باتت هناك ظاهرة غريبة فى مجتمعنا وهى الوقاحة والبجاحة فى المعصية ، ففى الماضى كان من يريد أن يزنى مثلا ًيتخفى تمامًا عن أعين الناس خجلا ًَمنهم ثم يختار الليل وقتًا لارتكاب المعصية حتى لا يراه أحد ، أما الآن فأصبح العاصى يجاهر بفاحشته ومعصيته بلا أدنى خجل أوخوف. فكلما سِرْتُ فى طريق وجدت فتى وفتاة يمارسان الرذيلة بلا حياء أمام أعين المارة وفى قارعة الطريق وفى وضح النهار. وعلمت لماذا قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم :" كل أمتى معافى إلا المجاهرون". لأن المجاهر يتجرأ على الله ورسوله ويشجع غيره على المعصية.
منذ قديم الأزل عرف الزنا بأنه عيب وعار ، وليس حراما فقط .. من أول عهد الفراعنة وحتى عهد العرب. ففى عهد الفراعنة كانوا يحرمون الزنا ويعتبرونه من الفواحش وكانت عقوبة الزانى والزانية فى بادئ الأمر هى الإلقاء فى النار أحياء أى الإعدام ، وكان هناك اختلاف فى العقوبة بين الزنا والاغتصاب حيث أن الزنا لو تم بالغصب أو بالعنف كان الجزاء يتمثل فى قطع الأجهزة التناسلية (العضو التناسلى) أما لو تم بدون عنف فإن الرجل الزانى كان يجلد ألف جلد والمرأة الزانية كانت تقطع أنفها. وواضح أن الحكمة من إقرار هذا العقاب أنها: بالنسبة للرجل يقصد إيلامه مقابل اللذة الآثمة (بنفس أداة الجريمة أى الجزاء من جنس العمل) ، وبالنسبة للمرأة يقصد جعلها عبرة ومحل خدش وعار دائماً ، وهكذا تحرم نهائياً من جمالها وفتنتها التى أثارت فى الرجال الانحطاط فى غرائزهم . وكان عقاب الزانى بالمتزوجة (العشيقة) هو نفس عقاب الزوجة الزانية وهو إحراقها وإلقاء رفاتهما فى النيل هى وعشيقها.
وإذا نظرنا إلى قصة سيدنا يوسف بعين فاحصة سنجد امرأة العزيز غير مصرية بل من الهكسوس لأن المصريين كانوا يبغضون الزنا بغضًا شديدًا ويشددون عقوبته كما تقدم ، فوقاحة هذه المرأة ومجاهرتها بمعصيتها بل واشتراك بقية نساء المدينة فى نفس المعصية وتشجيع امرأة العزيز عليها وتهديده بالسجن إن لم يفعل ما كانت تفعله أبدًا ملكة مصرية أو مجتمع مصرى. وبالتالى فإن شيوع الفاحشة فى مجتمعنا الآن هو أمر غريب وحديث على الشعب المصرى ، بل إن أحد السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إنى اخاف الله رب العالمين. واختار الله هاتين الصفتين بالذات لأنها لو اجتمعت فى امرأة لا يستطيع الرجل مقاومتها فالجمال مغرى لأى رجل والمنصب يجعلها تبطش به لو رفض مثل امرأة العزيز.
فالعرب مثلا ًكان الزنا عندهم عيب وعار ليس من الناحية الأخلاقية فحسب بل من ناحية أنه عندما تزنى الحرة التى من عائلة شريفة فإنها تساوى نفسها بالجارية ومثالنا على ذلك هند بنت عتبة أم معاوية بن أبى سفيان أول خلفاء الدولة الأموية عندما ذهبت بصحبة بعض النساء لتبايع الرسول صلوات الله وسلامه عليه قال لها:"تيايعننى على ألا تسرقن ولا تقتلن أولادكن ولا تزنين" فأجابت هند متعجبة:"أوتزنى الحرة ؟" أى أنه مستحيل فى عادات العرب وتقاليدهم حتى قبل الاسلام أيام الجاهلية والوثنية أن تزنى الحرة لأن مسألة الأنساب هذه كانت مسألة كبيرة عند العرب ، يعنى لا يجوز لامرأة حرة من أشراف قريش مثلا ً أن تتدنى بمنزلتها الشريفة إلى درجة الجوارى والإماء وتتساوى بهن.. ولذلك قال المثل العربى القديم:"الحرة تجوع ولا تأكل بثدييها"..أى أن الحرة تفضل الموت جوعا ًعلى أن تأتى بالمال عن طريق الدعارة أو المتاجرة بجسدها. ولذلك فإن هناك قصة تروى عن هند هذه أنها ذات يوم كانت نائمة فى دارها ، وكان من عادة زوجها كأحد أسخياء العرب ووجهائهم أن يستضيف فى بيته الناس ليأكلوا من طعامه ، وكانت الولائم تقام كل يوم ويأتى الناس زرافات ووحدانا ًليأكلوا فى داره..وتصادف فى ذلك اليوم أن هند بنت عتبة كانت نائمة فى دارها والناس فى الخارج يأكلون كعادتهم ، فانصرف الناس جميعًا إلا رجلا ً كان لم ينته من طعامه بعد ، ولما عاد زوج هند ، وجد هذا الرجل مع زوجته فى الدار فظن أنه زنى بها ، فاتهما بالزنا ، فاستقبحت أن يتهمها زوجها بهذه التهمة الشنعاء وأقسمت له أنها لم تفعل لأن هذا يحط من كرامتها كحرة من حرائر العرب وأشرافهم ، فلم يصدق ، واقترح عليها أن يذهبا إلى عراف ليسألانه فوافقت حتى تثبت براءتها له..وشدا الرحال إلى عراف كان يسكن خارج الجزيرة العربية واصطحبت معها أبيها فى تلك الرحلة ولكنها خشيت أن يكون العراف قليل العلم فلا يعلم الحقيقة أى بلغة عصرنا الحالى نصاب فقال لها أبيها:"لا تخافى فقد اختبرت العراف بأن خبأت شئ يخصنى ثم ادعيت أنه ضاع منى وسألت العراف عن مكانه فأخبرنى".. فاطمأنت هند. وتم عرض القضية على العراف الذى شهد ببراءة هند وعفتها وطهارتها ثم أخبرها أنها سوف تنجب ملكا ً، ولما خرجوا من عند العراف قال لها زوجها وهو يبتسم:"هيا بنا إلى منزلنا لكى ننجب الملك". فقالت هند والغيظ يملأها:"والله لأحرصن على أن يكون من غيرك". وأصرت على الطلاق لأنه اتهمها بشئ كانت دائمًا تشمئز منه وتعافه ثم تزوجت من أبى سفيان وأنجبت منه معاوية.
ولما جاء الإسلام أكد هذه الفكرة وشدد على تحريم الزنا وتشديد عقوبته ولم يفرق فى ذلك بين المرأة والرجل. فقد قال تعالى فى كتابه الكريم:"الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين"(النور:2). وهذه الآية الكريمة تدلنا على أن الزناة لا يستحقون الشفقة أو الرحمة أو التعاطف نظرًا لبشاعة وقذارة هذا الفعل الذى وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بالقاذورات فى حديثه الشريف وتدلنا أيضًا الآية على أهمية أن يكون العقاب علنى يشهده الجميع ليكونا عبرة لمن يعتبر فيتعظ من تسول له نفسه ذلك الفعل.وقد اشترط الإسلام فى تطبيق حد الزنا شهادة أربعة شهود ، وهو شرط يصعب (إن لم يكن مستحيلا ً) تنفيذه فعليًا إلا فى حالة واحدة عندما يخلع الزناة رداء الحياء ويتميزان بالوقاحة والجرأة ويفعلان هذا الفعل علنًا ، فكأن الله عز وجل وضع هذا الحد ليس للجريمة نفسها ولكن لجرأة الفاعلين على انتهاك تقاليد المجتمع وعاداته وآدابه ، فيصبحان قدوة سيئة لغيرهما تجرئ آخرين على انتهاج نفس النهج. وإذا تأملنا أسباب حرص الإسلام على تجنب هذه الفاحشة لوجدنا أنه حرمها للأسباب الأتية:
- أن الله جل وعلا قد كرم الإنسان وفضله على كثير من مخلوقاته ، فقد قال تعالى:"ولقد كرمنا بنى آدم........." ، ومن صور هذا التكريم أنه ميزه عن الحيوانات وأعلى شأنه بأن جعل الحيوان يتكاثر ويتناسل فى الشارع أو تحت شجرة أو على ضفاف نهر أو على الحائط – بالنسبة للحشرات- أو فى الصحراء على الرمال....إلخ. ولم يجعله يستتر عن أعين الناس ، فيستطيع أى إنسان أن يشاهد الكلب أو القط أو الذباب أو..أو..وهو يجامع وليفته. بينما الإنسان لأن الله كرمه وأعزه فقد نزهه عن أن يشاهده أحد أثناء مجامعة زوجته ، بل إن الملائكة الكاتبين أنفسهم ينصرفون أثناء ذلك اللقاء ويخرجون خارج الحجرة ولا يعودون إلا بعد الإنتهاء منه.
- أن الحيوان عندما يتزوج فإنه لا يحتفل بهذه المناسبة ولا يدعو الأصدقاء والأحباء والأقارب لحضور ذلك الحفل ولا يقيم وليمة على شرفه لضيوفه فلم نرَ أسدًا مثلا دعا رفاقه الأسود لحضور عرسه أو كلبًا رقص وغنى ليلة زفافه ولا قطا ً ضرب بالدفوف وارتدى أفخر ثيابه فى ليلة زفافه. بينما طلب الله من الإنسان أن يحتفل بتلك المناسبة وأن يعلن هذا الزواج ويدعو الأقارب والجيران لحضور عرسه بل أمره بارتداء أفضل الملابس والضرب بالدفوف والتعبير بكل وسيلة ممكنة عن فرحته بهذا اليوم. فقد ذكر البخارى فى صحيحه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن عوف:"أولم ولو بشاه". وقال أيضًا:"أعلنوا هذا النكاح ، واجعلوه فى المساجد ، واضربوا عليه بالدفوف " رواه أحمد والترمزى. وقال للسيدة عائشة رضى الله عنها بعد عودتها من زفاف امرأة يتيمة تربت فى كنفها إلى رجل من الأنصار:"يا عائشة هلا بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغنى".
- أن الحيوان لا يتكاثر بهدف تكوين أسرة واستمرار حياة زوجية أبدية قائمة على المودة والرحمة والاحترام المتبادل بين الزوجين وإنما يتزوج فقط لإرضاء غريزته واستمرار نوعه ولذا فإنه بمجرد انتهاء العملية الجنسية وحدوث الحمل لاتسمح الأنثى للذكر أن يلمسها مهما حاول لأن الهدف من المجامعة قد تم وانتهى الأمر وربما ينصرف كل منهما لا يرى الآخر ويذهب هو للبحث عن أنثى أخرى وتذهب هى للبحث عن ذكر آخر بعد الولادة ، وكل حيوان له موسم معين للتزاوج لا يتعداه. ولا يكون مطالبًا بالصرف على أبنائه ولا رعايتهم وتربيتهم. أما الإنسان فقد طالبه الله بالتأبيد والأبدية فى الزواج وحرم زواج المتعة ووضع أهدافا ً أخرى للزواج غير الغريزة ، ولم يحدد لها وقتًا ًمعينا ً وطالب الزوج بالانفاق على أبنائه وتربيتهم. كما أمر الزوج والزوجة ألا ينصرفا إلى أزواج آخرين إلا بشروط معينة نظمها ووضع ضوابطها.
- إن المرأة التى تكون لرجال كثيرين فى آن واحد يتم تشبيهها باللبؤة – أنثى الأسد- لأنها تكون لأكثر من أسد فى نفس الوقت. والرجل الذى لا يغار على زوجته يتم تشبيهه بالخنزير لأنه لا يقاتل أى خنزير آخر تعرض لوليفته ويدعها لأكثر من خنزير.
ألا ترون معى أن من يزنى يتدنى بنفسه إلى مرتبة العبيد ولو كان حرًا ثم يتدنى بنفسه أكثر وأكثر إلى مرتبة الحيوانات التى حرص الإسلام على تمييزه عليها ؟ ولكن الزانى يأبى على نفسه إلا أن يكون حيوانًا متدنيًا ويرفض تكريم الله له. فمن يزنى فى الطريق تحت شجرة أمام الناس ودون احتفال وإعلان لتلك المناسبة التى ستثمر عن مولد إنسان مكرم جديد وهو ما يستحق احتفال آخر بالعقيقة والسبوع. من يفعل ذلك هو حيوان ، مالفرق بين الزانى وبين الكلب أو الصرصور أو الفأر مثلا ً؟ كلاهما لا يكتفى بأنثى واحدة ويظل يلهث كل يوم عن صيد جديد يرضى غرائزه ، كلاهما لا يتحمل نتيجة أفعاله ولا مسؤوليته تجاه أولاده. فإذا كنا قد ابتلينا برذيلة الزنا فى هذا العصر فلا أقل من أن نستتر.
نرمين كحيلة
هناك تعليق واحد:
الحياء الحياء الحياء فان لم تستح فافعل ما شئت و الحياء يجب ان يكون اساسا حياء من الله و الله سبحانه و تعالى يرانا فى كل احوالنا حتى ان سجن انسان نفسه بين اربع جدران معتقدا ان لا احد يراه فيفعل كل ما يريد فان الله وحده هو الذى يراه و الله هو الذى يحاسب العباد على اعمالهم فكيف لا نخافه و نستحى منه حين نكون منفردين بانفسنا و لا يرانا اى فرد من البشر الا نعلم ان الله يرانافنخافه و نستحى منه؟ .. مقال له اهميته و خصوصا فى هذا العصر الذى قل فيه الحياء و قل فيه الخوف من الله لقلة و ضعف الايمان
إرسال تعليق