الاثنين، 25 أكتوبر 2010

أطفالنا وأطفالهم

    طالما سألت نفسى سؤالا: لماذا أطفالنا فى هذا العصر لا يفقهون شيئا إلا عن أخبار اللعب والبلاى ستيشن والفسح والمصيف وأنواع الملاهى والحلويات ، ولماذا الأطفال فى الماضى كانوا أكثر اتزانا وتعقلا وإيمانا ؟؟ لماذا طفل اليوم مدلل بينما طفل الأمس تم تربيته ليصبح رجلا ؟ 
    جاءتنى الإجابة حين قرأت سير العظماء والصالحين وكيف كانوا فى طفولتهم..فطفل اليوم ليس له هدف إلا إشباع طلباته ورغباته أما طفل الأمس فكان هدفه نصرة الإسلام والدفاع عن المسلمين ، ولنرى أمثلة لهذه القصص حتى نعلم كم انحدرنا ولماذا انهزمت أمتنا هزائم متوالية.. حتى الفراعنة كانوا لايدللون أولادهم بهذا الشكل فهم الذين قالوا :"أذن الصبى فى ظهره فهو يسمع ويطيع إذا ما ألهب ظهره " ومن لم يطيع معلمه كانوا يذهبون به إلى المعبد لمدة ثلاثة شهور (كالمسجون) عقابا له ، لايرى أمه ولاأبوه ولا أسرته حتى يتمرن على القراءة والكتابة. وكانوا لا يفعلون ذلك لأنهم غلاظ القلوب شداد الأكباد بل بالعكس هم كانوا يحبون أبناءهم حبا جمًا ويظهر هذا فى الصور والتماثيل والنقوش لكن المصريين يريدون أن يربوا رجالا ينهضون بالأمة وهذا ما حدث فقد أنجبوا لنا بناة الأهرام الذين خلفوا لنا هذه الحضارة الرائعة.وكان الأب يقول لولده أن حب الإله هو أهم شئ فى حياته.
       مرَّ الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه بعبد الله بن الزبير ، وهو صبى يلعب مع الصبيان ، ففر الصبيان ، ووقف هو مكانه. فقال له عمر:مالك لم تفر مع أصحابك ؟ قال عبد الله: يا أمير المؤمنين: لم تكن الطريق ضيقة ، فأوسع لك ، ولم أرتكب خطأ ، فأخاف منك. هذا الصحابى هو الذى مات شهيدا بعد ذلك فى عهد الحجاج بن يوسف الثقفى وقد رأته أمه السيدة أسماء بنت أبى بكر يرتدى واقيا للحرب فقالت له: أنا لم أربك لتكون جبانا لا بد أن تواجه عدوك ولما قال لها أنه يخشى أن يصلبوه بعد أن يقتلوه قالت له: وهل يضير الشاه سلخها بعد ذبحها ؟ ولما خرج صلبه الحجاج. فجاءت أمه أسماء بنت أبي بكر وكانت عجوزًا مكفوفة البصر، فقالت للحجاج: أما آن لهذا الراكب أن ينـزل (تقصد عبد الله المصلوب)؟ فأنزله، فغسله المسلمون ودفنوه -رضي الله عنه-.
      دخل على عمر بن عبد العزيز فى مبدأ ولايته ، وفود المهنئين ، فتقدم وفد الحجاز بين يديه ، فقام من بينهم غلام لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره ، وأراد أن يتكلم عن قومه ، فقال عمر: اجلس أنت يا غلام ، وليتكلم من هو أكبر منك سنا. فقال الغلام: أيدك الله يا أمير المؤمنين ، المرء بأصغريه: قلبه ولسانه ، فإذا منح الله العبد لسانا لافظا ، وقلبا حافظا ، فقد استحق الكلام ، ولو كان الأمر بالسن يا أمير المؤمنين ، لكان فى الأمة من هو أحق منك بالخلافة. فسُر عمر من جوابه ، وسمع منه مطالب قومه ، وقضى حوائجهم.

     هذا الطفل لو كان يعيش فى عصرنا الحالى وطُلب منه أن يتكلم ما استطاع أن يتحدث بهذه البلاغة والشجاعة والأدب ، فالملاحظ أن كلامه فيه كثير من التعقل والحكمة فهو مثلا لم تدفعه جرأته وشجاعته إلى سوء الأدب مع أمير المؤمنين بل خاطبه بكل أدب وأقنعه بالحجة والمنطق أنه قادر على الكلام حتى أن منطقه غلب منطق عمر ومن هم أكبر منه سنا.
     بل إن عمر بن عبد العزيز نفسه حين كان طفلا صغيرا وقف ذات يوم أمام المرآه يمشط  شعره المنسدل على كتفه فأخره هذا عن صلاة الجماعة ، ولما سأله أبوه عن سبب تأخيره قال أنه كان يمشط شعره فما كان من أبيه إلا أن قص له شعره الذى يلهيه عن ذكر الله.

    هذه القصة لو حدثت اليوم لقال الأب أن ابنه معذور فهو ما يزال طفلا ومن حقه أن يلعب ويمرح كبقية الأطفال ، وسيقول لنفسه المثل الدارج:"عيل وغلط" لكن تصرف الأب جعل هذا الطفل يصير فيما بعد خامس الخلفاء الراشدين الذى حكم الدولة الإسلامية بالعدل.

     ونجد صلاح الدين الأيوبى محرر بيت المقدس من الصليبيين ، كان طفلا كان يلعب مع أصحابه ، ولما رأته أمه ذات يوم نهرته وجذبته من قميصه وقالت له:" أنا ما ولدتك للعب بل ولدتك لتحرير بيت المقدس " وعندما كان ينام عن صلاة الفجر كان أبوه يوكزه بالعصا حتى يوقظه ثم يأخذه معه ليصلى. واليوم إذا نام طفل عن الصلاة فإن أباه لا يهتم ويقول: لايهم إنه ما زال صغيرا.

     أما قصة مقتل أبى جهل فإنها حقا مثيرة للحسرة فقد قالت إحدى الأمهات لولديها قبيل معركة بدر: إن لم تقتلا أبا جهل فلا تعودان إلى هذا البيت. فخرج الولدان وطلبا من النبى صلى الله عليه وسلم أن يعطيهما سيفين فأشفق النبى عليهما فأصرا فأعطاهما سيفا أكبر منهما كان يجرجر على الأرض فوضعا خطة لمقتل أبى جهل أحدهما يبتر أرجل الحصان الذى يركبه والآخر يقتله عندما يقع على الأرض ..عن عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه قال (بينما أنا واقف في الصف يوم بدر ،نظرت عن يميني وعن شمالي ،فإذا بغلامين من الأنصار حديثي السن فغمزني أحدهما فقال :ياعم هل تعرف أبا جهل ؟قال :نعم وما حاجتك إليه ياابن أخي ؟قال :أخبرت أنه يسب الرسول ،والذي نفسي بيده لئن رأيته لايفرق سوادي سواده ،حتى يموت الأعجل منا ،قال :فتعجبت لذلك ،فغمزني الآخر فقال مثل ذلك .قال :فلما رأيته قلت لهما :هذا صاحبكما الذي تسألان عنه ،فأبتدراه بسيفهما حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخبراه ،فقال :أيكما قتله ،فقال كل واحد منهما :أنا قتلته فقال الرسول (هل مسحتما سيفيكما ؟)قالا :لا ،فنظر في السيفين فقال (كلاكما قتله). والغلامين هما :-
(معاذ بن عمرو بن الجموح ،ومعوذ بن عفراء ) وقال الرسول- صلى الله عليه وسلم- (من ينظر ماذا صنع أبو جهل فانطلق ابن مسعود وقال :أدركت أبا جهل صريعا وفيه بقية من رمق فقلت :أي عدو الله قد أخزاك الله ؟قال وبما أخزاني قتلتموني ومعي سيفي ،فوقفت فوق صدره فقال :أي رويع الغنم لقد أرتقيت مطلعا صعبا ،فجعلت أضربه ولايؤثر فيه شيء ومعه سيف جيد ،فضربت يده فوقع السيف فأخذته ثم كشفت المغفر عن رأسه فضربت عنقه ثم أتيت النبي فأخبرته فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -(انطلق )فانطلقت معه فأريته ،فلما وقف عليه الرسول- صلى الله عليه وسلم- قال :هذا فرعون هذه الأمة.

     وفى الأندلس مرَّ رجل إسبانى بطفل يجلس تحت شجرة فقال له: لماذا لا تلعب فقال: وهل خلقنا للعب ؟ فعرف الرجل أن الإسبان لا يستطيعون أخذ الأندلس من يد المسلمين طالما أن أطفالهم هكذا..وبعد سنين طويلة وجد الرجل الإسبانى شاب يبكى تحت شجرة فسأله فعرف أن حبيبته هجرته ، فعلم أن هذا هو الوقت المناسب لانتزاع الأندلس من أيدى المسلمين.

    وقصة غلام أصحاب الأخدود المذكورة فى صورة البروج معروفة فقد كان هذا الغلام صغير السن ولكنه ضحى بحياته من أجل نصرة دين الله حين طلب من الملك أن يقتله شريطة أن يقول باسم الله رب الغلام وكان ذلك سببا فى إسلام كثير من الناس الذين حفر لهم الملك أخدودًا عظيما وحرقهم فيه..والغريب أن أمه فرحت به وكانت من بين أصحاب الأخدود..من من الغلمان اليوم يضحى بحياته من أجل الله أو على الأقل حتى يضحى بوقته أو نومه أو رغبته فى اللعب واللهو من أجل الله ؟ ومن من الأمهات تشجع ابنها على التضحية فى سبيل الله ؟  
    وقصة أهل الكهف يذكر الله عزوجل أنهم كانوا فتية يعنى فى سن المراهقة أى أقل من عشرين عامًا ، ومع ذلك يفكرون فى نصرة دين الله والفرار بدينهم من بطش الملك لذا استحقوا تكريم الله وتخليد ذكرهم فى قرآن يتلى إلى يوم القيامة.فهو يثنى عليهم ويقول:"إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى"(الكهف) وسمى سورة كاملة باسم الكهف الذى آووا إليه.أما الفتيان فى هذه الأيام فكل اهتمامهم هو كيف يرتدون الجينز الساقط وكيف يصاحبون البنات ويترددون على الديسكو ؟
    
     أما هذه القصة فقد حدثت أثناء غزو التتار لبلاد الشام ومصر حيث كان خطرهم يهدد بلاد المسلمين وكان لابد من تكاتف المسلمين فى كل البلاد لطردهم حتى النساء والأطفال..فقصت إحدى الأمهات ضفيرتها الطويلة الذهبية أى أنها ضحت بأعز ما تملك ؛ أنوثتها وجمالها فى سبيل الإسلام ثم أعطت الضفيرة لقائد الجيش ليستخدمه لجامًا فى قتاله ضد التتار ، وجاء صبى صغير ودعا الله قائلا : يارب إنى أريد أن أستشهد فى سبيلك فتتخطفنى الطير فأحشر يوم القيامة هكذا فتسألنى  لم فعلت هذا بنفسك فأقول لأجلك يارب. وذهب الولد وطلب من قائد الجيش أن يحارب معه فأبى لصغر سنه فأصر الولد فحارب واستشهد ، وهو فى النزع الأخير قال للقائد:"اذهب إلى أمى واقرئها منى السلام ، فقال القائد ومن أمك ؟ فقال: أمى هى صاحبة الضفيرة.
ولما لفظ أنفاسه الأخيرة دفنوه فإذا بالأرض تلفظه فعادوا فى اليوم الثانى ليعيدوا دفنه فلفظته الأرض وللمرة الثالثة يدفنوه وتلفظه الأرض فذهب القائد إلى أمه يستفسر عن ذلك فقصت عليه القصة ولما عاد القائد وجد الطير تتخطفه.
من من الأمهات اليوم تسمح لولدها الصغير أن يجاهد فى سبيل الله ويقتل؟ 
     كان النبى صلى الله عليه وسلم ذات يوم يجلس صبى إلى يمينه ولما أراد النبى أن يشرب جلسائه قال له: أتسمح أن أبدأ بالكبار ؟ فقال الولد :والله لا أعطى نصيبى منك لأحد. هذا هو الذكاء وحسن التصرف فمن من الأولاد الآن يفكر بهذا المنطق ؟ بل إننا لو سألنا صبى اليوم هذا السؤال سوف يضحك ويخجل ولا يرد. 

     من من الأمهات اليوم تقول لولدها : اذهب وانصر الإسلام ولا تعود إلا والاسلام عزيز؟ ، ومن من الآباء يقول لولده لا تنم عن صلاة الفجر ويعاقبه إذا لم يصلى .
فالأب يجب أن يجرى مسابقة بين أولاده ويقول لهم كل يوم: أيكم اليوم يقدم خدمة للإسلام ومن يتفوق على الآخر فى هذا الأمر أكافئه.
هل من أب اليوم يقول لأبنائه: لن نخرج اليوم للفسحة حزنا على سب الرسول صلى أو كلنا سنخاصم فلان ولا نكلمه حزنا على فقدان أحد الأبناء صلاة العصر أو الظهر أو لن نتعشى اليوم فى النادى تضامنا مع أهل فلسطين الجوعى. بل إن أول كلمة يجب أن يتعلمها الطفل ليست كلمة بابا أو ماما بل كلمة الله. لا بد أن يتشرب أبناءنا حب الله ورسوله منذ الصغر حتى يتغلغل الدين فى دمائهم وعروقهم ويصبح أغلى عليهم من أنفسهم وأرواحهم وحياتهم. فنحن نربى أطفالا بلهاء أما هم فكانوا يربون أطفالا أبطال.
                                                                                      نرمين كحيلة


ليست هناك تعليقات: