وطارت الفتاتان من الفرح والسرور لطلب الأب ودق قلب فريدة دقات عالية سريعة حتى كادت أن تسمعها كأنها دقات طبول تريد أن تعلن أن اليوم هو يوم عيد. لقد آن الأوان لكى تطوى صفحات الشقاء والتعاسة لتبدأ لحظات السعادة والهناء..وانتفضت الفتاتان من فوق مقعديهما وهما تجريان هرولة إلى دولاب ملابسهما تريد كل واحدة أن تنتقى أجمل ثوب لديها..وفتحت فريدة دولابها الذى لم يكن به غير ثياب معدودة كلها هدايا من أقاربها..واختارت ثوبًا جديدًا كان قد أهداه لها خالها منذ وقت ليس ببعيد..وخلال دقائق كانت الفتاتان متأهبتين للخروج.
ثم قفزتا جريًا على السلم ، وعندما نزلت الفتاتان وجدتا سيارة كبيرة وجميلة وقالت فريدة وابتسامة كبيرة تعلو وجنتيها: أهذه سيارتك يا أبى؟
- نعم يا حبيبتى.
- ما أجملها !!
وفتحت باب السيارة فى فرح غامر تريد أن تعلن للناس كافة أن هذا هو أبوها ونظرت من شرفة السيارة فوجدت السيارات تمشى هنا وهناك ورأت الحوانيت والمنازل العالية والأنوار المبهجة كأنها تراها لأول مرة.
أخيرًا توقفت السيارة أمام مطعم فاخر ونزل الجميع وولوا وجوههم شطر المطعم..كانت هناك قاعة واسعة ارتصت بها موائد عديدة جلس إليها كثيرون بوجوه حمراء موردة وملابس أنيقة. ودخل الأب متقدمهم إلى الأمام ومن خلفه ابنتاه تحتثيان خطواته فى ارتباك من لم يعتد ارتياد هذه الأماكن..وكان الخجل يرتسم على وجه فريدة ، ووقع الاختيار على مائدة مستديرة كانت تتوسط الموائد وأحست فريدة أن الناس تنظر إليها تريد أن تهنئها على ظهور أبيها الجديد ونظرت إليهم كما لو كانت تتلقى التهانى منهم..وبدأت موسيقى عذبة الألحان تعزف والأنوار الخافتة من حولها وأحست بنشوى غريبة لم تشعر بها من قبل وشعرت كما لو كان الناس من حولها والموسيقى والأنوار يشاركونها فرحتها بعودة أبيها ويحتفلون معها بتلك المناسبة السعيدة..وما هى إلا دقائق قليلة حتى أتى النادل (الجرسون) يسألهما فى انحناءة تنم عن أدب جم عن طلباتهم من مأكولات ومشروبات.
وجاءت الصوانى وهى تحمل حمامًا مشويًا ولحمًا محمرًا وسلطات وأشياء أخرى كثيرة مما تشتهيه الأنفس وكان الحمام يتوجه إكليل من الجرجير والخيار وخلافه..وامتدت الأيدى إلى كل الأصناف والأنواع حتى أبادتها عن آخرها ، وأدخل الأب يده فى جيبه خاوية وأخرجها وهى ممتلئة بستين جنيهًا ثمن العشاء وعشرة أخرى للجرسون كما أعطى كل بنت من بناته مائة جنيهًا فقالت له فريدة: لا يا أبى لا أريد نقودًا إن أموال العالم جميعًا لا تعوضنى عن لحظة واحدة أقضيها معك..أرجوك لا تتركنا يا أبى..هل تعدنى بذلك؟ قال الأب وهو يمسح على شعرها: نعم أعدك يا بنيتى..ثم قال: لقد كنت مخطئًا عندما تركتم وانسحبت من حياتكم لكننى لن أترككما بعد اليوم.
وغادر الجميع المكان إلى منزل الفتاتين المتواضع بعد أن وعدهما الأب أن يأخذهما معه إلى شقته بعد بضعة أيام.
وكانت عقارب الساعة تشير إلى منتصف الليل ودخلت الفتاتان حجرتهما وارتمت كل واحدة على سريرها تفكر فيما حدث تلك الليلة وتتقلب فى فراشها يهرب النوم من جفونها بعد أن حلت مكانه الفرحة..حقًا إنه يوم لا ينسى.
نرمين كحيلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق