الجمعة، 12 نوفمبر 2010

ليالى الأنس فى أسوان (الحلقة الرابعة)

      وتم توزيع اللحم على الفقراء والمساكين وأيضا ًضيوف العروسين فى ذلك اليوم وهو ما يسميه أهالى أسوان "إطعام" وهو تقليد متبع قبل يوم الزفاف وله أصل فى الإسلام وهو الوليمة. وتم طهى ألوان مختلفة من الأطعمة منها مثلا ً معكرونة بالبشاميل وكافة أنواع المحاشى وكفتة الأرز المغمورة فى الصلصة الحمراء وسلطة طحينة وطبعا ً لحم بقرى طازج ، كل ذلك طُبِخَ فى إحدى الجمعيات الشرعية ثم أتوا لنا بنصيبنا من هذه الوليمة فدعوت صديقتى على مائدة الغداء وكانت لم تنصرف بعد ووجدتها مبهورة بما ترى وتتذوق لأول مرة فى حياتها فقد أعجبها المحشى كثيرا ًولكن أكثر شئ أعجبنى فى صديقتى أنها تطبق الإسلام رغم أنها غير مسلمة إذ أنها لا تأكل إلا إذا جاعت وحين تأكل لا تشبع: بمعنى أنها لا تكدس معدتها بالطعام مثلما يفعل كثير من المصريين بل تأخذ حاجتها الضرورية فقط كما أوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال:"... بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه". ثم أحضروا لنا صندوقا ًمن المياه الغازية.

      وفى المساء ذهبنا إلى منزل العريس فوجدنا صيوانا كبيرا قد نصب واصطفت الكراسى على جانبيه وأنوار ساطعة ملونة على باب المنزل تنطفئ ثم تضئ بسرعة فائقة وكان العريس يرتدى فى تلك الليلة جلبابا ًأبيض ووقف لاستقبال المدعوين وجلس شيخ مكفوف يتلو آيات من الذكرالحكيم. وعندما رأت صديقتى هذا المشهد لأول مرة حين وطئت قدمها أرض ذلك المكان وهى تنزل من التاكسى فغرت فاها وبدت الدهشة على وجهها ثم شهقت شهقة المذهول فقلت لها:"أوتعجبين من هذا المشهد؟ "قالت:"نعم ، لم أرَ مثله فى حياتى" فشرحت لها ما تراه. ثم ولجنا إلى داخل المنزل حيث اصطفت السيدات اللائى جئن للتهنئة وصوت أغانى الأفراح ينبعث من جهازالتسجيل.

      كان الجميع يسأل عن الصداقة التى تربط بينى وبين"آنيت" وكيف بدأت وكيف استمرت؟ وكنت أترجم لها كل ما يدور حولها من أحاديث باللغة الانجليزية وكانت المفاجأة أنها تعلمت بضع كلمات عربية مثل كلمة شكرا ً ، والسلام عليكم ، وكلمة لا ، وإن شاء الله ؛ حيث سألتنى عن معنى هذه الجملة فقلت لها أننا كمسلمون نؤمن أنه لا يتم شئ فى هذا العالم إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى فقد نريد شيئا ًوالله يريد شيئا ً آخر فكانت تسمع منى بإنصات واهتمام وقد لفتت أنظار الجميع بهدوئها وأخلاقها العالية لدرجة أن كثيرين كانوا يظنون أنها أختى بسبب تشابهنا فى كثير من الصفات وليس الملامح ، فكنت أرد عليهم بأنها أختى فى الإنسانية وفى قرار نفسى كنت أقول أن من تتصف بأخلاق الإسلام خسارة كبرى ألا تكون مسلمة ثم دعوت الله لها بالهداية على يدى ، وأحسست منها بميل قلبى للإسلام ، ثم أعطيتها شرائط وكتب لتعليم اللغة العربية للأجانب ففرحت بها وشكرتنى وأحسست أن الله جل وعلا قد أرسلها لى هدية حتى أدعوها لأنه يعلم أنى ليس بمقدورى السفر لأوروبا للدعوة.

     وحينما بدأ الشيخ فى التلاوة خرجنا للاستماع فكان مكاننا بين السيدات فى موضع مظلم ضيق فى مؤخرة صفوف الرجال فسألتنى صديقتى فى دهشة وحيرة :"لماذا يستأثر الرجال عندكم فى مصر بأفضل الأماكن التى تمتلئ نورا ًثم يتركون لكن أنتن معشرالنساء الأماكن المظلمة الضيقة ، وماذا لو جلسنا الآن مع الرجال فى نفس المكان؟" فقلت لها:"يا عزيزتى إن الإسلام قد منح المرأة حقوقا ً كثيرة واحتراما ً كبيرا ، ولكن بعض العقول الضيقة من الرجال مازالت تنظر للمرأة على أنها كم مهمل ينبغى أن يتوارى دائما ً خلف الرجال ، مكانهن فى الظلام وفى الأماكن غير الآدمية ، وهذا ليس من الإسلام فى شئ" فضحكت وقالت:"وماذا لو اقتحمنا على الرجال مجلسهم الآن ؟ أظن أنهم سيقتلوننا" وتعالت ضحكاتنا وأنا أقول لها :"إن الأفكار المغلوطة لا بد لها من وقت طويل حتى تتغير وإن مصر منذ خمسين عاما ً مثلا ً كان حال المرأة فيها أسوأ من الآن بكثير ولكنها تحت دعاوى قاسم أمين ونبوية موسى وغيرهم بدأت شيئا ً فشيئا ً تعود بعض الحقوق للمرأة ، وإن الرجل الشرقى بوجه عام يعتقد أن المرأة مجرد خادم مطيع له ليس لها أية حقوق إلا ما سمح وتفضل به هو والأغرب من ذلك أننى طالبت أكثر من مرة بوقف الاضطهاد ضد المرأة على صفحات الجرائد فلم يستجب أحد بل الأدهى من ذلك والأمرّ أن النساء أنفسهن استمرأن تلك الحالة من الذل والهوان حيث استطاع الرجل إفهامها أن إذلالها هو أفضل شئ لها".

     وبعد انتهاء الحفل عدنا إلى البيت وأوصلتها إلى محل إقامتها وتمنيت لها نوماً هادئا ً وأحلاما ًسعيدة ، واتفقنا على أن آتى لها فى الصباح فى تمام الساعة الحادية عشرة لاصطحابها إلى الزفاف.

وإلى اللقاء فى الحلقة القادمة ،،،،،
                                                           نرمين كحيلة

ليست هناك تعليقات: