الاثنين، 30 يناير 2012

لماذا يلحد هؤلاء؟

   منذ أن عملت فى مجال الدعوة وأنا يشغلنى سؤال واحد:لماذا يلحد الملحدون؟ فسألت ذات يوم صديقتى الهولندية الملحدة لماذا تكفرين؟ فأجابت:كنت مسيحية ولكنى كفرت بالله فسألتها:لماذا؟ قالت:عندما كنت رضيعة تركنى أبواى عند جدتى وسافرا ولم يعودا حتى الآن ، لقد تخلصا من مسؤوليتى وعاشا حياتهما فتيقنت أنه لو كان هناك إلها لهذا الكون يدبره لما تركنى أعانى من الفقر والجوع والجهل والمرض لهذا كفرت بوجوده.
 
   فحوقلت وقلت: صدق الله العظيم حين قال:"ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون" (يوسف:87) يقول يعقوب عليه السلام لبنيه: ولا تيأسوا من روح الله  أى ولا تقنطوا من أن يروح الله عنا ما نحن فيه من الحزن على يوسف وأخيه بفرج من عنده إنه لا ييأس من روح الله  أى: لا يقنط من فرجه ورحمته ويقطع رجاءه منه  إلا القوم الكافرون يعني : القوم الذين يجحدون قدرته على أن يفرج عنهم الغم الذي هم فيه.لذلك فإن المنتحر كافر لأنه يأس من رحمة الله.
    يقول الشيخ عبد المجيد الزندانى:"كنت فى مؤتمر للتعريف بالإسلام فذكرنا آية "أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء...... أإله مع الله قليلا ما تذكرون ) النمل:62 ) أمن يجيب المضطر ) المكروب) إذا دعاه ويكشف السوء )الضر (يقول العلماء:حتى الكافر المضطر إذا ضاقت به السبل ودعا الله فلن يخذله فقام أحد الملحدين وقال:أنا أمر بمشكلة خطيرة فى عملى تهدد مستقبلى الوظيفى فلو كان هناك ربا لهذا الكون لحل لى مشكلتى فقال له الشيخ الزندانى:أقول لك ماذا تفعل على أن تعدنى إذا تم حل مشكلتك أن تؤمن بالله وتشهد الشهادتين فقال:أعدك بهذا..يقول الشيخ الزندانى: فقلت للرجل أن يتوجه إلى الله بالدعاء فى الثلث الأخير من الليل أن يفرج كربه ويحل له مشكلته ففعل الرجل وبعد عدة أيام جاءه الرجل مهرولا يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله فتعجب الحاضرون وسألوه:ماذا حدث؟ قال:لقد حل الله لى مشكلتى من حيث لم أحتسب ولم أتوقع ، آمنت أن هناك إلها لهذا الكون يسمع شكواى.

  يقول أحد الذين أسلموا:"أشد ما أسعدنى بدخولى الإسلام أنه أصبح لى ربا ألجأ إليه وقت الشدائد وقد كنت سابقا لا أجد من ألجأ إليه".

   عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاءً ؟ قال : الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه  وفيه : حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة ، (أخرجه الحاكم )

    والأمثل أفعل من المثالة والجمع أماثل وهم الفضلاء . عن الحارث بن سويد عن عبد الله قال:"دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فقلت يا رسول الله إنك لتوعك وعكا شديدا قال: أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم قلت ذلك أن لك أجرين؟ قال: أجل كذلك ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها".

   فكما أن الطفل يشعر بالأمان وهو فى أحضان أمه فكذلك المؤمن لا يحزن أبدا وهو فى معية الله فالمؤمن متفائل دائمًا حتى فى أحلك لحظات حياته فلننظر إلى موسى عليه السلام وهو يعبر البحر  وقد أحيط به من قِبَل فرعون وجنوده" فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ")  الشعراء 25-26) فموسى عليه السلام لأنه مؤمن فهو على يقين أن الله لن يتركه فى هذا الموقف العصيب.

   وكذلك قال نوح عليه السلام حين  اشتد إيذاء الكفارعليه وعلى دعوته "ربِ إني مغلوب فانتصر" فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ" والفاء هنا تفيد السرعة والتعقيب فالله سبحانه وتعالى استجاب استجابة فورية لدعاء نوح عليه السلام ولذلك فقد سمى نفسه:"المجيب".
   أليس الله الذى نجى إبراهيم من النار قادر على أن ينجيك  ؟ "قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ" )  الانبياء69 .)

   أليس الذي أخرج يونس من بطن الحوت في ظلمة الليل وظلمة الحوت وظلمة المحيط قادر على أن يعينك ويخرجك من مآزقك ومحنتك ويرزقك وينجيك " فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْغَمِّ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ)  (الأنبياء:87ـ88) أعقب الله سبحانه وتعالى هذه الآية بجملة وكذلك ننجى المؤمنين أى أن استجابة الدعاء وتفريج الكرب ليس مقصورا على الأنبياء وإنما هو لكافة المؤمنين..وحتى حين أخرجه من بطن الحوت لم يتركه بل هيأ له معيشته وأنبت له شجرة اليقطين.

   بل إن قارون حين خسف به الله الأرض قال: يا موسى انقذنى  فقال موسى عليه السلام:لو استعان قارون برب موسى  لانقذه.

   جاءتنى امرأة ذات يوم وقالت لى:إن لى زوجا يسئ معاملتى وقد كرهت حياتى بسببه فقلت لها:اصبرى لعل الله يجعل لك مخرجا وبعد فترة قصيرة جاءتنى المرأة وهى ترتدى السواد فقلت لها:مابك؟ فقالت:وقع حجرا على زوجى وهو يسير فى الشارع فمات فى الحال.


    والحقيقة أن الله  لا يخذل أبدا من يلجأ إليه فلننظر إلى يوسف عليه السلام حين دعا ربه وطلب منه أن يصرف عنه كيد النسوة "فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (يوسف34) وكذلك أيوب عليه السلام   "وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ  فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ"  (الآنبياء 83 – 84) وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم حين مات من يدافع عنه زوجته الحبيبة خديجة وعمه أبو طالب فى عام الحزن فلم يبق له إلا الله الذى نصره وحفظه ..وإذا تتبعنا سير العظماء سنجد أنهم عاشوا حياة كلها معاناة..

   قال تعالى فى سورة الشرح:" فإن مع العسر يسرا إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً"
يقول الأستاذ الدكتور عبدالكريم بكار:" في هذه الآية خير عظيم ، إذ فيها البشارة لأهل الإيمان بأن للكرب نهاية مهما طال أمده ، وأن الظلمة تحمل في أحشائها الفجر المنتظر.
   وقد بثت هذه الآية الأمل في نفوس الصحابة - رضوان الله عليهم- حيث رأوا في تكرارها توكيداً لوعود الله - عز وجل - بتحسن الأحوال ، فقال ابن مسعود : لو كان العسر في جحر لطلبه اليسر حتى يدخل عليه . وذكر بعض أهل اللغة أن (العسر) معرّف بأل ، و (يسرًا) نكرة ، وأن العرب إذا أعادت ذكر المعرفة كانت عين الأولى ، وإذا أعادت النكرة فكانت الثانية غير الأولى  . وخرجوا على هذا قول ابن عباس : لن يغلب عسر يسرين.
    وفى سورة الفتح بشارة عظيمة بفتح مكة رغم أنها نزلت فى وقت اعتقد المسلمون فيه أنهم مهزومون.. وفى خلال حفر الخندق أصيب المجاهدون بالتعب والعنت الشديدين، وحين ظهرت صخرة استصعبوا كسرها فاستنجدوا بالرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا به يأتي، ويضرب الصخرة، فتلمع شرارة، فيقول صلى الله عليه وسلم "الله أكبر فتحت الروم"، وكأنه ، في عز الأزمة يبعث الأمل، والصحابة ينظرون إلى بعضهم البعض ويتساءلون: فتحت الروم؟!! كيف ذلك؟؟ ونحن لا نستطيع حتى قضاء حاجتنا من شدة الخوف!! ثم يضرب الصخرة مرة ثانية، ويقول: "الله أكبر فتحت فارس"، ويضرب الثالثة فتتكسر الصخرة.فالرسول صلى الله عليه وسلم، القائد، والمعلم، والقدوة، نراه في عز الشدة، وفي عز الأزمة، يعِد الصحابة بفتح بلاد فارس، وبفتح بلاد الروم، ويبعث الأمل، ويرفع المعنويات، ويشحذ الهمم..وفى الغار يقول لصاحبه والكفار يحيطون بهما يخشى أن يدركوهما:لا تحزن إن الله معنا..

    أقول هذا لأن كثيرا من الناس يسألنى كيف تتفاءلين ومصر الآن تمر بأزمة ومحنة؟فأقول لهم:إن الله يحب مصر وذكرها فى قرآنه ولا يمكن أن يضيعها فلا يختبر الذهب الا بالنار لأنه يتحمل درجات الحرارة العالية فيخرج لنا أجمل الحلى ، والزيتون عندما يُضغط: يأتي لنا بالزيت الصافي والفواكه عـنـد عصــرها: تعطينــا ألــذ العصــائر فإذا شعرت بمتاعب الحياة تضغطك بهمومها ..وتعصر قلبك بآلامها .. فلا تحزن !!إنه  الله يريد أن يخرج أحلى ما فيك: ايمانك لتنال الأجر، فاستعن بالصبر .لاَ تحزن إذا منع الله عنك شيء تحبه فَلَو​​​​​​​ علمتم كيف يدبّر الرّب أموركم لذابت قلوبكم مِن محبته .
نرمين كحيلة






الجمعة، 13 يناير 2012

السير مع القطيع



    سلوك القطيع هو مصطلح يطلق على سلوك الأشخاص في الجماعة عندما يقومون بالتصرف بسلوك الجماعة التي ينتمون لها دون تفكير أو تخطيط.. هذا المصطلح في الأساس يطلق على تصرف الحيوانات في القطيع أو السرب ..وقد أجريت العديد من البحوث على الأشخاص لفهم تصرف البشر في الجماعة الواحدة عندما يقومون بالتصرف بسلوك متشابه في نفس الوقت أي ما يعرف بـ"أخلاق القطيع" أو سلوك القطيع", فوجدوا أنه في الجماعة الواحدة , يميل الأشخاص الأقل مركزا أو الاقل تأثيرا في الجماعة إلى التصرف بسلوك من هم أعلى مركزا أو أحسن حالة وظيفية أو اجتماعية.
   ونظام القطيع معناه أنه عندما يكون العدد الضخم فى مكان ما فيحدث شئ يفزعه تجد القوى يثب فوق الضعيف وتجد الكبير يقفز فوق الصغير وإذا بالنساء والأطفال يذهبون تحت الأقدام ، كل يجرى لكى يحرص على حياته حتى لو داس غيره.

   فإذا كان نظام القطيع يناسب الحيوان لأنه بلا عقل فإنه لا يناسب الإنسان الذى ميزه الله بالعقل..لذا فقد نهى الإسلام عن نظام القطيع وأوجد لنا نظاما آخر أفضل منه هو نظام الصف الذى نبه إليه القرآن - كما يقول الشيخ الغزالى رحمه الله - قال تعالى:"إن الله يحب الذين يقاتلون فى سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص"(الصف:3).. ونظام الصف هو الذى قال فيه النبى صلى الله عليه وسلم:"أقيموا الصفوف فإنما تصفون بصفوف الملائكة وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولينوا فى أيدى إخوانكم ولا تذروا فرجات للشيطان ومن وصل صفا وصله الله تبارك وتعالى ومن قطع صفا قطعه الله". رواه أحمد وأبو داود.
  
   والسير مع القطيع معناه أن تكون إمعة أى تفعل كما فعل مجتمعك دون تفكير حتى لو كان خاطئا ، والإمعة هو الانسان منعدم الشخصية إن ذهب الناس يمينا ذهب يمينا
إن لبس الناس لبس إن ضحك الناس ضحك ، لا قرار له في الحياة دائما يتبع.

   وفى هذا يقول نبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه:" لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن لا تظلموا"  رواه الترمذي في سننه عن حذيفة رضي الله.
معنى إمعه : ان تفعل كما يفعل الآخرين إن أحسنوا أحسنت مثلهم وإن أساؤا أسأت مثلهم.قال الجوهري في صحاحه : يقال الإمع والإمعة أيضاً للذي يكون لضعف رأيه مع كل أحد.
ولقد أصاب من قال :شمِّر وكن في أمور الدين مجتهداً       ولا تكن مثل عِير قِيدَ فانقادا
وذكر ابن عبد البر بإسناده عن ابن مسعود في تفسير الإمعة أنه قال:
كنا ندعو الإمعة في الجاهلية الذي يُدعَى إلى الطعام فيذهب مع غيره.

  و التقليد الأعمى الذي يقلد فيه المرْء شيخه أو والده أوشخص أعجب به دون الرجوع للأدلة الشرعية وإن كان هذا التقليد لايمت للكتاب والسنة بأية صلة ولنا في ذلك أدلة كثيرة قوله تعالى ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ)) (البقرة:170) وقد ذكر عن الفِرَق الضالة كلام يبين كيف أنهم زاغوا بسبب التقليد الأعمى فإن كثيراً من الزائغين عن الحق من المعتزلة والقدرية والجهمية والرافضة وغيرهم مالت بهم أهواؤهم إلى تقليد رؤسائهم ومن مضي من أسلافهم فتأولوا القرآن على آرائهم تأويلاً لم ينزل الله به سلطاناً ولا نقلوه عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن السلف المتقدمين.
   ويصور لنا القرآن تصويرا رائعا لموقف الذين عاشوا طوال حياتهم إمعة وتابعين لغيرهم ممن نسميهم فى عصرنا الحالى (عبد المأمور)"وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص" )إبراهيم:21)
 ( وبرزوا [ لله ] ) أي : برزت الخلائق كلها ، برها وفاجرها لله وحده الواحد القهار ، أي : اجتمعوا له في براز من الأرض ، وهو المكان الذي ليس فيه شيء يستر أحدا .

    فقال الضعفاء )
وهم الأتباع لقادتهم وسادتهم وكبرائهم الذين استكبروا عن عبادة الله وحده لا شريك له ، وعن موافقة الرسل ، فقالوا لهم : ( إنا كنا لكم تبعا ) أي : مهما أمرتمونا ائتمرنا وفعلنا   ( فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء ) أي : فهل تدفعون عنا شيئا من عذاب الله ، كما كنتم تعدوننا وتمنوننا ؟ فقالت القادة لهم : ( لو هدانا الله لهديناكم ) ولكن حق علينا قول ربنا ، وسبق فينا وفيكم قدر الله ، وحقت كلمة العذاب على الكافرين (
    والظاهر أن هذه المراجعة في النار بعد دخولهم إليها ، كما قال تعالى" : وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد" ) غافر : 47 ، 48 ] وقال تعالى : قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون ) [ الأعراف : 38 ، 39 ) وقال تعالى" : يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا" ) الأحزاب : 66 - 68  .(
   وأما تخاصمهم في المحشر ، فقال تعالى" : ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون" ) سبأ : 31 - 33 (
   والمقلد أى الذى يتبع شيخه ويقلده تقليدا أعمى مشكوك فى إيمانه بالإجماع.

    فلا تتقمص شخصية غيرك ولاتذُب في الآخرين. لا بأس من اتخاذ القدوة وعلى رأسهم نبينا محمد صلوات الله عليه لكن لا يمنع بأن تكون لنا بصمة خاصة تميزنا عن غيرنا من البشر..والحقيقة كلما تأملت فى حكمة الله جل وعلا فى أن يخلق ملايين البشر ببصمات مختلفة ليست هناك بصمة تشبه الأخرى حتى بين التوائم أدركت أن لذلك معنى ومغزى وهو أن الله جلت قدرته لا يريدنا نسخا مكررة بل يريد كل واحد فينا أن تكون له بصمته الخاصة به..فلو أن الشيخ الشعراوى مثلا كان نسخة مكررة من أبيه لعاش فلاحا يزرع الأرض ولم يصبح عالمًا لكنه رفض حياة القطيع وصمم أن يكون له بصمة مستقلة عن والده وأهل قريته.
 
    يقول الدكتور مصطفى محمود:إن أم كلثوم رفضت أن تقلد غيرها رغم أنها عاشت بين الفلاحين فى بيئة قروية ولكنها مع ذلك كانت لها شخصية مستقلة استطاعت من خلالها أن تصنع لها مجدا وأن تصير سيدة الغناء العربى وكوكب الشرق ولو أنها قلدت أهلها لعاشت تحلب البقرة وتصنع الجبن وتعجن ...إلخ. مثل كل بنات قريتها.

    وكذلك هو رفض أن يكون مثل أقرانه فى قبول كل شئ مسلما به فقد كان يُعْمِل العقل والفكر فى كل ما حوله حتى وصل لما وصل إليه من العلم والشهرة والتميز.
  
    يقول الدكتور عائض القرني في كتابه "لا تحزن" :"إن الناس في طبائعهم أشبه بعالم الأشجار : حلو وحامض ، وطويل وقصير ، وهكذا فليكونوا. فإن كنت كالموز فلا تتحول إلى سفرجل ، لأن جمالك وقيمتك أن تكون موزا، إن اختلاف ألواننا وألسنتنا ومواهبنا وقدراتنا آية من آيات الباري فلا تجحد آياته".
     يقصد أنه لا يجب أن نكون نسخة مكررة من أحد ، كل واحد له شخصيته المستقلة وبصمته المختلفة.

    ولو تتبعنا سير العلماء والفلاسفة والعظماء لوجدنا أنهم رفضوا أن ينقادوا لمجتمعهم وصنعوا لأنفسهم شخصية مستقلة مثل سيدنا إبراهيم عليه السلام حين نشأ فى بيئة كانت تعبد الأصنام وكان أبوه يصنع الأصنام ويبيعها ولكن إبراهيم عليه السلام لم يقلد أبوه فيما كان يفعل وكان يحمل الأصنام ويقول:من يشترى آلهة لا تضر ولا تنفع؟ يعنى سيدنا إبراهيم هو الوحيد فى إخوته الذى رفض التقليد الأعمى لأبيه وأسرته ومجتمعه لذلك اختاره الله ليكون نبيا عظيمًا من أولى العزم.
   
    وكذلك أعظم المخترعين مثل إديسون - مخترع المصباح الكهربائى - وجرهام بل -مخترع التليفون - وغيرهم لم يسيروا مع القطيع وحاولوا تغيير مجتمعاتهم رغم رفض المجتمع لهم.
   ذات يوم سألت بواب عمارتنا:كيف حال أولادك؟ فقال:ابنى الأكبر فى كلية الطب وأنا أحمل همه" فقلت:المستقبل الآن ليس للشهادات بل للحرف والمهن. فقال:"نفعل مثلما يفعل الناس ، الناس يعلمون أبناءهم فنعلمهم مثلهم" صدمنى قول الرجل فإنه إمعة يسيرمع القطيع..فهو لم يقل مثلا أنه يعلم ابنه لإيمانه بقيمة العلم وأهميته ولكنه يقول أنه يعلمه فقط لمجرد أن يفعل مثلما يفعل الناس..وهذا هو للأسف تفكير كثير من الناس الآن.
   كنت ذات يوم أسير أنا وصديقتى وألقت هى بالقمامة فى الشارع وقالت لى لماذا لاتلقين ما فى يدك من قمامة ؟ قلت:أحافظ على نظافة الشارع. قالت:كل الناس يلقون القمامة وهو متسخ بالفعل. فقلت:لا أقلد غيرى فى الخطأ.

وهناك أمثال كثيرة تحض على أن تكون إمعة مثل "لو نزلت بلد يعبدون العجل حش واعطِ له"
والآن ماذا ستختار عزيزى القارئ؟ هل ستختار حياة القطيع أم حياة الصف؟

نرمين كحيلة

الجمعة، 6 يناير 2012

لم تقولون مالا تفعلون؟



     يستهين كثير من الناس هذه الأيام بإخلاف الوعد ولو علموا مدى بشاعة هذا السلوك لفضلوا الموت على إخلاف الوعد..فقد قال رب العزة:" يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" (الصف:3)
    ناداهم بوصف الإيمان ليؤكد أن الإيمان من شأنه أن يمنع المؤمن من أن يخالف فعله قوله في الوعد بالخير كما نقول نحن مثلا:يا ذكى افهم أو يا أمين لاتخن ، يعنى ليس هناك مؤمنا من صفاته إخلاف الوعد  ."كبر مقتا": أى شئ كبير جدا عند الله أن تفعلوا ذلك الفعل الشنيع و"المقت" هو البغض الشديد أى أن الله يكره هذه الصفة الذميمة كرها شديدا ولا يقبل أن يتصف بها المؤمن.
 
    وهذا ما أثبته الحديث الشريف:"عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أربع من كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً. ومن كانت فيه خَصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتُمِنَ خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدَر، وإذا خاصم فجر" (متفق عليه(.. يعنى إخلاف الوعد هو صفة أصيلة فى المنافق لأنه يقول مالا يفعل والمنافق أشد من الكافر فهو فى الدرك الأسفل من النار.
   ولهذا قالت الحكمة المأثورة:"وعد الحر دين عليه" أى أن كلمته ووعده الذى تلفظ به لسانه هو بمثابة دين معلق فى رقبته وجب عليه الوفاء به تماما مثلما يقترض شخص أموالا وتصبح دينا عليه..تأمل كلمة "الحر" أى أن العبد لا يلتزم بوعده لأنه لا يمتلك نفسه بل هو ملك لغيره لكن الحر عار عليه ألا يفى بوعده حتى لو كلفه ذلك حياته.
 
    وقديما قالوا:"الرجل يُربَط من لسانه" أى أن الكلمة التى وعد بها ربطته وألزمته حتى لو لم يكتب بذلك عقدا..لاحظوا معى كلمة "الرجل" أى أن من يخلف وعده ليس رجلا.
وهذا هو تعريف الله للرجولة:" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا  ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما "(الأحزاب: 24،23) لم يقل الله عزو جل كل المؤمنين رجال بل قال بعضا منهم فقط أى أن صفة الرجولة لا يتصف بها إلا الذين تطابق أفعالهم أقوالهم.

    لما ذكر عن المنافقين أنهم نقضوا العهد الذي كانوا عاهدوا الله عليه لا يولون الأدبار ، وصف المؤمنين بأنهم استمروا على العهد والميثاق و صدقوا ما عاهدوا الله عليه "فمنهم من قضى نحبه"  قال بعضهم : أجَله . وقال البخاري : عهده . وهو يرجع إلى الأول .

" ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا"
 أي : وما غيروا عهد الله ، ولا نقضوه ولا بدلوه .

   
فقد تتعلق آمال وأحلام وحياة إنسان بكلمة وعد منك وقد يدمر حياته إخلافك لهذا الوعد..شاب مثلا وعد فتاة أن يتزوجها فتعلقت آمالها وأحلامها به ورفضت كل من تقدم لها ورهنت نفسها له ثم بعد ذلك أخلف وعده معها ولم يتزوجها فمن الممكن أن يحطم قلبها وربما مستقبلها وحياتها بسبب إخلافه لوعده..رئيس وحكومة تدلى بتصريحات ووعود لشعبها ثم لا تحقق منها شيئا فتحطم آمال شعب كامل .. أب وعد ابنه بشئ ولم يفعله ، فيكون قدوة سيئة لابنه وبالتالى يفقد الثقة بأبيه.. خطيب يعد خطيبته بأشياء بعد الزواج ولا يفعلها وربما هى تزوجته بشرط تنفيذ هذه الوعود..مرشح مجلس شعب وعد ناخبيه بوعود ولما وصل لمجلس الشعب لم يفِ بها.....وهكذا.

    وأخرج ابن كثير بسنده في قوله تعالى:  "وأنهم يقولون ما لا يفعلون" عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أكثر قولهم يكذبون فيه ، قال ابن كثير: وهذا الذي قاله ابن عباس رضي الله عنه هو الواقع في نفس الأمر، فإن الشعراء يتبجحون بأقوال وأفعال لم تصدر منهم ولا عنهم فيتكثرون بما ليس لهم فهذا هو معنى تلك الآية. فعلى سبيل المثال قال أحمد شوقى:
رمضـان ولـى هاتهـا يا سـاقِ                                   مشتـاقة تسعـى إلى مشتـاق
   هذا البيت يناجى به أحمد شوقى كأس الخمر أو زجاجة الخمر رغم أن أحمد شوقى نفسه كان لا يشرب الخمر فحينما ذهب إليه الشيخ الشعراوى وسأله عن هذه القصيدة تلى عليه شوقى هذه الآية"وأنهم يقولون مالا يفعلون"

    ولهذا ينبغي للآمر بالخير أن يكون أول الناس إليه مبادرة، وللناهي عن الشر أن يكون أبعد الناس منه
قال تعالى: "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ "
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله- في تفسيره لهذه الآية:
 أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ " أي: بالإيمان والخير.

" وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ " أي: تتركونها عن أمرها بذلك "وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ "

وسُمِيَّ العقل عقلاً لأنه يعقل به ما ينفعه من الخير, وينعقل به عما يضره، وذلك أن العقل يَحُث صاحبه أن يكون أول فاعلٍ لما يأمر به, وأول تاركٍ لما ينهى عنه.
    فمن أمر غيره بالخير ولم يفعله , أو نهاه عن الشر فلم يتركه , دل على عدم عقله وجهله, خصوصاً إذا كان عالمًا بذلك , قد قامت عليه الحجة.وهذه الآية , وإن كانت نزلت في بني إسرائيل, فهي عامة لكل الناس
وقال شعيب عليه السلام لقومه: "وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه".(هود:88) ، يعني أنه يقول لقومه : لا يمكن أن أنهاكم عن نقص المكيال والميزان وأنا أفعله.
   وعن أبي زيد أسامة بن زيد بن حارثة - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: " يؤتى بالرجل يوم القيامة فليقي في النار ، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدورُ الحمارُ في الرحا، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان مالك ؟ ألم تك تأمرُ بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول : بلى كنت آمرُ بالمعروف ولا آتيه ، وأنهى عن المنكر وآتيه" متفق عليه .
   هذا الحديث فيه التحذير الشديد من الرجل الذي يأمر بالمعروف ولا يأتيه ، وينهى عن المنكر ويأتيه، والعياذ بالله . يقول: " يؤتى بالرجل يوم القيامة" أي تأتي به الملائكة ، فيلقى في النار إلقاءً ، لا يدخلها برفق، ولكنه يلقى فيها كما يلقى الحجر في اليمّ، وتندلق أقتاب بطنه، يعني أمعاءه ، ومعنى تندلق : تخرج من بطنه من شدة الإلقاء- والعياذ بالله .
" فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا" وهذا التشبيه للتقبيح، شبهه بالحمار الذي يدور على الرحا، وصفة ذلك: أنه في المطاحن القديمة قبل أن توجد هذه المعدات الجديدة ، كان يُجعل حجران كبيران وينقشان فيما بينهما أي ينقران، ويوضع للأعلى منها فتحة تدخل منها الحبوب ، وفيها خشبة تربط بمتن الحمار، ثم يستدير على الرحا، وفي استدارته تطحنُ الرحا. فهذا الرجل الذي يلقى في النار يدور على أمعائه- والعياذ بالله - كما يدور الحمار على رحاه، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون له : ما لك؟ أي شيء جاء بك إلى هنا ، وأنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول مقراً على نفسه:" كنت آمر بالمعروف ولا آتيه" يقول للناس " صلوا ولا يصلي.  ويقول لهم : زكوا أموالكم ولا يزكى. ويقول : بروا الوالدين ، ولا يبر والديه، وهكذا يأمر بالمعروف ولكنه لا يأتيه. "وأنهى عن المنكر وآتيه" يقول للناس: لا تغتابوا الناس ، لا تأكلوا الربا، لا تغشوا في البيع، لا تسيئوا العشرة، لا تسيئوا الجيرة، وما أشبه ذلك من الأشياء المحرمة التي ينهى عنها ، ولكنه يأتيها  والعياذ بالله ، يبيع بالربا، ويغش، ويسيء العشرة ، ويسئ إلى الجيران وغير هذا، فهو بذلك يأمر بالمعروف ولا يأتيه ، وينهى عن المنكر ويأتيه - نسأل الله العافية - فيعذب هذا العذاب ويخزى هذا الخزي. فالواجب على المرء أن يبدأ بنفسه فيأمرها بالمعروف وينهاها عن المنكر؛ لأن أعظم الناس حقاً عليك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسك.
ابــدأ بنفســك فــانههــا عن غيهـــا
                                       فــإذا انتهــت عنــه فأنت حكيـــم

 قال أبو الأسود الدؤلي :يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي الاسقام وذي الضنى كيما يصح به و أنت سقيم
و أراك تصلح بالرشاد عقولنا نصحًا و أنت من الرشاد عديم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
لا تنهِ عن خلق و تأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
   والله تعالى لا يخلف عهده أبدا فقد قال: "وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ ..." (البقرة:88)
   وحينما وعد أم موسى عليه السلام قال:"فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون" ( القصص: 13)
   وأول عهد يجب الوفاء به هو عهدنا مع الله عز وجل فمثلا لو نذر أحد نذرا لله يجب الوفاء به وقد جاء ذكر النذر في كتاب الله في مقام المدح قال تعالى عن عباده المؤمنين : " إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا . عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا . يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا" (الإنسان: 5-7) فجعل - تبارك وتعالى - خوفهم من أهوال يوم القيامة ووفاءهم بنذورهم من أسباب نجاتهم ودخولهم الجنة .
   ونذر سيدنا أيوب عليه السلام أن يضرب امرأته ووفى بنذره "وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث " (ص: 44) أن خذ يا أيوب بيدك قليلا من القش غير المؤلم واضرب به ولا تحنث بيمينك الذي قطعته من قبل ..أليس الله كان قادرا أن يعفى سيدنا أيوب من الوفاء بهذا اليمين؟ لكنه أراد أن يعلمنا ألا نقول شيئا ونفعل غيره.
   يقول الدكتور محمد العريفى:"جاءنى رجل يلح فى مقابلتى لشئ ضرورى فلما قابلته قال لى:يا شيخ عندى أخ يحمل الشهادة الإبتدائية وأريدك أن تدبر له وظيفة..أيقنت أنى لو وعدته سأخلف..فنحن فى زمن لا يكاد حامل البكالوريوس أن يجد وظيفة..فضلا عن حامل الإبتدائية..وأنا أعرف حدود قدراتى..فقلت:يا أخى والله أتمنى أن أساعدك وأخوك أخى وأنا أتألم له كما تتألم لكنى لا أستطيع مساعدتك أبدا أتمنى أن تتكرم على وتعفينى ...فناولنى الورقة التى فى يده وقال: يا شيخ خذ هذه الورقة فيها أرقام هواتفنا إذا وجدت له وظيفة فاتصل بنا. فقلت:بل دع الورقة معك وخذرقمى أنت وإن وجدت وظيفة فاتصل بى لعلى أكتب لك شفاعة للمسؤول فيها. فقال لى:بيض الله وجهك والله يا شيخ سبق أن كلمت الأمير فلان فى موضوع أخى منذ سنة فأخذ الورقة أيضا ولم يتصل ولم يهتم..هؤلاء أناس لا يهتمون بالضعفاء..الله ينتقم منهم ..فقلت فى نفسى:الحمد لله ..لو أخذت الورقة لصرت ثالثهم"
    فلا تعد بما لا تستطيع فعله ولا تقل مالا تفعله وتعلَّم أن تقول "لا" فلأن تعتذر فى البداية خير لك من أن تعتذر فى النهاية.
نرمين كحيلة