الجمعة، 12 نوفمبر 2010

ليالى الأنس فى أسوان (الحلقة السابعة)

     ذهبت إلي صديقتى فى الصباح وجاءت معى إلى منزلى ، ودعوتها إلى الفطور فقالت أنها أكلت فى الفندق فاشتريت لها بعض العصائر ، وتعمدت أن أصلى أمامها ولما رأتنى أصلى فى اتجاه معين سألتنى:"كيف تحددين اتجاه الصلاة" فقلت لها:"كلنا نتوجه إلى الكعبة"فقالت:"وما الكعبة ؟"قلت:"بناء بناه النبى إبراهيم"قالت:"وكيف تعرفون أنكم الآن فى مواجهة ذلك البناء؟"قلت:"لابد أن يكون ظهر المصلى فى مواجهة البحر وإذا تعذر معرفة القبلة فليصلى فى أى اتجاه لأن الله موجود فى كل مكان..ثم طلبت منى أن نذهب ل"بازار أسوان" فاستجبت لرغبتها ، وحين نزلنا سألت صاحب محل "سوبر ماركت" عن الطريق فإذا به يترك حانوته ويجتاز الشارع إلى الجهة المقابلة ثم يشير إلى وسيلة مواصلات ويطلب من السائق إيصالنا إلى المكان المنشود ، فتعجبت لهذا الكرم الأخلاقى الذى يتميز به أهالى أسوان وشكرته..كانت وسيلة المواصلات التى ركبناها غريبة جدا ً لم أعتدها فى الإسكندرية ولا حتى فى القاهرة ، تسمى "الكبوت" وهى تشبه عربة التراحيل التى يركبها المجرمون الذاهبون إلى السجن ، وكان يفصل بيننا وين السائق حاجز لا نستطيع أن نكلمه إلا عن طريق الجرس إذا أراد أحد أن ينزل فليرن الجرس فيتوقف السائق.

      وصلنا إلى شارع يمتلئ بالبازارات وكنا كلما مشينا نادانا البائعون الذين كانوا يحسنون التحدث بكل اللغات فتضحك صديقتى وتقول:"إن البائعين يكلموننى بثلاث لغات"فأقول:"لأنهم لا يعلمون جنسيتك". وأخيرا ً توقفنا عند أحد الحوانيت التى تبيع القمصان الحريمى (تى شرت) الملونة فاشترت صديقتى بعضا ًمنها ثم سألنى البائع ما جنسيتها ؟ فقلت:"ألمانية" فإذا به يتحدث الألمانية بطلاقة أذهلت صديقتى ثم التفت إلى وكلمنى عن البيع والشراء فى أسوان ، فقالت له:"ماذا تقول؟" فقال:"إنى أتحدث إلى أختى المصرية". وهكذا مشينا إلى حانوتِ آخر فقال:"تعالى أساعدك فى إنفاق أموالك"فانفجرت صديقتى فى الضحك ؛ فقلت لها:"ألا تعلمين أن الشعب المصرى خفيف الظل؟ إنه مشهور بذلك منذ أيام الفراعنة حين أوفدت الملكة حتشبسوت رحلة إلى بلاد بونت لاستجلاب البخور والعطور وأشياء أخرى فوجد المصريون زوجة ملك بونت سمينة جدا ً وكان هذا شيئا ً غير مألوف بالنسبة للمصريين الذين كانوا يمتازون بالرشاقة فسجلوا تفاصيل الرحلة على جدران أحد المعابد وصوروا زوجة الملك بشكل كاريكاتيرى مضحك يتدلى منها اللحم والشحم وكان هذا هو أول رسم كاريكاتيرى فى العالم". وكلما دخلنا أحد المحلات استقبلنا البائع بحفاوة وقدم لنا شرابا ًبارداً. وعندما سألت البائع كيف عرفت اللغة الألمانية ؟ قال لى:"من طول معاشرتى للأجانب"فالتفت إلى صديقتى وقلت لها:"كل الناس تعرف الألمانية ماعدا أنا"فضحكت فقلت:"هل تعلمين أن رسولنا محمد عليه السلام يحثنا على تعلم اللغات ويقول أن من تعلم لغة قوم أمن مكرهم ؟ ولذلك لو أتيحت لى فرصة تعلم أية لغة فلن أتردد" فتعجبت ولسان حالها يقول:"إن رسولكم هذا فيلسوفا ً يعرف كل شئ".

     وأشد ما لفت نظرها هو الفصال فى البيع والشراء ومحاولة تخفيض السعر حيث قالت لى:"إن عندكم ظاهرة عجيبة لا توجد عندنا وهى الجدال فى الأسعار "فقلت لها:"أنا لا أحب تلك الطريقة"قالت:"ولا أنا لكنى مضطرة أن أتعلمها ما دمت فى مصر"وطلبت منى أن أحاول مع البائع لتخفيض السعر ففعلت خاصة بعدما رأيته يبالغ مبالغة شديدة فى الثمن وفى النهاية أعطاها البائع هدية عبارة عن طرحة تلتف حول الرأس مثل العمامة وكانت سعيدة جدا ًبها وهى ترتديها. وفى الطريق طاردتنا إحدى
المتسولات التى تحمل رضيعا ً وكانت فى غاية الإلحاح حتى تضايقت صديقتى وقالت:"إن أسوأ شئ عندكم هو المتسولون"فقلت:"أنا لم أنهرها لأن هذا محرم فى شريعتنا - نحن المسلمون -". ثم رأت جزارا يعرض اللحم خارج الجزارة فقالت:"لو أن هذا المنظر فى ألمانيا لرفض أى ألمانى الشراء ، فلا بد أن يكون اللحم مغطى"قلت:"ولكن هذا المشهد عادى جدا ًفى مصر. وقلت لنفسى سرا ً آه لو تعلمين أننا أصبحنا نأكل لحم الحمير والكلاب أيضا ً، إن معدة المصريين تعانى الكثير فى هذا الزمان.
   
    وفى المساء ذهبنا إلى المتحف النوبى ، وشاهدنا حياة النوبيين وأفراحهم ومعيشتهم وتماثيل تمثل تجهيز العروس ليلة الزفاف والتاريخ القديم للنوبة ودفن الموتى من قدماء النوبيين.. وكانت صديقتى سعيدة بكل ما ترى.

    واتفقنا على أن نتقابل غدا ً صباحا ً فى تمام الساعة العاشرة للذهاب إلى جزيرة النباتات.
وإلى اللقاء فى الحلقة القادمة ،،،،،،

                                                                                    نرمين كحيلة

ليست هناك تعليقات: