الأربعاء، 3 نوفمبر 2010

رحلة نرمين إلى البلد الأمين (الحلقة الثانية)

    سارت الطائرة على عجلاتها حتى وصلت إلى مطار الحجاج فى جدة وقبل أن نهبط من الطائرة قيل لنا قدموا ساعاتكم ساعة واحدة حسب التوقيت المحلى للسعودية ففعلنا. وفى اللحظة التى وطئت فيها قدمى أرض السعودية لأول مرة تنفست الصعداء وحمدت الله أنى وصلت إلى هذا المكان الطاهر، ثم ذهبنا للحجر الصحى نظرا للهلع الذى يتملكهم من مرض انفلونزا الخنازير ..وبعد ساعة ونصف وصل قريبنا لاستقبالنا فى المطار بسيارته الخاصة ، وكنت لم أره منذ حوالى سبع سنوات حين قرر أن يغادر مصر. كان استقباله لنا استقبالا حافلا فقد احتضننى وصافحنى بحرارة وقال لى:"حمدًا لله على سلامتك". ثم اصطحبنا إلى بيته فى مكة المكرمة. وهناك اسقبلتنا زوجته وابنته ورحبتا بنا. كان أول حديثه معى عن أحوالى ومعيشتى وأنى قد تغيرت شكلاً وموضوعًا للأحسن.
 
     فى اليوم التالى لوصولنا مكة ارتدينا ملابس الإحرام استعدادًا لأداء العمرة ، ورأيت خالى  وهو يرتدى إحرامه ويظهر كتفه الأيمن فمازحته قائلة:"لماذا لا نرتدى نحن النساء أيضًا ملابس مثلكم ، خسارة كنت أود أن أظهر كتفى مثلك يا خالو" فضحك الجميع وقالت لى خالتى: "آه يا ماكرة إن لك غرضا آخر"
    وبعد أن تناولنا طعام الإفطار ذهبنا جميعًا بالملابس البيضاء إلى الحرم المكى. كانت هذه هى المرة الأولى التى أشاهد فيها الحرم فى الواقع بعد أن شاهدته مرارًا فى التلفاز وكانت تتملكنى مشاعر يعجز القلم عن وصفها. كان الحرم مزدحمًا للغاية ويعج بأفواج المصلين الذين أتوا من كل أقطار الدنيا من أجل الحظوة بصلاة تساوى مائة ألف صلاة فى غيره ، فأخذت أنظر إلى أشكالهم وألوانهم ولغاتهم المختلفة وأنا مبهورة من هذا المشهد العجيب. ثم صعدنا برج زمزم المطل مباشرة على الحرم وهو عبارة عن مول ضخم أنشئ بأحدث الطرز المعمارية والتكنولوجية ، كانت الأرض من تحت أقدامنا تلمع لمعانًا براقًا يأخذ الأبصار وعمال النظافة لا يغمض لهم جفن ليلا أو نهارًا فهم كل لحظة يمسحون وينظفون ويرشون الأرض بالمطهرات حتى يظل المكان نظيفًا طاهرًا فأعجبنى ذلك المشهد وقلت: شئ عظيم هذا الذى يفعله ملك السعودية للحفاظ على نظافة وطهارة المكان ، إنه بحق خادم الحرمين الشريفين ، جازاه الله خيرًا ، لو كان هذا المكان عندنا فى مصر لامتلأ بالقاذورات والقمامة ، والآثار الإسلامية خير شاهد على ذلك. لكن رجلا كان يبصق على أرض الحرم ، والناس كانت تلقى بمخلفات الطعام على الأرض اعتمادًا على عمال النظافة. والحق أن هذا المنظر ساءنى إذ كيف يجرؤ أحد على أن يبصق فوق أرض الحرم أو يدنسه أو يلطخه بأية وسيلة ؟ أين قدسية المكان واحترامه ؟!
   
   كانت السلالم المتحركة والمصاعد الألية تنتشر فى هذا المول وكنت أخشى استخدامها حتى أن خالتى ضحكت وقالت:"لا تخافى ضعى رجلك هكذا وثبتينها ثم اتركى نفسك ليصعد بك السلم". والحق أننى أخذت وقتًا طويلاً حتى تدربت على ذلك السلم المتحرك وكنت كلما صعدت عليه قلت سبحان الله علم الإنسان ما لم يعلم ، لو أن إنسانًا فى القديم ذكر لقومه أنه سيأتى زمان يصعد فيها الإنسان بهذه الطريقة لاتهموه بالجنون ، لكن القرآن ذكر شيئًا عن ذلك وأعتقد أن هذا هو تفسير الآية. َلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُون (الزخرف 33)

     صعدنا إلى الطابق الحادى عشر ثم ركبنا السلم الكهربائى لنهبط إلى الطابق العاشر حيث يوجد المصلى الخاص وهو لانستطيع دخوله إلا بتصريح..دلفنا إلى ذلك المصلى وكان مكتظًا بالنسوة اللائى أتين من كل حدب وصوب لأداء صلاة التراويح ، كان المكان مكيفًا ومعدًا إعدادًا جميلاً ولكنى لاحظت أن صفوف المصلين كان معوجة وليست مستقيمة وكان الصف الأول لم يكتمل بعد فيتم عمل صف آخر خلفه وهكذا.... وكان هناك فراغات كبيرة فى الصف الواحد وخشيت أن تكون صلاتنا باطلة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج". وكانت كل واحدة تصلى حسب ثقافتها أى أن الباكستانيات يلصقن بطونهن ومرافقهن بالأرض ثم تلوين أقدامهن بطريقة غريبة أثناء السجود والتركيات والسعوديات والماليزيات يفعلن حركات أخرى مخالفة. فتعجبت لقد كنت أظن أن الناس فى الحرم يلتزمون التزامًا تامًا بأصول وقواعد الصلاة لكنى وجدت غير ذلك. إن الناس فى مصر أكثر التزامًا ويحرصون على استقامة الصفوف وأخطائهم أقل. لكن ما لفت نظرى هو إمساك معظم الناس للمصاحف أثناء تلاوة الإمام لمتابعته فى القراءة وهو فى اعتقادى عملا مكروهًا فى الصلاة لأن المصلى ينشغل بالمصحف ويخرج عن حركات الصلاة والأفضل الإنصات للإمام..هكذا سمعت من الشيخ خالد الجندى. لكن كل واحدة متشبثة برأيها ولا تريد التنازل عنه معتقدة أن ذلك هو الصحيح. وحزنت حزنًا شديدًا إذ كيف يتركون الناس تصلى حسب أهوائها ؟ أين العلماء الذين يعلمون الناس الصلاة الصحيحة كما كان يؤديها النبى صلى الله عليه وسلم. ولماذا لا يكون هناك من يختصون بتسوية الصفوف ومراقبة أخطاء الناس وإصلاحها فى الصلاة ؟
    كان المنظر جميلا من أعلى البرج وأنا أنظر إلى الحرم والكعبة المشرفة ، ثم قيل لى أن الطوابق العلوية فى الحرم محرم على النساء دخولها وهى خاصة بالرجال فتأسفت وقلت:"هذا اضطهاد ضد المرأة فلماذا يحرموننا من هذا الحق ولماذا يستأثر الرجال دائمًا بالأماكن الجميلة دون النساء ؟؟
كان أشهر شيوخ الحرم يصلون بنا أئمة ومنهم الشيخ السديس وبمجرد أن بدأ الصلاة ودعاء القنوت أخذ المصلون فى البكاء والنحيب حتى سمعت صوت نحيبهم وبكائهم وخاصة وهو يدعو الله أن ينجينا من النار ووجدت خالتى تقول:"ما أجمل صوت الشيخ السديس!!" أما قريبنا فقد أطلق عليه لقب:"المعلم".
    وبعد انتهاء الصلاة ذهبنا لأداء مناسك العمرة.
وإلى اللقاء فى الحلقة القادمة،،،،،،،
                                                           نرمين كحيلة




ليست هناك تعليقات: