هل تعرفون ما هو شر الأوعية ؟ هو وعاء البطن كما قال النبى صلى الله عليه وسلم:"ما ملأ آدمى وعاء شرًا من بطنه بحسب ابن آدم أكُلات يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه".رواه أحمد والترمذى وحسنه ، وابن ماجة وابن حبان فى صحيحه. وكلمة أكُلات جمع أكُلة وهى اللقمة.
فهناك علاقة حيوية بين المعدة والتنفس حيث تكمن المعدة في الجزء العلوي من التجويف البطني تحت الحجاب الحاجز مباشرة وتستقبل الطعام بعد مضغه وبلعه ومروره بالمريء. وللمعدة قدرة كبيرة على تغيير حجمها، فهي تبدو صغيرة عندما تكون فارغة ، وتتمدد كثيرًا بعد تناول وجبة كبيرة ، وعندئذ يشعر الإنسان بعدم الراحة وصعوبة في التنفس ، ويعني ذلك أن المعدة قد امتلأت أكثر من اللازم حتى أصبحت تشغل حيزًا يزيد عن المعتاد فضغطت على الحجاب الحاجز. فأوجد هذا صعوبة في تقلصه وإعاقته عن الحركة إلى أسفل بالقدر اللازم لحدوث تنفس عميق .. وامتلاء البطن من الطعام مضر للقلب والبدن عمومًا.
ولهذا فإن النبى صلى الله عليه وسلم حين أرسل له مقوقس مصر جارية وطبيب هدية له قَبِل الجارية وردَّ الطبيب وقال لرسول المقوقس:"نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع فلا حاجة لنا بالطبيب".
ويحكى أن سيدنا سليمان عليه السلام أكل يومًا حتى شبع فنام عن قيام الليل فأقسم ألا يشبع بعد اليوم.
وقد جاء رجل للنبى صلى الله عليه وسلم يسأله عن هضوم بسبب عسر هضم أصابه فقال له مستنكرًا:"أويأكل أحدكم حتى يأخذ هضومًا!؟" يعنى النبى الكريم اندهش وتساءل هل من المعقول أن يأكل أحد من أمتى فوق حاجته حتى يحتاج إلى هضوم؟
ترى ماذا لو كان النبى صلى الله عليه وسلم يحيا بيننا الآن ورأى أن مرض العصر المنتشر بين الناس هو السمنة فماذا كان سيقول؟
وعن ابن عمر رضى الله عنهما قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"تجشأ رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:كُف عنا جشاءك فإن أكثرهم شبعًا فى الدنيا أكثرهم جوعًا يوم القيامة"رواه الترمزى وحسنه وابن ماجة والبهقى. وفى صحيح الحاكم أن الرجل هو أبو جحيفة رضى الله عنه قال:"أكلت ثريدة من خبز ولحم ثم أتيت النبى صلى الله عليه وسلم فجعلت أتجشأ فقال: يا هذا كُف عنا جشاءك فإن أكثر الناس شبعا فى الدنيا أكثرهم جوعًا يوم القيامة" قال الحاكم صحيح الإسناد ورواه البزاز بإسنادين أحدهما ثقات ورواه ابن أبى الدنيا والطبرانى والبيهقى وزاد فيه "فما أكل أبو جحيفة ملء بطنه حتى فارق الدنيا ؛ كان إذا تغدى لا يتعشى وإذا تعشى لا يتغدى".
ولهذا قال الحافظ بن رجب عن هذا الحديث أنه أصل عظيم جامع لأصول الطب كلها. وقال القرطبى:"لو سمع أبوقراط بهذه القسمة لعجب من هذه الحكمة. وقال بشر بن الحارث:"ما شبعت منذ خمسين سنة وما ينبغى للرجل أن يشبع اليوم من الحلال لأنه إذا شبع من الحلال دعته نفسه إلى الحرام.
وقال الحارث:"الذى قتل البرية وأهلك السباع فى البرية إدخال الطعام على الطعام قبل الانهضام.
وكان النبى صلى الله عليه وسلم يحب المسلم الرشيق وإذا رأى أحد أصحابه سمين فإنه يكره ذلك. وعمر بن الخطاب كان حين يرى أحد ولاته وقد اكتنز شحمًا ولحمًا يمسك جلده كأنه يستنكر عليه أنه يأكل كثيرا حتى يصل لمرحلة السمنة. أما الإمام أحمد بن حنبل فله مقولة شهيرة هى:"الناس أحوج إلى العلم منهم إلى الطعام لأن حاجتهم إلى الطعام مرة أو مرتين فى اليوم أما حاجتهم إلى العلم فبعدد أنفاسهم". وطبعا ابن حنبل لم يكن يعلم أنه سيأتى زمان على الناس يأكلون ثلاث وأربع وخمس مرات فى اليوم بل سيكون الطعام هو الشغل الشاغل لهم يضيعون فيه ساعات طوال ويتفننون فى صنعه مع هذا الشيف أو ذاك ، وتضيع المرأة ثلاثة أرباع يومها فى المطبخ إرضاءً لمعدة زوجها حيث أن أقرب طريق إلى قلب الرجل معدته. وكلمة قلب هذه تعبير مجازى فجسده يحتوى على معدة فقط .. وهو أول سؤال يسأله لعروسه:"هل تجيدين الطهى؟" ولو عاد يومًا إل المنزل ووجد الطعام لم يُجَهَّز بعد يعلن الحرب العالمية الثالثة على زوجته.
وقد كان أحد الفقهاء يطلب من زوجته أن تطحن له الطعام ليسفه حتى لا يضيع وقته فى الأكل ويتفرغ للعلم. وكان الفقهاء قديمًا لا يقبلون شهادة الذى يأكل فى الشارع فهو عندهم سفيه لأنه لا طاقة له بتحمل الجوع والصبر عليه حتى يصل إلى بيته.. آه لو جاءوا اليوم ورأوا كل الناس تأكل فى الشارع فماذا كانوا سيقولون؟ وآه لو رأوا المطاعم والكافيتريات والمقاهى التى يكتظ بها الشارع!! وآه لو رأوا كم الكتب الهائل عن كيفية الطبخ وأنها الكتب الأكثر مبيعًا فى العالم العربى بل ربما العرب لا يقرأون غيرها..ويكفى أن الفقهاء جعلوا السمنة من عيوب النكاح.
فالشبع المفرط مكروه تنزيها وقيل أنه حرام للآثار الواردة فيه ، ولأن كثرة الأكل شؤم وأنه ينبغى النفور عمن عُرِف بذلك واشتهر به واتخذه عادة. روى مسلم عن نافع قال: رأى ابن عمر رضى الله عنهما مسكينا فجعل يضع بين يديه ويضع بين يديه فجعل يأكل كثيرًا فقال:"لا يدخلن هذا على فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"المؤمن يأكل فى معى واحد والكافر يأكل فى سبعة أمعاء". وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال:"أضاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ضيفا كافرًا فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فشرب حلابها ثم أخرى فشرب حلابها حتى شرب حلاب سبع شياة ثم إنه أصبح فأسلم فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فشرب حلابها ثم أخرى فلم يستتمه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن المؤمن يشرب فى معى واحد وإن الكافر يشرب فى سبعة أمعاء" رواه مسلم. وقال عمر ـ رضي الله عنه: "إياكم والبطنة ، فإنها مفسدة للجسم ، مورثة للسقم ، مكسلة عن الصلاة ، وعليكم والقصد فإنه أصلح للجسد ، وأبعد عن السرف ، وإن الله تعالى ليبغض الحبر السمين .رواه أبو نعيم. واعلم أن الشبع بدعة ظهرت بعد القرن الأول ، ولا تدخل الحكمة معدة ملئت طعامًا ، فمن قل طعامه قل شربه ، ومن قل شربه خف منامه ، ومن خف منامه ظهرت بركة عمره ، ومن امتلأ بطنه كثر شربه ، ومن كثر شربه ثقل نومه ، ومن ثقل نومه محقت بركة عمره ، فإذا اكتفى بدون الشبع حَسُنَ- اغتذاء بدنه ، وصلح حال نفسه وقلبه. ومن تملى من الطعام ساء غذاء بدنه، وَأَشِرَت نَفْسُه وقسا قلبه ، فإياكم وفضول المطعم فإنه يَسِمُ القلب بالقسوة ، ويبطئ بالجوارح عن الطاعة ، ويصم الأذن عن سماع الموعظة" لذلك فإنه يسن الأكل جالسًا فوق الرجل اليسرى وينصب اليمنى ومسندًا البطن إلى الفخذ الأيمن .. قال ابن القيم فى حكمة تلك الهيئة فى الجلوس إلى الطعام: لئلا يحصل الامتلاء المنهى عنه فإن الإنسان بإسناده فخذه لبطنه لا يحصل تمام الامتلاء لعدم افتراش البطن .. بل إن الحيوان لا يأكل أبدًا وهو شبعان . ويقول المثل الألمانى اترك عشاك لعدوك.
حتى فى رمضان يستقبل الناس الشهر الكريم بالمأكولات ويعوضون كل ما فاتهم أثناء الصيام.
نرمين كحيلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق