السبت، 6 نوفمبر 2010

رحلة نرمين إلى البلد الأمين (الحلقة الثامنة)

    وفى اليوم الثانى لقدومنا المدينة ذهبنا لزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم..وكان قلبى يدق دقات مسموعة لمجرد أن تصورت أنى سأزوره..كان للنساء وقت مخصص للزيارة ثلاث مرات فى اليوم الأولى من الساعة السابعة مساءً والثانية من بعد صلاة الظهر والثالثة من بعد صلاة التراويح أما الرجال فكان من حقهم أن يزوروه فى أى وقت شاءوا فقلت:واللهِ هذا ظلم واضطهاد ضد المرأة أنا سوف أتنكر فى زى رجل وأضع شاربًا ولحية وأذهب لزيارته..ألم يكفهم أن يفرقوا تفرقة عنصرية بين الرجل والمرأة فى طعام الافطار حيث يحضرون للرجال الكبسة باللحم والدجاج أما النساء فيكفيهن الخبز والدُقة ؟ وحتى عند دخول الحرم النبوى يفتشون النساء ولا يفتشون الرجال..ذات يوم ذهبت بآلة التصوير الخاصة بى وأردت دخول المسجد فمنعونى وقالت لى الفتاة التى تقوم بالتفتيش: إذا كان معك رجل فأعطيها له لأن الرجال لا يمنعون من الدخول بآلة التصوير(الكاميرا). وأيضًا عند الدخول للروضة يفتح لهم الباب فيدخلون عند قبر الرسول أما النساء فيغلق فى وجوههن هذا الباب وعندما يدخلن تقوم الفتيات بطردهن بسرعة أما الرجال فيمكثون ما طاب لهم من الجلوس.
  
  وسألنا: من أين ندخل عند رسول الله ؟ قالوا من الباب 25 المسمى باب عثمان بن عفان ، فهرعنا إلى هناك.
      بُعَيْد صلاة الفجر اتجهنا ومعنا جمهرة من النساء للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم..وكانت تنتابنى مشاعر فياضة ، وأحسست أننا ذاهبات لمبايعة النبى بالسمع والطاعة مثل بيعة العقبة الأولى والثانية وبيعة الرضوان حين كانت النساء تذهب لمبايعته ألا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا..... توافدت جموع الناس فى شوق كبير لدخول الروضة حيث قال عنها النبى:"ما بين بيتى ومنبرى روضة من رياض الجنة".
     كانت كل جالية تدخل معًا يعنى مثلا المصريات يدخلن معاً والصوماليات يدخلن معًا والسوريات يدخلن معًا ...... وهكذا. كان علينا الانتظار فى أحد أركان المسجد حتى يحين الموعد ويُسمَح لنا بالدخول. وجلست أنا وخالتى ننتظر فإذا بالفتيات المشرفات والمنظمات لهذا الأمر كلهن منقبات والعجيب أنهن لا يكشفن وجوههن أبدًا رغم أننا كلنا نساء. وأخذن يخطبن فينا عن أدب الدخول عند النبى صلى الله عليه وسلم وماذا نقول عند قبره وكيف نصلى عند الروضة ركعتين ؟ ثم نهيننا عن الزغاريد عند القبر لأن المصريات حين يدخلن الروضة يعبرن عن فرحتهن بالزغاريد.
    والعجيب أن واحدة منهن قالت: "يا أختى إذا كلفك أحد بأن تبلغى النبى بسلامها فلا تبلغيه لأن هذه هى مهمة الملائكة وليست مهمتك أنتِ. بل ادعى لها ولا تبلغيه شيئًا". والحقيقة أن هذا الكلام استفزنى لأن هناك من أوصانى وحملنى أمانة إبلاغ النبى بالسلام واعتبرت أن هذه أمانة فعلا فالأمانة ليست بمعناها الضيق فى حفظ الأموال ولكن الأمانة يمكن أن تكون كلمة أسرَّ بها شخص لشخص آخر ويريدها أن تبقى سرًا أو أن شخصًا طلب منك إبلاغ كلمة لشخص آخر.. وتذكرت أنى سمعت ذات مرة فى التلفاز شيخ يروى قصة رجل من السلف ذهب لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم فطلب منه صاحبه إبلاغ سلامه له ، فذهب الرجل وزار النبى ولكنه نسى أن يبلغه سلام صاحبه وركب ناقته عائدًا إلى بلده وفى الطريق بعد أن قطع مسافة طويلة تذكر وصية صاحبه فرجع إلى النبى رغم ما فى هذا من مشقة ثم وقف أمام ضريحه يقول:" يا رسول الله إن فلانًا هذا يبلغك السلام" ثم أخذته سِنة من النوم أمام الضريح فرأى النبى صلى الله عليه وسلم فى المنام يقبله بين عينيه ويقول له:"يا أمين إنك سترافقنى فى الجنة". وهذا معناه أن تبليغ السلام أمانة وفعلٌ محمودٌ وليس جريمة كما تصورها هذه الفتاة.

     المهم أن انتظارنا طال منذ الساعة السابعة وحتى التاسعة والنصف حتى أن الناس ضجت وملت وسمعت همهمات تستنكرهذه المعاملة السيئة فهذه سيدة تقول: لماذا يعاملون المصريين هكذا ؟ هل نشحذ منهم ؟ كل الجاليات تدخل إلا المصريين ، إن هذه الفتاة تشبه طائر الحدأة.(تقصد أنها متشحة بالسواد مثل الحدأة) وتعالت صيحات الناس واعتراضهم ورفضهم لهذه المعاملة فمنهم المسن ومنهم المريض ومنهم من نام من طول الانتظار.
 
     وكانت الفتيات تحاولن تهدئة السيدات الثائرات دون جدوى. فقالت لى خالتى:"لقد تعبنا من طول الانتظار ولكن ألا يستحق رسول الله هذا العناء من أجله ؟" فقلت: طبعًا يستحق والله لو وقفنا العمر كله فى انتظار الدخول إليه لفعلنا وما وفيناه حقه".

     وأخيرًا قيل لنا تفضلوا بالدخول فتزاحم الناس وتدافعوا ووكزتنى امرأة لتتقدم علىَّ فى الدخول وقالت لى خالتى: امسكى بذراعى جيدًا ولا تبتعدى عنى حتى لا تضيعى وسط هذا الزحام. وكنت أكلمها وأنا أتمايل يمنة ويسرة من شدة تدافع الناس ووكزهم لى. ورأيت دموع الناس تنهمر من مآقيهم تأثرًا بهذا الموقف وقيل لنا أن الروضة مفروشة بالسجاد الأخضر وأما ما عداها فهو بالسجاد الأحمر. ووصلت إلى الروضة بصعوبة بالغة وحاولت الاقتراب من الضريح فلم أستطع فألقيت السلام على النبى وقلت: السلام عليك يا رسول الله ، اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، أشهد أنك أديت الأمانة وبلغت الرسالة ونصحت الأمة وكشفت الغمة فجازاك الله عن أمتك خير الجزاء ثم ألقيت السلام على أبى بكر الصديق وعمر بن الخطاب وقلت:رضى الله عنك وأرضاك. وصليت ركعتين بصعوبة بالغة ثم قيل لنا: من صلت فلتخرج حتى تتيح الفرصة لغيرها وجذبونا بالقوة فى محاولة لإخراجنا وكنت لا أريد الخروج لأنى أريد أن أنعم بجوار الرسول ولو لبضع دقائق لكن ما باليد حيلة اضررت أن أخرج وأنا أستدير برأسى ناحية القبر الذى أغلقوا بابه وعيناى دامعتان لا تريد التحول عن ذلك المكان الطاهر.
     أحسست بخيبة أمل كبيرة فقد أعددت لهذا اللقاء ومهدت له ومنيت نفسى بالأمانى أنى سأقف أمام قبر النبى صلى الله عليه وسلم وأكلمه لأنى أعلم أن الأنبياء يحيون فى قبورهم ويسمعون ويشعرون بزوارهم وأن الأرض لا تأكل أجسادهم..وقلت:"ما أشد فرحتك وافتخارك بأمتك يا رسول الله!! لقد أتت هذه الجموع من أجل الحظوة بزيارتك ، لا يوجد إنسان فى العالم يزوره الناس بمثل هذه الكثرة العددية إلا النبى ، فكأن الله سبحانه وتعالى قال له: سأجعل أفئدة الناس تهوى إليك حتى بعد مماتك لتعلم مكانتك عندى وإذا كان كفار مكة كرهوك فسوف أجعل مسلمى الأرض جميعًا يحبونك".

    وإن القبر الوحيد المؤكد أن النبى مدفون فيه هو هذا القبر فليس نبى آخر معروف قبره فمثلا سيدنا هود أو موسى أو صالح قبورهم ظنية وليست يقينية. ولكنى أحسست أن أهل المدينة يحتكرون النبى ، صحيح هو مدفون عندهم ويحبونه لكنه مِلْك لكل المسلمين وليس حكرًا على أحد وتذكرت أنه فى إحدى الغزوات قسم النبى صلى الله عليه وسلم الغنائم بين الناس ولم يعطِ الأنصار نصيبهم فغضب الأنصار وقالوا: أين نصيبنا ؟ فقال لهم فيما معناه: أليس الناس سينصرفون وأنا أبقى معكم ؟ ألست أدفن فى مدينتكم ؟ ألا يكفيكم أن معكم رسول الله ؟ فبكى الأنصار حتى سمع نحيبهم.

     وإلى اللقاء فى الحلقة القادمة،،،،
                                                         نرمين كحيلة

ليست هناك تعليقات: