ولا ننسى أن كعب بن زهير - االصحابى الجليل استهل قصيدته فى مدح النبى عليه السلام ببيت شعر يصف فيه لوعته فى فراق حبيبته سعاد فقال: بانت سعاد فقلبى اليوم متبول ، يعنى لو كان الحب حرام كان النبى صلى الله عليه وسلم قال له: كيف تبدأ قصيدة تمدحنى بأبيات غرامية؟ ولكن النبى الكريم تركه يكتب ما يشاء مادام ذلك فى حدود الأخلاق والدين فقد سمح الاسلام بالغزل العفيف ونهى عن الغزل الفاحش الذى يصف مفاتن المحبوبة ويثير الغرائز.. إلى هذا الحد احترم الاسلام المشاعر الانسانية النبيلة بين العاشقين؟
ومن أغرب قصص الحب قصة "عروة بن حزام" مع "عفراء" ابنة عمه التى أحبها حبًا جمًا وحين طلب يدها من أبيها رفض لأنه فقير وطلب منه أن يسعى فى الأرض ليأتى بمهرها فسافر عروة إلى إيران وأحضر المال ولما عاد وجد حبيبته قد تزوجت غيره ورحلت إلى الشام فذهب إليها ليراها فأكرمه زوجها دون أن يعرفه وأحسن ضيافته أيامًا ولما علم أنه ابن عم زوجته وحبيبها القديم قال له:"بالرحب والسعة ، نشدتك الله لا تترك هذا المكان أبدًا ثم خرج وتركه مع عفراء يتحدثان وتذكرا حبهما القديم وبكى عروة لفقده حبيبته ثم نوى الرحيل فلما علم زوجها بذلك عرض عليه أن يطلقها ليتزوجها ، ولكن عروة انصرف عائدًا إلى قومه ، وكان فى الطريق كلما سقط مغشيًا عليه من شدة الحب جاءوا له بخمار عفراء فألقوه على وجهه فيفيق.. وما زال عروة يعانى من حبه حتى مات ، فشدت عفراء الرحال إلى قبره وظلت تندبه ثلاثة أيام وتبكى حتى ماتت ، فدفنت إلى جواره ، فنبتت من القبرين شجرتان ، حتى إذا طالتا التفتا ، فكان الناس يتعجبون لذلك.
ونستطيع أن نستخلص من هذه القصة أشياء كثيرة منها مثلاً: أولاً: موقف الزوج الذى علم بحب زوجته لذلك الرجل وحبه لها فتجرد من أنانيته وكاد أن يطلقها لتتزوج حبيبها ، فكان من الممكن مثلاً أن يقول لزوجته أنتِ خائنة سأقتلك وأقتله ، وهذا موقف غريب يدل على نبل شديد فمن من الرجال اليوم إذا علم أن امرأته يحبها رجل آخر فيتركها له دون أن يتهمها بالخيانة ؟ ومن من النساء تستطيع أن تتنازل عن زوجها إذا علمت أنه يحب غيرها ؟ هذا الموقف يشبه موقف المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار فكان الأنصارى يقول للمهاجر أتنازل لك عن إحدى زوجاتى فأطلقها لتتزوجها.
ثانيًا: بعد موتهما نبتت شجرتان لتحكى قصة حبهما بعد الوفاة ، ليس هذا فحسب بل تعانقتا ، كأن كل شجرة تمثل حبيب من الحبيبين ، وهذا يدل على أن الحب الحقيقى لا ينتهى بالوفاة بل يستمر.
ثالثًا: أن الحب فى معظم هذه القصص إما أن يؤدى إلى الموت أو إلى الجنون ، وأن الحبيب إذا مات فإن محبوبه يموت بعده ولا يستطيع أن يعيش بدونه. وهذا بسبب عادات المجتمع الخاطئة التى تجرم وتحرم الحب بدعوى أنه قلة أدب.
رابعًا: التزام الحبيبين بالعفة فى الحب ، فهما رغم شدة حبهما لبعضهما البعض لم يتجاوزا حدود الأدب والحياء ومراعاة الله وهو ما يجب أن يتحلى به كل عاشقين.
وهو ماحدث فى قصة "سلامة" محبوبة "القس" حيث كانت تختلى بحبيبها الذى عُرِفَ بالتقى والورع ومخافة الله ، ورغم خلوتهما إلا أنهما ما كانا يفعلان ما حرم الله ، فقد خلت به ذات مساء ، فبادرته قائلة:"أنا واللهِ أحبك" فأجابها:"وأنا واللهِ أحبك" فقالت له:"وأنا أشتهى أن أعانقك وأقبلك" فأجابها:"وأنا أشتهى مثل ذلك" فقالت له:"فما يمنعك ولا أحد معنا ؟" فقال:"يمنعنى أن أنعم بحبك فى الدنيا وأشقى به فى الآخرة فنغدو يوم القيامة من الأخلاء الأعداء الذين ذكرهم الله عزو جل فى قوله:"الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين".
وهو أيضًا ما حدث فى قصة "جميل وبثينة" حيث قيل له وهو يموت:هل تظن أنك ستنجو من عذاب الله وأنت تشبب ببثينة منذ عشرين سنة ؟ فقال أنه لم يلمسها قط إلا أنه كان يأخذ يدها فيضعها على قلبه ليستريح.
ويقول الإمام ابن حزم فى باب فضل التعفف (فى الحب) :"ومن أفضل ما يأتيه الإنسان فى حبه التعفف ، وترك ركوب المعصية والفاحشة"
ويحكى قصة شاب دعته امرأة إلى نفسها ولا ثالث لهما إلا الله فهم بها ولكنه ثاب إلى رشده وذكر الله فوضع إصبعه على السراج وقال:"يا نفس ؛ ذوقى هذا ، وأين هذا من نار جهنم ؟!" فهال المرأة ما رأت فعاودته فعاد إلى الفعلة الأولى ، فانبلج الصباح ، وسبابته قد التهمتها النار."
نرمين كحيلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق