عندما رأيت مظاهرات وول ستريت بأمريكا ومعظم دول العالم ورأيت لافتة تحملها سيدة مكتوب عليها:"نريد العودة للاقتصاد الاسلامى" لم أملك إلا أن أردد قوله تعالى"كتب الله لأغلبن أنا ورسلى" فقد تجرع العالم كأس الربا وويلاته وعَلِمَ عِلْمَ اليقين أنه لا حل إلا فى نظام الاقتصاد الاسلامى.
حيث احتشد محتجون في مختلف أنحاء العالم لتوجيه صرخة غضب في وجه مصرفيين ورأسماليين وسياسيين، يتهمونهم بتدمير اقتصاديات العالم وحكمهم على الملايين بمواجهة الفقر والصعاب نتيجة طمعهم. وخرج المحتجون للشوارع من نيوزيلاند الى آلاسكا، ومن لندن وفرانكفورت إلى نيويورك نفسها.
والغريب أن الناس يعتقدون أن الربا محرم فى الإسلام فقط رغم أنه محرم فى كل الأديان فقد جاء فى العهد القديم:"إذا افتقر أخوك فاحمله .. لا تطلب منه ربحًا ولا منفعة" (لاويين 35:25) إلا أن اليهود لا يرون مانعًا من أخذ الربا من غير اليهودى فقد ورد فى سفر التثنية (20:23):"للأجنبى تقرض بربا ولكن لأخيك لا تقرض بربا لكى يباركك الرب إلهك فى كل ما تمتد إليه يدك"لكن الإسلام ينظر إلى هذه النصوص التى تحرم الربا على فئة معينة دون غيرها على أنها نصوص محرفة ، لأن الربا محرم من أى إنسان ولأى إنسان لأنه ظلم والظلم يحرم على الجميع بدون فرق بين أحد وأحد لأن الله يقول فى الحديث القدسى:"يا عبادى إنى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا".
واعتبر القرآن الكريم اليهود من أكلة الربا.. قال تعالى:"فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما"
أما النصرانية فقد حرمت الربا تحريمًا قاطعًا على الجميع لا فرق بين نصرانى وغير نصرانى واتفقت كلمة رجال الكنيسة على ذلك استنادًا إلى النصوص التى وردت عندهم؛ يقول الأب"سكوبا":"إن من يقول أن الربا ليس بمعصية يعد ملحدًا خارجا عن الدين"
ويقول الأب "يوتى":"إن المرابين يفقدون شرفهم فى الحياة الدنيا وليسوا أهلا للتكفين بعد موتهم".وقد ورد فى العهد الجديد:"إذا أقرضتم لمن تنتظرون منه المكافأة فأى فضل يعرف لكم ولكن افعلوا الخيرات واقرضوا غير منتظرين إلى عائدها وإذ يكون ثوابكم جزيلا"(إنجيل لوقا 34 ،35)
وبذلك فإن اليهود سيطروا على اقتصاد العالمى ومن هنا حولوا العالم إلى عالم ربوى طغى عليه المال طغيانا شديدا ، وقد سيطروا أولا على الدول بنظامهم ، ثم تحكموا بعد ذلك فى كل ما يتعلق بالانتاج ولنأخذ مثالا على ذلك بآل روتشيلد الذين تحكموا فى الاقتصاد الأوروبى فى آخر القرن الثامن عشر والتاسع عشر وقد كانوا خمسة أبناء لرجل واحد وهؤلاء الخمسة آلت إليهم أموال أبيهم الذى كان تاجرًا يهوديًا يقيم فى حى اليهود بفرانكفورت وقد اكتسب ثروته من الحرام حيث اتخذ من صداقته لأحد اشراف الجرمان سبيلا إلى الاستيلاء على أمواله فى المصارف عندما فر هذا الشريف من وجه نابليون سنة 1806 م.
وقد اقتسم هؤلاء الأبناء الخمسة أوروبا وأمريكا ، فأحدهم فى ألمانيا والآخر فى إنجلترا والثالث فى النمسا والرابع فى إيطاليا والخامس طواف هنا وهناك.وقد أخذوا يتكسبون من تجارة النقود ذاتها لا من تجارة اشتغلوا بها ولا من صناعة أنتجوها ولا من زراعة استنبتوها ، بل ربحهم كان من إقراض الدول وإنشاء المصارف الربوية والسيطرة عليها ولقد قوى سلطانهم حتى اختار البابا أحدهم مديرا لأمواله فى روما.
هذه صورة من الصور الكثيرة التى قام بها هؤلاء الأبناء وغيرهم من اليهود مما يوضح بجلاء كيف عمل اليهود على نشر الربا فى العالم،وكان أهل الجاهلية قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم يرابون ، يبيعون المتاع من أرض أو إبل أو غير ذلك بالثمن إلى أجل ، فإذا حل الأجل وصار المدين معسراً قالوا له: إما أن تعطينا حقنا، وإما أن تُربي ، إما أن تقضي وإما أن تُربي ، المعنى إما أن تعطينا حقنا الآن أو نزيد عليك في المال ونؤخر الأجل ، نفسح لك في الأجل ، فإن كان عنده مال سلم لهم وإلا رضي بهذا، فإذا كانت القيمة مثلاً مائة ريال ، قالوا نؤجلك أيضاً ستة أشهر أو عشرة أشهر تكون المائة مائة وعشرين مائة وثلاثين هذه الزيادة في مقابل الأجل الجديد، وهذا معنى: إما أن تربي وإما أن تقضي، تُربي يعني تقبل الزيادة، تعطينا الزيادة وهي الربا، وإما أن تقضينا حقنا الآن، فلما جاء الله بالإسلام نهاهم عن هذا، وخاطبهم النبي في حجة الوداع عليه الصلاة والسلام، وأخبرهم أن الربا موضوع، وأن لكل واحد رأس ماله فقط، وأنزل الله جل وعلا هذه الآيات، يقول سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ*فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْب مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) [البقرة:278-279]، فأمرهم سبحانه أن يذروا أي يتركوا ما بقي من الربا لهم في ذمم الناس، ويأخذوا رأس المال، فإذا كانت السلعة بمائة وأمهلوه وزادوا عليه عشرين يتركوا له العشرين، أو ثلاثين يتركوا الثلاثين يأخذوا رأس المال فقط ، والزيادة يتركونها، هذا معنى (وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا)، وإذا كانوا قد قبضوا رأس المال، وبقي الربا، يتركونه، ما يأخذون الربا، يكفيهم رأس المال، ثم قال: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا)، يعني فإن لم تدعوا الربا، (فَأْذَنُوا بِحَرْب مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)، يعني فاعلموا بحرب، يعني اعلموا أنكم محاربون لله ورسوله، وهذا وعيد عظيم لم يأت مثله بشيء من المعاصي، وهو يدل على عظم جريمة الربا، وأنها جريمة عظيمة وكبيرة عظيمة، ولهذا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لعن آكل الربا، وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: (هم سواء)، فالربا من أقبح الكبائر، وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات)، قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: (الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا)، فجعله الرابع، (وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف)، يعني يوم الحرب، (وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)، فجعل الربا من السبع الموبقات، يعني المهلكات، ثم قال: "وَإِنْ تُبْتُمْ" يعني من الربا (فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ)، يعني لهم رأس المال فقط ، وهو المبلغ الذي بيعت به السلعة إلى أجل، الزيادة تبطل، فإذا كان باع المطية أو السيارة إلى رمضان مثلاً من عام 1411هـ بألف ريال، بعشرة آلاف بخمسين ألف ريال، ثم حل الثمن فإنه يأخذ رأس المال فقط ولا يطلب زيادة، وإن أعسر يُنظره، ولهذا قال: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَة فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَة)، إذا جاء رمضان، قال أنا ما عندي أنا معسر، وثبت إعساره فإنه يمهل بدون زيادة، ولا يأخذ ربا، هذا هو معنى قوله جل وعلا: (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ) أي إذا تبتم من الربا فلكم رؤوس أموالكم التي عند الناس، ما بعد قبضتموها (لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ)، يقبض رأس المال، ويترك الربا الزيادة، وإن كان قد قبض رأس المال وبقيت الزيادة يترك الزيادة أفضل له، (لا تَظْلِمُونَ) بأخذ الزيادة، (وَلا تُظْلَمُونَ) بمنعكم من رأس المال، لكم رأس المال، فأنت لا تُظلم بمنعك من رأس مالك، لا، تعطى رأس مالك، وليس لك أن تَظلم أخاك بأخذ الربا، بل لك رأس المال فقط، فإن كان المدين معسراً عاجزاً بالبينة الشرعية فإنه يمهل ولا يطالب بالزيادة، لقوله سبحانه: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (280) سورة البقرة، إن تصدق عليه وأبرأه فجزاه الله خيراً، هذا طيب، وإلا فالواجب الإنظار إلى ميسرة، يقول: أنا أنظرك إلى ميسرة، والواجب على المدين تقوى الله، إن كان صادقاً في الإعسار فعليه تقوى الله ويتسبب حتى يحضر المال، وإن كان كاذباً فقد ظلم أخاه، فليتق الله وليؤد حقه إذا ادعى الإعسار وهو يكذب. فالمقصود أن المدين عليه أن يتقي الله فإن كان صادقاً في الإعسار وجب إمهاله، وإن ثبت أنه مليء وجب أخذ الحق منه، والحاكم ينظر في ذلك ويعتني، وإذا كان صاحب الدين يعلم أنه معسر فلا حاجة إلى المحكمة، يمهله وينظره، حتى يحصل له اليسر، وإن تصدق عليه وسامحه فقد فعل خيراً كثيراً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سرَّه أن ينفِّس الله عنه كربات يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه)، ينفس أي بإنظاره، أو يضع عنه يعني بالصدقة عليه، وفي الحديث الآخر: (من أنظر معسراً أو وضع له أظله الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله)، وهذا فضل عظيم، فينبغي للمؤمن إذا عرف أن أخاه معسر المدين أن ينظره أو يسامحه بالدين كله أو بعضه، يرجو ما عند الله من المثوبة.
وقد حرمت السنة النبوية الربا وذكرت أن الربا أشد من 36 زنية ، والمرابى يسمى مصاص الدماء.
يقول الدكتور أبو سريع عبد الهادى:"إن الحل الإسلامى لمشكلة الربا يتحقق فى الأمور الآتية:"1- الزكاة ؛ حيث يبارك الله فى المال المزكى عنه أما الربا فيمحقه.
2- العمل:حث الإسلام على العمل مهما كان ضعيفا وقرنه بالإيمان فى كثير من الآيات القرآنية بشرط أن يكون فى شئ مباح.
3- تحريم الرشوة والاستغلال والاختلاس حتى لا تضيع مصالح الناس وحاجياتهم.
4- القرض الحسن:حث الإسلام عليه حتى تسود المجتمع المحبة والتعاون.
5- البنوك:الفوائد التى تمنحها البنوك حرام لأنها ثابتة ومحددة أما البنوك التى تقوم على المضاربة ، وهى المشاركة فى الربح والخسارة فهذا هو العلاج الذى أمر به الإسلام فى هذا الأمر كبنك فيصل الإسلامى والمصرف الإسلامى الدولى وغيرهما.
وهكذا يتضح أن الإسلام فيه علاج ناجع لمشاكل العالم الحديثة التى عجزت جميع الأنظمة العالمية فى حلها ، وهذا هو ماقاله برنارد شو:إن محمدا عليه السلام لو كان يحيا بيننا الآن لحل مشاكل العالم فى خمس دقائق وهو يحتسى قدحا من القهوة. ولو تولى العالم الأوربي رجل مثل محمد لشفاه من علله كافة ما أحوج العالم اليوم إلى رجل كمحمد يحل مشاكل العالم!."
نرمين كحيلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق