فالأصل فى الإسلام أن المسلم لا يكره الظالم ولكن يكره أفعاله حتى إذا انتهت هذه الأفعال فإننا نعود إلى حبه ، نحن لا نكره العاصى ولكن نكره معصيته وبدلا من أن ندعو عليه ندعو له بالهداية. مثلما فعلت السيدة رابعة العدوية حين دخل عليها لص ليسرق ، هى لم تغضب منه ولم تعاتبه ولم تبلغ عنه الشرطة لأن قلبها كان عامرًا بحب الله فلم يترك مكانًا لكراهية أحد بل دعت له الله بالهداية والتوبة فتاب الرجل على يديها وبعد أن دخل عندها سارقًا خرج من عندها تائبًا صالحًا..هذا هو شعور المؤمن وسلوكه الذى نستطيع أن نقيس به صدق إيماننا. ويكفى أن نذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال :"من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا الرجل" فأراد أحد الصحابة أن يعرف ماذا يفعل هذا الرجل ليستحق دخول الجنة فبات عنده ليلة فلم يجده يصوم أو يصلى أكثر من الفرائض فتعجب وسأله فقال له أنه ينام وليس فى قلبه ذرة حقد أو غل أو كراهية لأحد...
والإمام أحمد بن حنبل شتمه رجل ذات يوم بينما كان يمشى فى الشارع ثم جاء فى اليوم التالى يعتذر له ويطلب منه أن يسامحه فقال له الإمام: منذ أن تركتنى وأنا أدعو لك بالهداية..إذن استجاب الله دعاءه وهداه وهكذا استفاد الاثنان الأول كفاه الله شر الرجل حتى لا يؤذيه مرة أخرى والثانى اهتدى فنفع نفسه ودخل الجنة أليس هذا أفضل من أن يدعو عليه أن يخسف الله به الأرض مثلا أو غير ذلك من أساليب الدعاء؟ وحين جلده الجلاد بأمر الخليفة حتى تقطع لحمه وأغمى عليه وعانى آلامًا شديدة أقعدته عن الحركة ولم يستطع أن ينام على ظهره من شدة الألم لكن بمجرد أن طلب منه جلاده العفو سامحه فورًا دون تردد..وحين ذهب الخليفة المعتصم لانقاذ المرأة التى قالت : وا معتصماه قالوا له: أتعفو عنه بعد كل ما فعل بك ؟ قال: يكفى أنه نصر الاسلام والمسلمين .. ما هذا القلب الطاهر النقى الذى لا يحمل غلاً لأحد. وكذلك الإمام مالك حين عفا عن جلاده والخليفة الآمر بجلده رغم أن كتفه انخلع ولم يعد يستطع الصلاة إلا وذراعيه فى جنبيه.
والسيدة عائشة رضى الله عنها عفت عن حسان بن ثابت الذى خاض فى عرضها وشرفها وكانت تتكلم عنه بمنتهى التسامح فقيل لها: كيف تمدحينه وقد قال عنك كذا ؟ فتقول: يكفى أنه شاعر الرسول وناصره بشعره. إن من بين أدعية القرآن:ربنا لا تجعل فى قلوبنا غلا للذين آمنوا" وأول شئ يفعله الله بأهل الجنة هو"ونزعنا ما فى صدورهم من غل إخوان على سرر متقابلين ". حتى سيدنا نوح عليه السلام حين دعا على قومه لم يكن هذا بدافع كراهيته لقومه وحب الانتقام ولكن لأنه خشى أن يضلوا المؤمنين ويفتنوننهم عن دينهم :"رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك"
وحتى قطز قاهر التتار سامح بيبرس حين قتله وقال:"قتلنى بيبرس وقد سامحته وأمر الناس أن يسمعوا له ويطيعوا من بعده وقال له أنه كان ينوى التنازل له عن العرش ..ما هذا القلب الصافى ؟ يعفو عن قاتله ويتمنى له التوفيق فى منصبه الذى انتزعه منه بل ويأمر الناس بطاعته ؟! وبيبرس يندم على قتله ويحتفظ بقميصه ويشمه ويبكى كلما تذكره ؟ هذه هى نتيجة التسامح كما أنه لم يقتله إلا بعد الانتصار على التتار وبعد انتهاء المعركة حتى لا ينهزم المسلمون أمام التتار. ما هذه الأخلاق الكريمة حتى فى القتل. إن جرائم الأمس كان يشوبها شئ من الأخلاق والرحمة أما اليوم فالجرائم تمتاز بأنها بشعة وخالية من الرحمة وتمتلى بالحقد والتشفى..وحتى الإمام على رضى الله عنه حين قتل لم يكره قاتله بل أوصى أصحابه عليه وأمرهم ألا يمثلوا بجثته..
وقصة الرسول صلى الله عليه وسلم مع أهل مكة حين جاء فاتحًا فقال لهم:"ما تظنون أنى فاعل بكم فقالوا :"أخ كريم وابن أخ كريم" فقال:"اذهبوا فأنتم الطلقاء".. بعد كل هذا العذاب الذى عذبوه له والإيذاء البدنى والنفسى سنوات طويلة له ولأسرته وأتباعه يعفو هكذا بلا مقابل وبهذه البساطة والسهولة ؟!. وسيدنا أبو بكر الصديق حين قرر معاقبة الرجل الذى خاض فى عرض ابنته وقطع المعونة عنه فنزلت الآية تنهاه عن ذلك وتطالبه بالصفح والعفو بل والعودة إلى الإحسان إليه؟
نرمين كحيلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق