سبحان الله ! ما أشبه اليوم بالبارحة
فالتاريخ يعيد نفسه ، الجيش المصرى أيام الملك فاروق عمل انقلابا عسكريا أسماه ثورة
واستطاع أن يقنع الشعب المصرى أنه ثورة شعبية وأخذوا يدرِّسونها لنا سنوات وسنوات على
أنها ثورة وليست انقلابا ، والشعب المسكين الذى كانت أغلبيته أمية وليس لديها وعى
سياسى صدق ذلك وأخذنا نحتفل كل عام بهذه الثورة العظيمة ثورة 1952 التى لم يقم بها
الشعب وإنما قام بها الجيش ، لكنه أراد أن يجمل صورته أمام شعبه فأوهمه أنها ثورة تماما
مثل فيلم سر طاقية الاخفاء عندما قال توفيق الدقن لعبد المنعم إبراهيم أن هذه
العلبة الصغيرة فيها فيل ، ونفس الشئ تكرر مرة أخرى أيام الرئيس محمد نجيب – أول
رئيس لجمهورية مصر العربية – حيث انقلب عليه الضباط الأحرار (وعلى رأسهم جمال عبد
الناصر والسادات) فى انقلاب عسكرى مكتمل الأركان ثم كذبوا على الشعب وقالوا أن جمال
عبد الناصر هو أول رئيس لجمهورية مصر العربية وحذفوا اسمه من المناهج الدراسية
وزيفوا التاريخ وأنكروا كل دور لمحمد نجيب وأظهروه كأنه لم يكن له أى دور فى
الثورة رغم أنه هو المخطط والمدبر لها بحكم أنه كان أكبر منهم سنا وخبرة وهو الذى
اقترح عليهم أن تكون مفاجئة وأن يكرم الملك ولا يهان.. وكذبوا على الشعب وقالوا
أنهم اتفقوا معه أن يكون واجهة فقط ثم يعتزل الرئاسة ويسلمها لجمال عبد الناصر.. يقول
اللواء محمد نجيب فى كتابه "كنت رئيسا لمصر" أنه كان كلما دخل عليهم
سكتوا فعلم أنهم يدبرون له مؤامرة وبعد أن عزلوه قبضوا عليه وحددوا إقامته
واضطهدوه هو وأسرته ومنعوه من أداء الشعائر الإسلامية فقد أراد فى عيد الأضحى أن
يضحى بخروف فطلب منهم جزارا ليذبحه له فرفضوا فذبحه بنفسه وطلب منهم أن يسمحوا له
أن يوزعه على الفقراء فرفضوا فدفنه فى حديقة منزله.. لذلك فقد أسماهم الضباط
الأشرار بدلا من الضباط الأحرار. تقول ابنته فى حديث تليفزيونى أنهم منعوها هى
وإخوتها من إكمال تعليمهم العالى حتى يظلوا فى مستوى مادى واجتماعى متدنى وأنها
متزوجة من سائق ولا تجد ما يكفيها هى وزوجها وأن أسرة محمد نجيب بكاملها تعيش على
الكفاف.
إلى هذا
الحد بلغ الأمر بعبد الناصر والسادات ومبارك الذين طمعوا فى الحكم فباعوا ضمائرهم
ودينهم وتنكروا لمن ساعدهم. وكان ذلك سببا فى انفصال السودان عن مصر لأول مرة منذ
عهد الفراعنة لأن الشعب السودانى كره ما حدث لنجيب وهو من أصول سودانية.. إذا علمنا
ذلك فليس بمستغرب أن يستميت الجيش اليوم للبقاء فى السلطة حتى لو كان ذلك على حساب
جثث المصريين ودمائهم ، حتى لو بيعت مصر بأبخس الأثمان وأصبحت خادما مطيعا
لإسرائيل.
واليوم عمل الجيش انقلابا لثالث مرة ولكنه أراد
هذه المرة أن يضفى عليه غطاء من الشرعية لأن الناس أصبحت اكثر وعيا من ذى قبل
فالناس أيام عبد الناصر لم تعترض ولم تثر بل تقبلت الأمر الواقع أما اليوم فلن
يقبلوا لذا فقد كان عليه أن يوهمهم أنهم قاموا بثورة عظيمة نابعة من الشعب وزرع
بينهم حركة تمرد وسخر الإعلام كله لخدمة أهدافه فتقبل الناس الانقلاب بل وفرحوا به
وهللوا له واقتنعوا أن العلبة فيها فيل.
وهذا هو ما حدث أيام عثمان بن عفان رضى الله
عنه فقد قيل عنه نفس ما قيل عن مرسى ، قيل أنه يعين أقاربه فى مناصب كبيرة فى
الدولة يعنى بلغة العصر عثمنة الدولة كما يقال الآن أخونة الدولة.. ورغم أنه ذو
النورين الذى تزوج ابنتى النبى صلى الله عليه وسلم ورغم أنه صحابى جليل ورغم أنه
من العشرة المبشرين بالجنة ورجل تستحى منه الملائكة ألا أن كل ذلك لم يشفع له عند
من ثاروا عليه فدخلوا عليه بيته وأجبروه على التنحى عن الخلافة وكان ذلك بتدبير من
اليهود - كما هو الآن – فلما قال لهم:"لا أخلع قميصا ألبسنيه الله"
انقضوا عليه بالسيوف فقتلوه وعندما حاولت زوجته نائلة أن تدافع عنه بيدها قطعوا
أصابعها ، وظلت هذه الفتنة قرونا طويلة خسر المسلمون بسببها الكثير وظلت الأمة
الإسلامية منذ بداية عهد الدولة الأموية التى ألغت حكم الشورى والانتخابات وحكمت
بالتغلب والقوة والجبروت والتوريث ، ظلت هذه الأمة فى قهر وذل ولما أراد الله لنا
بعد قرون طويلة أن نعود لحكم الشورى والديمقراطية والانتخابات أفشلوا هذه المحاولة
بالدسائس والمؤامرات .. فيا ليتنا نتعلم من أخطاء الماضى ولا نكررها فهذه التجربة
الوليدة هى المخرج الوحيد لما نحن فيه من قهر وذل واستعباد وتخلف.
نرمين كحيلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق