من الملاحظ منذ قيام الثورة وحتى الآن أن
الشعب المصرى اكتسب ثقافة الثورة ليس على الفساد فقط ولكن على كل القيم والمبادئ
والأعراف وكأننا لما أطحنا بالحاكم الظالم لم يعد لنا كبير نحترمه أو قانون نهابه
أو حتى دين نلتزم به فقد اشتكى لى كثير من الناس أن فئة البوابين والخدم والعمال
أصبحوا يتجرؤون علي من يعملون لديهم ويتطاولون عليهم وكذلك المرؤوس يتطاول على
رئيسه فى العمل بل إن الابن ليتطاول على أبيه وأمه فأصبحت الثورة والاعتصامات هى
القاعدة أما الهدوء والسلام فهو الاستثناء ؛ وقد فقدنا صفة من أهم صفاتنا كمصريين
، اشتهرنا بها منذ القدم ألا وهى صفة احترام الكبير..بل إننا نحن الذين علمنا
الدنيا كيف تحترم الكبير ، انظر إلى بتاح حتب وهو يعظ ابنه يقول
له:"إذا وجدت رجلا يتكلم وكان أكبر منك وأشد حكمة، فاصغ إليه واحنِ ظهرك
أمامه (دليلا على الطاعة والاحترام) وهناك نصائح أخرى من حكماء آخرين تأمر الصغير
إذا كان جالسا أن يقوم للكبير ليجلسه مكانه.
يقول النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث
الشريف:"ليس منا من لم يوقر الكبير ويرحم الصغير ويعرف لعالمنا حقه "
فهو قد نفى عن هذا الانسان الانتماء الى الإسلام بقوله "ليس منا" مما
يؤكد على عظم هذ العمل.
إن مدلول كلمة الكبير الواردة فى الحديث
الشريف مدلول واسع لا يقتصر على كبير السن. ومن معانى الكبير إمام عالم أى من كان
من أهل السلطة إذا كان عادلا يسعى لخدمة شعبه فهذا الإنسان يجب أن يُحترم
ويُقَدَّر.
ويقول
أيضا الحديث الشريف:"ما أكرم شاب شيخ لسنه إلا قيض الله له من يكرمه عند
سنه" ويقول أيضا: إن من إجلال الله إكرام ذا الشيبة المسلم وحامل القرآن غير
الغالى فيه وأكرام ذى السلطان المقسط.
ولا
يبالغ الإنسان إذا اعتبر أن مقياس انضباط الأمة الاخلاقى هو توقير الكبار.
يقول الأستاذ:محمد السيسى: قيمة احترام الكبير من القيم الإسلامية العظيمة التي يتعبد المسلم بها إلى الله عز وجل، وهي ليست مجرد تقاليد صارمة، أو إجراءات حزم عسكري، بل سلوكيات راقية نؤديها عن طيب خاطر، ورضاء نفس، والتماس أجر، وابتغاء ثواب.
وهناك آداب عامة بحق الكبير: أن توقره وتحترمه وتجله وتضعه في مكانة كبيرة تليق به. أن تتجنب المزاح غير اللائق معه.أن تتجنب كل السلوكيات التي تغضبه. أن تنهض من مكانك وتقوم لاستقباله عند قدومه. أن تحرص على عدم الدخول قبله.أن تجلسه في أفضل مكان. أن تتجنب الجلوس في المكان المعد لتكرمته إلا بإذنه.أن تسلم على القوم عامة وتخصه بالتحية. أن تتجنب الجلوس في مكان أعلى منه. أن تتجنب الجلوس أثناء وقوفه إلا بموافقته.أن تتجنب مد رجليك
أمامه، وألا تضع رجلاً على رجل بحضرته. أن تتجنب النوم أو الاضطجاع بحضرته إلا بإذنه. ألا تشير عنده بيدك، وألا تغمز بعينك في حضرته. أن تحرص على عدم الخروج من مجلسه إلا بإذنه.
أما الكبير فى مجلس العلم (أى المعلم) فيجب عدم إحداث شغب أو ضجيج في مجلسه، يقول الإمام الشافعي: "كنت أصفح الورقة بين يدي الإمام مالك صفحًا رفيقًا له؛ لئلا
يسمع وقعها"، وقال الربيع
- تلميذ الشافعي - : "واللّه ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر"،
وكان هذا احترامًا
وتوقيرًا وتبجيلاً للأستاذ المعلم.
ومن صور احترام الكبير
أثناء الحديث والحوار: أن تخاطبه بلطف وأدب. ألا تخاطبه باسمه المجرد، بل بلقب من ألقابه: (الأستاذ- الدكتور- المهندس- أستاذنا الفاضل- معلمنا الجليل- شيخنا
المحترم- عمي العزيز – حضرتك - فضيلتك .. أن تخفض صوتك عند التحدث بحضرته. ألا تضع يدك في جيبك أثناء التحدث معه. أن تحرص على عدم مقاطعته أثناء كلامه، وألا تدِر له ظهرك. ألا تطلب منه بطريقة الأمر، بل تستأذن منه ما تريده بأسلوب مهذب.
ومن صور احترام الكبير في المواصلات:أن تحرص على المسارعة بفتح باب السيارة له عند الركوب، وكذلك عند النزول .. دخل زيد بن ثابت على جنازة، فقربوا إليه
دابة ليركبها، فجاء عبد الله
بن عباس فأخذ بزمام الدابة، فقال زيد بن ثابت له: خلِّ عن الدابة يا ابن عم رسول الله ، فقال عبد الله بن عباس: هكذا أمرنا أن نفعل مع
العلماء، فقبَّل زيد يده، وقال: هكذا أمرنا أن نفعل مع آل بيت نبينا- صلى الله عليه وسلم.
إن الاحترام قيمة رائعة
تجعل للحياة روحًا وقيمةً ونظامًا راقيًا،
وهذه القيمة كطبيعة كل القيم يجب أن تكون ثابتةً ومستقرةً ودائمةً، ولا تتغير بتغير الزمن أو الظروف والأحوال، بل يجب أن يكون
الالتزام بها سلوكًا طبيعيًّا، يحرص
الجميع عليه برضاء نفس وطيب خاطر وبنية التعبد لله تعالى؛ فتكون النتيجة رقي السلوك وعظم الأجر.
ونستطيع أن
نرى صور من احترام النبى صلى الله عليه وسلم لأصحابه فمثلا احترامه لأبى سفيان (وهو سيد قومه وكان يحب الفخر)
حين قال عند فتح مكة:من دخل دار أبى سفيان فهو آمن.
وكان يقول :"أنزلوا الناس منازلهم"جاء
هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم- عند أبي داود وأشار إليه مسلم في مقدمة
كتابه، لكن ذكره بالمعنى بقوله: إن عائشة قالت:
أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن ننزل الناس منازلهم وفي القصة أن عائشة - رضي الله عنها- جاءها
مسكين طواف فأعطته كسرة تمر ومشى، ثم جاءها رجل له هيئة فأجلسته وأعطته طعاما فأكل
حتى شبع، فأنكروا ذلك عليها: الأول أعطيتيه تمرات في يده، والثاني أجلستيه وقدمتِ
له هذا الطعام إلى أن شبع, فقالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: أنزلوا الناس منازلهم يعني أن هذا له منزلته وهذا له منزلته.
وهل من
كلام أبلغ من أن النبى صلى الله عليه وسلم أرسل كتابا إلى قيصر قال فيه:"من محمد
بن عبد الله إلى عظيم الروم" هل هو عند رسول الله عظيم؟ هذه كياسة وسياسة
وذكاء ودهاء فالإنسان الذى له منصب نحترمه سواء أكان يشغل منصبا إداريا أوعلميا أو
دينيا نحترمه.
وقد علمنا الله عز وجل أن نحترم نبينا حين
نخاطبه فنهي المؤمنين أن يخاطبوه -صلى الله عليه وآله وسلم - بإسمه : "لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ
بَعْضِكُمْ بَعْضا"ً ) النور:63)
كان العباس بن عبد المطلب هو عم النبى صلى
الله عليه وسلم وأكبر منه سنا فسئل ذات يوم:أيكما أكبر أنت أم رسول الله فقال:هو
أكبر منى وأنا ولدت قبله. وهذا من باب احترام العباس لابن أخيه لأنه نبى.
أما عن احترام
المحكومين للحاكم فيقول دكتور راغب السرجانى: كانت العلاقة بين الحاكم والمحكوم في الحضارة الإسلامية تقوم
على الاحترام المتبادل، فلم تكن شبيهة بعلاقات ملوك الروم والفرس مع رعيتهم، والتي كانت تقوم على
القهر والاستبداد، وتقسيم أفراد مجتمعاتهم إلى طبقات متفاوتة. كان رسول الله يسمع لأصحابه، وينزل على رأيهم إذا
ثبت صحة هذا الرأي؛ فالنبي في غزوة بَدْر قد نزل هو وأصحابه في أقرب مكان من ماء
قرب بدر، لكن الصحابي الجليل الحباب بن المنذر لم يرضَ بذلك، فقال بأدب جمٍّ لقائد
المسلمين وإمامهم : "يا رسول الله ، أرأيتَ هذا المنزل،
أمنزلاً أنزلكَهُ الله، ليس لنا أن نُقَدِّمه ولا نتأخَّر عنه، أم هو الرأي
والحرب والمكيدة. قال : "بَلْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْـحَرْبُ وَالْـمَكِيدَةُ". فقال: يا رسول الله ، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض
بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله، ثم تغوِّر ما وراءه من القُلُب، ثم
نبني عليه حوضًا فنملؤه ماء، فنشرب ولا يشربون. فقال رسول الله : "لَقَدْ أَشَرْتَ بِالرَّأْيِ". فنهض رسول الله ومن معه من الناس، فسار حتى إذا أتى أدنى ماء من
القوم نزل عليه، ثم أمر بالقُلُبِ، فغوِّرت، وبني حوضًا
على القليب الذي نزلَ، فمُلِئ ماءً ثم قذفوا فيه الآنية".
وتعليقا على كلام الدكتور راغب أقول:انظروا
إلى أدب الحباب بن المنذر فى مخاطبة النبى فهو لم يقل له:أنت مخطئ ورأيك غير صحيح
وأنا أعلم منك ، ولكنه وضح له خطأ قراره بأسلوب مهذب بعد أن تأكد أولا أن هذا ليس
وحيا بل هو رأى شخصى ، ولنا أن نتصور أن أمور الدنيا من حروب وغيرها مما لم يوحى
إليه فيها احتمال الخطأ فيها وارد حتى من النبى نفسه فما بالك بشخص عادى ليس بنبى؟
لا يجب أن نعلق له المشانق إن أخطأ ولكن نقومه برفق.
فمثلا لم يعترض أحد على أى قرار من قرارات
عمر بن الخطاب وخاصة حين عزل خالد بن الوليد ولم يقل له أحد مثلا كيف تعزل سيف
الله المسلول وصاحب رسول الله والقائد المنتصر؟ ولكن احترم الجميع رأى حاكمهم حتى
خالد نفسه لم يعترض ولم يتهم عمر بالظلم رغم أنه صادر نصف ماله ، فلم يحدث أن
اعترض أحد على حاكم من حكام المسلمين إلا إذا خالف شرع الله. والمرة الوحيدة التى
اعترضوا فيها عليه هى لما وجدوه يخالف القرآن – بدون قصد طبعا - حين أمر الناس
بعدم المغالاة فى المهور بل وأراد تحديدها فقامت امراة بمنتهى الأدب تعترض وتقول
ليس لك ذلك يا عمر لأن لله يقول "وآتيتم إحداهن قنطارا" ولم تسخر منه
وتتهمه بالظلم.
هذه الواقعة نتعلم منها أدب معارضة الحاكم لأن
له هيبة ووقار لا ينبغى أن يمس.
روي أن المغيرة بن شعبة قال
لعمر بن الخطاب ، رضي الله عنه :
يا خليفة الله ، فقال عمر : ذاك نبي الله داود ، قال : يا خليفة رسول الله ، قال : ذاك صاحبكم المفقود ( أي أبو بكر ) ، قال : يا خليفة خليفة رسول الله ، قال : ذاك أمر يطول ، قال : يا عمر ، قال : لا تبخس مقامي شرفه ، أنتم المؤمنون وأنا أميركم ، فقال المغيرة : يا أميرالمؤمنين. فعمر لم يقبل أن يناديه شعبه باسمه مجردا لأنه حريص على هيبة الدولة وأن يكون للحاكم احترامه.
يا خليفة الله ، فقال عمر : ذاك نبي الله داود ، قال : يا خليفة رسول الله ، قال : ذاك صاحبكم المفقود ( أي أبو بكر ) ، قال : يا خليفة خليفة رسول الله ، قال : ذاك أمر يطول ، قال : يا عمر ، قال : لا تبخس مقامي شرفه ، أنتم المؤمنون وأنا أميركم ، فقال المغيرة : يا أميرالمؤمنين. فعمر لم يقبل أن يناديه شعبه باسمه مجردا لأنه حريص على هيبة الدولة وأن يكون للحاكم احترامه.
عندما أمر الله بنى إسرائيل أن يذبحو بقرة
قالوا لسيدنا موسى عليه السلام:"أتتخذنا هزوا" فقال لهم:"أعوذ
بالله أن أكون من الجاهلين (البقرة66) يعنى الاستهزاء بالناس والسخرية منهم جهل لا
يليق بالعاقلين فما بالك بالسخرية من الحاكم الذى هو رمز للشعب كله هناك قنوات
شرعية للاعتراض على الحاكم ليس من بينها السخرية منه والاستهزاء به عن طريق الرسوم
الكاريكاتورية وسبه فمن يشتم رئيس المصريين كأنه يشتم الشعب المصرى كله لأن
الدكتور مرسى حين يتحدث لا يتحدث بصفته الشخصية بل يتحدث بصفته رئيس مصر.
نرمين
كحيلة