الجمعة، 12 نوفمبر 2010

التنطع فى حياة المسلم

     أنا من أشد المعارضين للعلمانية التى هى فصل الدين عن الدولة والحياة بصفة عامة لأنى أعلم جيداً أنه ليس هناك فصل بين الدين والحياة فقد وضع لنا الإسلام قواعد للنوم والأكل والشرب والزواج و...و....إلخ. ولكن أن يصل الأمر بالناس إلى حد إلصاق كل شئ بالإسلام فهذا أمر لا يقبله عقل ؛ فالمتابع لبرامج الفضائيات يلاحظ مدى التفاهة التى وصلنا إليها والتركيز على سفاسف الأمور فهذه مثلا ً امرأة تسأل: هل يحل لى نتف شعر الوجه والجسم ؟ وهذا رجل يسأل:هل يجوز تحريك الشفايف بالدعاء أثناء الوضوء فى الحمام أم نقول الدعاء سرا ً ؟ وسؤال آخر عن قضية أثارها شخص ما زعم أنه من علماء الدين وأحدثت بلبلة فى نفوس الناس وهى قضية إرضاع الكبير وهناك من يسأل هل لبس اللون الأحمر أو الأصفر حرام أم حلال ؟
  
    إنه من المؤسف حقا ً بل من المحزن فى آن واحد أن تثار قضايا هزلية مثل تلك القضايا فى عصرنا هذا ، أقل ما يقال عنها أنها مضحكة ومثيرة للاشمئزاز فى الوقت نفسه !! وأعتقد أن من يسمعنا من غير المسلمين ونحن نثير هذه المسائل التافهة لا يسعه إلا أن يضحك ويقع على الأرض من شدة الضحك ، ففى عصر كعصرنا هذا وكل هذه التحديات تواجه المسلمين فى شتى بقاع الأرض من مشرقها إلى مغربها وهذا الهجوم الشرس على الإسلام والأعداء الذين يتربصون بنا فى كل مكان ويحتلون بلادنا مازلنا نناقش هذه الأمور المضحكة تاركين ما هو أهم وأنفع للمسلمين لنصرة دينهم والارتقاء بأمور دنياهم..ولا أستبعد أن يأتى اليوم الذى يسأل فيه مسلم عن رأى الإسلام فى البامية باللحم الضانى وهل يجوز أكلها مع المعكرونة أم أنها أفضل مع الأرز؟ أو أن يسأل آخر ما رأى الإسلام فى أكل الفول فى الفطور؟ وهل يستحب أكل الطعمية معه مع العيش البلدى أم الفينو؟ وهذا ما جعل بعض الجماعات الإسلامية فى يوم من الأيام تتعرض لفتوى عجيبة وهى أن أكل الخيار حرام لأنه من الممكن أن يستغل فى شئ آخر محرم وأن ركوب السيارة بدعة لأنها لم ترد عن الرسول صلى الله عليه وسلم.....إلخ.

     إن الإسلام أكبر وأجل من ذلك بكثير فإن كان قد وضع لنا قواعد عامة للباس الرجل والمرأة وهو أن يكون فضفاضا ً يستر العورة فقد ترك لنا اختيار الألوان والموديلات حسب ذوق كل مسلم ولم يفرض شكلا ً معينا ً أو زيا ً موحدا ً وهذا الأمر يسرى فى جميع مناحى حياتنا ؛ فمثلا ً عندما طالبتنا السنة الشريفة ببعض الأدعية المستحبة قبل النوم وطريقة النوم نفسها على الشق الأيمن من الجسد لم تحدد لنا نوع السرير الذى ننام عليه أو المرتبة أن تكون قطنا أو اسفنج وهل لابد أن نرتدى أثناء النوم بيجامة أم قفطان أم قميص نوم بل ترك لنا الدين مساحة من الحرية حتى لا نشعر أننا فى معسكر فى الجيش أو نختننق من كثرة الأوامر الدينية ، وكذلك عندما قال لنا الشارع:"حرمت عليكم الخبائث " و"أحلت لكم الطيبات" وضع القاعدة العامة ثم ترك لنا التمييز بين ماهو خبيث وما هو طيب فمثلا ً السجائر كيف يمكن تصنيفها ؟ هل هى من الخبائث أم من الطيبات ؟ لقد قال الطب والعلم أنها من الخبائث وتسبب أمراضا ً وتؤدى إلى الوفاة وبذلك يتضح لكل ذى عينين أن السجائر محرمة تحريما ً قطعيا ً ولا يحتاج أى مسلم بعد ذلك أن يسأل المفتى أو شيخ الأزهر عن حرمة السجائر إذ أنها شئ بديهى يستطيع المسلم الوصول إليه بالمنطق إذا كان لديه عقل سليم ، ولا يصح بعد ذلك أن يجادل أى مسلم فى السجائر هل هى مكروهة أم محرمة ؟ وهكذا نستطيع أن نفعل فى كل مناحى حياتنا دون أن نعرض أنفسنا لأن نكون أضحوكة ومحل سخرية الجميع على مرأى ومسمع من الفضائيات وملايين الناس يشاهدوننا ويشاهدون الإنحدار الذى وصلنا إليه.

    ولقد صدق العقاد حين قال أن التفكير فريضة إسلامية ، وألف كتابا ً فى ذلك  مطالبا كل مسلم بالتفكير واستخدام العقل وإلا أصبحنا مثل الأقوام الذين دخلوا النار أفواجا ً فسألتهم الملائكة: ألم يأتكم نذير؟ قالوا:.....لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا فى أصحاب السعير. وهذا معناه أن عدم استخدام هؤلاء القوم لعقولهم أوردهم جهنم وبئس المصير.

    وهذا ما فعله بنو إسرائيل حين طلب منهم سيدنا موسى أن يذبحوا بقرة فأخذوا يسألون عن لونها وشكلها و..و...و..فحينما شددوا على أنفسهم شدد الله عليهم.. يقول المفسرون:ولو أنهم ذبحوا أية بقرة لأجزأت أى لقبلها الله منهم ، ولذا فإن النبى الكريم يقول:"لا تشددوا فيشدد الله عليكم....ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه."

       ومثلا ً هناك من يسأل هل عيد الأم بدعة أم يجوز الاحتفال به ؟ وهل الاحتفال بعيد الميلاد يجوز؟ إن عيد الأم هو عيد اجتماعى ليس له علاقة بالدين أساسا ً أو مناسكه أو شعائره فلا يصح أصلا ً مناقشة هذا الموضوع من الوجهة الدينية إلا إذا كان يتعارض تعارضا ً صارخا ً مع مبادئ الدين أو صلب العقيدة. ولنا أن نلاحظ أن الإسلام حين جاء لم ينه الناس عن الاحتفال بأعيادهم الاجتماعية أو ممارسة عاداتهم وتقاليدهم طالما لا تتعارض مع الإسلام فى شئ ؛ يعنى مثلا ً إذا دخل الإسلام بلدا ً معينا ً كفارس أو الهند أو مصر وكان القوم يحتفلون بجلوس ملكهم على العرش فهل يحرم الإسلام ذلك ؟ بالطبع لا. أو إذا كان القوم يحتفلون بسبوع المولود ابتهاجا ً منهم بقدومه وشكرًا لله على نعمه فهل يحرم الإسلام ذلك ؟ من المؤكد لا ؟ أما الحديث الشريف الذى يقول:"الإسلام يهدم ما قبله" فهذا معناه أن ما قبل الإسلام من الذنوب والخطايا مغفور بإذن الله فعندما جاء عمرو بن العاص ليعلن إسلامه أمام الرسول صلى الله عليه وسلم قبض عمرو يده وقال:أسلم بشرط أن تغفر خطاياي فقال له النبى صلى الله عليه وسلم:"يا عمرو إن الإسلام يهدم ما قبله". ولكن بعض المغرضين فهموا هذا الحديث على أن الإسلام يلغى كل عادات وتقاليد الشعوب حتى وإن كانت حلالا ًوهذا غير صحيح ولىّ لعنق الحقائق....لقد نهانا الرسول عن التشدد والتنطع والتفكير فى سفاسف الأمور وقال:"هلك المتنطعون" أى المتشددون ؛ ويقول الإمام الغزالى – رحمه الله – أن مثل المسلم الذى يشدد على نفسه ويأخذ بأشد الفتاوى مثل الرجل الذى يشترى من محل غالى الثمن بينما لديه محلات أخرى رخيصة تبيع نفس السلعة ، فهل نحن منتهون؟؟؟!!


                                                           نرمين كحيلة

ليست هناك تعليقات: