الثلاثاء، 2 نوفمبر 2010

عبادة التفكر

   هى عبادة منسية رغم أنها بسيطة وسهلة ولا تكلف مالا ولا جهدًا ، تستطيع أن تمارسها وأنت جالس فى بيتك مع أبنائك ، أو عندما تنظر لنفسك فى المرآه وترى إبداع الله فى خلق جسدك ، أو عندما تذهب لحديقة وترى الزهور مختلفة الأشكال والألوان والرائحة ، أو عندما ترى الشفق عند غروب الشمس واحمرار السماء ، أو إذا جلست على شاطئ النهر أو البحر ورأيت زرقة الماء والأسماك متعددة الأنواع أو إذا نظرت إلى السماء فوجدت الطيور تطير فى أسراب فلا تخطئ طريقها كأنها تسير وفق خريطة وخطة محكمة أو عندما تسير فى الشارع وترى الناس على اختلاف ألوانهم فمنهم الأسود والأبيض واختلاف ألسنتهم وأشكالهم وأصواتهم.
    قال ابن القيم رحمه الله : تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة .. وقال الحسن : "إن من أفضل العمل الورع والتفكر".. وقد ختم الله 13 آية في القرآن بكلمة ( تتفكرون ) أو ( يتفكرون ) . حتى أن الله يتعجب من هؤلاء الذين يكفرون به مع رؤيتهم لآياته فى الكون فيقول:"أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت"(الغاشية 17-20).. وقال بشر الحافى:"لو تفكر الناس فى عظمة الله تعالى ما عصوه"وقال عمر ابن عبد العزيز:"التامل فى نعم الله افضل عبادة"وقال ابو الحسن"تفكر ساعة خير من قيام ليلة" وقيل لأم الدرداء: ما كان أفضل عمل أبي الدرداء؟ قالت التفكر.

والتفكرهو التدبر والاعتبار والافتكار
وفعلها
الانبياء وواظب عليها النبى صلى الله عليه وسلم وكانت حياته قبل البعثة

مباشرة حياة تفكر وتعبد لله. قالت السيدة عائشة رضى الله عنها:"حبب إليه الخلاء" أى كان يصعد إلى غار حراء ويتفكر وحده فى مخلوقات الله حتى جاءه الوحى.
وكانت عبادة إبراهيم عليه السلام كما قال الله عز وجل:"وكذلك نرى ابراهيم ملكوت السموات والارض وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِين"َ بل يقال أنه توصل إلى وجود الله عن طريق تفكره فى الشمس والقمر والنجوم " فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ  فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ  فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ  إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ"(الأنعام 75-78)
ورأى أحد الصالحين ذات يوم فى المنام أنه أذنب ذنبا عظيما ولما سأل عن ذلك قيل له أنه اليوم جلس فى حديقة ورأى مخلوقات الله ومع ذلك لم يتفكر.

حتى أعظم الاختراعات والاكتشافات والنظريات التى أفادت البشرية جاءت نتيجة التفكر فمثلا نيوتن توصل إلى قوانين الجاذبية عن طريق تفكره ومراقبته للتفاحة التى سقطت من الشجرة إلى الأرض ولم تسقط يمينا أو شمالا ، وكذلك أينشتين ونظريته النسبية وأيضا اختراع التليفون والمصباح الكهربائى والطائرة كانت بسبب تأمل الطير وهو يطير ومحاولة تقليده حتى رياضة اليوجا قائمة على التفكر والتأمل. والفلاسفة أمثال سقراط وأرسطو وأفلاطون جاءت فلسفاتهم نتيجة التفكر والتأمل.

    والتفكرهوعلاج نفسي حيث أثبتت دراسة حديثة أن خلو الإنسان بنفسه كي يتأمل عالمه الداخلي ويتعبد ويحاسب نفسه على أخطائها يزيده صقلاً وصفاء، وأشارت الدراسة إلى أن علماء الإسلام أكدوا أن في الخلوة فوائد كثيرة، منها تجنب آفات اللسان وعثراته، والبعد عن الرياء والمداهنة، والزهد في الدنيا، والتخلق بالأخلاق الحميدة، وحفظ البصر وتجنب النظر إلى ما حرم الله تعالى، كما أن التفرغ للذكر فيه تهذيب للأخلاق، وبعد عن قساوة القلب، وفي هذا إشارة إلى أهمية التمكن من عبادة التفكر والاعتبار ولذة المناجاة ومحاسبة النفس ومعاتبتها، وإن معرفتنا بعظمة الله تورث القلب الشعور الحي بمعيّته.
 قال صلى الله عليه وسلم : " تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله". وفي رواية"تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذات الله " . [ رواه أبو الشيخ الأصفهاني في كتاب العظمة والبيهقي عن ابن عمر وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة ] .
وهكذا يشفق الإسلام على هذا العقل الضعيف الذي لا يقوى على التفكر في خلق الله ، فكيف يقوى على التفكر في الله سبحانه ؟!
والمقصود بالتفكر : النظر والاعتبار ، بعين البصيرة ، لا بعين البصر وقيل هى عبادة تمارس بالقلب وتشترك فيها العين وللأسف هى عبادة اندثرت وقليل جدا من يمارسها  مع أن آيات الله في الكون لا تعد ولا تحصى ، ففي كل شئ له آية تدل على أنه الواحد ، وكما قال سبحانه في كتابه العزيز (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) [ فصلت : 53 ] .
والتفكر في آلاء الله ومخلوقاته يقود الإنسان إلى التعرف على قدرة الله وعظمته ، لهذا كان التفكر من أعظم العبادات ، وقد امتدح الله في كتابه المتفكرين (إِنّ فِي خَلْقِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفِ الْلّيْلِ وَالنّهَارِ لاَيَاتٍ لاُوْلِي الألْبَابِ، الّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكّرُونَ فِي خَلْقِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النّارِ) [آل عمران:190، 191].

فهيا بنا نحيى عبادة مهجورة كادت أن تندثرونقتضى بحبيبنا صلى الله عليه وسلم ولنجعل مصايفنا ومنتجعاتنا فرصة عظيمة لكى نقول لأبنائنا نحن ذاهبون هذا العام فى أجازة طويلة نقضيها فى مصيف كذا لكى نتفكر فى خلق الله ، لا بد أن يشب أبنائنا على هذه العبادة.

نرمين كحيلة



ليست هناك تعليقات: