الأربعاء، 29 يونيو 2011

الكسل هو سر النجاح

 

    هذه ليست دعوة للكسل بل إنها نصيحة الكاتب "إيرنى زيلنسكى" لقرائه وهو من أمتع الكتب التى قرأتها حيث يعرض فكرة جديدة تمامًا على أذهان الناس فمن المعروف أن من طلب العلا سهر الليالى إلا أن الكاتب يطرح فكرًا جديدًا ألا وهو: اعمل قليلا تنجح أكثر ، فالظن أن النجاح متوقف على العمل لساعات طويلة وعلى الانشغال وعدم أخذ إلا القليل من الراحة وعلى بذل غير ذلك من التضحيات الجسام ليس صحيحًا والمشكلة أن العمل لعشر أو اثنى عشر ساعة فى اليوم لا يترك لنا إلا القليل من الوقت للحياة الفعلية وللأنشطة التى تؤدى للسعادة والراحة والرضا.

     وهو مهندس لا يعمل أكثر من ساعتين إلى أربع ساعات يوميًا ومع ذلك حقق نجاحًا باهرًا .. والكاتب يستطرد قائلا: "لاتشعرن أبدا بالذنب لأنك كسول" وهو يميز بين نوعين من الكسل أحدهما الكسول العاطل والآخر الكسول المنتج فالأخير يحصل على النجاح بمجهود معتدل ، فماذا ينفع الإنسان إذا كان ناجحًا فى عمله وفاشلا فى عائلته وفى حياته الاجتماعية ، كهذا الذى يقضى معظم وقته فى العمل بعيدًا عن زوجته وأولاده. وما نفع المنزل الفخم إن كنت لا تملك الوقت إلا للنوم فيه؟ ويحكى قصة رجل زار صديقه فى شركته فوجد لديه موظف ينام على المكتب ممدد القدمين فتساءل متعجبًا كيف يسمح لهذا الموظف بالنوم بهذا الشكل دون عمل فأجابه صاحب الشركة: أنا أتركه ينام لأنه حين يستيقظ يعطينى أفكارًا عبقرية تفيدنى فى عملى.

   ويحكى قصة مقاول غنى من نيويورك قابل صيادًا على شاطئ كوستاريكا فاشترى منه سمكًا أعجبه نوعه وجودته واكتشف أنه لديه مكانا سريًا فيه السمك وفير والنوعية ممتازة لكن هذا الصياد لا يصطاد إلا خمس أو ست سمكات فى اليوم.. سأل الرجل الصياد لماذا لم  يبق مدة أطول فى البحر ليصطاد المزيد من السمك؟ أجاب الصياد أنه يصحو من نومه متأخرًأ ثم يلعب مع أطفاله وبعد ذلك يذهب للصيد مدة ساعة أو ساعتين ثم يأخذ قيلولة بعد الظهر لمدة ساعة أو ساعتين ، وفى المساء يتناول وجبة هادئة مع عائلته وفى وقت متأخر من الليل يذهب إلى القرية حيث يعزف الجيتار ويغنى مع أصدقائه.. وقال أنه ينعم بحياة هانئة سعيدة ممتعة.. فتعجب الرجل وقال له أنه لو اصطاد أكثر سيصبح مليونيرًا فأجاب الصياد:"وماذا أفعل بالأموال؟ فقال له الرجل : تصحو من نومك متأخرًا وتلعب مع أطفالك وتأخذ قيلولة طويلة وتأكل وجبة هادئة فى المساء وتعزف وتغنى مع رفاقك كل ليلة.

   إذن لنا أن نتساءل ما الغرض من العمل المضنى سنوات وسنوات ومن التضحية بالسعادة والراحة الجسدية والنفسية ما دام بمقدورنا الحصول على كل ذلك بعمل أقل.؟ وينبهنا المؤلف إلى حقيقة مهمة يجهلها كثير من الناس وهى أن المال لا يشترى السعادة  حيث أنه فى سنة 1995 أجرى عالم النفس "إد.دينر" فى جامعة "إيلينوى" الأمريكية ، بحثا أظهر فيه أن ثلث الأغنياء فى الولايات المتحدة الأمريكية ، لايتمتع بالسعادة التى ينعم بها شخص متوسط الدخل فى هذه البلاد وتأكيدًا على ذلك صرح "بول جيتى" و"هوراد هيوجر" وهما من أصحاب المليارات ، أن تعاستهما كانت تزداد كلما ازدادت ثروتهما.. فالمثل الإيطالى يقول:"اجعل المال عبدك المطيع وإلا أصبح سيدًا ظالمًا عليك".
      ويخلص فى نهاية كتابه إلى أن سر السعادة يكمن فى الرضا وراحة البال وأن أحد العوامل التى تسهل الاستمتاع الكامل بالحياة هو التخلص من الشعور بالحسد تجاه الآخرين ، فالحسد هو فى الواقع الرضا والسعادة التى نظن خطأ أن الآخرين يمتلكونها .. كثيرون من الذين نحسدهم ، لا بل معظمهم ، ليسوا أكثر سعادة منا.. لقد حذرتنا المغنية والممثلة بربارا سترسند بقولها:"بحق الله لا تحسدوننى ، فأنا ايضا أعانى من مشاكل مؤلمة".. وهناك حكمة عظيمة تقول:"الحسد كالحمض يأكل الوعاء الذى يحتويه". فلا يمكنك أن تكون حسودًا وسعيدًا فى نفس الوقت فالحسد والتعاسة يترافقان دائمًا يدًا بيد..فمقارنة أوضاعك باوضاع الآخرين يمكن أن يؤدى بك إلى الإحساس بالخيبة والكبت وينتهى بك الأمر وأنت تقدر الآخرين وتكره نفسك.

    وقد سبق التوجيه النبوى الشريف والقرآنى ذلك الكتاب بفترة طويلة حين أوجز لنا أسباب السعادة فى الدنيا والآخرة ؛ ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن لربك عليك حقا، وإن لبدنك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه". وكذلك حين أمرنا الله تعالى بعدم تضييع حياتنا باللهث وراء المال والنهى عن حسد الآخرين والرضا بقضائه. فما أعظمها من توجيهات!!
                          نرمين كحيلة

ليست هناك تعليقات: