الأربعاء، 27 أكتوبر 2010

حق الحيوان فى الإسلام

مسكين هو الحيوان فى عصرنا الحالى، فهو يعانى من أفعال البشر، فهناك القطة التى انتزعوا منها أولادها وحرموها من عاطفة الأمومة التى هى من أولى الدوافع والغرائز عند الحيوان.

وهناك الكلب الذى يدوسه شاب مستهتر بسيارته فتظل جثته طريحة الشارع لا تجد من يدفنها.. وهذا الحمار صاحبه يضربه ليل نهار ويلهب جسده النحيل بسوطه القاسى.. وهذا الولد يشد ذيل قطة تسير فى الشارع وهى تصرخ وتئن.. وهذا الكلب يجرون وراءه ويرجمونه بالحجارة. إن هذه الأفعال وغيرها لا يقبلها الإسلام، فلقد أُمِرنا نحن المسلمين بالرفق بالحيوان، فقد كان أبو هريرة رضى الله عنه يحمل فى كمه قطيطة صغيرة ولذا فقد سمى بأبى هريرة لشدة التصاقه بالهرة وعطفه عليها.

وذات يوم كان النبى، صلى الله عليه وسلم، يجلس مع أصحابه فجاءت هرة ونامت فوق عباءته ولما أراد النبى، صلى الله عليه وسلم، أن يقوم من مجلسه قطع عباءته حتى لا يزعجها. وكلنا يعرف المرأة التى دخلت النار فى هرة لأنها حبستها ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض ولم تطعمها حتى ماتت. قد يقول قائل: هذا سبب تافه لدخول النار فكم يساوى هذا الحيوان عند الله ليحرق بسببه ويعذب فى النار؟ نقول له: إن الفكرة ليست فى قيمة وأهمية هذا الحيوان أو ذاك، ولكن الفكرة فى الرحمة التى ينبغى أن تملأ قلب المسلم لأنك إذا رحمت حيوانا ضعيفا لا حول له ولا قوة سترحم من هو أعظم وأقوى منه، سترحم والديك، سترحم أولادك.

هذه الرحمة التى اشتق منها الله اسمين من أسمائه الحسنى فهو الرحمن وهو الرحيم.. هذه الرحمة هى التى جعلت النبى صلى الله عليه وسلم، يقول فى الحديث الشريف: "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته". وللسبب نفسه جعل الله للذبح طريقة لا تؤلم المذبوح وهى قطع شرايين العنق، أو بمعنى أصح قطع الأوداج التى هى الحلقوم والمرىء.

يقول العلماء إن هذه الطريقة تؤدى إلى عدم إحساس الحيوان بالألم أثناء خروج الروح، وقد يتساءل البعض فلماذا إذن يترنح المذبوح يمنة ويسرة بعد ذبحه؟ يجيبنا العلماء أن الشرايين عندما تقطع يتدفق الدم فيرسل القلب رسالة إلى المخ طالبا منه أن يمده بالدم فيرسل له المخ مزيدا من الدماء فتتحرك الذبيحة بهذا الشكل نتيجة التدفق السريع للدم.. ومن آداب الذبح ألا يقوم الجزار بذبح حيوان أمام حيوان آخر حتى لا يفزعه، وأن لا يريه السكين التى سيذبحه به. وقد أثبتت الدراسات فعلا أن الحيوان الذى يذبح بغير الطريقة الإسلامية يؤثر ذلك فى ملمس لحمه وطعمه وشكله، حيث تفرز غدة الأدرينالين عند الخوف ما يعكر صفو اللحم ومذاقه.

روى أن الإمام الشافعى رضى الله عنه وأرضاه، رؤى بعد وفاته فى رؤيا وهو يقف بين يدى ربه عز وجل يسأله، فقال له: أتعلم لماذا أدخلتك الجنة؟ قال الشافعى: لعل ذلك بسبب اشتغالى بالعلم والفقه أربعين سنة، فقال الله: لا. قال الشافعى: لعل ذلك بسبب حسن خلقى وعبادتى لك. قال الله: لا، بل لأنك ذات يوم كنت جالسا تكتب وأمامك الدواة والمحبرة فجاءت فراشة فسقطت على المداد (الحبر) وشربت منه فتركتها حتى شربت فارتوت ثم طارت فبرحمتك لها رَحِمْتك.

يا لله الشافعى بجلال قدره وفقهه وعلمه لم يشفع له عند الله إلا فراشة ضعيفة! وهذا الرجل الذى كان يمشى فى الصحراء فوجد كلبا يلهث من العطش فنزل البئر وملأ خفيه بالماء ثم أمسكه بفيه حتى سقى الكلب فشكر الله له فغفر له وأدخله الجنة. قال الصحابة: أو أن لنا فى البهائم أجرا؟ أى وإن لنا فى سقى البهائم والإحسان إليها أجرا؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: فى كل ذات كبد رطبة صدقة (أجر). أى فى إرواء كل ذى كبد حية من حيوان أو إنسان أجر حاصل.

وباستعراض هذه الحالة نرى أن الرجل قد تحمل مشقات بالغة وبذل جهدا كبيرا؛ فمن هذه المشقات أنه نزل إلى البئر من غير طريق ممهد، وعرض خفه للتلف بجعل الماء فيه وأمسكه بفمه وكل ذلك من أجل رعاية كلب ضال لا يوجد صاحبه بجواره ولا يطلع أحد على صنيع ذلك الرجل إلا الله.

ولنا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسوة حسنة فقد كان رحمة للعالمين وأقرب مثال لذلك أنه عندما ذهب لفتح مكة بصحبة جيش الصحابة وجد فى الطريق كلبة ترضع صغارها فظهر الفزع عليها فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، بتحويل مسار الجيش كله بعيدا عن الكلبة حتى لا يفزعها ويروعها.

يحكى أن جملا أتى للنبى، صلى الله عليه وسلم، يشكو أن أصحابه يحملونه ما لا يطيق ثم بكى، فربت النبى عليه وأوصى أصحابه به فقالوا له: والله لنريحنه من العمل الشاق إكراما لك يا رسول الله.

إن الحيوان يحس ويفهم وليس أدل على ذلك من هدهد سليمان عليه السلام الذى راح يستكشف قوم بلقيس وعرف اسم المدينة التى ذهب إليها، فمن أخبر الهدهد أن هذه المدينة اسمها سبأ بل إنه قيم الموقف كله من وجهة نظر سليمة وعرف أن هذه المرأة هى الملكة، وأن هؤلاء شعبها وفهم حديثهم واستنكر أنهم يشركون بالله.. ليس هذا فحسب بل إنه وقف مجادلا سيدنا سليمان عليه السلام وتفاخر بأنه يعلم مالا يعلمه فقال: "أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ".

إذن الحيوان يعرف أسماء الأشخاص والأماكن ويستطيع تقييم الأحداث والتعليق عليها، وكذلك النملة أضعف مخلوق على وجه البسيطة تأمر قومها بدخول مساكنهم خشية أن تدوسهم أقدام سيدنا سليمان وجنوده ويكون لديها بعد نظر فى تقييم الموقف والتماس العذر لسيدنا سليمان وهذا يذكرنا بالحديث القائل: "لولا أطفال رضع وشيوخ ركع وبهائم رتع لأمر الله الأرض أن تنخسف بالناس"، ومعنى هذا أننا مرحومون ببركة هذه الحيوانات فهى تسمع ما لا نسمع وترى مالا نرى وتشعر بالزلازل والبراكين والكوارث قبل وقوعها فمثلا الكلب يشعر بموت صاحبه قبل أن يموت بأسبوع فيصوم عن الطعام حزنا عليه، والأفيال تشعر بدنو أجلها وتختار المكان الذى تذهب إليه لتموت هناك.. كما أننا نتعلم من الحيوان كما حدث مع قابيل عندما أرسل الله له الغراب ليعلمه كيف يدفن أخاه.

أذكر أننى كنت أقتنى ديكا ودجاجة وكنت ألحظ قصة الحب التى تربط بينهما، وعندما ذبحنا الدجاجة ظل الديك وحيدا بعد أن فقد وليفته فانقطع عن الطعام تماما، وأخذ يذوى ويذبل ثم انزوى فى أحد الأركان ورقد على جنبه، كأنه يتذكر لحظات السعادة التى كانت تجمعه بوليفته وذكرياتهما الجميلة معا، وأخذت أرقب لحظات احتضاره حتى أسلم الروح إلى بارئها وحزنت حزنا شديدا ليس لموته، ولكن لأنى فرقت بينه وبين من يحب فكانت أنظاره تتجه إلىَّ كأنها تلومنى على تلك القسوة، ومن يومها عاهدت نفسى ألا أكررها ثانية فمن لا يَرحَم لا يُرحَم.. إنها الرحمة يا سادة فارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء.
               نرمين كحيلة

ليست هناك تعليقات: