الجمعة، 12 نوفمبر 2010

ليالى الأنس فى أسوان (الحلقة الأولى)

      كان السفر إلى الأقصر وأسوان حلما ً يداعب خيالى منذ نعومة أظفارى ، وقد واتتنى الفرصة لأول مرة حين كنت طالبة بالثانوية العامة مع رحلة مدرسية. كان القطار عاديًا وليس قطار نوم ، يقطع طريقه فى 24 ساعة كاملة ، وركبنا فى الدرجة الثالثة ذات المقاعد غير المريحة ، ثم بدأت البنات ينشدن أغنية"يا وابور الساعة 12 يا اللى مسافر على الصعيد خد منى سلام وتحية وروح لحبيبى فى يوم العيد". ومضى الوقت علينا طويلا كئيبا ونحن فى داخل هذا التابوت المظلم ، ثم جاء الليل بغيضا علينا ونحن له مستسلمون ، ونام كل من فى القطار ، أما أنا فلم أذق طعم النوم قط ، حاولت كثيرًا دون جدوى ، كان على أن أنام وأنا جالسة فى مكانى فليس هناك مكان للنوم. ثم أطفئت الأنوار وغطى القطار كله ظلام دامس وسكون موحش وأنا فى ركن من القطار أقول سرا ً:
         "أيا أيها الليل الطويل ألا انجلى              بصبح وما الإصباح منك بأمثل" 

    وظللت هكذا أتخبط بين ضلوع هذا القطار اللعين وكأننى يونس فى بطن الحوت..لقد كتب علينا أن نظل بداخل هذا التابوت شبه أموات وظللت جالسة تارة القرفصاء وتارة مستندة إلى ظهر الكرسى ولكن هذه الجلسة المتعبة وعدم النوم ما كان يصبرنى عليها غيرشوقى إلى بلاد عشقتها قبل رؤيتها فمتى أصل إليك يا بلاد الحق يا مهد الألى عشقوا الحق وصلوا للجمال إننى أتحمل رحلة شاقة رحلة عذاب بحق تكبدت فيها الآلام من أجلك. إننى أسمع صوت حتشبسوت من وراء معبد الكرنك ، إنها تعرفنى وأنا أعرفها وأسمع صوت رمسيس من وراء معبد أبو سمبل ومعبد كلابشة. إننى آتية يا نفرتارى. انتظرونى كلكم.

      سمعت صوت المشرفات يتحدثن همسا إلى بعضهن البعض بأن القطار ربما يصطدم بقطار آخر فى هذا الظلام الدامس . زاد الخوف فى قلبى .. نظرت إلى رفيقات الرحلة فإذا بهن نيام كالموتى ، أما أنا وحدى أنا لم يغمض لى جفن . ألا تأتى لى أيها النوم كما أتيت للجميع ؟ أم أنك تضن على ببعض سويعات حتى الصباح؟ لا فائدة . تطلعت ببصرى نحو النافذة فرأيت بصيصًا من النور يأتى من هناك .. نظرت إلى ساعتى أرجوها أن تسرع وأن تأتى بالنهار ، مضت ساعات الليل كأنها دهور طويلة . قفز النوم إلى عينى أخيرًا لكنى لم أستطع النوم فى وضع الجلوس بهذا الشكل.. وأخيرًا لاحت فى الأفق خيوط الفجر فاشرأب رأسى كأنه ينتظر حبيب غائب.

    أما المرة الثانية التى أعتبر نفسى فيها محظوظة فهى مناسبة زواج أختى فقد سافرت مع أسرتى لعقد القران والزفاف هناك..وقد ركبنا قطار النوم المتجه من القاهرة إلى أسوان وكان ذلك فى تمام الساعة التاسعة مساءً ، كان القطار من الداخل فاخرا ً ومقاعده وثيرة ، وبعد ساعة كاملة بدأ القطار فى التحرك وبدأنا ننشد أغنية فريد الأطرش:" يامجبل يوم وليلة اطوى السكة الطويلة ودينى بلد المحبوب" وما هى إلا دقائق معدودة حتى جاء عامل القطار وأحضر لنا وجبة العشاء ، وبعد أن انتهينا من الطعام فرشوا لنا الأسِرَّة ثم تمنوا لنا ليلة هادئة وأحلاما ً سعيدة.
  
    ورغم أن السرير مريح إلا أننى لم أذق طعم النوم أيضا وأبى أن يداعب جفونى ومضى الوقت علينا طويلا ً كئيبا ً وحاولت بشتى الطرق قتل ملل الوقت ورتابته دون جدوى. وألقيت بجسدى على السرير العلوى ورغم ذلك لم يغمض لى جفن ، فذكرنى هذا بأسِرَّة السجون وبعد وقت طويل لاحت تباشير الصباح  فتهللت أساريرى وأحسست أن فرج الله قريب ولم يكن يهون على هذا الطريق الطويل إلا صديقى الذى اصطحبته معى ؛ إنه الكتاب الذى كان رفيقى طوال رحلتى.

    وأخيرا ً وصل القطار إلى أسوان ، وكان هذا هو أسعد خبر يمكن أن أسمعه ، وكان بانتظارنا فى المحطة أقارب خطيب أختى فاستقبلونا بترحاب شديد واصطحبونا إلى المكان الذى سنقيم فيه طوال أيام العرس.

   وإلى اللقاء فى الحلقة القدمة ،،،،،
                                                                                     نرمين كحيلة  

ليست هناك تعليقات: