الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

رحلة نرمين إلى البلد الأمين (الحلقة الخامسة عشر والأخيرة)

     كان معظم ركاب الطائرة من الفلاحين الذين ما إن صعدوا على متنها حتى جلسوا على الأرض وعندما قدمت الوجبة أكلوا فى الأرض وقذفوا بالمخلفات عليها حتى أن المضيفة قالت لهم: حرام عليكم نعمة ربنا تعملوا فيها كدة ! يعنى أدوس على الأكل ؟ وكمان وسختم الطيارة بالشكل ده ؟ ولكنهم لم يطرف لهم جفن ولم يشعروا بأى حرج بل زادوا فى تصرفاتهم غير المقبولة. وعندما أمروهم بربط الأحزمة قائلين: نرجو من السادة الركاب ربط الأحزمة وغلق الهواتف المحمولة وعدم الوقوف وعدم فتح الصناديق المخصصة لحفظ الأمتعة – فى سقف الطائرة - لم يستجب لهم أحد وظلوا يفعلون كل ما نهوا عنه.

    وخشيت أن تقع بنا الطائرة نتيجة لعدم تنفيذهم الأوامر ووجدت اثنان من الرجال فى المقعد الذى يجاور مقعدى يستخدمون هواتفهم المحمولة فقلت لهم: لو سمحتما اغلقا المحمول ألم تسمعا المضيفة وهى تقول أن ذلك فيه خطورة على حياتنا وأن ذلك من أجل سلامتنا ؟ فقالا لى: حاضر وبعد قليل فتحاه مرة أخرى فزاد غضب المضيفات اللاتى جئن لأحدهم وقلن: أرجوكم اغلقوا المحمول فنحن نحدثكم باللغة العربية وليست الانجليزية ألا تفهمون العربية ؟ فقال لها أحدهم ساخرًا: ابتعدى عنى الآن فأنا أبحث عن جواز سفرى لا أجده ولما ابتعدت نظر إلى زوجته ضاحكًا وقال: أعوذ بالله منها مش عارفين ناخد راحتنا عشان كدة كدبت عليها وقلت لها إن جوازى ضاع علشان تغور من وشى. ثم أخذ يقهقه هو وزوجته..فقلت لنفسى سرًا اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
  
    وأخيرًا وصلت الطائرة بسلام الله وقوته وحوله وكان علينا أن نقف فى طابور آخر طويل عند موظفى الجوازات وتكررت نفس المأساة التى حدثت فى مطار السعودية من أخلاقيات متدنية وسباب وألفاظ نابية حتى أن الموظف قال لهم: أنا عايز أعرف انتم جايين من عمرة ازاى وليه سافرتم من الأصل مادامت أخلاقكم بالشكل ده ؟ ده انتم جايين من عند الرسول عيب عليكم. فقالت سيدة: احنا سافرنا علشان ربنا يغفر لنا ذنوبنا وعمايلنا السودة اللى بنعملها ولما نعمل ذنوب تانية نروح تانى وهكذا.
    ويأتى الفصل الثالث من المسرحية حيث دخلنا صالة كبيرة قيل لنا أن حقائبنا فيها وكانت الأرض مملوءة بالمياه والطين ووجدت تلالا ً من الحقائب وضعت بعضها فوق بعض وكان علينا أن نخرج حقائبنا من تحت الأنقاض ورأيناهم يدوسون عليها بالأقدام ويقذفونها بمنتهى القسوة والغل كأنها عدو لدود وكان كل واحد منهم حين يجد حقيبته تنفرج أساريره ويضحك ويقول بأعلى صوته: وجدتها وجدتها كأنه أينشتين عندما اكتشف قانون الطفو. ويبدأ أقاربه فى تهنئته بوصول حقائبه بالسلامة إلى أرض الوطن كأنه قد وجد طفله التائه.
      
     وأخذنا نبحث عن حقائبنا وسط هذه الجبال فلم نعثر لها على أثر، فسألنا المسؤولين فى المطار فأجابونا بمنتهى البساطة وبراءة الأطفال فى عينيهم: أكيد فى الطيارة اللى جاية.فتعجبنا وقلنا: يعنى نحن نركب طائرة وحقائبنا فى طائرة أخرى ؟ فقالوا: كلها ساعة وربع والطيارة توصل.. وانتظرنا ، ووصلت الطائرة لكن حقائبنا لم تصل فقالوا لنا: اعملوا محضر عند أمن المطار وسوف يتم إخبار الخطوط السعودية وسوف يتم البحث عن حقائبكم ليعرفوا أين ذهبت ؟

    وتم عمل محضر وفقدت خالتى أعصابها وقالت: الشنط ضاعت ، دى كارثة. وكادت تبكى وأخذت تقول: يارب لقد اشتريت هذه الهدايا من أموال حلال فاحفظها لى ولا تضيع تعبى هباءً. أما أنا فقلت: اللهم رب الضالة اهدى إلىَّ ضالتى. وكانت الكارثة أن معظم ملابسى ومقتنياتى فى هذه الحقائب فماذا أفعل ؟

    انتظرنا الطائرة الثانية والثالثة وأخيرًا وصلت الحقائب بعد أربع ساعات من الانتظار فى أرض المطار فى آخر طائرة..فحمدنا الله وتنفسنا الصعداء وأخذنا نهنئ بعضنا البعض ونقول: مبروك ، الشنط وصلت واغرورقت عيوننا بالدموع فرحًا بوصولها بعد أن كدنا نفقد الأمل فى لقائنا بحقائبنا العزيزة مرة أخرى ولكنها اتسخت من سحلها بالأرض.
 فقلت: الآن عرفت أننى قد وصلت مصر، هذا ترحيبها بنا...عمار يامصر يا أغلى اسم فى الوجود !!!  
    وحين دخلت بيتى بالإسكندرية قلت: رب اوزعنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت علىَّ وأن أعمل صالحًا ترضاه. فليس هناك أجمل ولا أريح من بيت الإنسان مهما كان صغيرًا متواضعًا .
                                                                                       نرمين كحيلة   







ليست هناك تعليقات: