الثلاثاء، 9 نوفمبر 2010

رحلة نرمين إلى البلد الأمين (الحلقة الثانية عشر)

        كنت قد أطلقت على الفلاحة التى تريد تزويجى من قريبها لقب"حماتى" كنوع من الدعابة ، وأثناء مرضى بينما كنت طريحة الفراش إذا بخالتى تقول لى: هل تعرفين ماذا فعلت حماتك ؟  فقلت متعجبة: ماذا حدث ؟ فقالت: كنا اليوم جالسين مع صديق خالك معاذ وكان يتحدث عنها دون أن يعلم أنها خطبتك فتحدث بتلقائية شديدة عنها:قلت: وماذا قال؟ فقالت خالتى:شكا منها مُر الشكوى وقال أنها علقت حبل غسيل فى منتصف حجرتها فى الفندق ثم نشرت ملابسها عليه ، كما أنها ظلت كل يوم تنادى على ابنها فى الحجرة المجاورة بأعلى صوتها وتفتح الباب عليه فجأة هو وزملائه دون استئذان ، وهى سيدة ليس عندها حياء ، وأخذ يعدد مساوئها. فقلت: غريبة! فقالت خالتى: شوفى بقى يا نرمين الست دى ماتناسبناش وحتتعبك ، دى ست فلاحة وأمية وكمان الكلام اللى قاله صاحب خالك عنها يخوف...أنا رأيى نبعد عنها أحسن ولو كلمتنى ح اعتذر لها. فقلت: خلاص اللى تشوفيه يا خالتى.

         المهم أن قريبنا ذهب للتنعيم وأحرم من هناك وكذلك زوجته ثم ذهبنا لصلاة التراويح ..وفى المول الذى نصلى فيه نادانا بائع العطور معلنًا عن سلعته وقال لنا شموا هذه الرائحة الجميلة فسوف تعجبكم وعليها تخفيضات كبيرة. فأخذت أنا وخالتى نستنشقها ونضع بعضًا منها على ملابسنا وأيدينا ونحن محرمات للعمرة وقد نسينا أننا فى حالة إحرام. وبالمصادفة ونحن نقول لخالى أننا اشترينا بعض العطور تذكرنا أن هذا الفعل يلزمه ذبح. فقلت لخالتى: يا الله كيف نسينا أننا محرمات وفعلنا ذلك ؟؟ هذا من فعل الشيطان الذى أغرانا بشراء العطور ، ماذا نفعل الآن ؟ هل سننفق كل ما معنا فى  الذبح؟ وأخذت كل واحدة منا تلقى باللائمة على الأخرى وأنها هى السبب فيما حدث..فقال خالى قريبنا: ليس أمامكما إلا حل واحد هو أن تسألا شيخ من شيوخ الحرم تستفتيانه فوافقنا وذهبنا فعلاً إلى الشيخ ولكنه رفض أن يقابلنا وجها لوجه لأننا غير منقبات وقال: لديكما تليفون خارج حجرتى ارفعا السماعة وسوف أرد عليكما ؛ ففعلنا فقال لنا: هل ذهبتما للعمرة بهذا العطر أم غسلتماه ؟ فقلنا: بل غسلناه وأزلنا أثره من أيدينا فقال: وهل خلعتم الملابس التى بها العطر قبل العمرة أم اعتمرتم بها ؟ فقلنا: بل خلعناها واعتمرنا بغيرها. فقال: إذن ليست هناك مشكلة ، ليس عليكم دم.
    ففرحنا بهذه الفتوى أيما فرحة وحمدنا الله وقلت لخالى: أنت السبب فيما حدث لأنك أطلت علينا فترة الإحرام وأجلت العمرة لليوم التالى فكانت هناك فرصة للخطأ..
     وكانت هذه العمرة يسيرة وجميلة إذ أن قريبنا وزوجته كانا معنا ، وأثناء الطواف كان يمسكنى أنا وخالتى من أكتافنا ويحوط علينا حتى لا نتوه وسط الزحام فشعرت بإحساس جميل بأنه مثل الأسد الذى يخاف على أهل بيته ويحميهم ضد أى معتدى..كما شعرت بأجمل إحساس لصلة الرحم.
      وكنت طوال العمرة أدعو لأمى وأقول: اللهم إنها علمتنا حبك وطاعتك وكانت طائعة لك محبة لك فاغفر لها وارحمها واجعل قبرها روضة من رياض الجنة واجمعنى بها فى الفردوس الأعلى واجعل هذه العمرة فى ميزان حسناتها وحسناتى. ثم ذهبنا لصلاة الفجر فى الحرم المكى وكان المكان مزدحما كعادته حتى أنى لم أجد إلا البلاط لكى أسجد عليه وكانت سيدة ترقبنى فرقت لحالى ، فأشارت إلىَّ بسجادة صلاتها فاقتربت منها فقالت: خذى هذه السجادة وصلى هنا أمامى لأنى أصلى وأنا جالسة. فشكرتها ودعوت لها الله أن يجازيها خيرًا فقالت لى: علام تشكريننى أنا لا أحتاج السجادة وأنت تحتاجينها فلماذا لا أعطيها لكِ ؟ فسألتها من أى البلاد أنتِ؟ فقالت: أنا جزائرية. وأنتِ؟ فقلت: مصرية. فربتت على كتفى ودعت لى.  
      وبعد انتهاء العمرة والتحلل من الاحرام جمعنا قريبنا وقال: عندى اقتراح أريد أن أعرف رأيكم فيه ؟ فقلنا:وما هو ؟ فقال: أريد أن أجمع شمل عائلتنا من جديد ؟ فقلنا: وكيف ذلك ؟ فقال: أنتم سوف تساعدونى ، سوف نكتب أسماء شجرة العائلة من طرف الأب والأم حتى الأقارب الذين انقطعت صلتنا بهم أو الذين بيننا وبينهم خصومة ثم نتصل بهم ونقابلهم ونعيد الصلات المقطوعة لصلة الرحم لننال ثواب ذلك. فصحت بأعلى صوتى: فكرة رائعة وأنا سوف أساعدك بقدر ما أستطيع ألا تعلم أن الرحم أخذت بحقو الرحمن فقال:ألا ترضين أن أصل من وصلك وأن أقطع من قطعك ؟
ثم قال:أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسمًا من اسمى فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته..وقال النبى صلى الله عليه وسلم:"من سره أن يبسط له فى رزقه وأن ينسأ له فى أثره فليصل رحمه".
     ثم ذكرت له قصة رجل كان يعانى من أزمة مادية فأخذ يفكر كيف يخرج من هذه الأزمة فهداه تفكيره إلى أن صلة الرحم تجلب الرزق بنص الحديث الشريف فتذكر أن له خالة فى الصعيد لم يزرها منذ سنوات طويلة فسافر لها وتكبد المشاق وقضى اليوم كله معها ففرحت به ودعت له..وعندما عاد هاتفه صديق قائلاً له: أين أنت يا رجل أنا أبحث عنك لأعطيك نقودك التى اقترضتها منك ؟ وهكذا صدق الله وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم.
     ثم أردف قائلاً: ونعمل صندق تكافل اجتماعى ونبحث من فى العائلة يحتاج مالاً نعطيه ومن يحتاج زوجة نزوجه ومن لديه مشكلة نحلها له.فقلت: هذه فكرة عمرو خالد كان يقول: أنه يجب على كل أسرة أن تفعل ذلك فربما كان هناك شاب يريد الزواج ولديه عروس مناسبة فى عائلته وهو لا يدرى لكن إذا تقابلت العائلات فسوف يحدث نوع من الحب الأسرى والتكافل وسنقضى على مشكلات كثيرة.
     فقالت خالتى: ولكن هناك من الأقارب من هم مثل العقارب فكيف نأمن لهم ونتواصل معهم ؟ فقلت: يا خالتى إن بركة نيتنا ستحمينا من شرورهم وأيضًا الإحسان إلى هذا النوع من الأقارب هو أفضل فى الاسلام لأنه يكون لوجه الله كما فعل أبو بكر رضى الله عنه مع الرجل الذى رمى ابنته عائشة. 
      ثم أحضر قريبنا صورة تجمع الجد الأكبر لعائلة أمى وهو يرتدى العمامة والكاكولا ويقال أن له مقام يُزار لأنه بعد وفاته اعتبره الناس من أولياء الله الصالحين ثم أولاده ومنهم جدى أبو أمى ومنهم عمها وكان شيخًا بالأزهر وعالم من علمائه الرواد..فقلت متهللة: أهذا هو جدى ؟! هذه هى المرة المرة الأولى التى أراه فيها ، إنه يشبه الإمام محمد عبده فى ملبسه وهيئته وملامحه..ثم سألته خالتى: من أين حصلت على تلك الصورة النادرة ؟ هل هى من النت؟ فلم يجب خالى.
    قلت: إنى سمعت من جدتى أن عائلتنا مشهورة بالتدين فقد قالت لى أن أمها وهى تحتضر انبعثت رائحة عطرة فى حجرتها لأنها كانت صوامة قوامة وسمعت أن خالة أمى عندما نزلوا بها القبر كان الوقت ليلا ومع ذلك كان القبر ينبعث منه النور حتى أنهم تعجبوا من أين يأتى ذلك النور ؟ وبعد سنة من دفنها فتحوا القبر ليدفنوا شخصًا آخر فوجدوا جثتها كما هى لم تتحلل..فالدين فى عائلتنا وراثى.
         وإلى اللقاء فى الحلقة القادمة ،،،،،،
                                                                                         نرمين كحيلة

ليست هناك تعليقات: