الاثنين، 25 أكتوبر 2010

الدعابة والمزاح فى حياة المسلم (الحلقة الأولى)


      يتميز العرب عموماً والشعب المصرى خصوصًا بحبهم للفكاهة والدعابة وخفة ظلهم ، ومن هنا تم اختراع شخصية جحا بكل مواقفه الساخرة الضاحكة وغيره من الشخصيات الأخرى التى أثرت الأدب العربى ثراءً كبيرا ففى كتاب البخلاء للجاحظ نجد صور ضاحكة من البخل وتصرفات البخلاء ، ولو تتبعنا تاريخ الشعب المصرى منذ قديم الزمان لوجدنا أن النكتة تلعب دورًا بارزا فى حياته حتى فى أحلك لحظات حياته ، فعندما يُحتل فإنه يسخر من محتليه ، وعندما يتعرض لظلم فإنه يسخر من ظالمه بالنكات والرسومات ، ولعل أول رسم كاريكاتيرى أنتجه الشعب المصرى كان على جدران معبد الدير البحرى للملكة حتشبسوت بعد عودتها من بلاد بونت ، حين تم تصوير زوجة ملك بونت (الصومال حاليًا) بطريقة كاريكاتيرية طريفة تبين كم أن ملكة بونت سمينة ومكتظة بالشحم واللحم لأن المصريين القدماء كانوا مشهورين بالرشاقة فهالهم منظر الملكة الممتلئة فظهر ذلك فى رسوماتهم..وكان الفرعون المصرى يعين رجلا فى بلاطه وظيفته أنه مهرج الملك ، كلما شعر الفرعون بالضيق استدعى هذا الرجل ليضحكه. وكان الفراعنة يستقدمون الأقزام من إفريقيا لنفس السبب فالمرح والدعابة لا غنى للإنسان عنه فهو يروح عن القلوب ويذهب عنها الملل والكآبة التى تعتريها من حين لآخر. 

صور من دعابة النبى والصحابة:     
     ولما جاء الإسلام هذب حب الدعابة والفكاهة فى نفوس الناس فوضع لها شروطاً وآدابًا نستطيع أن نستخلصها ونراها فى مزاح النبى صلى الله عليه وسلم مع أصحابه فهو القائل:"تبسمك فى وجه أخيك صدقة"..وقد قال: أحد الصحابة رضوان الله عليهم واصفًا الرسول عند اللقاء:"ما رأيت أكثر تبسمًا من النبى صلى الله عليه وسلم". حتى أن المرة الوحيدة التى عبس فيها النبى ولم يبتسم عاتبه الله عز وجل وأنزل سورة كاملة سماها سورة "عبس" ، وكأن التبسم والبشاشة هو منهج إسلامى رفيع ولكنه خاضع لضوابط تهذبه رغم أن المرء قد يظن أن مقام النبوة يتطلب الجدية ؛ فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال:"قالوا:"يارسول الله إنك تداعبنا ؟ قال:إنى لا أقول إلا حقاً"(رواه الترمزى).فهذا هو الشرط الأول فى المزاح أن يتحرى الصدق فيه وهذا بالطبع معناه أن اختراع النكات الكاذبة عن الصعايدة وغيرهم هو مخالفة شرعية لشروط الدعابة وأن كذبة إبريل بهدف الدعابة حرام..حتى فى أوقات الحرب والغزوات لم تكن روح الفكاهة تفارق النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه رغم ما يقتضيه الموقف من الجدية ففى إحدى الغزوات كان النبى مصطحبا مرضعته أم أيمن الحبشية فقالت له داعية:"سبتكم الله".. لأنها كانت لا تتقن العربية فضحك النبى صلى الله عليه وسلم وقال:"تقصدين ثبتكم الله" فإن استخدام السين بدلا من الثاء يعطى عكس المعنى وفى غزوة أخرى كان النبى يجالس على بن أبى طالب ويأكل معه التمر فأخذ علىّ النوى ووضعه أمام النبى وقال له مداعبا:"أأكلت كل هذا التمر يا رسول الله؟ فرد النبى مازحا:"وأنت أأكلت البلح بنواه؟" وأخذ الإثنان يضحكان.

       وعنه رضي الله عنه : أن رجلاً من أهل البادية كان إسمه زاهراً.. وكان صلى الله عليه وسلم يحبه وكان رجلاً دميماً. فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يوماً وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره فقال : من هذا ؟ أرسلني (يعنى اتركنى) فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول : من يشتري هذا العبد؟ ( وهو بلا شك عبدٌ لله (فقال : يارسول الله إذن والله تجدني كاسداً. فقال النبي : لكنك عند الله لست بكاسد . رواه أحمد وابن حيان.

    وعن يحيى بن عبدالرحمن بن حاطب قال : قالت عائشة : كان عندي رسول الله وسودة فصنعت خزيراً فجئت به فقلت لسودة : كلي فقالت : لا أحبه فقلت : والله لتأكلين أولألطخن وجهك فقالت : ما أنا بباغية ، فأخذت شيئاً من الصفحة فلطخت به وجهها ورسول الله ما بيني وبينها فخفض لها ركبتيه لتستقيد مني فتناولت من الصفحة شيئاً فمسحت به وجهي وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك في حديث أكبر من هذا
وإلى اللقاء فى الحلقة القادمة،،،،،
نرمين كحيلة

ليست هناك تعليقات: