الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

رحلة نرمين إلى البلد الأمين (الحلقة الثالثة عشر)

      وجاء العيد وذهبنا نصلى فى أحد المساجد القريبة وارتديت حُلَّة جديدة طبقًا للسُنة ولكن حينما وصلنا لم تكن هناك لا تكبيرات العيد ولا الناس يقولون لبعضهم البعض كل عام وأنت بخير ولا أى مظهر من مظاهر العيد التى نراها فى مصر بل كانت النساء كلهن مرتديات الملابس السوداء وكان هناك صمت مطبق فقلت لخالتى:هل نحن فى مأتم أم عيد ؟ فقالت:شئ غريب لماذا لا نسمع تكبيرات العيد ؟ إنها سنة. كان الأطفال فقط يرتدون ملابس السهرة.
   
    وبعد فترة صمت طويلة أقيمت الصلاة ثم انصرف الناس فى هدوء..فقلت: هل يحرِّمون هنا مظاهر العيد ؟ ثم نظرت إلى أعلى لأعرف اسم المسجد الذى نصلى فيه فكانت المفاجأة أن هذا هو مسجد وهابى معروف باسم محمد بن عبد الوهاب. فقلت: الآن عرفت لماذا لا يكبرون ولا يوجد أى مظهر من مظاهر العيد لأن هذا المذهب متطرف فقال لى خالى ومن هو محمد بن عبد الوهاب هذا ؟ فشرحت له..ثم عزمنا على الرحيل إلى المدينة لقضاء أيام العيد هناك وبدأنا فى إعداد الأمتعة.
 
   قالت لى خالتى:"اعملى حسابك لن تأخذى معك ملابس كثيرة ، أنا أعلم أنك أنيقة وتحبين التزين والأناقة ولكن هذا ليس وقته خذى البسيط القليل من ملابسك وأدوات زينتك وكريماتك وعطورك و....وسوف نتقاسم هذه الحقيبة الصغيرة أنا وأنتِ"..كان كلام خالتى صعب التنفيذ ولكنى اضطررت لتنفيذه ، وكانت ترقبنى من بعيد وتقول:لو وضعتى شيئًا زائدًا فسوف أخرجه من الحقيبة. فكنت أضحك ثم أضع بعض الأشياء البسيطة الخفيفة دون أن تعلم ولكنها اكتشفت فرجوتها أن تأذن لى بها لأنى أحتاجها فوافقت.
   
     انطلقت سيارة خالى  بعد تناول طعام الفطور فى الصباح الباكر فى أول أيام العيد..ودار بيننا نفس الحوار عن هجرة النبى من مكة إلى المدينة ومدى تعبه ومشقته وتحمله من أجل الدعوة ولكن هذه المرة أخذنا ننشد جميعًا "طلع البدر علينا" حين وصلنا للمدينة. فقال خالى : هل أنتِ سعيدة الآن ؟ كانت أمنية حياتك أن تنشدى هذا النشيد حين تصلين المدينة. وفى الحقيقة أنا كنت أستحضر فعلا مشهد الهجرة كأنى أحد المهاجرين كما استحضرت مشهد السعى بين الصفا والمروة وأحسست أن وجه السيدة هاجر ينظر إلينا ونحن نسعى أو كأن روحها بالمكان سعيدة بزوارها وانتصار دينها.
      توقفت السيارة أمام فندق موفنبيك وهو يقع أمام الحرم مباشرة فقلت لخالتى هامسة: الحمد لله الذى عوض صبرنا خيرًا بهذا الفندق والحمد لله أيضًا أن كتب الله لنا العودة للمدينة مرة أخرى فكم أنا أحبها وأشتاق إليها !!  ونزلنا من السيارة ودخلنا الفندق فإذا هو فخم جدًا وكان به "جراج" خاص بنزلاء الفندق ودخلنا حجرتنا فإذا بها أربعة أسرة وحمام داخلى ومطبخ داخلى ومكيف الهواء وبه مقاعد وثيرة ومناضد وكراسى وسراحة ودولاب كبير. فقالت خالتى:"ما أجمل هذه الحجرة !!
   
    ولما كنا متعبين فقد نمنا حتى العصر ثم ذهبنا إلى المسجد النبوى. وكانت فرحتى لا تقدر، وعندما رأيت الحرم قلت: لقد عدت إليك أيها الحرم العزيز على قلبى وعدت إليك يا رسول الله.

وفى اليوم التالى أردنا أن نذهب لإحضار طعام الفطور فقيل لنا: إن هذا الفندق يقدم إفطارًا عبارة عن بوفيه مفتوح..فقال خالى: اللهم صلى على النبى هذه بركة محمد..كان الإفطار يبدأ منذ الساعة السادسة والنصف وحتى العاشرة. كان البوفيه يحوى ما لذ وطاب من جميع أنواع المأكولات والمشروبات وكنا نأكل حتى تمتلئ معدتنا بالطعام فلا نستطيع أن نتغدى أو نتعشى. أما أنا فلم أكن آكل كثيرًا لأنى تعودت ألا أكثر من الطعام مهما كان مغريًا تأسيًا بالنبى صلى الله عليه وسلم الذى قال:"بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه".

     كان من أشهر الأسواق هناك أسواق بن داود وهو عبارة عن سوبر ماركت وكلما أردنا شيئًا ذهبنا إليه وكانت له فروع فى كل مكان ومن بينها فرع فى نفس مبنى الفندق فطلب منى خالى  ذات يوم أن أنزل وأحضر له من بن داود بعض المياه المعدنية والعصائر وأعطانى بعض الريالات ثم قال لى: اذهبى ولكن أرجوكِ لاتأتِ بعريس وأنت قادمة.

       كان من أجمل اللافتات التى قرأتها فى شوارع مكة والمدينة لافتة كتب عليها:"ممنوع التدخين فى البلد الأمين" ولكنى لاحظت أن كثيرًا من السعوديين يضعون السواك بدلاً من السيجارة فى أفواههم ويكلمون الزبائن والسواك فى فيهم فقلت: الحمد لله أنهم يستبدلون السواك بالسيجارة ليت المصريين يفعلون ذلك.

    كنت أسعد كلما مشيت فى شوارع مكة والمدينة لأنى لم أكن أرى واحدة من النساء غير محجبة فالكل يرتدى العباءة السوداء وكذلك الرجال يرتدون الجلباب الأبيض فتمنيت أن يعمم هذا الزى عندنا أيضًا لأنى أراه ساترًا لجميع أجزاء البدن فنحن نقلد الغرب تقليدًا أعمى فإذا كان الأوربيون يرتدون البنطلون والقميص فهذا لأنهم ليس لديهم حياء ولا دين ولا يهتمون إن كان ساترًا أم لا أما المسلم فيحكمه الدين والحياء ولننظر إلى أزياء الدولة العباسية والأموية كانت تعطى الرجل مهابة وقيمة وجلال ووقار. فكان الجو كله دينى صلاة وحجاب ولا يوجد منظر يخدش الحياء فى الشارع مثلما يحدث عندنا فى مصر.
     
        وإلى اللقاء فى الحلقة القادمة ،،،،،
نرمين كحيلة
                                                                                                                            

ليست هناك تعليقات: