الأحد، 11 مارس 2012

سوريا وبشار ومعنى الإنكار

    إن الشريعة الإسلامية وضعت ثلاث وسائل لمقاومة الشر والفساد في المجتمع، وهي: إما مقاومته وتنحيته باليد، أوباللسان، أو بالقلب ، فقد روى مسلم وغيره عن أبي سعيد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطيع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان"
وهي على التريب في الوجوب وفقا لاستطاعة كل شخص .. وأعلاها مرتبة التغيير العملي، لمن توافرت لديه وسائل القدرة على ذلك.. وهي أعلى درجات المسؤولية الاجتماعية!
يلي هذه المرتبة التغيير باللسان.. وتلك مهمة الذين يملكون أدوات البيان مثل الكتاب والصحفيين والإعلاميين!
وآخر الوسائل وأدناها التغيير بالقلب!
والإنكار بوسائله الثلاثة فرض عين على كل مسلم لأن زمن الأنبياء انتهى ومن ثم فقد أصبح الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجب ومسؤولية المسلمين جميعا.

يقول الدكتور "سعد المرصفى" – أستاذ الحديث وعلومه -
هناك خطأً شائعًا في فهم معنى التغيير بالقلب ، فإن كثيراً من الناس يعتبرون أن التغيير بالقلب هو أن تكره الشر فيما بينك وبين نفسك ، ولا ترضى عنه بقلبك ، دون أن يبدو عليك أدنى أثر للكراهية وعدم الرضا!
والواقع أن هذا الفهم تحريف لمعاني الكلمات في اللغة العربية ، وتحريف لمقاصد الشريعة الإسلامية!
أما أنه تحريف للمعنى في اللغة العربية، فلأن الإنكار بالقلب المجرد عن كل مظهر إيجابي أو سلبي لهذا الإنكار لا يسمى تغييراً للمنكر، بل يسمى إقراراً سكوتياً للمنكر، وتشجيعاً عليه!
وأما أنه تحريف لمقاصد الشريعة، فلأن الكراهية للمنكر، مع بقاء المعاملة لصاحبه، على وجه البشاشة والمجاملة المعتادة، ومع المحافظة على تحيته وتكريمه، فهذا هو صريح النفاق.
   والحق أن المقصود من التغيير بالقلب ، الذي هو أضعف درجات الايمان، هو ما نسميه بالمقاومة السلبية الأدبية، عند العجز عن التغيير بالوسائل الإيجابية باليد واللسان!
هذه المقاومة السلبية ليس معناها الشتم أو الإهانة أو استعمال العنف الذي يحظره الأدب أو القانون، ولكنها موقف متحفظ ، يشعر فيه المسيء والمجرم بأنه كم مهمل ، منبوذ من المجتمع ، وأنه محروم من التكريم والتعظيم الذي كان قد تعوده.. يشعره باستياء الآخرين من سلوكه!ويشعره أخيراً بأنه في وحشة وعزلة بسبب هجران الآخرين له، ومقاطعتهم إياه!
هل تعرفون سبب اللعنة التي نزلت على بني إسرائيل؟!
ذلك، أنهم كانوا قد فقدوا الغيرة على حرمات الله، ولا يتناهون عن منكر فعلوه!
يقول تعالى:"لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانو يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون" (المائدة: 78-79 (

وكراهية المنكر بالقلب دون أقل مظهر ايجابي أو سلبي ليس مقبولاً عند الله، بل يعد مشاركة في المنكر والاثم، واليكم الدليل، قال تعالى:"وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم حتي يخوضوا في حديث غيره وأما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين"! ( الأنعام: 68(
وقال جل شأنه تذكيراً بهذا الواجب وتأكيداً له "قد نزل عليكم في الكتاب أن اذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم ان الله جامع المنافقين والكافرين في جنهم جميعاً"! ( النساء: 140)
   فانظروا إلى قوله إنكم اذا مثلهم ؟   فقد جعل الساكت على الكفر هو والكافر سواء!
والساكت على الاستهزاء هو والمستهزئ سواء!
وانظروا كيف جعل أقل ما يخرج به المرء من المشاركة في هذا الآثام وهو أن يعرض عن صاحبها، ويهجر مجلسه!
فكيف يكون الساكت على الظلم ظالماً، والساكت على الغيبة مغتاباً، والساكت على قول الزور مزوراً، والساكت عن السرقة لصاً ثانياً، والساكت على أية جريمة شريكاً فيها، وهكذا!
ولا مخرج لنا من الاثم في السكوت عنها إلا بعمل ما، وأقله هذا العمل السلبي، وهو المهاجرة لاصحابها!
هذا هو أضعف الايمان!
أما الذي يكتفي بإغماض عينيه، ويستمر في معاملته العادية للآثم على ما كان عليه، فلا شك أن هذا هو النفاق بعينه، ولذلك صرح في الحديث بأنه ليس وراء هذه المرتبة مثقال حبة خردل من الإيمان
وفي رواية أن الله أمر جبريل أن يخسف قرية في الأرض فقال: يا رب إن فيها عبدك فلان الذي ما زال قائمًا يصلي فقال له:فبه فابدأ قال جبريل: كيف يا رب فقال: ‘لأنه لم يتمعر وجهه من أجلي": أي لم ينفعل من أجلي ولم يغضب من أجلي.

قال الشيخ الشعراوى رحمه الله فى تفسير الإنكار بالقلب لو افترضنا مثلا أن هناك شخصا يفطر فى نهار رمضان بدون عذر وذهب ذلك الشخص ليشترى طعامًا فيحرم على البائع أن يبيع له لأنه بذلك يشجعه على معصيته وهى الفطر فى نهار رمضان وكذلك يجب على كل جيرانه وأصدقائه مقاطعته ومعاملته معاملة سيئة حتى يشعر بخطئه ويرتدع ، وكذلك فإن من يبيع أثناء صلاة الجمعة ولا يذهب للصلاة فإنه يحرم على الناس أن تشترى منه لأنها بذلك تشجعه على  ترك الصلاة.

    قال النبى صلى الله عليه وسلم:"لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ،ثم تدعونه فلا يستجاب لكم"
   كذلك - أيضًا- ثبت في مسند الإمام أحمد قول النبي: إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده وفي هذا أحاديث كثيرة يشد بعضها بعضا، يقول الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي فالواجب على المسلمين أن يتآمروا بالمعروف، وأن يتناهوا عن المنكر، كل واحد ينكر المنكر، لكن بما يستطيع، إذا كان يستطيع تغيير المنكر باليد، لكان صوابًا، أمير أو شيخ قبيلة أو رجل في بيته يغيِّر باليد، إذا كان لا يستطيع ينكر باللسان باللين والرفق. وإذا عجز عن قول اللسان وترتب على هذا مفسدة أنكر بالقلب، لكن الإنكار بالقلب معناه أن يظهر علامة الإنكار على وجهه، تقطيب الجبين وتعبيس الوجه، ثم -أيضًا- يفارق المنكر ولا يجلس معه، وأما من جلس معهم ويزعم أنه ينكر بالقلب، فليس بصادق.. فالإنسان إذا جلس مع أهل المنكر حكمه حكمهم، من جلس مع من يشرب الخمر إذا كان يستطيع الخروج، إذا كان يستطيع القيام، لا بد أن يقوم، إذا دعي الإنسان إلى وليمة وفيها منكر ينكر، المنكر إن زال وإلا ينصرف ويكون هذا عذرا له.

   وفى حديث السفينة عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروراً على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا ، فإذا تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً» [رواه البخاري] وفي لفظ «مثل المدهن»: أي المحابي والمداهن، والمراد به من يضيع الحقوق ولا يغير المنكر.وفي لفظ للبخاري «فكان الذي في أسفلها يمر بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به فأخذوا فأساً فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه فقالوا: مالك؟ قال: تأذيتم بي ولا بد لي من الماء، فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم»
    يشبه النبي صلى الله عليه وسلم المجتمع بأفراده بأناس ركبوا سفينة فاقتسموا الأمكنة فيها فصار نصيب بعضهم أعلاها ونصيب آخرين أسفلها. فالسفينة هي: ( المجتمع - القرية – البلدة ) والناس فيه قسمان بالنسبة لما نهى الله عنه وحرمه:الأول: قائم في حدود الله أي منكر لها حريص على منعها وإزالتها وتطهير المجتمع منها.
والآخر واقع ومنغمس فيها، فإن لم يكن كذلك فهو مداهن فيها راضِ بانتشارها أو ساكت على الفاعلين فلا يغير ولا يطهر.وإن السفينة لن تصل إلى بر الأمان إلا بمنع من يقوم بنقرها وتخريبها وتعطيل سيرها، وكذلك المجتمع لن يحافظ على أمته واستقراره وتقدمه إلا بتشجيع المصلحين والأخذ علي أيدي المخربين والمفسدين.


   إن المسلم عبد لله في جميع تصرفاته وفي كل أموره وإنه يسير وفق المنهج المحدد من قبل الشرع ميزانه (أفعل ولا تفعل) فلا يجوز له أن يخالف شرع الله بحجة أنه (حر). - لكن مفهومها عند أغلب المسلمين اليوم علي خلاف ذلك، فهم يفهمون الحرية الشخصية إنك تفعل ما تشاء متى تشاء كيف تشاء ولو كان هذا الفعل يخالف الدين وتعاليمه، فالحرية عندهم مطلقة ولا يجوز تقييدها بضوابط شرعية!!

    فهذا الذي أخذ فأسه وأراد أن يخرق في نصيبه خرقاً ليأخذ الماء من مكان قريب منه، لو زعم أنه حُرٌ في ما يفعل وفرضنا أن الذين معه أقروه على ذلك ولم يمنعوه وهم يعملون عاقبة فعلته هذه فماذا نسميهم يا ترى! يسمون (مجانين) لأنهم آثروا الحرية الشخصية المزعومة المكذوبة لفرد واحد على أرواحهم وأنفسهم بل كان الواجب عليهم أن يمنعوه ويبينوا له خطورة فعله على جميع من في السفينة، فالحرية الشخصية يجب أن تكون مقيدة بقيود شرعية لحماية المجتمع بأسره.وأننا لو فتحنا هذا المفهوم على مصراعيه لزنى الزاني باسم الحرية الشخصية ولخرجت النساء كاسيات عاريات باسم الحرية الشخصية ويتكلم الرويبضة في دين الله تعالى فيحلل ويحرم باسم الحرية الشخصية فماذا ستكون النتيجة يا ترى؟ النتيجة ستكون مجتمعاً منحلاً منحرفاً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً. ولذلك حرص النبي صلى الله عليه وسلم على توضيح المفهوم والحد من الحريات التي تخالف الدين وذلك حين جاءه رجل ليسلم ولكنه اشترط أن يرخص له في الزنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: « أترضاه لأمك.. فقال الرجل: لا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وكذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم!! فللحرية إذًا قيود شرعية وضوابط مرعية يجب الانتباه لها والتزامها، فلو كان شخص حرا فيما يفعل لما بقي لنا دين حفظ لنا ولا بقيت لنا هيبة.

ذات مرة رأيت فتاة وشاب يمارسان الرذيلة فى الشارع فنصحتهما فقالا لى أنهما أحرار فقلت لهما أن المجتمع كله له الحق فى منعهما لأن نتائج ما يفعلانه ستنعكس على المجتمع وبالتالى فحريتهما مقيدة.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز ممن يعملها ثم لا يغيرون ذلك إلا عمهم الله بعقاب منه") رواه أبو داود(.
   نعم إذا ظهرت المعاصي وسكت الصالحون مع قدرتهم على التغيير ولم يغيروا نزل العقاب من الله تعالى وعم الجميع ثم يبعثون على نياتهم، وإنما عم العقاب الصالح والطالح لأن الساكت بمنزلة الراضي والراضي والفاعل بمنزله واحدة. ومن الأدلة على ذلكقول زينب رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم حين حذر من الشر الذي سيصيب الأمة:"أنهلك وفينا الصالحون"؟! قال: نعم إذا كثر الخبث") رواه البخاري).

    نعم إذا كثر الخبث والصالحون لم يكونوا مصلحين واقتصروا صلاحهم عليهم فقط ، إذا لم يغيرا ولم يقوموا بواجب الأمر والنهي كان ذلك أيذنا بنزول العقاب عليهم وهذا ما دل عليه قوله تعالى:"وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ"} هود:117] ولم يقل (صالحون) إذا لابد من الانتقال من مرحلة الصلاح إلى مرحلة الإصلاح ليرتفع عن الأمة العقاب.

    قال تعالى:"وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم" . قال ابن وهب : قال مالك : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في غزوة تبوك حين طابت الثمار ، وبرد الظلال ، وخرج في حر شديد ، وهي العسرة التي افتضح فيها الناس . هؤلاء الثلاثة هم : كعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية .

    فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه هجروا كعبا وصاحبيه ، ولم يعتذروا للنبي صلى الله عليه وسلم واعتذر غيرهم .
قال : فأقام كعب وصاحباه لم يكلمهم أحد ، وكان كعب يدخل على الرجل في الحائط ، فيقول له : أناشدك الله ، أتعلم أني أحب الله ورسوله ؟ فيقول : الله ورسوله أعلم .
أى أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يقاطعوا هؤلاء الثلاثة عقابا لهم وأمر زوجاتهم وخدمهم وأسرهم أن يهجروهم حتى ندموا وتابوا ورجعوا إلى الحق فعفا الله عنهم.
   وقياسا على ذلك فإنه أصبح واجب الدول الإسلامية مقاطعة بشار حتى يرتدع فلا يتعاملون معه ويسحبون سفرائهم لديه ولا يعترفون به كرئيس فقد ارتكب جرائم كثيرة فى حق شعبه الأعزل..وهذا أضعف الإيمان وعلي جميع حكام المسلمين أن يستعملوا كل وسائل الإنكار الثلاثة معه وإلا أصبحوا شركاء له فى الجريمة..إن لى أصدقاء سوريين أعتز بهم وإن الشعب السورى من أرقى الشعوب التى عرفتها وقد قالت لى صديقتى السورية:"ادع الله لنا أن ينصرنا وأن تنجح ثورتنا كما نجحت ثورتكم" فقلت :"والله إنى أدعو الله لكم فى صلاتى وكل قلوب الشعب المصرى معكم وسينصركم الله ويكفى أن دعاءكم ونداءكم مالنا غيرك يا الله".

نرمين كحيلة

ليست هناك تعليقات: