الخميس، 5 يناير 2012

عقلى فى عطلة رسمية



    إن من أكبر النعم التى جاد بها الله على الإنسان هو العقل ولذا فقد خص الله أصحاب العقول بالمعرفة لمقاصد العبادة، والوقوف على بعض أحكام التشريع، فقال سبحانه  بعد أن ذكر جملة أحكام الحج {واتقونِ يا أولي الألباب } ‏ [البقرة: 197]. ‏
‎‎ وقال عقب ذكر أحكام القصاص: {ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب } ‏ [البقرة: 179]. ‏ وقصر سبحانه وتعالى الانتفاع بالذكر والموعظة على أصحاب العقول، فقال عز وجل: {ومايذكر إلا أولوا الألباب } [البقرة: 269] ، {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب } [يوسف: 111] ، {ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون } [العنكبوت: 35]. ‏ وذكر الله أصحاب العقول، وجمع لهم النظر في ملكوته، والتفكير في آلائه، مع دوام ذكره ومراقبته وعبادته، قال تعالى: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض } إلى قـوله عـز وجل: {إنك لاتخلف الميعاد } ‏ [آل عمران: 190-194]
     و ذم الله عز وجل المقلدين لآبائهم، وذلك حين ألغوا عقولهم وتنكروا لأحكامها رضاً بما كان يصنع الآباء والأجداد، قال عز وجل: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لايعقلون شيئاً ولايهتدون ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون } [البقرة: 170-171]. ‏ و حرم الإسلام الاعتداء على العقل بحيث يعطله عن إدراك منافعه فمثلاً: حرم على المسلم شراب المسكر والمفتر وكل مايخامر العقل ويفسده، قال عز وجل: {ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } [المائدة: 90]. ‏  وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ ) رواه أبوداود، وصححه الحافظ العراقي. ‏ وجعل الإسلام الدية كاملة في الاعتداء على العقل وتضييع منفعته بضرب ونحوه، قال عبدالله بن الإمام أحمد: "سمعت أبي يقول: في العقل دية، يعني إذا ضرب فذهب عقله " قال ابن قدامة: "لانعلم في هذا خلافاً ". ‏
وشدد الإسلام في النهي عن تعاطي ماتنكره العقول وتنفر منه، كالتطير والتشاؤم بشهر صَفَر ونحوه، واعتقاد التأثير في العدوى والأنواء وغيرها، وكذا حرم إتيان الكهان وغيرهم من أدعياء علم الغيب، وحرم تعليق التمائم وغيرها من الحروز.
وفى الحديث الشريف عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ وعن الصغير حتى يكبر وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق قال الشيخ الألباني : صحيح
       في زمن الإمام أحمد بن حنبل قالوا له إن " القرآن مخلوق " ، قال لهم القرآن كلام الله غير مخلوق .... سجنوه وضربوه وعذبوه وقال الذي ضربه : ضربت أحمد سبعة عشر سوطا ًَ لو ضُرِبها جبل لانهد .

    
قال أبو سعيد الواسطى : دخلت علي أحمد السجن قبل الضرب فقلت : يا أبا عبد الله ، عليك عيال ولك صبيان وأنت معذور كأني أسهل عليه الإجابة . " وكأنه يقول بلغة عصرنا وراءك عيال ويحتاجون إليك قل ما يريدون وأخرج ألست من داخل قلبك تعتقد أن القرآن كلام الله ، إذا ًَ لا حرج عليك ، طالما أن قلبك مطمئن بالإيمان "
فقال الإمام أحمد " يا أبا سعيد ، إذا كان هذا عقلك فقد استرحت !!! "
   وما أكثر العقول المستريحة في زماننا!! أراح دماغه تاركا نفسه مع الرائجة وحينما يموت لا يجد إلا النار والعياذ بالله .
   والإمام ابن حنبل قال هذا الكلام لأنه يعلم أنه إمام فى الفقه وصاحب مذهب فقهى شهير ولو قال مايريدون فسيتبع كل المسلمين رأيه ويعتبرونه رأى الشرع ويتناسوا أنه قاله تحت ضغط الحاكم ومعنى ذلك أن الدين سيضيع لأنه بذلك يكون مبتدعًا..ولعلمه بعواقب ذلك الوخيمة فقد رفض الانصياع لرأى أبى سعيد.

     فدائما العقل مصدر شقاء ومعاناه لصاحبه ولذلك قال الشاعر:
 ذو العقل يشقى في النعيم بعقله                                  وأخو الجهالة في الشقاء ينعم

   ويقول المثل أيضا:"المجانين فى نعيم" أى أن المجنون أو فاقد العقل يعيش فى سعادة ونعيم وراحة بال لا يشغل تفكيره شئ لا هموم وطنه ولا مشاكل أسرته ولا يحمل أية مسؤوليات ولا أى شئ.


     ولأن الحساب دائما على قدر العقل فكلما زاد العقل زادت المحاسبة فالطفل مثلا حسابه يختلف عن حساب الكبير الراشد العاقل والعالم حسابه يختلف عن الجاهل ، والحيوان حسابه يختلف عن الإنسان......وهكذا.
   ولأننى كنت منذ طفولتى مشهورة بالعقل والحكمة فلم أعِش طفولتى ولم ألعب ولم ألهُ لأن البنت العاقلة لا تلعب ولا تفعل مثل الأطفال الأشقياء فكنت هادئة رزينة حتى سمتنى أمى الفيلسوفة الصغيرة وكنت أشترى من مصروفى كتبًا بدل الطعام لكى ينمو عقلى أكثر وأكثر وكنت هادئة فى الفصل بينما زملائى يحدثون الفوضى والجلبة ، حتى كنت موضع فخر أساتذتى واعتزازهم وقدوة لغيرى من الزملاء ولم يكن مسموحا لى أن أخطئ مثل بقية أقرانى لأن الطفلة العاقلة لا تخطئ ولو حدث وأخطأت فلم يكن أحد يلتمس لى عذرا أو يقول هذه عيلة وغلطت لأنى المفروض طفلة عاقلة ، وكنت مشهورة بين زملائى  بأم كرامة ، لأن كرامتى لم تكن تسمح لى أن أضع نفسى فى موقف مخجل  وفى البيت حين أكون وحدى كنت أنا العاقلة لا أعصى الله لأنه يرانى كما كانت أمى تقول لى قبل أن تخرج: "أنا لا أراكِ ولكن الله يراكِ" ولا أفعل الخطأ وكان الكل يستشيرنى وأحل مشاكل الناس والأصدقاء والجيران والعائلة رغم صغر سنى.


    وبعد هذه السنوات الطوال من التعقل قدم عقلى استقالته لى وقال: لقد تعبت سنين طويلة ولم استرِح يوما ، أشقيتنى وأشقيتك معى لذلك فسوف أستقيل فرفضت وقلت له أنت أكبر نعمة أنعمها الله علىَّ فلتكتفِ بعطلة غير محددة الأجل فوافق وأنا الآن عقلى فى عطلة رسمية أريد ان أرتاح من التفكير والانشغال بأى شئ سواء على المستوى الشخصى أو العام تعبت من التعقل واشتقت إلى الجنون.
نرمين كحيلة

ليست هناك تعليقات: