هذه الجملة هى أعجب وأقبح ما يكتب على لافتات أبواب المحلات. وقد حاولت أن أفهم سببا ً لذلك فلم أجد لذلك سند شرعى أو دينى أو حتى تجارى أواقتصادى ؛ فقد يشترى الإنسان سلعة ثم يندم على شرائها لأنه ليس فى حاجة إليها أولأى سبب من الأسباب ؛ فيحب أن يردها للبائع ويسترد ثمنها فلماذا يرفض البائع استرجاعها أو حتى استبدالها وبأى منطق ؟ إن أية دولة من دول العالم المتقدم تسمح باسترداد البضاعة واستبدالها دون أى ضجر بل إن البائع يستقبل المشترى وعلى وجهه ابتسامة عريضة ، وتتعجب حين تقرأ على ظهر الفاتورة أنك تستطيع أن ترد البضاعة المشتراة وتأخذ نقودك فى خلال شهر وإذا زادت الفترة عن شهر يكون من حقك تبديلها وأخذ كوبون بالقيمة المدفوعة ساعة الشراء لتستعمله فى أى وقت من السنة ، وأحيانا ً تستطيع الاستبدال حتى لو لم تجد الفاتورة. أما عندنا فالوضع مختلف فمن أين جاء هذا المنطق العجيب ؟ هل لأن الناس فى هذه الأيام تئن من الحالة الاقتصادية المتردية ؟ مما يجعلهم يخشون كساد تجارتهم وبضائعهم ؟ أعتقد أن هذا ليس سببا ً كافيا ً وأن السبب الحقيقى يكمن فى ضعف الإيمان وانحساره فى قلوب كثير من الناس بأن الله هو الذى يرزق فمن أسمائه الرزاق وليس أدل على ذلك من هذه القصة التى سأرويها لكم ؛ فقد ذهبت يوما ً لشراء شئ من أحد المحلات ، وعندما عدت إلى المنزل وجدتنى قد أخطأت الاختيار فعدت إلى المحل الذى اشتريت منه ورجوت البائع أن يسترد بضاعته فأبى ؛ فقلت له إنك تخالف الشرع. فقال لى بالحرف الواحد :"لو طبقت الشرع فى التجارة أخسر". فهذا الرجل وغيره يعتقد أنه لو أطاع الله فى تجارته سيخسر وأن الله لن يرزقه وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على ضعف إيمان شديد بأن الله هو الرزاق فقد تكفل سبحانه وتعالى برزقنا جميعا ً والرزاق هى صيغة مبالغة من الرازق ليؤكد لنا الله أنه هو وحده الذى يرزق وليس أحدا ً من البشر فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها " وقال أيضا ً :"والذى نفسى بيده لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا ً وتعود بطانا ً وقال تعالى :" ومن يتق ِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب " إذن هناك ربط وعلاقة بين التقوى والرزق ؛ فيا ليتنا نكون مثل نملة سليمان فى إيمانها فقد روى أن سليمان عليه السلام أتى بنملة وقال لها :" كم تأكلين فى العام ؟ " وعندما أخبرته أتى لها بالكمية التى طلبتها ووضعها فى زجاجة وبعد عام فتح الزجاجة فوجد النملة أكلت نصف الكمية فسألها عن ذلك فقالت : إن الله جل وعلا تكفل برزقها فلن ينساها أما الآن فهى محبوسة عند سليمان فخشيت أن ينساها فادخرت من طعامها.. إن رد السلعة للبائع واسترداد ثمنها فى الشريعة الإسلامية يسمى إقالة ، وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم عليها حيث قال :" من أقال نادما ً بيعته أقال الله عثرته يوم القيامة " أى أن الله ورسوله أعلم بنفسية المشترى وأن الندم الذى يشعر به بعد الشراء إحساس قاسى جدا ً لأنه دفع نقودا ً فى شئ هو فى غنى عنه فوعد الله تعالى بأنه سوف يقيل عثرة البائع يوم القيامة إذا ما أقال بيعته فى الدنيا وما أدراك ما عثرات يوم القيامة وشدتها ! منذ النفخ فى الصور وحتى المشى على الصراط والعطش الأكبر والشمس المحرقة. فيا أيها البائع اتق ِ الله واعلم أن الله هو رازقك وليس الزبائن واعلم أنك ستفتدى نفسك بمالك كله للخلاص من لحظة واحدة تقضيها فى النار يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وتذكر أن الذى سترفض أن تقيل له بيعته لن يشترى منك ثانية وبذلك تكون قد خسرته إلى الأبد وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رحم الله رجلا ً سمحا ً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى ".
نرمين كحيلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق