الأحد، 7 نوفمبر 2010

رحلة نرمين إلى البلد الأمين (الحلقة العاشرة)

     كان من برنامج الرحلة زيارة الأماكن التاريخية الإسلامية مثل مسجد قباء وشهداء أحد ، وركبنا الأوتوبيس وذهبنا أولاً إلى مسجد قباء أول مسجد بنى فى الإسلام وتذكرت قصة هذا المسجد حين أتى النبى صلى الله عليه وسلم مهاجرًا إلى المدينة راكبًا ناقته القصواء وحرص كل أنصارى أن يشد عقال البعير نحو بيته ليتشرف بمبيت النبى عنده فقال: دعوها فإنها مأمورة..فبركت عند بيت غلامين يتيمين من بنى النجار وهم أخوال النبى صلى الله عليه وسلم فاشتراه منهما وبنى مكانه المسجد..وقيل أن النبى كان يأتيه كل سبت ماشيًا أو راكبًا فيصلى فيه ركعتين وقيل أن هاتين الركعتين بأجر عمرة كاملة.
      والحق أننى كنت فى شوق لرؤية هذا المسجد وقلت سبحان الله لابد أن لله حكمة جليلة فى اختيار ذلك المكان ليكون مسجدًا ويكون النواة الأولى لتأسيس دولة المدينة  بعد أن نصر الله المستضعفين ونجاهم من بطش الكفار. وقد سمعت أن اختيار هذا المكان بالذات ليكون مسجد النبى هو بسبب دعوة رجل صالح دعا الله أن يجعل بيته مأوى أو مسجد لنبى آخر الزمان وقد استجاب الله دعوته بعد 100 عام ، انه هو السميع المجيب ادخر له الدعوة ولم ينسها فسبحان الله!
     
    كان المسجد مكونًا من طابقين فدخلنا وصلينا فيه ركعتين وصليت أنا ركعتى الضحى أيضًا فتعجبت سيدة كانت تصلى إلى جوارى وقالت: أراكِ قد صليتِ أكثر من ركعتين هل هذا يجوز؟ قلت: وما المانع ؟ قالت: أن الرسول قال ركعتين ولم يقل أربعة..فضحكت وقلت: الرسول قال ذلك لأنه يقصد أن الركعتين هى أدنى حد للصلاة ومفهوم ضمنًا أنك تستطيعين أن تزيدى على ذلك ما شئتِ ما دامت الصلاة ليست فى الأوقات المكروهة..يا عزيزتى إن هذا المسجد مثل أى مسجد آخر تجوز الصلاة فيه. قالت وهى سعيدة كأنى أنقذتها من مأزق: يعنى ينفع أصلى ؟ قلت على الفور: طبعًا. فقالت لصديقتها: يا فلانة طلع ينفع تعالى نصلى ، فحوقلت وقلت: سبحان الله الناس تأخذ كلام النبى صلى الله عليه وسلم بحذافيره دون تفكير..أين عقولهم ؟ ولا أعرف لماذا شعرت براحة نفسية فى هذا المكان أنا وخالتى حتى أنى كنت أود أن أبقى وقت أطول. وكان هناك بعض الباعة يفترشون الأرض فاشترينا منهم بعض الهدايا ثم صعدنا إلى الأتوبيس جميعًا إلا امرأة توقف الأوتوبيس كله انتظارًا لها كانت ما زالت تساوم البائع على السلعة وما همها رجاء كل الركاب لها بالركوب حتى نكمل رحلتنا. وبعد وقت طويل جدًا ركبت أخيرًا حتى كاد الركاب ليمزقونها إربًا.
      ثم ذهبنا بعد ذلك  لزيارة شهداء أحد رضى الله عنهم ، فلم أجد لهم قبورًا مرتفعة عن الأرض مثلما نفعل نحن الآن ولكن قبورهم سُوِيَت بالأرض وتم وضع علامة لتمييز قبر سيدنا حمزة سيد الشهداء وتذكرت قصة استشهاده وكيف طعنه "وحشى" ولاكت كبده "هند" وكيف حزن النبى صلى الله عليه وسلم لموته وظل سنينًا طويلة حتى بعد إسلام قاتله يدير وجهه ويقول: "لا أحب أن أنظر إلى قاتل حمزة". فاقتربت من السور الذى أحاط بالشهداء وقلت: السلام عليكم يا شهداء أحد رضى الله عنكم وأرضاكم ، السلام عليك يا حمزة يا عم رسول الله رضى الله عنك وأرضاك وجازاك خيرًا عما قدمت للإسلام.
     واشترينا بعض الأشياء التذكارية من الباعة المفترشين الأرض ، ثم توجهنا إلى جبل أحد الذى حدثت عنده غزوة أحد وأطلت النظر إلى هذا الجبل وأمعنت النظر فيه ، كان لونه أقرب إلى الحُمْرَة وكان شاهق الارتفاع عظيم الاتساع ، مساحته ضخمة..تذكرت بعض الأقوال التى تقول أنه جبل أنزله الله من الجنة وأن النبى يوم أحد اهتز به وبأصحابه كأن به زلزالاً فقال له النبى:"اثبت أحد فإن عليك....." وأخذ يعدد أسماء الصحابة الواقفين عليه. كأن الجبل كان مسرورًا بوقوف هؤلاء الصحابة العظام عليه فعبر عن فرحته بذلك الاهتزاز كأنه يصافحهم ويرحب بهم...ولاحظت خالتى أنى لا أريد أن أحول نظرى عن الجبل فقال:"مالكِ يا نرمين ؟ هل يعجبك الجبل إلى هذه الدرجة ؟" فقلت: إنى أحب هذا الجبل لحب الرسول له ، ألا تعرفين أنه صلى الله عليه وسلم قال:"هذا جبل يحبنا ونحبه". ورأينا جبل الرماة ووجدت الناس يتسلقون الجبل ويقفون على قمته وشق علىَّ ذلك فاكتفيت بأن أتسلق بعض صخوره القريبة من الأرض ثم طلبت من خالى أن يلتقط لى صورة بهذا الوضع ، أما الوصول إلى قمته فكان أمرًا عسيرًا بالنسبة لى.
      ورأينا مسجد القبلتين حيث كان النبى يصلى فيه صلاة الظهر ولما أتم ركعتين نزل عليه الوحى بتحويل القبلة إلى الكعبة بعد أن كانت إلى المسجد الأقصى فأكمل الصلاة بالقبلة الجديدة. ولكنى كنت أريد أن أرى مدائن صالح والبقيع وأزور قبر السيدة خديجة رضى الله عنها فقد علمت أنها مدفونة فى مكة فى منطقة تسمى العزيزية..فقالت لى خالتى لماذا تريدين زيارة السيدة خديجة ؟ إنه قبر كباقى القبور لا يتميز عنهم فى شئ ؟ فقلت: لا يا خالتى أنا أريد زيارتها وفاءً لها فهى أمى وأم المؤمنين جميعًا ، وقفت إلى جوار الرسول صلى الله عليه وسلم وواسته وكانت نعم الزوجة المخلصة المعينة لزوجها فأنا أحبها وأتمنى أن أراها فى الجنة.. لكن للأسف لم تتح لى هذه الفرصة وكنت حزينة لذلك.
     
     عدنا إلى الفندق بعد تلك الرحلة الشيقة الممتعة ونمنا قليلا ثم استيقظنا لنذهب إلى المسجد النبوى كعادتنا كل يوم ، وجلسنا على مائدة الافطار وقيل لنا الكلمة المعتادة: سفرة حاجة ؟ فجلست على الأرض وكانت تلك الجلسة مؤذية لقدمى تؤلمنى وتتسبب فى تنميلها ولكنى كنت أتحامل على نفسى وأجلس ثم أقف بين الحين والآخر فوجدت سيدة تبتسم لى وتنادينى ولما جئتها قالت:"هل أنت مصرية أم مغربية ؟" فقلت: مصرية. فقالت: أنا مغربية ، هل من الممكن أن تطلبى لى أهلى فى المغرب من هاتفى المحمول؟ ثم أعطت لى الهاتف فنظرت فيه فإذا به باللغة الفرنسية فاعتذرت لها وأفهمتها طريقة الاتصال. وإذا بسيدة مصرية تقول: النساء هنا يقضين أوقاتهن فى المسجد أما فى مصر فهن يقضينه فى المطبخ..فضحكت وقلت: المرأة المصرية إذا لم تفعل ذلك فإن زوجها يطلقها. ورأيت مجموعة من الأتراك يسألننى من أى البلاد أنت ؟ قلت: مصر ، فانفرجت أساريرهن وقلن لى باللغة الانجليزية:أنت جميلة لماذا لا تتزوجين؟ والغريب أن نفس هذا السؤال كان يتردد على ألسنة كثير من الأجانب الذين أقابلهم فقد قابلت سيدة باكستانية فى صلاة الفجر وتعرفت عليها وكانت تحادثنى بالانجليزية لأنها مقيمة فى أمريكا وتقول: هل أنت متزوجة ؟ فقلت:لا .قالت: غريبة لماذا أنت لست متزوجة وأنت بكل هذا الجمال!  ثم قالت لى: هل زرتِ النبى ؟ فقلت: نعم. فقالت: وطبعًا تدافع المسلمون ووكزوكِ وشتم بعضهم بعضًا وتعالت صيحاتهم. فقلت: للأسف هذا ما حدث. فمطت شفتيها وقالت: هذا لا يحدث فى أمريكا لأن هناك احترام للنظام والقانون. فقلت: عندك حق ولكن هذا التصرف خاطئ فالاسلام لم يأمر بذلك ولو كان النبى حيًا ما سمح بذلك. فقالت: أنت فتاة لطيفة وأنا أحببتك وسعيدة بلقائك ، فقلـت: وأنا أسعد. وأحسست أننى سفيرة لبلدى وأننى لا بد أن أظهر بصورة مشرفة لمصر أمام الأجانب لأنهم يرون مصر من خلالى.
    ثم أذن الفجر ففوجئت بها تشرب من زجاجة الماء التى كانت معها فتعجبت وقلت: إن هذا يبطل صيامك ، كيف تشربين وقد أذن الفجر؟ فقالت: يا عزيزتى إن الدين يسر ونحن على سفر وصيامى مقبول إن شاء الله. فتعجبت لأمرها. وبعد انتهاء الصلاة قلت لها:إلى اللقاء فصافحتنى بحرارة وقذفت بقبلة فى الهواء باتجاه وجهى وأمسكت بيدى وقربت فاها من كفى وقذفت بقبلة فى الهواء نحوه ويبدو أنها كانت خائفة من انتشار مرض انفلونزا الخنازير فقد كان الأطباء يأتون كل يوم لنقل حالات أصابها المرض من بيننا وأمام أعيننا فى المسجد الحرام والمسجد النبوى واضطررت بعد ذلك أن ألبس كمامة حتى لا تنقل لى العدوى.
   وأجمل ما أعجبنى هو وجود مينى باص خاص بكل محل لنقل الزبائن مجانًا فقلت: ليتهم يفعلون ذلك فى مصر.
    وأسوأ شئ رأيته هو عدم مراعاة الناس لقواعد النظافة سواء فى المسجد الحرام أو المسجد النبوى ، فبعد الأكل كانوا يلقون بفضلات الطعام فى الأرض رغم وجود سلال المهملات فى كل مكان وقد كتب عليها: حافظوا على نظافة الساحات. ويبدو أنهم كانوا معتمدين على عمال النظافة الذين لا يتوانون لحظة واحدة عن تنظيف الأرض ومسحها وتطهيرها بأحدث أدوات وماكينات النظافة لكن ذلك لا يمنع أن يحافظ الناس أنفسهم على نظافة المكان على الأقل احترامًا لحرمة وقدسية المكان.
      كان الجو حارًا للغاية لدرجة أن الشمس كانت تلفح وجوهنا والهواء الذى كنا نتنفسه كان ساخنًا للغاية وكنت أقول:إذا كان هذا من تأثير شمس الدنيا فما بالنا بنار الآخرة فأدعو الله أن يحرم جسدى على النار وأقول: اللهم إنى لا أطيق لحظة واحدة أقضيها فى النار فحرم النار على جسدى فى الدنيا والآخرة كما حرمتها على إبراهيم عليه السلام..
     وأما الماء فكان ينزل من الصنبور فى درجة الغليان حتى أنى اعتقدت أن هذا بفعل السخان ولكن قيل لى أن الشمس تسقط على مواسير المياة فيسخن الماء فكان الماء يلسع جسدى عند الاغتسال أو الوضوء.
وإلى اللقاء فى الحلقة القادمة ،،،،،
نرمين كحيلة

ليست هناك تعليقات: