرب الغربة وشعر بآلامها النفسية هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنه لا يستحق أن يعيش فى هذه الأرض الطاهرة بين المؤمنين الأطهار وقد نفى علي كرم الله وجهه رجلين من الكوفة إلى البصرة. قال أبوعبد الله رضى الله عنه: إذا زنى الرجل فجلد ينبغي للإمام أن ينفيه من الأرض التي جلد فيها إلى غيرها.. وورد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه أمر فيمن زنى ولم يحصن بجلد مائة وتغريب عام .ومعنى ( لم يحصن ) أى: لم يتزوج . (بجلد مائة ) يضرب مائة جلدة . ( تغريب عام ) يبعد عن البلد التي زنا فيها سنة

   ونجد فى قصة القاتل الذى قتل 99 نفسا أنه بعد توبته تم نفيه من الأرض وكذلك السامرى حين صنع العجل لبنى إسرائيل كان عقابه النفى من الأرض وأن يقول لا مساس قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً) [طـه:)97 أي: قال موسى عليه السلام اذهب من بيننا.
(
فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ) أي: ما دمت حياً.
(
أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ) أي: لا أمسُّ ولا أُمسّ، فصار السامري يهيم في البرية لا يمس أحداً، ولا يمسه أحد عاقبه الله بذلك، وألهمه أن يقول: (لا مِسَاسَ) . وكان إذا لقي أحداً يقول (لا مِسَاسَ) أي: لا تقربني، ولا تمسني، فكانت عقوبته الطرد، والنفي من المجتمع ، فكأن الله سبحانه وتعالى يسحب الجنسية من الجانى نتيجة لأنه لم يحترم قوانين المجتمع فالجزاء من جنس العمل.

   تذكرت ذلك وأنا أستمع إلى حوار المذيعة منى الشاذلى مع أحد أعضاء المجلس العسكرى فقالت له أن هناك دعوات لنفى مبارك عن أرض مصر فتعجب وقال:"ولماذا النفى أليس مبارك مصريا؟ إذن ينبغى له أن يعيش فى أرض مصر". وتعجبت فعلا من إجابته فإن الفكرة ليست فى أن المصرى يعيش على أرض مصر والسورى يجب أن يعيش على أرض سوريا والتونسى يجب أن يعيش على أرض تونس لأن من خان هذه الأرض الطيبة لا يستحق أن يعيش فيها وينعم بخيراتها ، وأعتقد أن هذا هو العقاب العادل له ولأسرته تماما مثلما فعلنا مع الملك فاروق وطالبناه بالرحيل.


نرمين كحيلة