الجمعة، 4 فبراير 2011

كيف أعاودك وهذا أثر فأسك؟

في طرف القرية الصغيرة من الناحية القبلية وفي حضن الجبل كان يعيش فلاح فقير
في كوخ صغير وكلما ذهب الفلاح إلي أرضه وجد بجوار الكوخ القريب من الأرض دينارا ذهبيا! فيأخذه ويحمد الله علي رزقه .ولكن التفكير يشغل باله ، من أين يأتي الدينار الذهبي؟ ومن الذي يضعه؟ و صمم علي أن يعرف من هو صاحب الدنانير الذهبية التي تأتيه صباح كل يوم ويضعها بجوار الكوخ.ولم ينم ليلته ، وظل يراقب جانب الكوخ متخفيا، حتى رأي مالم يتوقعه أبدا! فلقد رأي الحية التي تسكن الجحر الموجود بطرف الجبل ، والمجاور لقطعة أرضه وكان يخشاها هو وأفراد أسرته ، ولكنها لم تقبل في يوم من الأيام علي إيذائهم .رأي الحية تمسك بالدينار الذهبي ، وتضعه بجوار الكوخ .. يا الهي ما هذا ؟ هل الحية تعرف ضيق عيشي ؟ هل تعرف فقري؟ أم أرسلها الله تعالي لمساعدتي؟.من المؤكد إن لديها من الدنانير الذهبية الكثير والكثير ماذا لو قتلتها واستوليت أنا علي تلك الدنانير، وأصبح غنيا وأشتري كل الأراضي التي تقع حول أرضي ، وأبني قصرا أسكنه مع أسرتي ، وصمم علي قتلها  فترصدها ، وصباح يوم أخذ فأسه رافعا إياه في وضع الاستعداد لقتلها ،عندما تمر لوضع آخر دينار(علي حد تفكيره) وإذا بها تمر دون أن تشعر به لتضع الدينار في مكانه شأن كل يوم.. فأنزل الفأس عليها بقوة ، فإذا به يقطع ذيلها ولم تمت .. وهنا أصابه الهلع واستولي عليه الخوف ، وأخذ يجري ولا تقوي ساقيه علي الجري ولكنه هرب وعادت الحية إلي جحرها حزينة !!وعاد الفلاح يترقب خوفا من الحية.. فإذا به يلقاها علي رأس أرضه ولم يكن يتوقع ذلك.فقال لها وهو يرتجف من شدة الخوف هلا تغفري لي ذلتي وذنبي الذي اقترفته في حقك ، ولن أعود إلي ذلك أبدا؟؟ ونعود كما كنا من قبل فقالت له: كيف أعاودك وهذا أثر فأسك !!أي كيف أعود كما كنا وهذه أثر خيانتك.

   تذكرت تلك القصة وأنا أتابع حديث الرئيس مبارك عن أمله فى أن يمنحه الشعب المصرى فرصة لتحقيق مطالبه فكيف نعاوده وأثر دماء شهدائنا لم يجف بعد؟ وكيف نعاوده وآثار الفقر والفساد والمحسوبية والرشاوى والعنوسة والبطالة مازالت موجودة ؟ إن الرئيس مبارك لا ينبغى له أن يستمر فى الحكم لأسباب منها:
-         فقدان هيبته واحترامه كرئيس فى نظر شعبه.
-         انعدام ثقة شعبه فيه إذ لم يعد الشعب يصدق أيًا من وعوده.

وقد قال مبارك فى أول خطبة له بعد توليه الحكم أنه لن يرشح نفسه مرة أخرى وكذب.

- منطقيا لا يمكن تصديق أن ما لم يتحقق على مدى ثلاثين عامًا يمكن أن يتحقق فى بضعة شهور وهذا هو مبرر كل كافر ومجرم فى كل زمان ومكان ؛ فيوم القيامة سيقول الكفار لله عزو وجل:   وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ. (السجدة 12)  أى سيطلبون من الله أن يعيدهم إلى الدنيا ليعملوا صالحا.

ويقول الله عز وجل:"ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه.أى لو أعطاهم الله الفرصة مرة أخرى لعادوا لكفرهم وإجرامهم وعنادهم. وإن كل كافر ومجرم له نفس المبرر فى كل زمان ومكان "وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون.البقرة 118
حتى فرعون عندما أدركه الغرق قال:"آمنت بالذى آمنت به بنو إسرائيل" فقال له الله:"آلآن وقد عصيت من قبل؟"

         - حديث النبى صلى الله عليه وسلم:"‏ ‏ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم‏:‏ رجل أمَّ قوماً وهم له كارهون، ورجل لا يأتي الصلاة إلا دباراً، ورجل اعتبد محررا‏"‏. أى أن الله لا يقبل صلاة إمام يكرهه المأمومون ولا يوافقون عليه. فما بالك برئيس يكرهه شعبه ولا يوافقون عليه؟


    ذكرتنى أيضا فترة الثلاثين عامًا التى قضاها مبارك فى حكمه بالعيد الثلاثينى للفرعون المعروفة أيضًا بطقوس “الحب سد”،  حيث كان هذا العيد يحتفل به منذ القدم أى قبل الأسرة الفرعونية الأولى 3100 ق.م إلى 2890 ق.م كما أنه ما زال عادة تمارسها بعض القبائل الأفريقية حتى الآن وقد استمر الإحتفال بهذا العيد فى شتى العصور حيث سجل قدماء المصريين بعض مناظر طقوسه على جدران المعابد فى  جميع العصور تقريباً حتى ما شيد منها فى مصر فى عصر الإحتلال الرومانى ، فكانوا يعتقدون أن قوة الزعيم تضعف بعد هذه المدة من الحكم ويبدأ فى الخنوع لمحكومية فينحاز ويتدهور حكمه كما يتحكم فيه الموظفين الذين فى يدهم السلطة أو لوهن الزعيم وكبر سنة وإصابته بأمراض الشيخوخة كالنسيان وغيره .. ألخ فإذا امتدت مدة حكم الزعيم لمدة 30 سنة أقاموا حفلاً دينياً وقضوا عليه فى السنة الثلاثين من حكمه ، وقد تطور التفكير فى مدة الثلاثين سنة بأن يثبت الحاكم أو الزعيم قوته بأن يصطاد أسداً أو يقتل عدوا أو يجرى لمسافات طويلة أمام شعبه ليريهم قوته وصحته فيشترى بهذا العمل البطولى سنين من حياته وحكمه ، وتطور التفكير فى هذا العيد الثلاثينى بأن يشترى الحاكم أو الملك أو الزعيم سنين أخرى بإسترضاء الآلهة بتشييد معبد جديد أو إضافة أروقة فى معابد مقامة .. إلخ أو تقديم قرابين خاصة فى حفل خاص يثبت فيها من فى يده الحكم بأنه يستمتع بالصحة والقوة البدنية التى تمكنه من استمراره فى الحكم. ويظهر وقد رفع يده اليسرى لأعلى ، بينما يمناه ممدودة في وضع رشيق ، وقد ثني في ذات الوقت ساقه اليمنى في الوضع واقفاً لتمر متعامدة أمام ركبته اليسرى.
    وتعجبت حقا لمن ينادون بخروج آمن للرئيس يحفظ له كرامته باعتباره رمزا لمصر لا يجب أن يهان ولا ينبغى محاسبته عما اقترفت يداه!! وهذا أيضا نابع من فكرة تأليه الحاكم ، فنحن شعب تعود أن يعبد حكامه حيث كان الفرعون سليل الألهة أو على الأقل المفوض من قبل الآلهة على الأرض وبالتالى لا يمكن محاسبته أو محاكمته أو حتى إقالته مهما بلغت به الشيخوخة أو المرض وهذا يتبين من التماثيل والنقوش التى كانت تصور فرعون مصر حتى وهو فى الثمانين من عمره بصورة شاب فى ريعان شبابه وقوته إذ لم يكن من المقبول أبدًا أن يتصور الفرعون وعلامات الشيخوخة تظهر عليه حتى لا يفقد هيبته أمام شعبه فالإله لا يشيخ ولا يمرض.. وهذا ما يفعله مبارك الآن فهو يصبغ شعره ويحاول أن يظهر بمظهر شاب قوى أمام شعبه ليثبت لهم أنه مازال قادرا على حكم مصر. وهذا ما رأيته بنفسى حيث شاهدت لافتات يحملها أنصار الرئيس كتبوا عليها:"الرئيس الذى عينه الله لا يمكن لأحد أن يقيله".

    أما أنا فأقول: ليس هناك أحد كبير على المساءلة والمحاسبة.. حتى الأنبياء أنفسهم حينما كانوا يخطؤون كان يلومهم الله فقد نزلت سورة كاملة تسمى سورة عبس تلوم النبى صلى الله عليه وسلم على عبوسه فى وجه الأعمى.. هل هناك مخلوق على وجه الأرض أفضل من النبى صلى الله عليه وسلم؟ إنه وهو أفضل خلق الله قال لرجل جاء يشفع فى حد السرقة لامرأة من أشراف قريش:"أتشفع فى حد من حدود الله؟ والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" ولم يقل لايصح أن تقطع يد ابنتى ولا بد لها من مخرج يليق بكرامتها كابنة لنبى.. وهو القائل" إن من أهلك من كان قبلكم إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف عاقبوه" وقد قال الله تعالى:"ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين" (الحاقة 46) والوتين هذا هو عرق متصل بالقلب إذا انقطع مات  منه الإنسان، فلو قدر أن الرسول -حاشا وكلا- تقول على الله لعاجله بالعقوبة وقطع شرايين قلبه ، وأخذه أخذ عزيز مقتدر، لأنه حكيم ، على كل شيء قدير، فحكمته تقتضي أن لا يمهل الكاذب عليه .. حتى سيدنا يونس عليه السلام حين أخطأ ونفذ صبره وترك قومه عاقبه الله بأن أدخله فى بطن الحوت ولولا أنه أفر واعترف بذنبه للبث فى بطنه إلى يوم يبعثون. بل إن عمر بن الخطاب نفسه – رضى الله عنه – طبق حد شرب الخمر على ولده فلذة كبده وهو من أشراف قريش.. وعندما زنى أحد الصحابة رضوان الله عليهم جميعا تم تطبيق عقوبة الزنا عليه.. .. وإن حسان بن ثابت الصحابى الجليل وشاعر النبى صلى الله عليه وسلم تم تطبيق حد القذف عليه حين خاض فى عرض السيدة عائشة رضى الله عنها وتم جلده ثمانين جلدة..وعمرو بن العاص حين أخطأ ولده بحق القبطى شدد على معاقبته بل طلب أن تضرب صلعة عمرو نفسه لأنه لم يحسن تربية ابنه.. بل إن خالد بن الوليد بجلال قدره وهو الصحابى العظيم الذى خاض حروبًا لنصرة الإسلام أقاله عمر بن الخطاب من منصبه واقتسم ثروته حتى أنه أخذ فردة حذائه وترك له الفردة الأخرى.
                    نرمين كحيلة

ليست هناك تعليقات: