الجمعة، 12 نوفمبر 2010

هل اللغة العربية فى طريقها للاندثار؟ (الحلقة الثانية)

   ويقول صاحب محل "بيوتى سنتر" عن سبب هذه التسمية أنه يخشى حدوث لبس لدى الناس فلا يفرقون بينه وبين الكوافير إذا كتب على واجهة محله مركز تجميل ؛ لهذا فقد لجأ للاسم الأجنبى وأضاف أنه فى بيته يمنع أولاده من التحدث بأية لغة أجنبية أو أن ينادونه بكلمة "بابى" أو"دادى" كما أنه أبدى قلقه تجاه اعوجاج الألسنة فى قراءة القرآن بسبب ضعف اللغة العربية وعدم الاهتمام بها وأرجع ذلك إلى انشغال الأسرة عن تأصيل العروبة والدين فى نفوس أبنائها فيترك الآباء أبناءهم فريسة للانترنت والدش وكل وسائل التغريب ، ثم طالب بعودة حصص الخطابة فى المدارس.
    أما محل "بلاك فورست" الذى يترجم فى العربية إلى الغابة السوداء فقد قال صاحبه أنه استوحى ذلك الاسم من اسم قطعة جاتوه يبيعها حيث أنه محل للجاتوهات والحلويات ، كما أنه (من وجهة نظره) اسم شيك.. كل هذا يجعلنا نأسف حقاً إذ ليس هناك لغة أشيك من اللغة العربية - إن جاز لنا التعبير- كما أننا لو تمعنا فحوى الاسم لأدركنا مدى قبحه وليس شياكته فكيف يفكر إنسان عاقل أن يشترى أو يأكل قطعة جاتوه من غابة سوداء مظلمة ؟ فهل هذا جهل باللغة أم عدم اعتزاز بها ؟ وهناك محلات أخرى كثيرة تحمل أسماءً أجنبية مثل كوافير "جولدن فينجرز"(الأصابع الذهبية) ومحل "واى نوت"(لماذا لا ؟) ومحل "فاست بريك" (الافطار) ومحل "رهف" لبيع الطرح للمحجبات الذى دفعنى فضولى لدخوله فسألت العاملة به: أتعرفين ما معنى كلمة رهف ؟ قالت: هو اسم جميل لكنى لا أعرف معناه فقلت لها:هى كلمة عبرية تعنى تنين متوحش صارع الرب قبل بدء الخليقة وهو مذكور بالتوراة ، فتعجبت الفتاة وقالت أنها سوف تطلب من صاحب المحل أن يغير هذا الاسم القبيح.
   وعلى واجهات المحلات أصبح مصطلح "كوافير" حالياً يحل محل كلمة "مزين" قديماً التى كانت تحمل معنى أجمل كثيراً) أو مصفف شعر ، و"سوبر ماركت" بدلاً من سوق أو بقالة ، و"جاليرى" بدلاً من معرض وحتى من لديه قط أو كلب يسميه اسماً أجنبياً ، وأسماء معظم المنتجات فى الأسواق أجنبية رغم أنها مصرية وفى الشركات حلت كلمة "مستر وميس" محل كلمة أستاذ وأستاذة وكذلك فى المدارس أصبحنا نقول:"كى جى وان" و"كى جى تو" وعند الانصراف نقول "باى" بدلاً من مع السلامة أو السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    ويقول دكتور حامد عونى-الأستاذ الأسبق بكلية اللغة العربية أن الله تعالى جعل من سنته أن يكون بين الأمة ولغتها صلة فى الرفعة والانحطاط ، والموت والحياة فكلما ارتقت اللغة ارتقت منزلتها وكلما انحطت الأمة انحطت لغتها ، كذلك تحيا اللغة بحياة الأمة وتموت بموتها ، تلك سنة الله فى خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً. وإذا كان لسان المرء أحد أصغريه المقومين له ونصفه المنضم إلى فؤاده ليكونا وحدته- لسان الفتى نصف ونصف فؤاده- فالأمة كذلك لسانها أحد أصغريها ، ونصفها المتمم لوجودها ؛ ومن ثم ندرك سر عناية الأمم القوية بنشر لغتها وفتح دور العلم وتشجيع الناس-ببذل الجوائز والهدايا- على الاقبال عليها. وهذا معناه أن اللغة عنوان الأمة ، وأن رقيها وامتداد ظلها هو رقى للأمة وامتداد لسلطانها.

    أما الدكتور سيد عبد الغفار – الأستاذ بقسم اللغة العربية جامعة الأسكندرية -فيقترح أن تسن الدولة قانوناً يمنع أصحاب المحلات وشركات الأدوية من تسمية المحلات والأدوية بأسماء أجنبية فما دام الدواء يصنع فى مصر ومن قبل شركة مصرية فالأولى به هو الاسم العربى ، ويجب توقيع غرامة على المخالفين ، وهناك طفل ما قبل المدرسة يحفظ الكثير من الكلمات الأجنبية ويفرح به أهله حينما يتلفظ بها فلماذا لا نحفظه بيتاً من الشعر العربى البسيط يحوى كلمات عربية كحصيلة لغوية ؟ كما يجب أن نفتح مدرسة تحسين الخطوط التى كانت قائمة من قبل وأغلقت لأن الخط العربى فيه جمال ويجب أن يساهم المجمع اللغوى فى إقامة ندوات عن أهمية اللغة العربية ، وأضاف أن الألفاظ الجديدة بين الشباب أخطر ما يكون على اللغة العربية. صحيح أن كل طائفة لها لغتها يعنى مثلاً فئة الصناع لها لغة وفئة الزراع لها لغة وفئة السباكين والكهربائية لها لغة لكن فئة المثقفين من شباب الجامعات يجب أن يعلوا بشأن اللغة ولا يهدمونها ، فهناك كلمات بذيئة وركيكة ومنفرة مثل كلمة"روش" بمعنى متمشياً مع الموضة وكلمة "طحن" بمعنى جداً وكلمة "ستايل" أى أحدث موضة وكلمة "نيو لوك" أى التغيير إلى شكل جديد وكلمة "احلق له" أى اجعله ينصرف وكلمة "نفض له" تقال للمكبوس و"كبر الجمجمة" أى كن عاقلاً ولا تؤاخذ الناس بافعالهم و"شنكوتى" أى زير نساء....إلخ.

    وقد ساهمت الأغانى الهابطة فى ترويج مثل هذه الكلمات التى يعاف اللسان عن ترديدها. وتعليقاً على كلام الدكتور سيد عبد الغفار فإن الخط العربى يعتبر من أجمل الخطوط فى العالم ويكفى أن نعرف أنه عندما سقطت الأندلس فى يد الأسبان وقاموا بتدمير القصور والمساجد وكل شئ يخص المسلمين كان الرجل يأخذ اللوحات المكتوبة لإعجابه بروعتها وجمالها ويعلقها ببيته وهو لا يعلم أن ما علقه على جدران بيته هو عبارة:"بسم الله الرحمن الرحيم" أو"الله أكبر" أو أية آية قرآنية.

   وهناك صورة أخرى لهدم اللغة العربية والتطاول على معتقداتنا الدينية وهى مصطلحات لو تعمقنا فيها لوجدناها محرمة ومثال ذلك - كما يقول الشيخ مسعد أنور- الحلف بغير الله مثل قولنا: "والنبى" أو "والكعبة" أو "وشرفى"أو "والمصحف الشريف "أو "والنعمة الشريفة" وسب الدين والاستهزاء بالله ورسوله وكتبه فى النكات مثلاً ، فينبغى أن نعلم أن هذه المواضيع لا تصلح مادة للمزاح وأيضاً توجيه اللوم لله عند نزول المصائب وسب القدر الإلهى لأن هناك نوعان من القدر:قدر يصنعه الإنسان لنفسه مثل السرقة والقتل وغيرهما، وقدر يصنعه الله لعباده مثل الموت والرزق.. وقولنا للزرع الذى نبت دون تدخل الإنسان أنه زرع شيطانى بل الصحيح أن نقول:زرع ربانى لأن الشيطان لا يزرع بل الله هو الذى ينبت الزرع.. ومثل قولنا للشخص الذى مات ربنا افتكره وهذا خطأ لأن الله لا ينسى أحداً من عباده حتى يتذكره وقولنا "سأعتمد على الله وعليك" لأن الواو تفيد الندية والأصح أن نقول:سأعتمد على الله ثم عليك لأن كلمة "ثم" تفيد الترتيب والتراخى يعنى الله أولاً ثم الإنسان ثانياً. وهناك مقولات شائعة تدعو إلى التذلل لغير الله والإمعية مثل المثل القائل "إن كان لك عند الكلب حاجة قل له يا سيدى" و"أربط الحمار مطرح ما يعوز صاحبه" وإذا نزلت فى أرض أهلها يعبدون العجل حش وادى له"
والسؤال الآن: إذا كان عبد الملك بن مروان قد عرب الواوين فهل نحن بحاجة لكى نعرب كل حياتنا ؟  
                                                       نرمين كحيلة



ليست هناك تعليقات: