هل الاحتفال برأس السنة الميلادية بدعة ؟ هذا هو السؤال الذى يتردد على ألسنة كثير من الناس. البعض يؤكده والآخر ينفيه ، ولكن بين هؤلاء وهؤلاء أين الحقيقة ؟ الإجابة نعرفها إذا عرفنا أولا ً ما هى البدعة ؟ فالبدعة كما ورد فى الحديث الشريف هى كل مستحدثة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار..فالذين يقولون مثلا ً أن الاحتفال بعيد الأم بدعة يكون معنى كلامهم أن تكريم الأم وإسعادها وإحضار الهدايا لها يكون ضلالة ولذلك فإن كل محتفل بأمه فى ذلك اليوم سيدخل النار. والذين يقولون أن الاحتفال بعيد الميلاد بدعة فمعنى هذا أن كل محتفل بعيد ميلاده يكون قد ارتكب معصية وضلالة ومصيره إلى النار. والذين يقولون أن قائل كلمة حرما ً بدلا ً من تقبل الله بعد الصلاة بدعة إنما يقصدون أن مأواه جهنم وبئس المصير. فهل هذا يعقل؟ إن الأم مكرمة فى الإسلام أيما تكريم ولو كان الرسول بيننا الآن وعرضت عليه فكرة الاحتفال بالأم لاستحسنها وشجعها لأنها تتوافق مع ما أمر به الإسلام وكذلك الذى يدعو لأخيه بعد الصلاة أن يزور الحرم لماذا يأثم ؟ إن النبى صلى الله عليه وسلم لم يدعو بهذا الدعاء لأنه ببساطة كان فى الحرم أما نحن فغاية أمنيتنا فى بلادنا البعيدة أن نزور الحرم فما الحرام فى ذلك ؟ إنما قال الرسول (ص) تقبل الله ليضرب لنا مثلا ً فى نوعية الأدعية الممكنة بعد الصلاة لا أن يحرم أى دعاء سواه..أما الاحتفال بعيد الميلاد فقد احتفل النبى (ص) نفسه بعيد ميلاده حيث سئل لماذا يصوم يوم الاثنين فقال :"ذلك يوم ولدت فيه". أليس الصيام هو نوع من الاحتفال ؟ ولكن لأنه لم يوجد فى أيامهم التورتة والجاتوه والشموع ولمقام النبوة فقد اختار أن يكون الاحتفال من خلال الصيام. كما أن أبا لهب الكافر قد احتفل بميلاد ابن أخيه محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فيوم ولد أعتق جاريته وذبح الذبائح ولذلك فإن الله عز وجل يخفف عنه العذاب فى ذلك اليوم لأنه فرح بميلاد النبى (ص) وطالما أن الاحتفال لا يتم بمعصية الله فليس حراما ً. وقد قال صلى الله عليه وسلم:"من سن سنة حسنة فى الاسلام فله أجرها وأجر كل من عمل بها". يعنى مثلا ً أذان الفجر أضاف إليه سيدنا بلال – مؤذن الرسول – جملة:"الصلاة خير من النوم" لأنه يعلم أن معظم الناس فى ذلك الوقت نيام وفعل ذلك دون الرجوع إلى النبى (ص) أو استشارته وأقرها عليه السلام وظلت تقال إلى يومنا هذا ولم يقل أحد ان سيدنا بلال قد ابتدع أو أتى بدعة وأيضا ً رأى رسول الله (ص) رؤيا أن بلالا ً يسبقه إلى الجنة فسأل عن ذلك فقيل له أن بلالا ً كلما توضأ صلى ركعتين ولم يقل له الرسول (ص) أن هذه الصلاة بدعة والرجل الذى كان يقف خلفه صلى الله عليه وسلم وسمعه يقول بعد القيام من الركوع:"الحمد لله حمدا ً كثيرا ً طيبا ًمباركا ً فيه" فسأل عن قائل تلك العبارة فقال رجل:"أنا يارسول الله" فقال له:"رأيت بضعا ً وثلاثين ملكا ً يبتدرونها أيهم يكتبها قبل الآخر" ، ولم يقل له أنت قلت بدعة فى الصلاة. فطالما أننا نسن سنة حسنة ولا ننسبها للرسول فليست بدعة ، أما البدعة فهى الشئ الذى ليس من الشرع يعنى مثلا ً لو توضأ رجل بلبن بدلا ًمن الماء فهذا بدعة أو لو صلى رجل الظهر ركعتان بدلا ً من أربع فهذا بدعة. أو لو صمنا فى شهر مارس بدلا من رمضان فهذه بدعة. ونعود إلى سؤالنا الأول هل الاحتفال برأس السنة بدعة ؟ إن كيفية الاحتفال هى التى ستحدد الاجابة فمثلا ً هناك من يقضون تلك الليلة فى الملاهى الليلية ساهرين حتى مطلع الفجر فى الرقص ومعاقرة المسكرات وارتكاب كل أنواع الفواحش والكبائر وعندما ينتصف الليل يقبِّل كل رجل من يراقصها كعادة متبعة فى ذلك اليوم فضلا ًعن تكسير الزجاج فى الشوارع مما يعرض امرأة أو طفل أو حتى حيوان للإيذاء كأنهم يقولون لله عز وجل:"سنعصيك خلال هذا العام" فأين الحياء من الله ؟ بدلا ً من أن نشكره على أن وهبنا فرصة للحياة ومد فى أعمارنا حتى نعبده ! إن فى تلك اللحظة التى يرقص فيها هؤلاء ويتجرعون كؤوس الخمر هناك أخوة لهم يرقصون مذبوحين من الألم ويتجرعون كؤوس الاحتلال والتشرد والمجاعة والفقر والزلازل فى فلسطين والعراق وأفغانستان وباكستان ، وأظن أنه لا شئ يجعلنا نرقص ونغنى فالأولى أن نخجل من أنفسنا على تفريطنا فى حق أوطاننا وديننا. عام مضى على بلادنا العربية وأمتنا الإسلامية وهى منكوبة بذل الاحتلال وغيره من الأحداث التى يندى لها الجبين ورحم الله صلاح الدين حين قال:"كيف أضحك والقدس أسير؟ إن الاحتفال بليلة رأس السنة عادة وثنية قديمة حيث تحكى أسطورة الخلق العراقية أن صراعا ً ما حدث بين الآلهة كان من نتيجته خلق الكون وكان على الملك والكهنة تمثيل دور الآلهة كل عام وإلا تهدد الكون بالفناء...لقد كان الإيمان بتلك الأسطورة السبب فى ظهور ما يعرف باحتفال رأس السنة الذى ظل يقام سنويا ً فى وادى الرافدين إلى قرون متأخرة جدا ًمن تاريخ الحضارة البابلية. وإذا كان الأمر كذلك فكيف نحول نحن الآن هذا الاحتفال الوثنى إلى احتفال شرعى ؟ إننا كمسلمون من حقنا أن نحتفل بميلاد المسيح عليه السلام كما يحتفل به الأخوة المسيحيون على اعتبار أننا نؤمن بذلك النبى الكريم كما نؤمن بمحمد (ص) قياسا ًعلى ما فعله الرسول (ص) عندما وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء (وهو يوم خروجهم من مصر ونجاتهم من فرعون وهو عيد الفصح عند اليهود) فقال للصحابة رضوان الله عليهم:"نحن أولى بموسى منهم" ولكنه أمرهم بمخالفتهم بأن يصوموا تاسوعاء وعاشوراء (أى اليوم التاسع من محرم). ولكن كيف يكون الاحتفال ؟ بالطبع إننا نرفض أن نحيط ميلاد عيسى عليه السلام بكل هذه البدع والمنكرات (مثلما نرفض البدع التى تحيط بمولد محمد عليه السلام). إن الاحتفال يكون بأن نقف مع أنفسنا وقفة ونراجع حساباتنا خلال العام ومن الممكن أن نصوم هذا اليوم لله وأن نقرأ سورة مريم وآل عمران ونتذكر مدى المعاناة التى صاحبت ولادته وقصة السيدة العذراء مع قومها ، وندعو الله من صميم قلوبنا أن يحرر مسقط رأس المسيح من الاحتلال.
نرمين كحيلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق