وكذلك أمرنا النبى صلى الله عليه وسلم بالتفريق فى المضاجع بين الأخت وأخيها بعد البلوغ ، فلا تنام معه فى سرير واحد، وذلك للحفاظ على الحياء بين أفراد الأسرة الواحدة ، كما جعل الاولاد يستأذنون على آبائهم عند الدخول عليهم.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ ». أخرجه أحمد وأبو داود وصححه الألباني . أى يجب على الأب والأم أن يجعلا سريرًا مستقلا لكل من الولد والبنت.. ولو طبقنا هذا النظام سوف نحمى المجتمع من زنا المحارم.
قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين مَلَكتْ ايمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناحٌ بعدهن طوّافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات ، والله عليم حكيم ، وإذا بلغ الاطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم .. [النور:58-59]
أى واجب على الناس أن يستأذنوا إذا احتلموا , أحرارا كانوا أو عبيدا . وقال أبو إسحاق الفزاري : قلت للأوزاعي ما حد الطفل الذي يستأذن ؟ قال : أربع سنين , قال : لا يدخل على امرأة حتى يستأذن . وقال الزهري : أي يستأذن الرجل على أمه ; وفي هذا المعنى نزلت هذه الآية.. قال الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير إذا كان الغلام رباعيا فإنه يستأذن في العورات الثلاث على أبويه فإذا بلغ الحلم فليستأذن على كل حال وهكذا قال سعيد بن جبير وقال في قوله " كما استأذن الذين من قبلهم " يعني كما استأذن الكبار من ولد الرجل وأقاربه .
ولما سمع رجل هذه الآية قال متعجبا:"يا رسول الله أأستأذن على أمى؟" فقال النبى النبى الكريم:"نعم ، أتحب أن تراها عريانة؟" يعنى الابن لا بد ان يستأذن قبل الدخول على أمه وأبيه حتى لا يراهما فى موقف لا يصح أن يراه وهذا قمة الحياء.
يقول الأستاذ الدكتور عبد الفتاح ادريس ": « وإنما يؤمر الصغار بالاستئذان على من يدخلون عليهم في هذه الاوقات الثلاثة ، لانها اوقات الخلوة التي يكون فيها التصرف، فقبل صلاة الفجر هو وقت القيام من المضاجع ، وطرح ثياب النوم ، ولبس ثياب اليقظة ، وربما يبيت الإنسان عريانا أو على حال لا يحب أن يراه غيره فيها ، ووقت الظهيرة هو وقت التجرد من الثياب التي تلبس في النهار لشدة حر الظهيرة ، وذلك عند انتصاف النهار الذي هو وقت القيلولة ، وبعد صلاة العشاء هو وقت التجرد من الثياب والخلوة بالاهل ، فأمر الصبيّ بالاستئذان في هذه الاوقات الثلاثة على من يدخل عليهم ، حتى لا يرى شيئاً من حالهم يكرهه او يكرهون رؤيته لهم على هذه الحالة .
حتى القرآن نفسه حين يتكلم عن العلاقة الزوجية فإنه يتكلم عنها بحياء وأدب فيقول "أو لامستم النساء".. وهكذا.. أى بالكناية والتلميح وليس بالتصريح. والحياء هو خلق الإسلام ؛ لقول سيِّد الأنام عليه الصلاة والسلام : (( إنَّ لكل دين خلقاً ، وخلق الإسلام الحياء )) ((موطأ مالك ، وسنن ابن ماجه ))
وللحياء فضائل عديدة ، دلت سنة نبينا صلى الله عليه وسلم عليها ، فمن ذلك :
أنه خيرٌ كلُّه ، فعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((الحياء لا يأتي إلا بخير (((أخرجاه في الصحيحين)
وقال : ((الحياء كله خير )) ((صحيح مسلم ))
وهو من الأخلاق التي يحبها الله ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم :(( إنَّ الله حيي سِتِّير يحب الستر والحياء )) ((سنن أبي داود والنسائي )).
والحياء من الإيمان ، وكلما ازداد منه صاحبه ازداد إيمانه ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ((الإيمان بضع وسبعون شعبة ، أفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان)) ((أخرجاه في الصحيحين )).
قال رسول الله صلى عليه وآله وسلم:
((استحيوا من الله حقّ الحياء) قالوا: يا رسول الله إنا نستحيي من الله، والحمد لله. قال : ليس ذلك ولكن منِِ استحيا منَ اللهِ حقّ الحياء فْليحفظ الرأس وما وعى، ولْيحفظ
البطن وما حوى ، ولْيذكر الموت والبلى ، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء)).
قال صلى الله عليه وسلم ))الحياء والإيمان قُرَنَاء جميعًا، فإذا رُفِعَ أحدهما رُفِعَ الآخر ((صحيح الترغيب
وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم ربَّه بذلك فقال :((إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم ، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً خائبتين )) ((سنن أبي داود ، والترمذي ، وابن ماجه))
والبذاء ضد الحياء ، فهو جرأة في فُحشٍ
حتى الكفار أنفسهم كان عندهم حياء ، هل تعرفون لماذا وقف كفار قريش على باب النبى صلى الله عليه وسلم طوال الليل فى انتظار خروجه ولم يقتحموا منزله؟ حياءً من أن يهتكوا ستر امرأة.
وفي غزوة حنين تبع أبو موسى الأشعري أحد الكفار فولى هارباً ، فقال له أبو موسى رضي الله عنه :" ألا تستحي ؟! ألست عربياً ؟! ألا تثبت ؟!" فوقف وتقاتلا فقتله أبو موسى .(( أخرجه مسلم))
وإن السيدة عائشة رضى الله عنها كانت ترتدى الحجاب فى بيتها فلما سئلت عن ذلك قالت أنها تستحى من عمر بن الخطاب (الذى كان مدفونا بجوار النبى صلى الله عليه وسلم فى بيتها) رغم أنه ميت. والسيدة فاطمة الزهراء رضى الله عنها استحت ان يراها أحد بعد وفاتها وهى محمولة على الأعناق فاختارت نعشا أتت به من الحبشة حتى يستر جسدها كله.
رأى النبى صلى الله عليه وسلم ذات يوم رجلا ً من الأنصار يعظ أخاه فى الحياء فقال له:"دعه فإن الحياء من الإيمان" ؛ أى أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى رجلا ً ينصح أخاه المسلم أن يقلل من حيائه فنهاه النبى صلى الله عليه وسلم قائلا ً له أن الحياء صفة محمودة ينبغى أن يتحلى بها المؤمن وهى مطلوبة فى الرجل والمرأة على حد سواء. فهل نعود إلى الحياء ونتقرب به إلى الله باعتباره شعبة من شعب الإيمان أم أننا خلعنا ثوب الحياء إلى الأبد ؟
نرمين كحيلة