الجمعة، 29 أبريل 2011

هذا ما جناه مبارك علىَّ وما جنيت على أحد

    كان هذا لسان حال امرأة عجوز انحنى ظهرها ، تبحث عن كسرة خبز فى صندوق قمامة  تسد به جوعها ،  رأيتها وأنا أسير فى أحد الشوارع فأسرعت لأشترى طعامًا لها ولكننى للأسف حين خرجت لم أجدها فقد اختفت عن الأنظار. فحزنت حزنًا شديدًا لأنى لم أستطع تقديم العون لها.

   وتذكرت على الفور رؤيا رآها ابن عمر بن الخطاب رضى الله عنهما فقد رأى أباه عمر فى المنام بعد وفاته بثمانية عشر عامًا فسأله: لماذا لم تزرنى قبل هذا يا أبى؟ فرد عمر قائلا: كنت مشغولا بمحاسبة ربى حسابًا عسيرًا على فترة خلافتى وكدت أهلك لولا رحمة ربى.
   سبحان الله! سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه بجلال قدره وتقواه وورعه وعدله يحاسبه ربه ثمانية عشر عامًا ، فكم سيحاسب مبارك وبن على وصالح والقذافى؟

    فقد دلت الأدلة على أن المؤمنين يلقون ربهم بعد موتهم، ومن ذلك قول الله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [البقرة:223].
وقوله تعالى: مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [العنكبوت:5]، وقوله تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف:110]، وقوله تعالى: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:46]، وقوله تعالى: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً [الأحزاب:44].

    وفي الصحيحين من حديث عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله يوم القيامة ليس بينه وبين الله ترجمان، ثم ينظرفلا يرى شيئاً قدّامه، ثم ينظر بين يديه فتستقبله النار، فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة.

    وفي رواية للبخاري: ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ولا حجاب يحجبه.
وله أيضاًً: وليلقينّ الله أحدُكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له، فليقولنّ له: ألم أبعث إليك رسولا فيبلغك؟ فيقول: بلى، فيقول: ألم أعطك مالا وأفضل عليك؟ فيقول: بلى، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم.
وروى مسلم من حديث أبي هريرة قال: قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحابة؟ قالوا: لا، قال: فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس في سحابة؟ قالوا: لا، قال: فوالذي نفسي بيده لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما، قال: فيلقى العبد فيقول: أي فُلْ ألم أكرمك ,أسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى، قال: فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: فإني أنساك كما نسيتني.

    وقد دلت هذه الأدلة على أن اللقاء متضمن لرؤية الله تعالى، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أما اللقاء فقد فسره طائفة من السلف والخلف بما يتضمن المعاينة والمشاهدة، بعد السلوك والمسير، وقالوا: إن لقاء الله يتضمن رؤيته سبحانه وتعالى
وظاهر هذه الأدلة يدل على أن الكفار يلقون ربهم ويرونه يوم القيامة، كما هو قول طائفة من السلف، ويدل عليه أيضاً قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ* فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ* فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً* وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً* وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ* فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً* وَيَصْلَى سَعِيراً [الانشقاق].
لكن رؤية الكفار له لا تتضمن كرامة لهم ولا نعيماً، بل يعقبها الحجب والحرمان، كما قال الله تعالى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15].
قال شيخ الإسلام: وقوله: " لَمَحْجُوبُونَ" يشعر بأنهم عاينوا ثم حجبوا، ودليل ذلك قوله: إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ فعلم أن الحجب كان يومئذ، فيشعر بأنه يختص بذلك اليوم، وذلك إنما هو في الحجب بعد الرؤية، فأما المنع الدائم من الرؤية فلا يزال في الدنيا والآخرة. انتهى من مجموع الفتاوى 6/466.
فالمؤمن يحب لقاء الله ويحب الله لقاءه، والكافر يكره لقاء الله، ويكره الله لقاءه، والجزاء من جنس العمل.
وأكمل اللقاء وأتمه إنما يكون بعد دخول المؤمنين للجنة، ورؤيتهم ربهم الكريم الرحيم، فما أعطوا نعيماً أعظم من نظرهم إلى الله، كما صحت بذلك الأحاديث وأجمع عليه أهل السنة.
والحاصل أن الإنسان -المؤمن والكافر- يلقى ربه يوم القيامة، وينفرد المؤمن برؤية ربه في الجنة.

نرمين كحيلة

 

ليست هناك تعليقات: