الاثنين، 19 مارس 2012

إلف المعصية



قال تعالى:" لإيلاف قريش إِلافهم رحلة الشتاء والصيف "(لإيلاف قريش إِلافهم): الإيلاف هو: الاعتياد ، والمعنى : من أجل تسهيل الله على قريش وتيسيره لهم ما كانوا يألفونه من الرحلة فى الشتاء إلى اليمن وفى الصيف إلى الشام.
   كيف تألف معصية؟ الإجابة ببساطة أنه فى بداية أية معصية تكون مستنكرة أما لو تم السكوت عنيها فسوف تصبح شيئا فشيئا وبالتدريج وبمرور الوقت مألوفة وعادية وطبيعية ثم بعد ذلك لو أنكرها أحد لاتهمه الناس بالتخلف والجنون ومثالنا على ذلك إيلاف قوم شعيب لمعصية بخس الناس أشيائهم وتطفيف الميزان قال الله تعالى مخبراً عن قول نبيه شعيب عليه السلام: "وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ"(هود: من الآية85)، يقول الأستاذ الدكتور:"ناصر العمر"المعنى إلى هنا مكتمل ، فلقد نهاهم النبي الكريم عن التطفيف في المكيال والميزان، وهو داء انتشر في ذلك المجتمع ، ولكنه عليه السلام لم يقف على أمر الكيل فقط فالتطفيف أعم وأشمل من مجرد انتقاص الناس أقواتهم ، إنه داء قد يوجد في كل جوانب الحياة ، ولذا عم بعد تخصيص فقال: "وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ" (هود: 85) لا تبخسوا من يستحق الاحترام ما يليق به ، لا تبخسوا من يستحق منصباً ما يجب له ، عند الحكم عليه ، أو عند تقييم جهوده ، أو عند ذكر مناقبه وتجاربه ، لا تبخسوا الناس أشياءهم معنوية كانت أو حسية..قال له قومه:"يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل فى أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد" يعنى قومه تعجبوا مما يقول لأن المعصية بالنسبة لهم أصبحت مألوفة وعادية وغير مستهجنة بل وأصبح الغريب المستهجن هو القيم والمبادئ التى ينادى بها شعيب عليه السلام..فقالوا له:"إنك لأنت الحليم الرشيد"أى ماذا جرى لك ولعقلك لقد كنا نظنك حليما رشيدا عاقلا وكنا نحترم عقلك .. انظروا! لقد أصبح من ينادى بالفضيلة مجنونا أحمق ، ولذلك كانت مهمة الأنبياء فى كل زمان ومكان إعادة الناس لمفهوم العيب والحرام والخطأ بعد أن اعتادوا عليه ولم يعد خطأً.

   وهذا ما نجده فى إيلاف قوم لوط لمعصية الشذوذ التى استشرت فيهم "ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين  ( 28 ) أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين  قال رب انصرني على القوم المفسدين (العنكبوت  28،29) ولما نهاهم سيدنا لوط عليه السلام عما يفعلون ثاروا ضده وطالبوا بإخراجه من مدينتهم وقالوا:" أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أُناس يتطهرون"(النمل:56)
لعل الكثير من الشعوب المسلمة عندما تقرأ هذه الآية الكريمة لتتعجب كيف أن أهل بلدة يأمرون بخروج أهل التقوى والصلاح الطاهرين من بلدتهم لمجرد أنهم أُناس طاهرون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكرات وليس أي منكر بل هو منكر واضح شاذ لا يفعله إلا المرضى الشواذ .يعنى المعصية والرذيلة بمرور الوقت أصبحت هى العادة أما الفضيلة فقد أصبحت هى الشئ المستغرب.

    وأيضا عبادة الأصنام كانت شيئا مستهجنا فى البداية لكن بمرور الوقت ألفها الناس حتى تعجبوا لمن ينهاهم عنها من الأنبياء.

   ولنعود بالذاكرة إلى وقت قريب كانت فيه الفاحشة مستهجنة ومكروهة فى أوروبا وأمريكا لدرجة أنه نشأت جماعات لمقاومة الزنا وغيره من المنكرات ولكن بمرور الوقت أصبح الزنا واتخاذ الخليلات شيئا عاديا طبيعيا بل أصبح يتهم من ليس له خليلة بأنه غير طبيعى.
يقول الشيخ أبو إسحق الحوينى أنه أثناء رحلته إلى أمريكا كان يقف فى طابور طويل لتخليص بعض الأوراق فوجد رجلا يقبل امرأة فامتعض وجهه لما يرى فقال له أحد الواقفين:هل ضايقك هذا المنظر؟ فقال الحوينى:طبعا ضايقنى جدا لأنى أغار على محارم الله فرد عليه الرجل وقال:"يا سيدى كنا فى بداية مجيئنا إلى هنا يتمعر وجهنا مثلك لهذه المشاهد لكن بمرور الوقت تعودنا."

     كذلك الأمر فى التمثيل عندما نشأ لأول مرة كان الناس يرفضونه ويمنعون بناتهم وأبناءهم من امتهانه نظرا لما يحتويه من مشاهد إباحية لا يقبلها دين ولا عُرف ولا تقاليد لكن بمرور الوقت قبله الناس وسلموا به وأصبح هناك معهدا للتمثيل يدرس فيه ومهرجانات لتكريم الممثلين..ولو جاء أحد الأن وأنكر ما يفعله الممثلون لاتهموه بالتخلف والجهل ومعاداة الفن والإبداع..نفس الفكر ونفس المنطق الذى تكلم به آل لوط وآل شعيب وغيرهم.

   إن أول شخص ابتدع فكرة التمثيل له وزرها ووزر كل من عمل بها وهى له سيئة جارية ، فكيف نتصور أن رجل يدعى أن امرأة ما أخته فى التمثيل أو زوجته أو أمه أو ابنته ثم يتصرف على هذا الأساس؟ وحتى لو تم حذف مشاهد القبلات من الأفلام فإن هناك مخالفات شرعية أخرى مثل أن ينظر الرجل إلى المرأة نظرة تفحص وهى تقف أمامه متعطرة متزينة فهذا فى حد ذاته ضد غض البصر الذى أوصى به الإسلام يقول الشيخ وجدى غنيم: "إن الممثلين يزنى بعضهم ببعض تحت اسم التمثيل..ولو أفتى أحد الشيوخ بأن التمثيل حلال نقول له:فلتجعل زوجتك تمثل والمشهد أنها زوجة تنام مع زوجها فى فراش واحد." .. والغريب القول الشاذ للمثل محمود الجندى حيث يقول أن دليل أن التمثيل حلال بل مستحب فى الشريعة هو أن جبريل عليه السلام جاء لمحمد صلى الله عليه وسلم متخذا شكل دحية الكلبى وأخذ يعلمه أمور دينه (الحديث المشهور) فهو يستند إلى هذا الحديث فى أن التمثيل مستحب شرعا فهل هذا يعقل؟ أريد أن أسأله: هل جبريل عليه السلام كان يقف أمام امرأة ينظر إليها ويمسك يدها وينام معها فى الفراش كما يفعل الممثلون؟ كيف تجرؤ على تشبيه ملاك بهذا التشبيه القبيح؟ هذه كلمة حق يراد بها باطل.. ولكنه الشيطان الذى يزين للإنسان سوء عمله فيصبح التمثيل فن والعرى تحضر وشرب الخمر تقدم...إلخ.

    وأحب أن أسأل هؤلاء الممثلين الذين يسمون أنفسهم فنانين:هب أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يحيا بيننا الآن وعرضت عليه هذه الأفلام هل كان سيوافق عليها ويباركها؟ والغريب فى الأمر أن بعض الراقصات تقول بتجرؤ على الله أن الله وفقنى فى هذه الرقصة ووفقنى فى هذه القبلة التى فى الفيلم.. كما كان العصاة السابقون يقولون:الله أمرنا بهذه المعصية. "وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء ... "(الأعراف:28)
وقد قرأت ذات يوم فى إحدى المجلات مقالا عن الممثلة مديحة يسرى عنوانه:"ثلاث قبلات جعلت مديحة يسرى تتزوج" يعنى مديحة قامت بتمثيل ثلاث أفلام وفى كل مرة تقبل فيها بطل الفيلم تتزوجه بعد انتهاء الفيلم..وانظروا إلى المسمى العجيب للمثل يطلقون عليه بطل.
فاللهم بغض إلينا المعصية وأرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
نرمين كحيلة
  

ليست هناك تعليقات: