الأحد، 17 أبريل 2011

لا تنظروا إلى دموع عينيه ولكن انظروا إلى فعل يديه

     اتعجب كثيرا من الذين لا يزالون يشفقون على الرئيس المخلوع وينادون بالرحمة له والرفق به ويطالبون بالوفاء له.. والحقيقة إن من يدافع عن مبارك ونظامه ويتهم الشعب المصرى بأنه غير أصيل وغير وفى فليس له إلا تفسير واحد فى علم النفس وهو ما اصطلح على تسميته بالماسوشية أى حب تعذيب النفس فكلما زاد تعذيبهم كلما شعروا بمتعة ولذة وهى عكس السادية أى حب تعذيب الآخرين وهو ما يتصف به النظام السابق وكل الأنظمة الطاغية فى الوطن العربى .. ومن الطبيعى ان يدافع المخطئ عن نفسه فليس هناك أحد يعترف بخطئه مهما بلغ إجرامه فلوا استعرضنا تاريخ المجرمين فى العالم لوجدنا أنهم دافعوا عن أنفسهم دفاعا مريرًا وادعوا أنهم أبطال يبغون مصلحة مجتمعاتهم .
 
    يقول "ديل كارنيجى" فى كتابه "كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر فى الناس": أنه كان فى نيويورك سفاح طاغية لم تشهد المدينة منذ نشأتها مجرمًا فى عتوه وجبروته ذلك هو "كروللى ذو المسدسين" فعندما اعتقل كروللى صرح قائد الشرطة بقوله:"إن ذا المسدسين من أخطر المجرمين الذين عرفتهم نيويورك ، فقد كان يقتل لمجرد قذفه بريشة طائر". وقد حكم على كرولى بالإعدام على الكرسى الكهربائى فلما جئ به إلى غرفة الإعدام فى سجن "سنج سنج" لم يقل :"هذا جزائى على ما سفكت من دماء بريئة" وإنما قال:"هذا هو جزائى على دفاعى عن نفسى".
 
   أما كابونى – عدو الشعب رقم واحد وزعيم أخطر عصابة إجرامية فى شيكاغو- فلم يلم نفسه أبدًا على جرائمه ، بل نظر إلى نفسه كمصلح اجتماعى لم يقدره الناس ، ولم يحسنوا فهمه وقال:"إننى قضيت زهرة حياتى أتحف الناس بما يسرى عنهم ويزجى أوقات فراغهم فكان جزائى على هذا سعى رجال الشرطة إلى سفك دمى".

   وكذلك كان شولتز الهولندى وهو من أشهر المجرمين الذين عرفتهم نيويورك .. فقد صرح يومًا لأحد الصحفيين بأنه مصلح اجتماعى ، ولم يكن يساوره الشك قط فى صحة اعتقاده هذا.. وقد جرت بين ديل كارنيجى و"لويس"مدير سجن "سنج سنج" مراسلات فكتب له مرة يقول:"قل أن تجد بين المجرمين من ينظر إلى نفسه كشرير أثيم .. إن نظرة هؤلاء المجرمين لأنفسهم لا تقل شيئا عن نظرتك إلى نفسك وهم يستعينون بمنطقهم الخاص فى تبرير جرائمهم ، مؤكدين أنه لم تكن ثمة حاجة على الإطلاق إلى اعتقالهم وإيداعهم السجون. فالمخطئ يلومه كل امرئ إلا نفسه. 


   أما فى الإسلام فالاعتراف بالحق فضيلة فقد قال الله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين" (النساء135) يعنى لا بد أن نقول الحق حتى لو كان سيسئ لنا أو لوالدينا أو لأقرب الناس إلينا .. وقد كان سيدنا نوح عليه السلام يريد إنقاذ ابنه "ونادى نوح ربه فقال رب إن ابنى من أهلى وإن وعدك الحق وأنت خير الحاكمين" فلامه الله لوما شديدا وقال له:"إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألنِ ما ليس لك به علم إنى أعظك أن تكون من الجاهلين" وحذره أن يكون من الجاهلين وهذا الخطاب ليس موجها لسيدنا نوح فقط بل موجه أيضا لكل من يفعل مثله وقد اعترف سيدنا نوح بخطئه واعتذر وقال:"رب أعوذ بك أن أسألك ماليس لى به علم وإلا تغفر لى وترحمنى أكن من الخاسرين."(45-47 هود)

   وأقول لكل مدافع عن مبارك: إن مبارك ليس من أهلنا إنه عمل غير صالح فلا تكن من الجاهلين. ولدينا مثال رائع فعكرمة بن أبى جهل كان مؤمنا رغم أن أباه – أبو جهل – من المبشرين بالنار فأهدر النبى صلى الله عليه وسلم دمه فطلب منه عكرمة أن يقتله بنفسه (حتى لا يثأر من قاتله لو أن أحدا آخر قتله) ولم يراعِ صلة الأبوة لأن الحق فوق كل صلات الأرحام .. وهناك صحابى آخر حارب مع المسلمين ضد الكفار وكان من بينهم ابنه وبعد انتهاء المعركة قال له لقد رأيتك وحرصت على ألا أقتلك فرد عليه أبوه وقال:"أما أنا فلو كنت رأيتك لقتلتك". وهذا ما حدا بسيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه ليعترف بخطئه ويقول:"أخطأ عمر وأصابت امرأة".

    وآسيا زوجة فرعون التى طلبت من الله أن ينجيها من فرعون وعمله هل هى غير وفية لزوجها ؟ إن هذا يذكرنى بقول فرعون لموسى حين اتهمه بالعقوق قائلا:"أو لم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين" ، يعنى كان المفروض من وجهة نظر فرعون ومن على شاكلته أن يثبت بره ووفاءه للفرعون بأن يسكت على ظلمه وكفره وإجرامه لأنه رباه.. فبالله عليكم هل هذا منطق؟؟ وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: "لا تجتمع أمتى على ضلالة" وقد اجتمع الغالبية العظمى من المصريين على بطلان وفساد حكم مبارك فليحترم هؤلاء رأى الأغلبية التى هى بنص الحديث لا تجتمع على ضلالة.
    وفى كتاب الحيوان للجاحظ : أنَّ شيخاً نصَبَ للعصافير فَخّاً فارْتَبْنَ به وبالفخ وضربه البرد فكلما مشى إلى الفخِّ وقد انضمَّ عَلَى عصفور فقبض عليه ودقَّ جناحَه وألقاه في وعائه دَمعت عينُه مما كان يَصُكُّ وجهَه من برد الشّمال قال : فتوامَرَت العصافيرُ بأمره وقلن : لا بأس عليكنَّ فإنه شيخٌ صالحٌ رحيم رقيقُ الدَّمعة قال : فقال عصفورٌ منها : لا تنظروا إلى دموع عينَيه ولكن انظروا إلى عمل يديه . فلا تغتروا أيها الإخوة المواطنون بخطاب الرئيس السابق الذى حاول فيه أن يستدر عطف الشعب ولا تنظروا إلى دموع عينيه ولكن انظروا إلى فعل يديه.


نرمين كحيلة

ليست هناك تعليقات: