وهناك صور عديدة من مزاح الصالحين فقد قال الربيع : دخلت على الشافعي وهو مريض فقلت : قوّى الله ضعفك ، فقال : لو قوّى ضعفي قتلني . فقلت : والله ما أردت إلا الخير . قال : أعلم أنك لو شتمتني لم تُرِد إلا الخير
ومزح الشعبي في بيته فقيل له : يا أباعمرو ، وتمزح ؟ ، قال : قرّاء داخل وقرّاء خارج ، نموت من الغم
ووقع بين الأعمش وامرأته وحشةٌ فسأل بعض أصحابه ويقال : إنه أبو حنيفه أن يصلح بينهما فقال : هذا سيدنا وشيخنا أبو محمد فلا يزهدنّك فيه عمشُ عينيه وحُموشة ساقيه وضعف ركبتيه وقَزَل رجليه وجعل يصف فقال الأعمش : قم عنا فقد ذكرت لها من عيوبي مالم تكن تعرفه .
ولكن من المحرم والمحظور الدعابة فيما يخص الله ورسله وكتبه والاستهزاء بهم فقد رأيت أمثلة عديدة لأشخاص يتندرون على الله ورسوله ولما نهيتهم عن ذلك قالوا:"إنا نمزح". فقلت لهم:إن الله ورسوله لا يصلحان مادة للمزاح والسخرية فاستنكروا.
ذكر الطبري أنه في غزوة تبوك قال بعض القوم لقراء النبي صلى الله عليه وسلم يستهزئون بهم ما رأينا مثل قرّائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب حديثاً ولا أجبن عند اللقاء ) . فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت آية في كتاب الله إلى أن تقوم الساعة :" ولئن سألتهم ليقولن إنما كنّا نخوض ونلعب ، قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون . لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم " (سورة التوبة 66،65)
قال العلاّمه ابن عثيمين رحمه الله : ( فجانب الربوبية والرسالة والوحي والدين جانبٌ محترم لا يجوز لأحدٍ أن يعبث فيه لا بإستهزاء بإضحاك ، ولا بسخرية ، فإن فعل فإنه كافر لأنه يدل على إستهانة بالله عزوجل ورسله وكتبه وشرعه وعلى من فعل هذا أن يتوب إلى الله عزوجل مما صنع ، لأن هذا من النفاق فعليه أن يتوب إلى الله ويستغفر ويصلح عمله ويجعل في قلبه خشية الله عزوجل وتعظيمه وخوفه ومحبته والله ولي التوفيق
ويجب أن لا يتضمن الأذى بأحد من الناس ، قال رسول الله "لا ضررولا ضرار" . فلا يجوز أن يؤذي الناس ولو نسب الأذى إلى المزاح
وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم:"لا يأخذن أحدكم متاع صاحبه جادًا ولا لاعبًا
وإذا وجد أحدكم عصا صاحبه فليرددها عليه(أحمد وأبو داود والترمزى)
فعلى سبيل المثال هناك صديق يريد أن يمزح مع صاحبه فيسرق منه شيئا فيتسبب له فى مشكلة أو صديق يؤلف قصة كاذبة لصديقه أو يضربه ضربا مبرحا أو ينتحل شخصية أخرى بغرض الدعابة فيروعه وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم :"لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا"
وهذا يدلنا على أن المزاح لا يجب أن يتضمن
وهذا يدلنا على أن المزاح لا يجب أن يتضمن
كذباً أو غيبة أو فحشاً ويجب أن يكون مزاحًا لطيفًا رقيقا وليس مزاحا ثقيلا سخيفا فمثلا برنامج الكاميرا الخفية الذى يهدف إلى السخرية من الناس وإضحاك غيرهم عليهم من خلال ترويعهم والكذب عليهم يعتبر حرام شرعا والأفلام التى تمزج الكوميديا والضحك بالفاحشة فتجعل المشاهد يضحك ويشعر بالسعادة بينما يشاهد بطل الفيلم يزنى مع البطلة فاستطاع المخرج بخبث شديد وبالتدريج صرف ذهن المشاهد عن مدى شناعة هذه الفاحشة عن طريق صبها فى قالب كوميدى
ونجد سيدنا موسى عليه السلام حين أمر قومه أن يذبحوا بقرة قالوا له:"أتتخذنا هزوا" فقال لهم :"أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين".إذن الاستهزاء بالناس واالضحك عليهم هو نوع من الجهل لا ينبغى للمسلم الوقوع فيه
كما أنه لا يجب أن يفرط في المزاح عن الحد المعقول : جاء في تعليقات عون المعبود : كان النبي صلى الله عليه وسلم يداعب أصحابه ولا يقول إلا حقاً . وأخرج الترمذي من حديث ابن عباس رفعه : لا تمار أخاك ولا تمازحه ، الحديث . والجمع بينهما أن المنهي عنه ما فيه إفراط أو مداومة عليه لما فيه من الشغل عن ذكر الله . وأتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله احملني قال النبي صلى الله عليه وسلم : إنا حاملوك على ولد ناقة ، قال : وما أصنع بولد الناقة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وهل تلد الإبل إلا النوق) . رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني). وجاءت امرأة إلى النبى وقالت له: ادعو الله لى أن أدخل الجنة. فقال:لا يدخل الجنة عجوز. فبكت فقال لها ضاحكا: أن الله سبحانه وتعالى سيجعل سن أهل الجنة لا يتجاوز الثالثة والثلاثين أى سن الشباب. وقد قال الله تعالى:" وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَءَايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ " وقد ورد فى كتاب التوحيد شرح الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ باب من هزل بشئ فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآية نص في أن المستهزئ بالله، وبالرسول، وبآيات الله -جل وعلا-، والمقصود بها آيات الله -جل وعلا- الشرعية، يعني القرآن، أن هذا المستهزئ كافر، وأنه لا ينفعه اعتذاره بأنه كان في هزل ولعب، بل هو كافر؛ لأن تعظيم الله -جل وعلا- وتوحيده يوجب عليه ألا يستهزئ، إذن قوله:
واليوم هناك نوعان من الناس أحدهما عابس متجهم والآخر ساخر متهكم فالعابس يدعى أن الإسلام دين الجدية والوقار والضاحك يدعى أن الاسلام دين السماحة والدعابة والحقيقة أن الإسلام دين الوسطية بين هذا وذاك فقد قال النبى إن كثرة الضحك تميت القلب فلا ينبغى للمسلم أن يقضى ليله ونهاره فى الضحك والمداعبة والفكاهة حيث مر النبى على قوم يضحكون فقال:" لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكتيم كثيرا" وفى الوقت نفسه لا ينبغى أن يقضى يومه كله متجهما عابسا بل يكون متوازنا بين هذا وذاك.
نرمين كحيلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق