الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

رحلة نرمين إلى البلد الأمين (الحلقة الرابعة عشر)


      كان اليوم هو آخر يوم لنا فى المدينة لذا فقد عقدنا العزم على زيارة النبى صلى الله عليه وسلم لأنه  قال:"من حج ولم يزرنى فقد جفانى" وأن زيارته فى مماته كأنها زيارة فى حياته كما أن نفسى لم تشبع بعد ولم ترتوِ من زيارته. فذهب أخوالى لزيارته مع الرجال وذهبت أنا وخالتى لزيارته مع النساء وكان ذلك فى الصباح الباكر..وحدث مثلما حدث فى المرة الماضية من حيث الزحام والانتظار ولكن هذه المرة ذهبنا متأخرين قليلا بعد أن تناولنا الإفطار فى الفندق فقلل ذلك من طول الانتظار. وإذا بالمشرفة على الروضة تنظر لى وتقول: اجلسى يا ذات الرداء الأصفر. فقلت: لاأستطيع فالأرض تؤذى قدمى. كان منظرى وأنا أرتدى تايير أصفر وسط النساء اللاتى يرتدين السواد ملفتًا للنظر ، وكنت أشعر بنظراتهم لى ولسان حالهن يقول: ما كل هذه الأناقة هل أنت ذاهبة إلى حفل ؟ والحقيقة أنا كنت أشعر أن مقابلة النبى تستحق التأنق والظهور فى أحسن صورة.
     
     قررت أن أتفرغ هذه المرة للتحدث مع النبى صلى الله عليه وسلم وأن أقترب من الضريح.. وعندما دخلت كان الناس مشغولون بالصلاة أما أنا فقد تسللت سريعًا واقتربت من الضريح وأخذت أتحدث مع النبى فقلت:"السلام عليك يا رسول الله ، أخبرك بأنى أسيرعلى نهجك وسنتك وأعدك بنصرة دينك فأنا الآن أمحو أمية أميتك وأحاول دعوة الأجانب إلى الإسلام فأرجو أن ترضى عنى وتفرح بى وتفخر بأنى من أمتك". ثم لاحظت الفتيات القائمات على تنظيم الزيارة أن هيأتى مختلفة عن بقية الجالية المصرية من ناحية الملبس والشكل العام كما أنى دخلت فى هدوء دون أن أؤذى أحدًا مثلما يفعل الناس فاقتربت منى إحداهن وقالت: هل صليتِ ركعتين ؟ فقلت: لا. فحزنت وقالت: تعالى هنا وصلى.. ثم أفسحت لى الطريق وأبعدت النسوة عنى وهى لم تفعل ذلك مع أحد سواى ثم قالت: من أى البلاد أنتِ ؟ فقلت: من مصر. فاندهشت وقالت: ما شاء الله. كان لسان حالها يقول: ولماذا لا تفعلين مثل المصريين فى سلوكهم الهمجى ؟ ولاحظت أنى أتمتم بكلمات غير مسموعة فتعجبت من أمرى.. ولأول مرة لا يطردوننى ويتركونى أقف بحرية.

     وبينما أنا واقفة فى لقاء روحانى جميل إذ قالت لى خالتى: هيا بنا حتى لا نتأخر عن السفر. ثم أخذت ألتفت ورائى فى محاولة لوداع النبى ومسجده...عدنا إلى الفندق وأحرمنا منه ونوينا العمرة للمرة الثالثة حيث قررت أن أعملها لنفسى أما خالتى وأخوالى فقد عملوها لجدى الذى هو أبوهم. وقال خالى مازحًا: ما رأيكم لو عملنا عمرة لجدتنا وجدنا السادس عشر هل يتذكرهما أحد ؟ فقلت: هناك أناس عملت عمرة  لصلاح الدين الأيوبى والإمام أبو حنيفة وابن حزم ما رأيكم لو نعمل عمرة لعبد الحليم حافظ وأم كلثوم. قال خالى: نبحث الأمر فإن كانا لم يحجا ولم يعتمرا فلنعمل لهما عمرة..قلت: واللهِ إنى أريد أن أعمل عمرة لقاسم أمين محرر المرأة ورفاعة الطهطاوى ومصطفى كامل.

    هل تعلم يا خالو أن رفاعة هذا رغم أنه رجل صعيدى فى زمن كانت المرأة محرومة من كافة حقوقها إلا أنه كان متفتحًا جدًا فقد اشترطت زوجته فى عقد الزواج ألا يتزوج عليها وأن يعطيها حق تطليق نفسها ووافق ! يا سلام إنى أحترم هذا الرجل وأتمنى أن يكون الرجال فى عصرنا هذا مثله.. أما مصطفى كامل فهو القائل: "لو لم أكن مصريًا لوددت أن أكون مصريًا". إلى هذه الدرجة هو يحب بلده!
     
      وأخيرًا وصلنا إلى مكة وأدينا العمرة ، وكنت كلما مشيت فى مكان تطاردنى لافتة كتب عليها:"زوِّجونى" فسألت: ما معنى هذه اللافتة ؟ فقيل لى: هذه جمعية خيرية تزوج الشباب السعودى عير القادر على الزواج. قلت: شئ جميل ليتهم يفعلون ذلك فى مصر.

اقترب موعد السفر وقد قررنا قبل أن نسافر أن نطوف طواف الوداع فذهبنا إلى الكعبة وطفنا بها ونحن ندعو الله أن يكتب لنا العودة إليها...ثم حان وقت السفر وحزن قريبنا وتمنى لو مكثنا معه فترة أطول وقال أنه سوف يؤجل سفرنا ولكن كانت المشكلة تكمن فى أن وجودنا بعد انتهاء فترة الإقامة المسموح بها فيه مساءلة قانونية لنا وغرامة ندفعها 50 ريال عن كل يوم تأخير.

    قال خالى: هذا شئ سخيف لماذا لا يتركون الناس تعبد الله كما تشاء ؟ إن إقامتنا لا تؤذى أحدًا. فقلت: لقد حزنت حزنًا شديدًا وأنا أقف فى الجوازات لأقوم بإجراءات طويلة ومعقدة وحتى التأشيرة لا تأتى بسهولة بل بشق الأنفس وهذا للأسف من فعل الاستعمار اللعين الذى أوجد الحدود والعوائق بين الدول العربية من أجل تفتيت وحدتها فأين الأيام التى كان فيها الإنسان يستطيع التنقل بحرية بين الدول دون جواز ولا تأشيرة ولا أى شئ ؟ أيام الدولة الأموية والعباسية وما تلاها من عصور. قالت خالتى: ولكن كل دولة يجب أن تؤمن نفسها حتى لا يدخلها الإرهابيون وتجار المخدرات فقلت: تستطيع كل دولة أن تطلع على البطاقة الشخصية للداخلين عندها فقط بدلا من الفيش والتشبيه الذى عملوه لنا عند الدخول كأننا مجرمون. ثم لا يجب تحديد الإقامة بمدة معينة فما المانع إذا اطمأنت الدولة للشخص الداخل عندها فلتتركه يقيم كيفما يشاء وبأية مدة يرغبها. لو كنت من رؤساء الدول لأزلت كل الحواجز التى تفرق بيننا كمسلمين وعرب.

وإلى اللقاء فى الحلقة القادمة ،،،،،،
نرمين كحيلة

ليست هناك تعليقات: