الجمعة، 5 نوفمبر 2010

رحلة نرمين إلى البلد الأمين (الحلقة الخامسة)

    قال لنا قريبنا: أمامكم خياران إما أن تتبعوا الرحلة السياحية وتذهبون معهم إلى المدينة غدًا وإما أن تنتظروا حتى أصطحبكم فى العيد لأنى لاأحب الخروج من مكة فى رمضان..لكن شوقنا إلى زيارة الرسول ورؤية المدينة جعلنا نسرع بالقدوم إليها..سألت قريبنا:"ياترى كم تبعد المدينة عن مكة ؟ هل المسافة بينهما مثل المسافة بين القاهرة والاسكندرية ثلاث ساعات ؟ قال: لا بل أكثر حوالى خمس ساعات. قلت:ياااه!! إنها مسافة طويلة ، كم تبلغ ؟ قال: حوالى 410 كم.

     كان علينا أن نشد الرحال إلى المدينة فجر الغد ، فبعد أن تناولنا طعام السحور أخذنا نحزم أمتعتنا ونعد أنفسنا لسفر طويل..قالت لى خالتى لن نأخذ كل متاعنا ولكن سنكتفى بحقبة صغيرة لى وحقيبة صغيرة لكِ ولكن أرجو ألا تكدسينها بالملابس خذى المهم منها فقط على قدر الأيام القلائل التى سنقضيها هناك.   
     
      كان اليوم هو 11 رمضان وكان مقررًا لنا أن نقضى هناك أربعة أيام حتى 15 رمضان وكنت فى غاية السعادة وأنا أركب الأوتوبيس الذى سيوصلنا إلى المدينة..جلست أنا وخالتى فى أول مقعد وأرجعت الكرسى إلى الوراء لكى أنام لأننا لم ننم طوال الليل استعدادًا للرحلة وكان السائق أجنبيًا من جنوب شرق آسيا لا يتقن العربية وكان يغالب النوم طوال الطريق ، وكنا أول الراكبين ومكثنا فترة طويلة من الوقت ننتظر بقية الركاب وطال انتظارنا حتى اكتمل عددهم وبدأ الأوتوبيس فى التحرك. وركبت ورائى فلاحتان تتحدثان بلهجة ريفية وضاعت كل آمالى فى نومة هنيئة حين نهرتنى إحداهن قائلة:"أعيدى الكرسى إلى الأمام فإنه يؤذى قدمى". كان الكرسى متعبًأ والمسافة طويلة فتضايقت من هذه المرأة التى حرمتنى الراحة.

....وفى الطريق لم يغمض لى جفن فقد حرصت على ألا يفوتنى جبل ولا نخل ولا تل ولا حجر ما بين مكة والمدينة حتى أرى الطريق الذى سار فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم..وأخذت أتخيله وهو يركب ناقته"القصواء" وإلى جواره أبو بكر فى حر الشمس نهارًا وظلمة الليل وبرده مساءً والطريق لم تكن ممهدة مثل الآن بل كانت طريقا وعرة مملوءة بالصخور والرمال والجبال ولم يكن هناك مكيف مثل الذى نحن فيه الآن بل كانت ظروفه صعبة. هذا فضلا عن حالته النفسية وهو مطرود فارًَّا بدينه من ظلم قريش. ووجدتنى أقول: يا حبيبى يا رسول الله كم تحملت من أجلنا ومن أجل توصيل الدعوة إلينا!! جازاك الله عنا خير الجزاء ثم وجدت دموعى تنهمر وأخذت أصلى عليه وأسلم طوال الرحلة..وتخيلت منظر الأنصار وهم يخرجون كل يوم إلى حدود المدينة ينتظرون وصوله فلا يجدونه فيرجعون إلى أن نادى المنادى: لقد وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ أهل المدينة ينشدون: طلع البدر علينا                                                  
 من ثنيات الوداع
        وجب الشكر علينا                                                    
         ما دعا لله داع
        أيها المبعوث فينا                                              
       جئت بالأمر المطاع
       جئت شرفت المدينة                                               
 مرحبًا يا خير داع
 وتخيلت نفسى فى زمن النبى وتصورت نفسى إحدى المهاجرات.
     
   ولما وصل النبى وصحبه اعتقد الأنصار أن نبيهم هو أبا بكر فاتجهوا ناحيته يريدون الترحيب به لأنهم كانوا لم يروه من قبل - ومع ذلك آمنوا به ونصروه – وبذكاء أبى بكر الصديق رضى الله عنه أخذ بُرده أو عباءته وغطى بها كتف الرسول فعرف الأنصار أن أبا بكر ليس هو الرسول واتجهوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم. كان من الممكن مثلا أن يقول لهم:"لست أنا النبى إنه صاحبى هذا" ولكن تصرفه هذا يدل على عبقرية وذكاء وسرعة بديهة ، كم أحبك يا سيدنا أبا بكر! جازاك الله عنا خيرًا ، كان النبى صلى الله عليه وسلم محقًا فى حبه لك إذ وقع اختياره عليك لترافقه.

     ونظرت إلى وجوه الناس فإذا بهم يغطون فى نوم عميق إلا الفلاحة التى خلفى ، ووجدتها تقول لى:"لقد تعب النبى كثيرًا من أجلنا ومشى هذه المسافة الطويلة والله لقد بكيت كثيرًا من أجله". قلت لها: لاحظى أيضًا فرق الظروف هو هاجر فى ظروف مناخية وجغرافية صعبة ونحن الآن نسافر فى المكيف ولا نشعر بتعب ، صلى عليه وسلمى حتى نصل إلى المدينة. ثم قلت لها:ما رأيك حين نصل المدينة ننشد طلع البدر علينا ؟ قالت: موافقة. ثم بعد قليل عادت تلك المرأة تكلمنى فقالت: هل أنت متزوجة ؟ قلت: لا. قالت: الحمد لله ، أنا معجبة بك جدًا ولا أريدك أن تفلتى من يدى ، عندى لكِ عريس ، هو أخو زوج ابنتى ، ولكن الإقامة ستكون فى البدرشين فما رأيك ؟ وقبل أن أجيبها عادت لتقول: هو والله ميسور الحال وعنده محلات جزارة وهو تعليم عالى بوريوس تجارة ده ولا ماعرفش إيه ؟ فقلت: تقصدين بكالوريوس تجارة ؟ قالت: أيوة ! الله ينور عليكِ. أحضرنا له بنات كثيرات فلم يعجبنه ولكنى متأكدة أنك ستعجبينه مثلما أعجبتنى وهو إنسان مهذب وعلى خلق ، وكمان جميل عينه خضراء وشعره أصفر..اعطِنى صورتك ونمرة تليفونك وعنوانك. قلت: ولكنى لست وحدى إن معى خالتى.قالت: وماله أهلاً بها. فسألتنى خالتى بماذا كانت هذه السيدة تثرثر معكِ ؟ فقلت ضاحكة: كانت تخطبنى. فقالت: أنا ولية أمرك والمسؤولة عنك وأى عريس يتقدم لك لازم يكلمنى أنا وإياكِ أن تعطيها صورتك .
      ضج الناس من طول المسافة وملوا حتى أنهم شكوا لمشرف الرحلة الذى وقف فيهم خطيبًا وأمسك بمكبر الصوت وقال: هل تعرفون فى كم يوم قطع النبى هذه المسافة ؟ قالوا: لا نعرف. قال: فى ثلاثة عشر يومًا مع ملاحظة أنه كان ينتعل نعلا ذو إصبع (شبشب) لا يحميه من الطريق والحر والشمس يحيطان به والطريق وعرة ، أنتم الآن فى أوتوبيس مكيف وقضيتم معظم الوقت فى النوم ولم تشعروا بمشقة السفر ، كم أنتم مدللين يا أمة محمد!! نحن الآن سنمر على مسجد قباء أول مسجد بنى فى الاسلام ، صلاة ركعتين فيه بأجر عمرة وسنزور شهداء أحد ولكن ليس الآن بعد أن نذهب إلى الفندق ونستريح.
 .....وأخيرًا وصلنا إلى الفندق ، وكان يطل مباشرة على الحرم النبوى ، ووجدت جميع ركاب الأوتوبيس قد افترشوا الأرض انتظارًا لتوزيعهم على الحجرات ، وطال انتظارنا ووجدت صاحبتنا قريبة العريس تنادينى وهى جالسة على الأرض وتقول لى: ما اسمك ؟ قلت: نرمين. قالت اسمك صعب قوى مش عارفة انطقه. لكن إوعى تنسى موضوعنا  زى ما قلت لك ، يا هناكى يا سعدك لو اتجوزتيه. فابتسمت وقلت لها: ربنا يعمل اللى فيه الخير. ثم قالت لى خالتى:ما يضحكك ؟ فقلت: قابلت حماتى وقبضت علىَّ وحاصرتنى وأخذنا نضحك أنا وخالتى فقال خالى: ما خطبكما؟ فحكينا له فقال: ما حكايتك ؟ كلما ذهبنا إلى مكان يتقدم لك عرسان ! قلت: وما ذنبى أنا ؟
       وأخيرًا وبعد طول انتظار نادى علينا المشرف وقال: هذه حجرتكم. ودخلنا الحجرة فإذا بها مستواها منخفض وليس بها حمام داخلى بل حمام مشترك لحوالى 50 شخصًا رجالا ونساءً. ومطبخ مشترك أيضًا ولما رأى خالى ذلك انفعل جدا وثارت حفيظته وتملكه الغيظ وقال: أنا لا أطيق أن أجلس فى هذه الحجرة لحظة واحدة هيا بنا إلى المسجد النبوى. ووجدت صاحبتنا التى أطلقت عليها حماتى قد وضعتها الأقدار فى الحجرة التى فى جوار حجرتنا ولكنها الحجرة الوحيدة التى بها حمام داخلى.

      وإلى اللقاء فى الحلقة القادمة ،،،،،
                                                                                نرمين كحيلة

ليست هناك تعليقات: