الجمعة، 26 مايو 2017

فن الدعاء


نعم ، إن للدعاء فنًا مثل أى شئ آخر، فربما دعا الأحمق على نفسھ بدلا من أن یدعو لھا ، والأمثلة على ذلك كثیرة سأذكر بعضھا بعد قلیل. لا
أتكلم عن آداب الدعاء أو شروط إجابة الدعاء ولكننى أتحدث عن فن الدعاء ، عن كیفیة التوجھ إلى لله بالسؤال ، نحن لا نعرف كیف ندعو
لله ، فمثلا عندما یرید الإنسان أن یرزقھ لله الولد ماذا یقول وكیف یدعو؟ بعض الناس یدعو أن یرزقھ لله الولد لیرث أموالھ الطائلة فیستجیب
لله لھ ویرزقھ ولدًا عاقا شاربًا للخمر محبًا للنساء یرث أموال أبیھ ویبددھا على نزواتھ وشھواتھ الجامحة. إذن لیس ھذا بدعاء حكیم. وبعض
الناس یدعو لله أن یرزقھ الولد لكى یخلد اسم العائلة فیرزقھ لله ولدًا مجرمًا یجلب لأسرتھ العار والفضیحة طوال العمر ویخلد اسمھا فى سجل
.المسجونین المسجلین خطر؛ إذن لیس ھذا بدعاء أیضًا
أعرف امرأة دعت لله أن یرزقھا بطفل شقى لأنھا لا تحب الطفل الھادئ ، وھى لا تعلم أن كلمة شقى فى الإسلام تعنى الذى سیصلى نار جھنم
فى الآخرة فقد قال تعالى فى كتابھ العزیز:"لا یصلاھا إلا الأشقى" (اللیل 15 ). فیرزقھا لله بولد أشبھ بالشیاطین یصیب أبویھ بالجنون بعقوقھ
فتندم على ھذا الدعاء السفیھ. وأخرى كانت عاقرًا فدعت لله أن یأخذ إحدى عینیھا ویبدلھا بھا ولدًا ، فاستجاب لله لھا وكان كریمًا معھا فأخذ
كلتا عینیھا ورزقھا بولدین فأصبحت عمیاء قبل أن ترى ولدیھا. ألیس ھذا غباء فى الدعاء؟! كان من الممكن مثلا أن تدعو لله بولد دون أن
تطلب منھ أخذ عینھا فى المقابل ، فلماذا نقسو على أنفسنا وندعو علیھا ؟ إن الممثل أنور وجدى- فتى الشاشة الأول فى سینما القرن الماضى -
كان فقیرًا فدعا لله أن یغنیھ ویمرضھ فى المقابل بمرض السرطان فقال:"ھات لنا سرطان بقى واغنینا یارب" فاستجاب لله لدعائھ وأصیب
بسرطان القولون ومات وترك عمارة لم تسكن بعد وأموال فى البنوك لم یستمتع بھا. فھل ھذا دعاء یدعوه عاقل ؟ وكأن الناس لا تعلم أن لله
.غنى وقادر فى الوقت نفسھ أن یمنح كل شخص مسألتھ دون أن یأخذ منھ المقابل
انظروا إلى دعاء إبراھیم علیھ السلام عندما طلب من لله الولد وكیف دعاه بحكمة وذكاء فقد قال:"رب ھب لى من الصالحین"(الصافات
100 ) یعنى أولادًا مطیعین عوضًا عن قومھ وعشیرتھ الذین فارقھم ، أى أنھ طلب من لله ولدًا صالح ولیس ولدًا شقیًا أو ولدًا عفریتا أو...أو.
فبماذا رزقھ لله؟ أعطاه لله بقدر دعائھ فقال:"فبشرناه بغلام حلیم"(الصافات 101 ) أى غلام ذو أخلاق وأدب بار بأبویھ ، مطیع لھما ، الذى
ھو سیدنا إسماعیل علیھ السلام وجعلھ نبیًا أیضًا. قال تعالى:"واذكر فى الكتاب إسماعیل إنھ كان صادق الوعد وكان رسولا نبیًا وكان یأمر
أھلھ بالصلاة والزكاة وكان عند ربھ مرضیًا". انظروا إلى دعاء زكریا علیھ السلام إذ قال:"فھب لى من لدنك ولیًا یرثنى ویرث من آل یعقوب
واجعلھ رب رضیًا"(مریم 6). أى مرضیًا عندك وعند خلقك تحبھ وتحببھ إلى خلقك فى دینھ وخلقھ..وقد قال النبى صلى لله علیھ وسلم :"رحم
لله أخى زكریا ما كان علیھ من وراثة مالھ حین قال:ھب لى من لدنك ولیًا یرثنى ویرث من آل یعقوب. وقال زكریا أیضًا:"رب ھب لى من
لدنك ذریة طیبة" (آل عمران 38 ) أى أنھ طلب من لله عزوجل أن یمنحھ من عنده ولدًا صالحًا لكى یرث الدین والعلم من آل یعقوب ، یعنى
، مثلما نقول نحن الآن بلغة عصرنا اعطنى شیئا على ذوقك أى شیئا ذو قیمة تختاره 􀁟ھو لا یریده لیرث مالا أو أى شئ دنیوى لكنھ یریده
أنت لى ، فما بالنا باختیارلله ، فآتاه لله یحیى "یا زكریا إنا نبشرك بغلام اسمھ یحیى"(مریم 6). أى أن لله استجاب الدعاء وتولى تسمیتھ
بنفسھ وقال عنھ واصفا كمال أخلاقھ:"وبارًا بوالدیھ ولم یكن جبارًا عصیًا"(مریم 14 ) ."مصدقًا بكلمة من لله وسیدًا وحصورًا ونبیًا من
الصالحین".(آل عمران 39 ). قال قتادة:سیدًا فى العلم والعبادة وقال سعید بن المسیب:ھو الفقیھ العالم وقال عطیة:السید فى خلقھ ودینھ.أما أم
مریم فقد دعت لله قائلة:"وإنى سمیتھا مریم وإنى أعیذھا بك وذریتھا من الشیطان الرجیم".(آل عمران 36 ) أى دعت لله عزوجل أن یبعد
الشیطان عن ابنتھا وذریتھا من بعدھا ، وقلنا فیما سبق كیف أن لله استجاب دعاءھا بأن صرف عنھا الشیطان ھى وابنھا عیسى علیھ السلام ،
وأن الشیطان ینال من ابن آدم منذ لحظة الولادة إلا مریم وابنھا بسبب دعاء أمھا. عن أبى ھریرة رضى لله عنھ قال رسول لله صلى لله علیھ
وسلم:"ما من مولود یولد إلا مسھ الشیطان فیستھل صارخا من مسھ إیاه إلا مریم وابنھا". فقد قال لله: "فتقبلھا ربھا بقبول حسن وأنبتھا نباتا
.(ًحسنا "(آل عمران 37
روى مسلم فى صحیحھ من حدیث جابر رضى لله عنھ ورواه أبو داود فى السنن أن النبى صلى لله علیھ وسلم قال:"لا تدعوا على أنفسكم ولا
تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على خدمكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من لله تبارك وتعالى ساعة نیل فیھا عطاء فیستجیب لكم".لا
تدعوا: أى دعاء سوء ، على أنفسكم: أى بالھلاك ومثلھ ، ولا تدعوا على أولادكم: أى بالعمى ونحوه ، ولا تدعوا على أموالكم: أى من العبید
والإماء بالموت وغیره ، لاتوافقوا: نھى للداعى وعلة النھى أى لا تدعوا على من ذكر لئلا توافقوا ، من لله ساعة نیل أى عطاء ، فیھا عطاء
فیستجیب لكم: أى لئلا تصادفوا ساعة إجابة ونیل فیستجاب دعوتكم السوء. أى أن النبى صلى لله علیھ وسلم نھانا عن الدعاء على الأولاد
والأموال والأنفس لأنھ من الممكن جدًا أن یوافق ھذا الدعاء ساعة إجابة فیستجاب للعبد. وروى مسلم فى صحیحھ من حدیث ام سلمة رضى
لله عنھا أن النبى صلى لله علیھ وسلم قال:"لا تدعوا على أنفسكم إلا بخیر فإن الملائكة یؤمنون على ما تقولون" ، مثل تلك الأم التى دعت
على ولدھا أن یموت لأنھ أغضبھا فتركھا وخرج ، وفى الطریق داھمھ أوتوبیس قتلھ فى الحال فندمت أشد الندم وحزنت لأنھا دعت على ابنھا
، وبدلا من ذلك كان یجب أن تدعو لھ بالھدایة ، لأنھا لن تستفید شیئا بموتھ أما لو ھداه لله فستستفید من ھدایتھ..أرأیتم كیف أن السفھ فى
الدعاء یمكن أن یضیع الإنسان ؟! فمثلا یوسف علیھ السلام لم یدعو على إخوتھ بل بالعكس دعا لھم بعد كل ما فعلوه وقال:"لا تثریب علیكم
الیوم یغفر لله لكم وھو أرحم الراحمین"(یوسف 92 ). وحتى یعقوب نفسھ علیھ السلام لم یدعو على أبنائھ رغم كل عقوقھم لھ بل قال:"سوف
.(أستغفر لكم ربى إنھ ھو الغفور الرحیم" (یوسف 98
مرض أحد السلف فعاده صدیق فقال لھ: "قوى لله ضعفك" فقال:اللھم استجب لنیتھ لا للسانھ لأن معنى دعائھ أن یزید لله مرضھ رغم أن نیتھ
عكس ذلك. ودعا رجل ذات یوم فقال:"اللھم امنحنى الصبر" فقال لھ عالم سمعھ:"یا ھذا لقد سألت لله المصیبة". لأنھ یطلب الصبر فمعنى ذلك
أن لله سیبتلیھ لیصبر. وقد قال النبى صلوات لله وسلامھ علیھ:"إذا سألتم لله فاسألوه العافیة" ومع ذلك ما زال كثیر من الناس یدعو على نفسھ
أدعیة قاسیة ولا یُحسِن استخدام ألفاظ الدعاء مثل ذلك الرجل الذى قال:"اللھم ارزقنى كذا وكذا إن شئت" فإنھ لا یجب أن یقرن الدعاء بكلمة إن
شئت لأن لله لا یفعل شیئا إلا بمشیئتھ ولأن ھذا عدم ثقة فى الإجابة وكالرجل الذى یقول:اللھم قنى شر النار وحرھا وزقومھا وغسلینھا
وحریقھا و..و...فإن ھذا الدعاء فیھ إطالة وإسھاب لا داعى لھا فیكفى أن یستعیذ من النار دون ذكر كل تلك التفاصیل. فمتى نتعلم فن الدعاء
حتى لا نخسر أشیاءً كثیرة فى دنیانا وأخرانا ؟

الاثنين، 31 أكتوبر 2016

أزواج لكن أعداء


قال تعالى: "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ" (التغابن:14)
هذه الآيات الكريمات نزلت في أناس كان لهم أزواج وأولاد عاقُوهم عن الهِجرة والجهاد فترةً من الوقت، فلما تغلَّبوا عليهم وهاجَروا ووجدوا الذين سبقوهم إلى الهجرة قد تعلَّموا وتفقَّهوا في الدين، فتأسَّفوا عن تخلُّفِهم، فهمُّوا بأزواجهم وأولادهم الذين عاقُوهم عن الهجرة فترة طويلة أن يُعاقبوهم بنوع من العقاب من تجويع أو ضرب وتثريب وعتاب، فأنزل الله هذه الآيات: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ...   
أى فاحذروهم على دينكم

كيف تعرف أن زوجتك هى عدوتك؟
كيف تعرفين أن زوجك هو عدوك؟

عندما تجد زوجتك تعينك على الشر وتمنعك عن الخير ، تقربك من النار وتبعدك عن الجنة فهى عدوتك ، وعندما تجدين زوجك يعينك على الشر ويمنعك عن الخير ويقربك من النار ويبعدك عن الجنة فهو عدوك.

فمثلا:زوج يمنع زوجته من ارتداء الحجاب فقد حكت لى زوجة أن زوجها يريدها سافرة بحجة أنه يريد أن يتباهى بجمالها أمام أصحابه وزوجة أخرى تقول أن زوجها يرى الحجاب تخلف ورجعية وهو رجل متحضر وصاحب منصب وجاه ومن العيب أن تكون زوجته محجبة.

أم تمنع ابنتها الشابة من ارتداء الحجاب بحجة أن البنت مازالت صغيرة فهى تريدها سافرة لتصطاد العرسان بمفاتنها.

زوجة تمنع زوجها من صلة الرحم لأنها تريد أن تستأثر بزوجها لنفسها وكذلك الزوج يمنع زوجته من صلة الرحم بحجة أن أهلها يسببون له مشاكل.

يقول الدكتور محمد راتب النابلسى: هناك عداوة حال وهناك عداوة مآل، يعني إذا ضغطت الزوجة على زوجها ليجدد أثاث البيت وهو دخله محدود، من شدة الضغط أكل المال الحرام، يوم القيامة حينما يحاسب على هذا المال الحرام حساباً عسيراً يرى أن امرأته هي السبب، ينشأ في المستقبل عداوة سماها العلماء عداوة مآل ليست عداوة حال.

شريكان يعملان ببضاعة نظامية اقترح أحدهما أن يعملا ببضاعة مهربة فاستجاب له الثاني، ضبطت هذه البضاعة وزجا معاً في السجن، فكلما ألقى نظرة على شريكه يقول له أنت السبب، صار عدوه، سبب له هذه المتاعب.

عداوة مآل إذا أطعتها في معصية الله سوف تغدو لك عدوة لأنها سببت لك عقاباً وحساباً عسيراً يوم القيامة.
قال تعالى:الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ 

في بعض الأحاديث، الولد مجبنة مبخلة، الذي عنده أولاد يصبح إنفاقه ضعيفاً، مواقفه تصبح لينة، يجامل كثيراً خوفاً على أولاده.
إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ
الأولاد نقطة ضعف الآباء لأنهم قد يحملوهم على معصية الله يعني من أجل أن يكون لك ابن متفوق ضحيت بدينه، أرسلته إلى بلد دون ضوابط ، شاب في أول حياته جلس في مجتمع الفاحشة تُرتكب بأتفه الأثمان، ضاع دينه فأنت حينما تكسب المال الحرام من أجل أولادك ، أو حينما تحمل أولادك على معصية الله من أجل مستقبلهم، كان هذا الابن فتنة لك ، فتنت ولم تنجح

ويسترسل الدكتور النابلسى فى شرح تلك الآية فيقول: يعني هذا العربي في الجاهلية حينما كان يحفر في الرمل ويضع ابنته ويهيل عليها الرمل هل هناك من جريمة أبشع من هذه الجريمة ؟ أنا رأيي في قوله تعالى:" وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْل" (البقرة:191ِ
إذا إنسان أنجب بنتاً، وتركها على راحتها تفتن الشباب، ترتدي أحدث الأزياء الثياب الفاضحة، كل خطوط جسمها ظاهرة، هذا الذي يطلق لابنته العنان ولا يعبأ بطريقة لباسها، بل يبارك لها ويعجب بها ويتباهى بجمالها هذا فتنها عن دينها والله عز وجل يقول

﴿ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴾

يعني بربكم هذه البنت التي دفنت في الرمل مصيرها إلى الجنة لأنها كما قال الله عز وجل
﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾
سورة التكوير
أما حينما تكبر هذه البنت، ويطلقها أبوها على سجيتها من دون ضابط، من دون رادع، من دون مبادئ، من دون قيم، فتفسَد وتفسِد من هو السبب ؟ لذلك ورد في بعض الآثار: البنت يوم القيامة تقف أمام رب العزة، تقول: يا رب، لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي، لأنه سبب شقائي في الدنيا.

عزيزى الزوج لا تكن عدوا لزوجتك ،عزيزتى الزوجة لا تكونى عدوة لزوجك ، أعينوا بعضكم البعض على طاعة الله وابتغاء مرضاته


الأحد، 23 أكتوبر 2016

لا تكن أنانيا فى العبادة



      كثير من الناس يغفل عبادة هامة فى الإسلام وهى مساعدة الأخرين رغم أنها أولى وأهم من الاعتكاف وقيام الليل وقد وردت أحاديث فى ذلك منها:" المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة"  صحيح البخاري 

      فعن ابن عمر رضي الله عنه : "أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ , وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ , أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً , أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا , أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا , وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ شَهْرًا ....." معجم الطبراني

من هذه الأحاديث نستنتج أن عبادة قضاء حوائج الناس مقدمة ومفضلة عند الله فما كان نفعه يعود عليك وحدك ثوابه أقل مما يعود نفعه على الناس.

     يقول الدكتور عمر الهوشان:" إن نظرة عامة إلى سلوك المسلمين مع العبادات الشعائرية والتعاملية , تشير بوضوح إلى وجود ضعف في التزام المسلمين بالعبادات التعاملية مقارنة بأدائهم للعبادات الشعائرية , ففي الوقت الذي قد لا تجد بين المسلمين من يترك الصلوات الخمس أو يجاهر بالفطر في نهار رمضان أو ...- إلا القلة النادرة بناء على الظاهر على الأقل - ... تجد تقصيرا كبيرا و واضحا في التزام المسلمين بأداء العبادات التعاملية , حتى غدت الكثير منها عبادات منسية , بل ربما لا يصنفها البعض - بسبب قلة الفقه في دين الله تعالى - ضمن قائمة العبادات أو الطاعات !!

      ومن هنا تزداد حاجة الأمة إلى بيان أهمية أمثال هذه العبادات المنسية , وإلى تذكير المسلمين الدائم بمدى التلازم والارتباط بين الصلاة في المسجد والاعتكاف فيه – مثلا - وبين قضاء حوائج المسلمين و السعي فيما يجلب النفع لهم , و إلى التأكيد على أن الأخلاق وحسن التعامل مع المسلمين ما هو في الحقيقة إلا ثمرة الأداء الصحيح للصلاة والصيام والزكاة والحج , و إلى التنويه بمدى الأثر السلبي الذي يخلفه الفصل بين عبادة شعائرية وأخرى تعاملية .

ولعل هذا التوجيه النبوي هو ما دفع ابن عباس رضي الله عنه للخروج من معتكفه لقضاء حاجة أخ له في الله , وهو ما استند عليه فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ للقول:  قضاء حوائج المسلمين أهم من الاعتكاف ، لأن نفعها متعدٍ ، والنفع المتعدي أفضل من النفع القاصر


    لم تكن الأحاديث النبوية القولية وحدها التي بينت فضل قضاء حوائج المسلمين ومكانتها في الإسلام , بل جاءت سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم العملية لتؤكد هذا الفضل وتلك المزية , ففي الحديث أَنَسٍ أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِى عَقْلِهَا شَىْءٌ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِى إِلَيْكَ حَاجَةً فَقَالَ ( يَا أُمَّ فُلاَنٍ انْظُرِى أَىَّ السِّكَكِ شِئْتِ حَتَّى أَقْضِىَ لَكِ حَاجَتَكِ ) . فَخَلاَ مَعَهَا فِى بَعْضِ الطُّرُقِ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا . صحيح مسلم برقم/6189

 بل إن درجة اهتمام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بقضاء حوائج المسلمين وصلت إلى حد الاستماع لحاجة أحدهم بعد إقامة الصلاة , ورسول الله صلى الله عليه وسلم في محرابة , فقد ورد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَتِ الصَّلاَةُ تُقَامُ ، فَيُكَلِّمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ فِي حَاجَةٍ تَكُونُ لَهُ ، فَيَقُومُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ ، فَمَا يَزَالُ قَائِمًا يُكَلِّمُهُ ، فَرُبَّمَا رَأَيْتُ بَعْضَ الْقَوْمِ لَيَنْعَسُ مِنْ طُولِ قِيَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ . مسند الإمام أحمد برقم/12670د


 لقد فقه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح النصوص السابقة وعقلوها , فتنافسوا وتسابقوا في قضاء حوائج المسلمين , فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتعاهد الأرامل فيسقي لهن الماء بالليل , وكان مجاهد يقول : صحبت ابن عمر في السفر لأخدمه فكان يخدمني"


وبذلك أفتى الشيخ صالح بن فوزان أن طلب العلم أفضل من قيام الليل، لأن طلب العلم يتعدى نفعه إلى المسلمين وأما قيام الليل فهو خاص به فقط
فلا تكن أنانيا فى العبادة عزيزى القارئ وفكر دوما كيف تنفع الناس بدلا من أن تنفع نفسك فقط.


نرمين كحيلة


الثلاثاء، 11 أكتوبر 2016

الرافضون للحق



كثرت هذه الأيام صفة ذميمة نهى عنها الإسلام وانتشرت بين الناس وهى رفض النصيحة وكأن الناس أصبحوا كلهم أتقياء ومعصومين ولا يحتاجون للنصيحة وبالتالى فكثير من الناس أصبحوا يقولون:وانا مالى كل واحد حر وعارف الحلال والحرام أو فلان بالغ وليس صغيرًا وكأن النصيحة للصغير فقط أو لا يصح أن تنصح من هو أكبر منك.
قال النبى صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"
فهذا الحديث العظيم يدل على أن الدين هو النصيحة، وذلك يدل على عظم شأنها؛ لأنه جعلها الدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم": الحج عرفة"

وفى ديننا شئ مهم جدا ألا وهو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وقد أوضح الله جل وعلا في كتابه العظيم منزلته في الإسلام، وبيَّن أن منزلته عظيمة، حتى إنه في بعض الآيات قدمه على الإيمان، الذي هو أصل الدين وأساس الإسلام، كما في قوله تعالى: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ "(آل عمران:110)
فقال سبحانه وتعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"  ) التوبة:71(.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم"
"وقال أيضا:إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده"
ولما فرط بنوا إسرائيل في ذلك وأضاعوه، قال الله جل وعلا في حقهم": لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ " (المائدة:78 (

ثم فسر هذا العصيان فقال سبحانه":  كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُون" (المائدة:79)
فجعل هذا من أكبر عصيانهم واعتدائهم، وجعله التفسير لهذه الآية: ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ "(المائدة:78-79). وما ذلك إلا لعظم الخطر في ترك هذا الواجب.
ثم إن الله أمرنا أن نتواصى بالحق فقال تعالى: وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خَسِرَ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ "(العصر:1-3(.
والنصيحة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر تكون من الكبير للكبير أو من الكبير للصغير أو من الصغير للصغير أو من الصغير للكبير فقد نصح إبراهيم عليه السلام عمه الذى رباه (أباه آزر) فقال له:" يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا" ونفهم من هذه الآية أنه يجوز أن ينصح الابن أبيه أو عمه أو خاله أو جده أو من هو أكبر منه سنا.
ولنا أن نتساءل:ماذا يحدث إذا لم يتناصح الناس ولم يتناهوا عن المنكر؟ أولا: يستحقوا غضب الله وعقابه وثانيا:تنتشر الرذيلة والفساد فى المجتمع.

عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا "

فالحديث يشبه المجتمع بالسفينة وهذا المثل بليغ جداً، إذ أن المصلحة مشتركة، وأن سلامة المؤمنين كلٌ لا يتجزأ، فإذا أخطأ بعضهم انسحب هذا الخطأ على الباقين
لذلك قومٌ ركبوا سفينة وتقاسموا الأماكن، فالذين في أسفلها رأوا أنهم إذا خرقوا مكان وجودهم في أسفلها وأخذوا ماءً أراحوا من فوقهم، لكن الذين فوقهم إن تركوهم هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعاً، قال تعالى
:
﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾
يقول الدكتورمحمد راتب النابلسى: "فالخطأ الذي يرتكبه الفرد لا يصيب صاحبه فقط بل يصيب المجموع، وأوضح مثل حينما تتفلت البنت، وتتعرى، وتبرز مفاتنها، تؤذي المجتمع بأكمله، تؤذي شاباً في ريعان الشباب، بينه وبين الزواج عدة سنوات، ينبغي أن يبني مستقبله، أن يلتفت إلى دراسته، حينما تثيره بهذه المظاهر، وتلك التجاوزات، تسيء إلى كامل الأمة، إلى مجموع الأمة، فحينما ندرك أن خطأ واحداً ينسحب على المجموع، وأن المجموع في قارب واحد، فإذا أصاب هذا القارب العطب غرق كل ركابه، أي إنسان يقول: أنا لا علاقة لي ، وقع في خطأ كبير، لأن هذه الأمة التي وصفها القرآن الكريم بأنها خير أمة، قال تعالى:كنتم خير أمة أخرجت للناس (آل عمران:110) هذه الخيرية التي وصفنا بها والفضل لله عز وجل، لها علة، أي لها سبب، قال:
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾
علة خيريتكم أنكم:
﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾

تصور أن مجتمعاً لا يأمر أهله بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، ما الذي يحصل؟ الذي يحصل كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( كيف بكم إذا لمْ تأمروا بالمعروفِ ولم تَنْهَوْا عن المنكر؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله؟))
  [أخرجه زيادات رزين عن علي بن أبي طالب]
كأن الصحابة لم يصدقوا، هل يعقل أن يأتي زمان أهله لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر؟ فقال عليه الصلاة والسلام:
وأشدُ منه سيكون، قالوا: وما أشدُ منه؟ قال: كيف بكم إذا أمرتُم بالمنكر ونهيُتم عن المعروف؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون ـ الآن ما الذي هو أشد منه ـ قال: كيف بكم إذا أصبح المعروفُ منكراً والمنكر معروفاً؟
[أخرجه زيادات رزين عن علي بن أبي طالب]
هذه مصيبة المصائب أن تتبدل القيم، أن يصبح الكاذب صادقاً، والصادق كاذباً، أن يؤتمن الخائن ويخون الأمين.
(( يصبح المعروف منكراً, والمنكر معروفاً))
وقعت الأمة في مصيبة ماحقة
لذلك فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصلٌ من أصول الدين، بل هو كما يقول بعض العلماء: الفريضة السادسة
فإذا سكت الناس، وجاملوا بعضهم البعض، ولم يأمروا بالمعروف، ولم ينهوا عن المنكر، فقدت الأمة خيريتها، وإذا فقدت خيريتها أصبحت أمة كأية أمة خلقها الله، لا شأن لها عند الله، ولا وزن لها عند الله
ويسترسل الدكتور النابلسى قائلا:أي قد تأتي ابنة أخيك إلى بيتك لتزورك، بثياب فاضحة تبرز كل مفاتنها، وأنت عمها فإن لم تنطق بأية كلمة فإن قبولك لهذه الفتاة المتفلتة يغري ابنتك أن تقلدها، جاء الشر إلى بيتك، أما إذا نصحتها، مادمت قد نصحتها فأنت إنسان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
فإما أن تغير المنكر بيدك، أو بلسانك، أو بقلبك، إذا كنت من أولي الأمر فيجب أن تغيره بيدك، وإن كنت من أولي العلم فبلسانك، وإن كنت لا من هؤلاء ولا من هؤلاء فبقلبك، وهذا أضعف الإيمان.

أذكر قصة سائق سيارة عمومي، جاءه من يركب معه من بيروت إلى دمشق، شابٌ وشابة، لكنهما طلبوا منهما التريث قليلاً لأن إنساناً سوف يأتي لهم بحقيبة، انتظر ثلث ساعة، جاء رجل كبير في السن وعلى رأسه هذه الحقيبة، يبدو أنه تأخر، فهذا الشاب وكزه وقال له: لماذا تأخرت؟ ثم أخذ المحفظة و وضعها في الصندوق وانطلقا إلى الشام، في نصف الطريق سمع السائق الشابة التي تركب مع الشاب وهي زوجته، تقول لزوجها: لِمَ ضربت أباك؟ السائق لم يحتمل، وقف على اليمين، قال له: هذا الذي ضربته والدك؟ انزل، إنسان بسيط جداً لكن لم يحتمل أن يركب معه إنسان اعتدى على أبيه.
هذا مثل بسيط لو كل واحد منا رأى منكراً اعترض، أو أنكر، أو تكلم، أو تحرك، لكنا في حال غير هذا الحال، الآن الإنسان يرى كل الموبقات لا يتكلم ولا بكلمة، أنا لا أدعو أن تخاطب إنساناً لا تعرفه، لكن أقل شيء بناتك، شيء ملاحظ جداً أن امرأة محجبة معها بنت متفلتة، أغلب الظن أنها ابنتها، فكيف سمحت لها بالتفلت؟ فنحن إن لم نأمر بالمعروف وننه عن المنكر، حالنا صعب جداً، ونفقد بهذا خيريتنا، وإذا فقدنا خيريتنا فقدنا كل وعود الله لنا بالاستخلاف، وبالتمكين، وبالتطمين، إذاً يمكن أن نعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة سادسة".

كان رجلاً في قرية يعبد الله تعالى ولم يعصِهِ طرفة عين، فظهر فيها المنكر فلم يُنكره، فأرسل الله ملكاً أن يُهلك تلك القرية، فقال الملك: "أي ربي، فيها عبدك فلانٌ لم يعصك طرفة عين" فقال: "به فابدأ، إنه لم يتمعَّر وجهه فيَّ يوماً واحداً". نستنتج من هذه القصة أن الرجل الصالح لما ترك النهى عن المنكر استحق غضب الله وعقابه فكان ذلك ذنب عظيم.
وقصة موسى عليه السلام مع الرجل العاصى من بنى إسرائيل الذى منعهم الله المطر بسببه فلما تاب نزل المطر..هذه القصة التى رواها ابن قدامة فى كتاب التائبين ورواها القرطبى فى تفسيره توضح أن معصية الفرد يمكن أن تؤذى المجتمع بأكلمه.

احذر أيها القارئ أن تكون ممن ينطبق عليه هذه الآية:وإذا قيل له اتقِ الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد.. يقول المفسرون:هذه صفة الكافر والمنافق الذاهب بنفسه زهوا، والهدف من الأية التحذير من رد الناصحين؛ لأن الله تعالى جعل هذا من أوصاف هؤلاء المنافقين؛ فمن رد آمراً بتقوى الله ففيه شبه من المنافقين؛ ومن لم يستمع للنصائح بل تمادى فى معصيته واستعلى واستكبر في عملية إيحاء كاذب بأنه فوق مستوى النقد وأنه لا يخطئ أبدا فهو آثم والواجب على المرء إذا قيل له: « اتقِ الله » أن يقول: «سمعنا، وأطعنا» تعظيماً لتقوى الله   ، وإن هذا العمل موجب لدخول النار؛ لقوله تعالى: (فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ )
وقال عبد الله بن عمر: كفى بالمرء إثما أن يقول له أخوه : اتقِ الله ، فيقول : عليك بنفسك ، مثلك يوصيني !!! ، لأنه لا يوجد مؤمن حقيقى يخشى الله يرفض النصيحة فإذا وجدت نفسك ترفض النصيحة فلتراجع علاقتك بربك لأن رفض النصيحة مؤشر خطر..كالرجل الذى نصح آل فرعون فقتلوه.
ذكـــر أن يهودي كان له حاجه عند هارون الرشيد فوقف على الباب ولما خرج هارون
وقف اليهودي بين يديه وقــال : إتـــق الله
فنزل هارون عن فرسه وخرّ ساجدا فلما رفع رأسه أمر بحاجة اليهودي : فقضيت
فلما رجع قيل له : يــا أمير المؤمنين نزلت عن فرسك لقولة اليهودي !
قال الرشيد : لا ولكن تذكرت قول الله تعالى :
(( و إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم وبئس المهاد ))

وقد قال عمربن الخطاب رضى الله عنه:لا خير فى قوم ليسوا بناصحين ولا خير فى قوم لا يحبون النصح

يقول الدكتور راغب السرجانى: "يتوتَّر كثير من الناس إذا تقدَّم لهم أحدٌ بنصيحة! خاصة إذا كانت النصيحة تدعوهم إلى تغيير مسارٍ قضوا فيه فترة من عمرهم، ولو كانت فترة قصيرة؛ لأنهم لا يحبون التغيير بشكل عام، أو يخافون منه، أو يكرهون اكتشاف أنهم كانوا على خطأ طوال هذه الفترة؛ فيدفعهم كل ذلك إلى ردِّ النصيحة؛ بل والهجوم على الناصح، ولو كان أمينًا.
والحقُّ أنَّ ردَّ النصيحة خُلُقٌ غير محمود؛ لذلك ذَكَرَه الله عز وجل في صفات القوم المـُهْلَكين، ولقد قال صالح عليه السلام لقومه: {
وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لاَ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ [الأعراف: 79} ]!
وقد يدفع هذا السلوك أصحابه إلى شيء عجيب؛ وهو الضغط على الناصح حتى يقول ما يُوافق هوى المنصوح! مع أنهم يَضُرُّون أنفسهم بذلك؛ إذ يحرمون أنفسهم من نور الحقيقة.
ويستطرد الدكتور راغب قائلا: أيها الأبناء درِّبوا أنفسكم على سماع النصيحة..
، اقبلوا من هذا وذاك نصحه، فإن أعجبكم فبها
وإن كرهتموه رددتموه بأدب، ولا تحرموا أنفسكم من خبرات الآخرين، ولا تحرقوا مراكبكم، ولا تُطلقوا الأحكام على قلوب الناس فإنها سرٌّ بين الله وعباده..
تَفَكَّروا في نصيحة المحبين لكم، واخرجوا من معسكركم المغلق؛ فالخير ليس محدودًا في داخله؛ إنما يعيش في الكون معنا الآلاف ممن ينصحوننا بحبٍّ، ويُريدون لنا الخير بصدق؛ فوَسِّعوا مدارككم، وارصدوا المقدمات والنتائج، وراجعوا النصائح القديمة من هذا وذاك؛ لتعلموا صحَّة طريقكم من عدمه، وإياكم من التكبُّر عن تعديل المسار إن تبيَّن لكم الخطأ فيه..






الاثنين، 25 يوليو 2016

جنة الدنيا


كنت كلما قرأت آيات القرآن الكريم التى تصف الجنة وما فيها أسأل نفسى: لماذا اختار الله سبحانه وتعالى الحدائق والشجر والأنهار لتكون جزاء ومكافأة المؤمنين ولكنى علمت الإجابة حين ذهبت إلى هذه الرحلة الممتعة والتى أريدكم أن تصحبونى فيها .. فقد استقليت مركبا ً شراعيا ً إلى جزيرة النباتات بأسوان ، فهى وسيلة المواصلات الوحيدة ، كان المشهد رائعا ً، والقارب يخترق عباب النيل والسماء الزرقاء من فوقنا ، ساعتها فقط تذكرت آية الله تعالى فى أن تسير السفن بكل ما تحمل من أثقال فوق الماء ولا يستطيع دبوس واحد أو مسمار أن يطفو فوقه ، ولذلك قال الله تعالى:"ألم ترَ أن الفلك تجرى فى البحر بنعمة الله ليريكم من آياته" (لقمان :31) "وآية لهم أنا حملنا ذريتهم فى الفلك المشحون"(يس :36) "ولتجرى الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون" (فاطر :35) "الله الذى سخر لكم البحر لتجرى الفلك فيه بأمره" (الجاثية :45).
ولم أملك إلا أن أسبح الله طوال فترة سير المركب ، حتى وصلنا إلى الحديقة النباتية ، وهى تقع على جزيرة فى وسط النيل أمام مدينة أسوان ، وتضم مجموعة نادرة من النباتات الاستوائية وشبه الاستوائية ولذا فهى تعتبر من أهم المراكز البحثية فى مصر وواحدة من أندر الحدائق النباتية فى العالم. ومشيت فى طريق مبلط بجرانيت أسوان الوردى وهو يميز كل مشاياتها ، ويظلل هذا الطريق على جانبيه النخيل الملوكى بلونه الأبيض الرخامى وقد رأيت أعلى النخل وهو يتساقط على الأرض - أو هو فى طريقه إلى السقوط - فقيل لى أن هذه النخلة لا تحتاج إلى تقليم بل هى تقلم نفسها بنفسها بطريقة ربانية وعندما يسقط أحد أجزائها العلوية فإنه يحدث صوتا ً يشبه صوت التصفيق ، ربما لكى تنذر من يجلس تحتها حتى يغادر المكان أو ربما لبكاء النخلة على جزء منها فارقها.. ورأيت متحف الأحياء النباتية داخل الحديقة ، وكان رائعا ً هو الآخر.

وفى أثناء سيرى داخل الحديقة سمعت صوتا ً عجابا ً لم أسمعه من قبل ولما سألت عن هذا الصوت قيل لى إنه صوت طائرأبى قردان فقلت على الفور:"صديق الفلاح؟". ولم يسعنى إلا أن أضحك لهذا الصوت ، إن صوته يشبه صوت الإنسان وهو يقول لا لا.. وحاولت صديقتى تصوير ذلك الطائر وتتبعه بآلة تصويرها لكن الأشجار كانت أغصانها متشابكة وغزيرة فحالت دون رؤيته ، ولكنه عندما نزل إلى الأرض أصبح مرئيا ً.
ونظرا ً لموقع الحديقة المتميز وهدوئها فإنها تعتبر مرتعا ً لكثير من الطيور المهاجرة والمحلية فقد رأينا مثلا ً الهدهد وذكرنى ذلك بسيدنا سليمان عليه السلام وكيف كان يفهم لغته وأحببت هذا الطائر لأنه ورد بالقرآن الكريم ، ثم هو طائر إيجابى لم يرضَ أن يشرَك بالله فى أرض سبأ ، كم هو جميل ويدل شكله على الألفة والطيبة والمودة ! وأطلت النظر إليه وأنا أسبح الله.

ورأيت الغراب بلونه الأسود يمشى على الأرض ، وتذكرت أن الناس يتشاءمون منه ، ربما لشكله ولونه ، بل وصوته المنكر الذى يبعث على الحزن ، فقلت:"سبحان الله طائران متجاوران فى حديقة واحدة أحدهما أبيض جميل والآخر أسود كئيب!!" وكانت هذه فرصة عظيمة لممارسة عبادة من أحب العبادات إلى قلبى وهى عبادة التفكر فى خلق الله. ورأيت اليمام والبلبل والعصفور، وكانت أصوات الطيور المختلفة تتشابك وتختلط فى وقت واحد فتعزف سيمفونية رائعة من الأنغام يعجز بيتهوفن أو باخ عن الإتيان بمثلها.
ورأيت شجرة تسمى الشجرة الفضية لأن أوراقها عجيبة الشكل إذا أمسَكْت إحدى أوراقها تجدها خضراء وإذا قلبت الورقة من الجهة الأخرى تجدها فضية ، فتعجبت وتذكرت اسم الله البديع فقد أبدع فى الخلق. وقد رأيت ثمرة عجيبة لم أرَ مثلها من قبل وقيل لى أنها فاكهة استوائية لا تباع فى الأسواق اسمها:"أوجينيا" ، لونها أحمر كالفراولة وطعمها شهى جدا ً ، وذكرنى هذا بالجنة التى وعد الله المتقين بأن فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وأن فاكهتها لا مقطوعة ولا ممنوعة وأن بعضها لا نعرفه فى الدنيا. وتأملت عظمة الخالق إذا كان قد أبدع صنع هذه الحديقة الدنيوية الممتلئة بأشياء لم نسمع عنها ولم نرها من قبل فما بال الجنة الأخروية إذن ؟! وشعرت بأن هذه هى أحسن جائزة أعدها الله لعباده الطائعين حيث قال عنها أنها الفوز العظيم. وتخيلت نفسى وإذا بى قد قامت القيامة ودخلت جنتى مع الطائعين وأخذت أطوف بين جنباتها كما أفعل الآن ، ودعوت الله أن يجعلنى من أهلها.

ورأيت شجرة ثمارها لها طعم البرتقال وشكل البامية واسمها :"برتقالة بامية". وشجرة أخرى اسمها "عين الخروف" لأن ثمارها تشبه عين الخروف تماما ً. ورأيت شجرة القرفة والمستكة وجرحت الشجرة بقلمى فأفرزت سائلا هو المستكة فشممت رائحتها فوجدتها زكية جدا ً، فجعلت أمسح على ملابسى.. ورأيت شجرة الأراك التى يستخرج منها السواك وكم بلغ حزنى حين علمت أن الناس فى الأعياد يأتون إلى الحديقة ويتسلقون الشجرة ويجلسون فوقها ليلتقطوا صورة حتى انكسرت الشجرة ومالت ، فقلت:"كيف يجرؤ إنسان على تشويه ذلك الجمال؟".

ورأيت شجرة ذيل السمكة وثمارها تشبه ذيل السمكة فعلا ً. ورأيت شجرة عجيبة أوراقها على شكل رئة الإنسان ، وشجرة أخرى أوراقها خضراء مخططة باللون الأصفر ، وأخرى أوراقها خضراء وبها نقط صفراء ، وأخرى أوراقها لها جهة حمراء قانية والناحية الثانية لونها أخضر. وقلت:"لو أن إنسانا ً رسم ولون هذه الأوراق والأشجار لأخطأ فى توزيع الألوان لكن الله جل وعلا قد أحسن وأتقن كل شئ خلقه وجعل نسب كل الألوان والرسومات بحكمة بالغة ، أليس عجيبا ً أن هناك من ينكر وجود الله بعد كل ما رأى ؟ وتذكرت قوله تعالى:"هذا خلق الله فأرونى ماذا خلق الذين من دونه". إن الله يتحدى أن يأتى أعظم رسام أو فنان تشكيلى أو نحات بمثل تلك الروعة والجمال !!

الثلاثاء، 15 سبتمبر 2015

الهدية


"اللى افتكرنى ما حقرنى ولو جاب طوبة وزقلنى" ..مثال يقال عندما يحب الانسان ان يتذكره شخص حتى لو يرميه بطوبة ، وهذا معناه ان الهدية قيمتها فى معناها وليس فى ثمنها فالهدية هى معنى رمزى للحب وان هذا الشخص يتذكرك ويفكر فيك ولو نظرنا الى الهدايا التى قدمها رؤساء العالم الى بعضهم البعض سنجدها رمزية جدا رغم ثراءهم الفاحش . . وتحمل قصة المفكر الفرنسي فولتير الذي أهدته إمبراطورة روسيا كاترين الثانية علبة من العاج من صنع يدها فقدم لها جوارب حريرية من صنع يده، كمثلٍ واضح على المدى الذي يمكن أن تصل إليه رمزية الهدية. فقد أرفق فولتير رسالة مع هديته تلك ذكر فيها أن امبراطورة روسيا أهدته ما هو من أعمال الرجال مصنوع بأيدي النساء، فأهداها بدوره ما هو من أعمال النساء ولكنه مصنوع بأيدي الرجال.
أما زعماء الاتحاد السوفيتي، فتلقوا هدايا غريبة من نوعها تمثلت في لوحة مصنوعة من السكر لليونيد بريجينيف الذي تلقى بمناسبة عيد ميلاده أيضاً علبة سجائر حفرت عليها نماذج لرؤوس نووية!!. وفي حين حصل جوزيف ستالين على قبعة مصنوعة من الريش بعد اختياره زعيماً فخرياً على قبائل الهنود الحمر في الولايات المتحدة، ووصلت آخر رؤساء الدولة الشيوعية ميخائيل غورباتشوف هدية متواضعة لم تكن سوى مجسم لسور برلين الذي اعتبر رمزاً للاصطفاف الإيديولوجي خلال الحرب الباردة.
وفي الولايات المتحدة، نال الرئيس الأسبق بيل كلينتون عباءةً إفريقية وصولجاناً أثناء جولةٍ في القارة، فيما اكتفى رئيس الوزراء السويدي فريدريك رينفلدت بتقديم منشارٍ بمقبضٍ متين من صنع بلاده إلى الرئيس الأميركي السابق جورج بوش.
وتلقت سيدة أميركا الأولى سابقاً لورا بوش تشكيلةً من الجوز والفاكهة المجففة من الدلاي لاما. وفي خانة الهدايا البسيطة أيضاً، لم يتوانى الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك عن إعطاء كتابٍ للفيلسوف المعروف مونتسكيو للزعيم الليبي معمر القذافي، وحذا الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز حذوه ليهدي الرئيس الأميركي باراك أوباما كتاباً لأحد المؤلفين اليساريين في إشارة تحمل في طياتها ألغازاً ملغومة.
وكسرا للروتين المعتاد عليه، اختار رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، طاولة تنس بريطانية الصنع ليمنحها للرئيس الأمريكي باراك أوباما، كما قدم مضرب تنس بطولة ويمبلدون كهدية لرئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانج.
وكانت هدية الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون لنظيره المصري جمال عبد الناصر شديدة الغرابة، وهي عبارة عن أحجار صغيرة جُلبت من القمر عبر رحلة مركبة الفضاء أبوللو 11.
بينما كانت باقي الهدايا المقدمة من رؤساء دول أوروبا غير تقليدية مثل الكتب التاريخية وأسطوانات الموسيقى ومنتجات تشتهر بها البلد المضيفة، بينما كانت أغرب الهدايا على الإطلاق ما قدمه وزير الخارجية الأمريكي لنظيرة الروسي سيرجي لافروف، وكانت عبارة عن حبتين من البطاطس وهناك رئيس اهدى دستة شرابات لرئيس آخر لانه لاحظ انه يرتدى شرابا مقطوعا. وكان عليه الصلاة والسلام يقبل القليل من الهدية كما يقبل الكثير
ففي الصحيح (البخاري:2568) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت ، ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت.".
والكراع من الدابة ما دون الكعب .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ( فتح الباري :5/236) : وخص الذراع والكراع بالذكر ليجمع بين الحقير والخطير لأن الذراع ثمينة، والكراع لا قيمة له. يعنى النبى صلى الله عليه وسلم لم يشترط فى الهدية ان تكون ثمينة. قال ابن بطال: " حضًا منه لأمته على المهاداة، والصلة، والتأليف، والتَحابِ، وإنما أخبر أنه لا يحقر شيئاً مما يُهدى إليه أو يدعى إليه، لئلا يمتنع الباعث من المهاداة لاحتقار المُهدِى، وإنما أشار بالكُراع إلى المبالغة في قبول القليل من الهدية " .
فالهدية سنة نبوية، ومَظْهر حب، ومبعث أُنْس، تـُقرِّب البعيد، وتصل المقطوع، وتشق طريق الدعوة إلى النفوس، وتفتح مغاليق القلوب، وتبذر المحبة بين الناس، وقد حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على تشريع كل ما مِن شأنه أن يؤلف القلوب، فالهدية من هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي حض عليها حيث قال: ( تَهَادُوا تَحَابُّوا ) رواه البخاري في الأدب المفرد، ومالك، وصححه الألباني .
وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الهدية من خير العمل عند الله، وأنها تعدل في أجرها عِتق الرقبة، فعن البرآء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: "من منح منيحة ورق (فضة ( ، أو منيحة لبن، أو هدى زقاقا (دلَّ على الطريق ( كان له كعتق رقبة )". رواه أحمد (.
والآن عزيزى القارئ ألا تتفق معى ان الهدية قيمتها فى رمزيتها وليس ثمنها؟

الخميس، 11 يونيو 2015

لعنة الأحفاد


بعد مرور آلاف السنين تبين أننا لا نستحق حضارة أجدادنا فقد بعنا آثارهم وأهنا مومياواتهم ولم نكن على مستوى المسؤولية التى ألقوها على عاتقنا ، يحق لأجدادنا قدماء المصريين ان يتبرؤوا منا نحن أحفادهم الذين جلبنا لهم اللعنة ومرمغنا رؤوسهم فى التراب ، ولاحقهم عارنا ، فلو يعلم أسلافنا أن مومياواتهم سوف يتاجر بها خلفهم وأنها سوف تضيع فى الترع والمصارف ما دفنوها أصلا فى مصر ولا حافظوا على مومياواتهم بالتحنيط ، بالتأكيد أخطأ المصرى القديم حين أوصى ابنه المسافر بأنه لا بد أن يعود لبلده ليدفن فى ترابها ليدخل الجنة لأن – من وجهة نظرهم – باب الجنة ليس موجودا إلا فى مصر وأن من يدفن خارجها فلن يدخل الجنة .. بالتأكيد لو كانوا مايزالون يعيشون بيننا الآن فلسوف تتغير وجهة نظرهم وسوف يوصى الأب ابنه بأنه لابد أن يدفن خارج مصر لأن الجحيم أصبحت بوابته فى مصر وإن من يموت لا يأمن من نبش قبره وتعرض جثته للنهب والسرقة ونقل الأعضاء ، لأن الحضارة المصرية التى قامت على الأخلاق لم يبقَ من مُثلِها وقِيَمها شئ .. وحق لنا أن نقول أن لعنة الفراعنة انتهت لتحل محلها لعنة الأحفاد الذين ضيعوا كل شئ:الحضارة والتاريخ والأخلاق .. نهر النيل الذى تركوه لنا نظيفا طاهرا لوثناه ، الآثار التى خلفوها لنا بعناها من أجل حفنة دولارات وللأسف حاميها حراميها ، فزاهى حواس الذى من المفترض أنه راعى وحامى للآثار هومن يتاجر فيها بالتعاون مع شرطة الآثار.. الثروات التى حافظوا لنا عليها بددناها ، لم يبق من تراثهم الذى نفتخر به شئ وحق لنا اليوم أن نقول:آسفين يا أجدادنا ضيعنا تاريخكم وتراثكم وسمعتكم ولم نكن على قدر المسؤولية ، نحن لا نستحق أن ننتسب إليكم ولا أن نكون أحفادكم وكما قال سيد درويش :
عد لى مجدى اللى ضيعته بإيديك
شوف جدودك فى قبورهم ليل نهار
من جمودككلعظمة بتستجار
فين آثارك يا اللى دنست الآثار
دول فاتوا لك مجد وأنت فت عار