الاثنين، 25 يوليو 2016

جنة الدنيا


كنت كلما قرأت آيات القرآن الكريم التى تصف الجنة وما فيها أسأل نفسى: لماذا اختار الله سبحانه وتعالى الحدائق والشجر والأنهار لتكون جزاء ومكافأة المؤمنين ولكنى علمت الإجابة حين ذهبت إلى هذه الرحلة الممتعة والتى أريدكم أن تصحبونى فيها .. فقد استقليت مركبا ً شراعيا ً إلى جزيرة النباتات بأسوان ، فهى وسيلة المواصلات الوحيدة ، كان المشهد رائعا ً، والقارب يخترق عباب النيل والسماء الزرقاء من فوقنا ، ساعتها فقط تذكرت آية الله تعالى فى أن تسير السفن بكل ما تحمل من أثقال فوق الماء ولا يستطيع دبوس واحد أو مسمار أن يطفو فوقه ، ولذلك قال الله تعالى:"ألم ترَ أن الفلك تجرى فى البحر بنعمة الله ليريكم من آياته" (لقمان :31) "وآية لهم أنا حملنا ذريتهم فى الفلك المشحون"(يس :36) "ولتجرى الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون" (فاطر :35) "الله الذى سخر لكم البحر لتجرى الفلك فيه بأمره" (الجاثية :45).
ولم أملك إلا أن أسبح الله طوال فترة سير المركب ، حتى وصلنا إلى الحديقة النباتية ، وهى تقع على جزيرة فى وسط النيل أمام مدينة أسوان ، وتضم مجموعة نادرة من النباتات الاستوائية وشبه الاستوائية ولذا فهى تعتبر من أهم المراكز البحثية فى مصر وواحدة من أندر الحدائق النباتية فى العالم. ومشيت فى طريق مبلط بجرانيت أسوان الوردى وهو يميز كل مشاياتها ، ويظلل هذا الطريق على جانبيه النخيل الملوكى بلونه الأبيض الرخامى وقد رأيت أعلى النخل وهو يتساقط على الأرض - أو هو فى طريقه إلى السقوط - فقيل لى أن هذه النخلة لا تحتاج إلى تقليم بل هى تقلم نفسها بنفسها بطريقة ربانية وعندما يسقط أحد أجزائها العلوية فإنه يحدث صوتا ً يشبه صوت التصفيق ، ربما لكى تنذر من يجلس تحتها حتى يغادر المكان أو ربما لبكاء النخلة على جزء منها فارقها.. ورأيت متحف الأحياء النباتية داخل الحديقة ، وكان رائعا ً هو الآخر.

وفى أثناء سيرى داخل الحديقة سمعت صوتا ً عجابا ً لم أسمعه من قبل ولما سألت عن هذا الصوت قيل لى إنه صوت طائرأبى قردان فقلت على الفور:"صديق الفلاح؟". ولم يسعنى إلا أن أضحك لهذا الصوت ، إن صوته يشبه صوت الإنسان وهو يقول لا لا.. وحاولت صديقتى تصوير ذلك الطائر وتتبعه بآلة تصويرها لكن الأشجار كانت أغصانها متشابكة وغزيرة فحالت دون رؤيته ، ولكنه عندما نزل إلى الأرض أصبح مرئيا ً.
ونظرا ً لموقع الحديقة المتميز وهدوئها فإنها تعتبر مرتعا ً لكثير من الطيور المهاجرة والمحلية فقد رأينا مثلا ً الهدهد وذكرنى ذلك بسيدنا سليمان عليه السلام وكيف كان يفهم لغته وأحببت هذا الطائر لأنه ورد بالقرآن الكريم ، ثم هو طائر إيجابى لم يرضَ أن يشرَك بالله فى أرض سبأ ، كم هو جميل ويدل شكله على الألفة والطيبة والمودة ! وأطلت النظر إليه وأنا أسبح الله.

ورأيت الغراب بلونه الأسود يمشى على الأرض ، وتذكرت أن الناس يتشاءمون منه ، ربما لشكله ولونه ، بل وصوته المنكر الذى يبعث على الحزن ، فقلت:"سبحان الله طائران متجاوران فى حديقة واحدة أحدهما أبيض جميل والآخر أسود كئيب!!" وكانت هذه فرصة عظيمة لممارسة عبادة من أحب العبادات إلى قلبى وهى عبادة التفكر فى خلق الله. ورأيت اليمام والبلبل والعصفور، وكانت أصوات الطيور المختلفة تتشابك وتختلط فى وقت واحد فتعزف سيمفونية رائعة من الأنغام يعجز بيتهوفن أو باخ عن الإتيان بمثلها.
ورأيت شجرة تسمى الشجرة الفضية لأن أوراقها عجيبة الشكل إذا أمسَكْت إحدى أوراقها تجدها خضراء وإذا قلبت الورقة من الجهة الأخرى تجدها فضية ، فتعجبت وتذكرت اسم الله البديع فقد أبدع فى الخلق. وقد رأيت ثمرة عجيبة لم أرَ مثلها من قبل وقيل لى أنها فاكهة استوائية لا تباع فى الأسواق اسمها:"أوجينيا" ، لونها أحمر كالفراولة وطعمها شهى جدا ً ، وذكرنى هذا بالجنة التى وعد الله المتقين بأن فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وأن فاكهتها لا مقطوعة ولا ممنوعة وأن بعضها لا نعرفه فى الدنيا. وتأملت عظمة الخالق إذا كان قد أبدع صنع هذه الحديقة الدنيوية الممتلئة بأشياء لم نسمع عنها ولم نرها من قبل فما بال الجنة الأخروية إذن ؟! وشعرت بأن هذه هى أحسن جائزة أعدها الله لعباده الطائعين حيث قال عنها أنها الفوز العظيم. وتخيلت نفسى وإذا بى قد قامت القيامة ودخلت جنتى مع الطائعين وأخذت أطوف بين جنباتها كما أفعل الآن ، ودعوت الله أن يجعلنى من أهلها.

ورأيت شجرة ثمارها لها طعم البرتقال وشكل البامية واسمها :"برتقالة بامية". وشجرة أخرى اسمها "عين الخروف" لأن ثمارها تشبه عين الخروف تماما ً. ورأيت شجرة القرفة والمستكة وجرحت الشجرة بقلمى فأفرزت سائلا هو المستكة فشممت رائحتها فوجدتها زكية جدا ً، فجعلت أمسح على ملابسى.. ورأيت شجرة الأراك التى يستخرج منها السواك وكم بلغ حزنى حين علمت أن الناس فى الأعياد يأتون إلى الحديقة ويتسلقون الشجرة ويجلسون فوقها ليلتقطوا صورة حتى انكسرت الشجرة ومالت ، فقلت:"كيف يجرؤ إنسان على تشويه ذلك الجمال؟".

ورأيت شجرة ذيل السمكة وثمارها تشبه ذيل السمكة فعلا ً. ورأيت شجرة عجيبة أوراقها على شكل رئة الإنسان ، وشجرة أخرى أوراقها خضراء مخططة باللون الأصفر ، وأخرى أوراقها خضراء وبها نقط صفراء ، وأخرى أوراقها لها جهة حمراء قانية والناحية الثانية لونها أخضر. وقلت:"لو أن إنسانا ً رسم ولون هذه الأوراق والأشجار لأخطأ فى توزيع الألوان لكن الله جل وعلا قد أحسن وأتقن كل شئ خلقه وجعل نسب كل الألوان والرسومات بحكمة بالغة ، أليس عجيبا ً أن هناك من ينكر وجود الله بعد كل ما رأى ؟ وتذكرت قوله تعالى:"هذا خلق الله فأرونى ماذا خلق الذين من دونه". إن الله يتحدى أن يأتى أعظم رسام أو فنان تشكيلى أو نحات بمثل تلك الروعة والجمال !!