الاثنين، 25 أكتوبر 2010

مفهوم الحب فى الإسلام (الحلقة الأولى)

    هل يعترف الإسلام بالحب ؟ هذا هو السؤال الذى حير كثير من الناس ، فالبعض يرى أن مجرد التفكير فى الحب يعتبر إثمًا مبينًا ، ولكننا إذا تمعنا فى الدين فسنجد أنه دين الحب فلابد أن نحب الله سبحانه وتعالى أولا ثم نحب رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ثم نحب والدينا وإخوتنا فى الدين ، أما حب الرجل للمرأة والمرأة للرجل فلم يحرمه الإسلام لكنه وضع له ضوابط وشروط .. ونستطيع أن نستنتج ذلك من سير الأنبياء والصالحين فمثلا الرسول صلى الله عليه وسلم نشأت قصة حب عفيفة بينه وبين السيدة خديجة رضى الله عنها وأرضاها ، استمرت حتى بعد الوفاة ، حين كان يطرق الباب طارق فيقول:"اللهم اجعل الطارق هالة أخت خديجة" فيكون كما قال.. وحين كان يذبح الشاة فيوزعها على صاحبات خديجة وحين كان يذكرها دائمًا بكل خير ويتذكر أيامه الجميلة معها.. ثم نشأت قصة حب بينه وبين السيدة عائشة رضى الله عنها حين كان يشرب من نفس الإناء الذى تشرب منه ومن المكان الذى لامس فاها ، وحين كان يغتسل معها فى إناء واحد.

     وقد قيل للنبى صلى الله عليه وسلم ذات يوم أن رجلا ًيحب امرأة وهى تبادله الحب فقال:"لا أرى للمتحابين إلا النكاح".. ومعنى ذلك أنه قد أقر ذلك الحب ولم ينكره فلم يقل مثلا ًكيف يحب أحد من أمتى ؟ إن هذا حرام فى الإسلام! لابد أن يفترقا فورًا" بل كان معنى كلامه أن يتوج هذا الحب بالزواج كى يظل المحبوبان معًا إلى الأبد ، أى أنه فكر فى طريقة سليمة وشرعية لكى يحافظ على ذلك الحب ويقويه.. وعندما سأله أب عن رجلين تقدما للزواج من ابنته أحدهما فقير والآخر غنى فقال له:وهواها مع من ؟ فقال:مع الفقير..فقال النبى:"إذن زوجها له". أى أن أهم ما كان يشغل النبى صلى الله عليه وسلم فى هذه القضية قبل أن يفتى الرجل هو قلب هذه الفتاة إلى أين يتجه ؟ ومن تحب ؟ وقد فضل الحب على الغنى فكان بإمكانه مثلا ًأن يقول :زوجها لمن ترى أنت بنظرتك كأب مصلحتها فيه.. ولكنه على العكس تمامًا رأى أن الحب عاطفة نبيلة لا يمكن إغفالها بل يجب مساندتها وتشجيعها مادامت ليس فيها إثمًا.
حب الأنبياء:
    وقد أحبت ابنة شعيب عليه السلام سيدنا موسى عليه السلام وأرادت أن تتزوجه عندما قالت لأبيها بطريق غير مباشر:"يا أبتِ استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين" ففهم الأب أن ابنته تحب هذا الرجل وزوجه لها ولم ينكر عليها ذلك الحب ولم يقل لها كيف تجرئين على أن تحبى رجلا ً؟ وهذا بعكس عادة العرب فى الجاهلية إذ كانوا لا يزوجون بناتهم لمن تهوى قلوبهن ولمن هام بهن عشقًا ونظم فيهن شعرًا خوفًا من أن يقال أنها قد مارست الفاحشة مع حبيبها ومن ذلك مثلا ًقصة مجنون ليلى حين تزوجت ليلى من آخر حتى لا يعيَّر أبوها ، ثم زواج بثينة حبيبة جميل ، وزواج لبنى حبيبة قيس وزواج عفراء حبيبة عروة ، وزواج عزة حبيبة كُثير وزواج ليلى معشوقة توبة ، وزواج ريا محبوبة الصمَّة ، وزواج ظريفة محبوبة مالك وزواج مية محبوبة ذو الرمة. 
   تشخيص الحب:
 ومن الطريف أن ابن سينا (أبو الطب البشرى) الطبيب العالم العربى المسلم هو أول من قام بتشخيص أعراض الحب حيث يروى أنه ذات مرة ذهب لعلاج مريض (قريب لأمير همذان) نزل به مرض عجيب ، لم يعرف له علاجًا جميع أطباء "همذان" فهذا المريض ملازم للصمت ، عازف عن الطعام والكلام ، حتى عن الشكوى مما يؤلمه. ولما رآه ابن سينا وجده شابًا وسيمًا ساهمًا ، شارد النظرات. لا يلتفت إلى أحد ، ولا يركز عينيه على شئ ، شاحب الوجه ، غائر الخدين من الجوع.. وجلس ابن سينا وأخذ يفحص مريضه ، يفتح فمه تارة ، وعينيه تارة، وينصت إلى نبضات قلبه الخافتة ، ويتحسس مواضع فى جسده ، قد يحس فيها المريض بألم. ورفع ابن سينا رأسه ، وقال لمن حوله:"ليس بمريضنا ألم يعانيه الجسد ، وأحسبه مريضًا بنفسه". وطلب أن يؤتى له برجل يعرف كل بلاد الإمارة البويهية ، مدنها وقراها ، فجئ له برجل تاجر ، دائم الأسفار ، فأجلسه بجانبه ، وأمسك هو ، بأصابع يسراه المعصم اليسرى للمريض ، واضعًا إبهامه على عرق النبض. وأخذ التاجر يذكر أسماء البلاد ، حتى إذا ذكر اسم بلدة بعينها ، أحس ابن سينا بنبض مريضه الشاب يشتد خفقه.
    عندئذٍ صرف ابن سينا التاجر ، وطلب رجلا ًآخر ، يكون من أهل هذه البلدة التى خفق لذكرها قلب المريض. فجئ برجل دلاَّل ، أخذ يذكر أسماء الأحياء فى هذه البلدة ، وأسماء الشوارع بها ، وعندما نطق الدلال باسم شارع بعينه ، خفق قلب الشاب خفقًا عنيفًا. فطلب ابن سينا من الدلال أن يذكر أسماء العائلات التى تقطن فى هذا الشارع ، وأسماء بناتها ، وحين ذكر الدلال اسم أسرة بعينها تسارعت ضربات قلب الشاب ، وحين نطق باسم فتاة بعينها اضطربت نبضات قلب الشاب ، وارتجفت جفونه ، ودفع الشاب بابن سينا وقد انفجر فى بكاء مرير ، وهو يخفى وجهه بكفيه.

    وابتسم ابن سينا وقال بصوت مرتفع:"مريضنا يحب هذه الفتاة التى سمعتم اسمها ، وفى رؤيته لوجهها راحته ، وفى زواجه منها شفاؤه من مرضه.. ولما أبدى الأمير دهشته من حب يوقع صاحبه فى الحمى ، والهزال ، والعزوف عن الدنيا قال له ابن سينا:"أيها الأمير. النفس لها تأثير على الجسد ، مثلما للجسد تأثير على النفس. كلاهما إن مرض يورث الآخر المرض ، وإن صح يورث الآخر الصحة. ولا أرى سبيلا ًلشفاء هذا الشاب سوى أن تجمعه بحبيبته ، فى رباط يقره الدين. وشهد ابن سينا بنفسه ليلة زفاهما.
قصص العاشقين فى التاريخ:
    ويروى عن يزيد بن عبد الملك – الخليفة الأموى – أنه كان يحب جارية له تسمى "حبابة" وقد تسلطت على عقله وقلبه ، فأصبحت المملكة طوع إرادتها ، تولى من تشاء ، فلامه أخوه وقال له:"توليت هذا الأمر (أى الخلافة) بعد عمر بن عبد العزيز وعدله ، فتشاغلت بهذه الجارية عن النظر فى أمور المسلمين فتأثر لقوله وقال:صدقت .. وهم بترك الشراب ولم يجتمع بحبابة أيامًا ، فاشتاقت هى له ، فلما كان يوم الجمعة ، قالت لبعض جواريها:"إن خرج أمير المؤمنين إلى الصلاة فاعلمينى". فلما أراد الخروج أعلمتها فتلقته والعود فى يدها وغنت:
       ألا لا تلمه اليوم أن يتلبدا                  فقد غلب المحزون أن يتجلدا
فغطى يزيد وجهه وقال:"مه لاتفعلى" ثم غنت:
    فما العيش إلا ما تلذ وتشتهى                وإن لام فيه ذو الشنآن وفندا
فلم يتمالك أن عدل إليها وقال:"صدقتِ" والله ، قبح من لامنى فيكِ.. يا غلام مُر أخى أن يصلى بالناس.. وأقام معها يشرب وتغنيه ، وذات يوم خلا هو وحبابة وأتيا بما يأكلان ويشربان ، فأكلت حبابة عنقود عنب فشرقت بحبة منه فماتت. فأقام يزيد ثلاثة أيام لا يدفنها حتى تغيرت وأنتنت ، وحتى عابه أهله ، فأذن بدفنها ، ولم يعش بعدها إلا خمسة عشر يومًا ، ومات ودفن إلى جوارها.. وهذا معناه أن الموت لا يمكن أن يفرق بين الحبيبين بل بالعكس يمكن أن يجتمعا فيه كما اجتمعا فى الحياة ، وأن الحب الحقيقى هو الذى يستمر حتى بعد الوفاة ففى هذه القصة احتفظ المحب بجثة حبيبته بعد وفاتها لأنه لم يستطع فراقها ثم لحق بها ودفن إلى جوارها.

    وإلى اللقاء فى الحلقة القادمة ،،،  
                                                                              نرمين كحيلة

ليست هناك تعليقات: